بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة عُشُق هيلين - الجزء الثاني
لمن لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول بامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://www.algardenia.com/maqalat/44991-2020-06-27-15-58-21.html
وقف مصطفى بوسط الغرفة وهو في غاية الارتباك وكأنه طفل صغير اضاع امه. كانت هناك ملابس على الارض وملابس على السرير، "اسناني! اجل دعني افرش اسناني" دخل الحمام وغسل وجهه ثم خرج من الحمام فتذكر اسنانه فعاد وغسل اسنانه ورجع باقصى سرعة الى الغرفة. هم بارتداء سرواله فادخل ساقاً واحدة لكنه عندما اراد ادخال الثانية تعثر وسقط على السرير ثم وقف وارتداه على عجل. فتح حقيبته وصار يبحث عن شراب يناسب سرواله الجينز الازرق الا انه لم يجد سوى شراباً اسوداً. ارتداه وبحث عن حذائه الرياضي فلم يجده فقال، "ربما لم احضره معي من بغداد" لذا قرر ان يلبس حذائه الجلد البني حفاضاً على الوقت. خرج يركض ناسياً مفتاح غرفته بالداخل. ضغط على زر المصعد وصار ينتظر وينتظر وينتظر، تفحص ساعته وهو يقول، "ها قد مرت 10 دقائق مع اني قلت للرجل انني سانزل خلال 5 دقائق. ربما ستمل اليكسا من الانتظار وترحل. يا ربي امنحها الصبر اتوسل اليك يا الهي"
وعندما وصل به المصعد للطابق الارضي انفتح الباب فوجد ملاكاً واقفاً يبتسم امامه، انها ترتدي فستاناً ابيضاً مورداً بورود حمراء فقالت له بالعربية، "صباح الخير" فاجابها باليونانية (كاليميرا)
اليكسا : يا سلام يا درش، صرت تتكلم اليونانية. انا منبهرة بك.
مصطفى : هل انت بخير؟
اليكسا : اجل انا بخير. جئت لاطمئن عليك.
مصطفى : الا تناولتِ افطارك معي؟
اليكسا : لقد سبق وان تناولت وجبةَ الافطار هذا الصباح ولكن لا مانع من اخذ قهوة معك بينما تفطر انت.
مصطفى : هيا تعالي معي الى المطعم إذاً.
تمشى الاثنان نحو قاعة المطعم بالفندق فوجداه مغلقاً حيث عُلّق على بابه لوحة مفادها ان وجبة الافطار تقدم من الساعة 7.00 - 10.00
مصطفى : يا الهي لقد انتهى تقديم الافطار هنا عذراً، دعنا نخرج الى كافتيريا بالخارج ما رأيك؟
اليكسا : فكرة رائعة، اين تريد ان تذهب؟
مصطفى : انتِ المديرة هنا. خذيني لاي مكان تشائين فهذا اختصاصك.
اليكسا : حسناً اعرف مقهىً جيداً قريباً من هنا امام الاكروپوليس.
تظاهر انه لا يعرف معنى كلمة الاكروپوليس وقال،
مصطفى : اتقصدين امام فندقنا هذا؟
اليكسا : هي، هي، هي كلا انه معلم اثري موجود فوق قمة تلة. بامكاننا ان نزوره فيما بعد وهو يحمل نفس اسم فندقك.
معلم الاكروپوليس باثينا
مصطفى : انا لا اعرف كيف اجازيك يا الكس يا بنت ام الكس.
اليكسا : هذا واجبي. فانت ضيفي وانا مسؤولة عنك.
مصطفى : اليس لديك عمل اليوم؟
اليكسا : كلا اليوم هو يوم اجازتي. بامكاننا ان نقضي يومنا كاملاً مع بعض، ما رأيك؟
هنا صار مصطفى يطرق اصابعه سوية ويخرج طرقعات عالية وقال،
مصطفى : ان حظي من السماء. وهذه نسميها "دگ اصبعتين" نعملها عندما نكون سعداء بالعراق.
اليكسا : إذا عليك ان تعلمني كيف امارسها.
مصطفى : حسناً ساعلمك كيف تدگين اصبعتين باصابعك وبآخر اليوم ساضع لك دگات.
اليكسا : وما هي الدگات؟
مصطفى : انها علامات دائمية تضعها عندنا الريفيات على احناكهن. انا امازحك طبعاً.
دخل مصطفى واليكسا الى المقهى الجميل وكان يعج بالسواح من كل البلدان. سحب احد الكراسي لاليكسا فجلست وهي تزداد اعجاباً باخلاقه لانه كما وصفته لنفسها بانه (جنتلمان) ويعرف كيف يتعامل مع السيدات. طلب مصطفى هلالات الكرواسون مع قهوة تركية وطلبت هي القهوة وحسب. قال لها،
مصطفى : تسمى هذه القهوة ببريطانية القهوة التركية.
فاجابته بغضب شديد.
اليكسا : بل هي القهوة اليونانية، الاتراك هم من سرقوها منا.
مصطفى : حسناً، حسناً سيدتي لاتزعلي. انها قهوة يونانية.
اليكسا : انت اهنتنا عندما اسميتها تركية.
مصطفى : تقبلي اعتذاري سيدتي ارجوك. سوف لن اكرر ذلك وعداً مني.
القهوة اليونانية
اليكسا : نحن لا نحب الاتراك كما انكم لا تحبون اليهود.
مصطفى : تصحيح، نحن لا نكره اليهود ابداً لكننا نكره الصهاينة الذين سرقوا الفلسطينيين من وطنهم وكما قال ثيودور هرتزل "نحن امة بلا وطن جئنا الى ارض بلا شعب" ويقصد ان ارض فلسطين كانت جرداء خالية من البشر عندما وطأتها اقدام اليهود المستوطنين.
اليكسا : ان اليونان لم تعترف بدولة اسرائيل منذ ان اعلنت عام 1948 وحتى قبل اربع سنوات. والآن هي لديها اعتراف غير كامل بدولة اسرائيل حفاضاً على علاقتها مع البلاد العربية. اما انا فجداً متعاطفة مع الفلسطينيين منذ ان كنت اعيش بالاسكندرية واليوم لدي الكثير من الصديقات الفلسطينيات هنا باثينا. والآن اكمل طعامك وقهوتك كي نزور مَعْلَمْ الاكروپوليس. انه سيعجبك كثيراً.
مصطفى : مادمت معك فان اي شيء سيعجبني. لانك تضيفين اليه حلاوة وجمال وطعم رقيقاً.
اليكسا : هل هذا غزل يا مصطفى؟
مصطفى : انا آسف يا الكس لم اقصد.
اليكسا : ولماذا لا تقصد الغزل؟ هل انا قبيحة لهذه الدرجة ولا استحق الغزل؟
مصطفى : بالعكس ولكني... اقصد اني...
اليكسا : هاهاها انا امازحك فلا تأبه. قل لي عزيزي، ماذا فعلت بخصوص وجبة العشاء بالامس؟
مصطفى : بعد ان اوصلتموني بالحافلة الى الفندق. خرجت اتمشى وحدي بشوارع اثينا وقعت على شيء عظيم. اكتشفت انهم يسمون التكة العراقية، يسمونها تكادز.
اليكسا : اتمنى انك لم تأكل منها لانها من لحم الخنزير.
مصطفى : أحقاً ما تقولين؟ لقد اكلتها فعلاً. يا الهي لم اكن اعرف ذلك. ساستغفر الله اليوم في صلاتي واتمنى ان يسامحني ربي. والآن دعينا نخرج.
دفع مصطفى الفاتورة وخرجا سيراً على الاقدار يتسلقون التل الذي يؤدي الى المعلم الاثري. كان الطريق يعج بالسواح ممن يريدون زيارة الاكروپوليس ويأخذون الصور التذكارية.
مصطفى : يبدو انهم يقومون ببعض اعمال الترميم والصيانة على المعلم الاثري.
اليكسا : اجل هم يعملون ذلك باستمرار.
مصطفى : هل لكلمة اكروپوليس معنى؟
اليكسا : اجل، باليونانية تعني اعلى نقطة او اقصى الارتفاع. بُنِيَ هذا الصرح 500-600 عام قبل الميلاد. يبلغ ارتفاعه 150 متر عن مستوى سطح البحر.
مصطفى : وانتِ يا الكس، هل انت متزوجة؟
اليكسا : كلا، لقد كنت مخطوبة لشخص كذاب ومخادع لمدة عام كامل لكنني كشفته على حقيقته وفسخت خطوبتي معه.
مصطفى : هذا عظيم جداً.
اليكسا : عظيم لانه كان يخدعني سنة كاملة؟ ماذا تقول يا مصطفى؟
مصطفى : كلا، كلا اقصد عظيم لانك فسخت خطوبتك مع ذلك المخادع.
اليكسا : لا اخفي عليك كم كنت حزينة ومحطمة بعد ان اكتشفت كل الاعيبه وغشه. بقيت معتكفة بالدار لعدة اسابيع وقد نقص وزني الى مستوى مخيف. والآن رجع الى مستواه الطبيعي. انا الآن 54 كغم.
وصلا الى المعلم الاثري وصارا يدوران حوله ويتفحصان اجزائه التي تقف شامخة على الاعمدة والصخور المبعثرة بكل مكان على الارض. صارا يأخذان الصور التذكارية لبعضهما البعض وهنا عرض عليهم احد السواح الالمان ان يلتقط لهم صورة مشتركة فاعطوه آلة التصوير. وعندما وقفا سويةً امام آلة التصوير وضع مصطفى يده على كتف اليكسا فاستجابت هي بوضع رأسها على كتفه واخذت الصورة ثم استمروا بتفقد الصخور والآثار القديمة. وبعد ان انتهوا من ذلك نزلا مشياً على الاقدام فسألها،
مصطفى : اين الآن يا الكس؟
اليكسا : الم تخبرني بانك تريد زيارة عائلتي؟
مصطفى : اجل بالتأكيد، متى؟
اليكسا : طلبت مني والدتي احضارك لوجبة الغداء اليوم. مارأيك؟
مصطفى : يا سلام انا لا اصدق، ولكن اريد ان اسألك عن الطعام.
اليكسا : بخصوص لحم الخنزير اليس كذلك؟ نحن نعرفها جيداً فقد كنا نعيش بالاسكندرية. وانا التي حذرتك من التكادز هل تذكر هذا الصباح؟
مصطفى : اجل، اجل اشكرك.
اليكسا : امي ستفاجئك بطعام لذيذ جداً فهي ماهرة بالطبخ.
مصطفى : وماذا عن ابنتها؟
اليكسا : ستذوقني اقصد ستذوق طعامي يوماً ما وستحكم عليه بنفسك.
مصطفى : لحظة واحدة يا الكس سارجع فوراً.
وقفت اليكسا تنتظر في الشارع بينما دخل مصطفى احدى المتاجر على الطريق واشترى باقتي ورد واحدة يقدمها لاليكسا والثانية ليقدمها لوالدتها ثم عاد اليها وقال،
مصطفى : اجمل باقة ورد لاجمل فتاة بحوض البحر الابيض المتوسط.
اليكسا : اخجلتني يا درش. انها جميلة جداً. انا اعشق الورد. شكراً عزيزي.
ابتسم بوجهها ثم رفع يده كي يوقف سيارة اجرة فاعطته اليكسا العنوان ليأخذهم الى المنزل بضواحي اثينا. المنزل هو عبارة عن شقة متوسطة الحجم تحتوي على 3 غرف نوم وصالة تقع في الطابق الاول بعمارة ذو ثلاث طوابق. ادخلت اليكسا المفتاح بالباب وفتحته بينما كانت تدق الجرس ايذاناً منها بقدومهم. وقفت سيدة سبعينية شقراء نحيفة امام الباب تبتسم ووقف الى جانبها زوجها المسن. رحبت بهم بالعربية بلهجة مصرية وقالت،
ايلي : اهلاً وسهلاً بك ابني مصطفى، انا اسمي ايلي وهذا زوجي ميكوس. شكراً جزيلاً على هذه الباقة من الزهور ما كان ينبغي ان تتعب نفسك.
مصطفى : انا اتشرف بكما سيدتي. ولكن من اين عرفتِ باسمي؟
ايلي : لقد هلكتنا الكس باسمك منذ البارحة. فهي ليس لديها هم سوى الحديث عنك.
هنا قاطعتها ابنتها وقالت،
اليكسا : بلاش فضايح يا ماما فنحن جائعون. لقد سرنا على اقدامنا طوال اليوم.
ايلي : الطعام جاهز على السفرة، تفضلوا.
اخذ الجميع مواقعهم على الطاولة فجلست اليكسا بجانب مصطفى كي تدعمه في حال يحتاج الى مساعدة. بدأ الجميع بتناول الطعام بعد ان شاهدوا مصطفى يجرب من كل الصحون كي يتذوقها. قالت والدة اليكسا،
ايلي : هل اعجبك الطعام يا مصطفى؟
مصطفى : انه طعام مدهش يا سيدتي ولا اعلم كيف اعبر لك عن اعجابي بكل الاطباق الموجودة فهي لذيذة جداً.
ايلي : لدينا الكثير من اطعمتنا تشبه الاطعمة العربية وخصوصاً الحمص والبابا غنوج والكوپيپيا والشفتاليا والتي نسمي هذه المجموعة من الاطعمة بـ (ميزا). ولدينا كذلك الدولما ونسميها (دولمادز) لكنها تختلف عن الدولمة التي تعملونها بالعراق فهي خالية من اللحم. نحن نلف ورق العنب بالارز فقط ونغطيها بزيت الزيتون.
مصطفى : ومع ذلك فهي لذيذة جداً يا خالتي. لا استطيع التوقف عن اكلها.
التفت الى اليكسا وسألها،
مصطفى : الم تخبريني ان لديك اخاً باليونان؟
اليكسا : اجل لكنه ليس هنا حاليأ. لانه يدرس بالجامعة بمدينة سالونيكا وهي بعيدة عن اثينا.
ايلي : انا جداً مشتاقة لابني حبيبي فقد زارنا آخر مرة قبل شهرين عندما كانت لديهم عطلة لمدة اسبوع. هو يدرس علم الاركيولوجي. الذي تسمونه علم الآثار.
مصطفى : هذا علم مهم جداً خصوصاً لبلد يحفل بالآثار مثل اليونان.
اليكسا : ان خريجي الاركيولوجي لا يجدون صعوبة في العثور على الوظائف ابداً.
ايلي : وماذا درست انت يا ولدي؟
مصطفى : درست في كلية الآداب فرع اللغة الانكليزية يا خالتي.
ايلي : لكنك تُدَرّس بمدرسة ابتدائية، اليس كذلك؟
مصطفى : اجل يا خالتي. ادرس بمدرسة ابتدائية اهلية لان المرتب اعلى من المدارس الحكومية.
ايلي : وهل تسكن وحدك بالعراق؟
مصطفى : اجل سيدتي اسكن ببيت صغير.
اليكسا : انهم يسمونه مجتفل يا امي.
مصطفى : بل اسمه مشتمل.
اليكسا : اجل مشتمل، عذراً.
ايلي : الم يسبق لك الزواج؟
اليكسا : كفاك تحقيقاً يا امي، دعي الرجل يأكل بسلام.
مصطفى : لا عليك يا الكس. كلا يا خالة لم اتزوج ولم اخطب حتى الآن.
بعد ان فرغوا من الطعام انتقلوا الى غرفة الجلوس وصاروا يحتسون القهوة فنظر مصطفى الى القهوة ثم نظر الى اليكسا وقال،
مصطفى : يا سلام كم احب القهوة اليونانية.
نظرت اليه اليكسا وابتسمت بوجهه فابتسم وهو يعلم جيداً انه لم يقع بنفس الخطأ ويقول (القهوة التركية).
بعد ان اكمل تناول ثلاثة فناجين من القهوة والكثير الكثير من الـ "باكلاڨا" التي تشبه اكلة البقلاوة العراقية لكنها اكثر حلاوةً. شكرهم شكراُ كثيراً. هنا طلب منه ميكوس والد اليكسا ان يوعده بزيارة ثانية لانهم احبوه حباً جماً. فاعطاهم وعداً بذلك وهو في غاية السعادة كي يكرر الزيارة. خرج من شقتهم ونزلت معه اليكسا كي تودعه على باب العمارة. نظرت بوجهه وقالت، "اريد ان اقول لك شيئاً مهماً". فرح فرحاً كبيراً ظناً منه انها ستصارحه بحبها فوقف وقال،
مصطفى : قولي ما عندك يا الكس، انا استمع!
اليكسا : اردت ان اقول سامحنا عن التقصير.
ابتسم مصطفى وابعد وجهه بعيداً عنها ثم عاد ونظر اليها فاردف قائلاً
مصطفى : تخيلتك ستقولين شيئاً آخر.
اليكسا : شيئاً مثل ماذا؟ ماذا تقصد؟ تكلم!
مصطفى : تصورتك ستقولين انك وقعت بحبي.
اليكسا : انت انسان قليل الادب ولا تستحي. فكيف تتوقع مني ان اقع بحبك بهذه السرعة؟
مصطفى : انا آسف يا الكس لم اقصد شيء سامحيني. كانت مزحة فقط. ارجوك لا تبالي لوقاحتي.
اليكسا : انا لم اقع بحبك يا معتوه بل انا اعشقك حتى الموت.
شعت عيني مصطفى وكأنها مصابيح كهربائية ملأت وجهه وابتسامة عريضة كادت تشق فمه شعر بدقات قلبه تتسارع وكادت ان تشق صدره وتخرج قلبه الى خارج جسده قال،
مصطفى : انا لا اصدق ما تقولين، اصحيح انك تعشقينني؟
اليكسا : اجل، منذ ان قبلتَ ان تقاسمني طعامي بدلفي، شعرت وان رابطاً من حرير قد ربط قلبينا وروحينا.
مصطفى : كانت تلك اسعد لحظات حياتي. انا وقعت بحبكِ يا الكس من اللحظة الاولى التي رأيتك فيها بالفندق حين مررت من امامي كي تسألين موظف الاستعلامات عني. انا احبك كثيراً.
اليكسا : وانا كذلك يا عمري.
جذبها الى عنده وقبلها من شفتيها قبلة ساخنة فتجاوبت معه وبقيا بهذه الحالة لدقائق طويلة حتى لمحت جارتهم في طريقها الى مدخل العمارة فدفعت مصطفى وقالت له،
اليكسا : هيا أذهب الى الفندق ونم مبكراً، لا اريدك ان تسهر. مفهوم؟
مصطفى : لو سهرت فانت السبب.
اليكسا : وانا كذلك، سافكر بك وانا بالسرير.
مصطفى : وداعاً يا عمري.
اليكسا : نقول بمصر (اشوف وشك بخير)
عاد فسرق منها قبلة اخيرة ورحل.
كما توقع مصطفى فلم تتمكن جفونه من تذوق طعم النوم بتلك الليلة حتى وقت متأخر من ساعات الصباح الباكر. بقي يفكر بحبيبته اليكسا وماذا سيفعل بالايام القادمة. ليته يستطيع ان يخبر صاحبه فارس بالحبيبة اليونانية الغير متوقعة لكن الله رحمه اخيراً وتمكن من ان يغمض عينيه لساعتين فقط قبل ان يسمع هاتفه يرن فمد يده ورفع السماعة وقال ببرود شديد،
مصطفى : كاليميرا.
موظف الاستعامات : كاليميرا سيد مصطفى، لديك زائرة.
مصطفى : اهي جميلة؟
موظف الاستعامات : انها ملكة جمال اليونان.
مصطفى : إذاً انا آتٍ على الفور.
نهظ مصطفى من سريره وركض نحو باب الغرفة فتحه كي يخرج ثم تذكر انه لا زال مرتدياً بيجامته وحافي القدمين. رجع فارتدى ملابسه بشكل سريع ثم لبس حذائه وغادر الغرفة على عجل ناسياً المفتاح بالداخل. وقف امام المصعد ينتظره لكن بمثل هذه الحالات فإن المصعد يستغرق دهراً حتى يصل. ولما مر ما هو اشبه بقرن كامل انفتح باب المصعد فركبه وضغط على الزر G عدة مرات ليبدأ المصعد بالنزول. ولما انفتح الباب في الطابق الارضي رأى وجه اليكسا امامه. اندفعت نحوه الى الامام ودخلت المصعد واضعة راحة يدها على صدر مصطفى تدفعه الى الخلف مانعة اياه من مغادرة المصعد. التقت شفتاهما بقبلة ساخنة ارجعت كل الامور الى نصابها لدى الطرفين. دخلا في عالم ليس بعده عالم من العشق والهيام. كبس مصطفى على الرقم 8 دون ان تفترق شفتاهما وبقيا بهذه الحالة حتى وصل المصعد الى الطابق الثامن فافترقت الشفاه وخرجا من المصعد. وضع يده فوق كتفها بينما سار بها بالممر راجعاً الى الغرفة. لكنه تذكر ان الباب مقفل وليس لديه المفتاح فطلب من المنظفة ان تفتح له الباب ففتحته. دخل العشيقان الغرفة وقال لها،
مصطفى : لا اعتقد ان احد عشق امرأة مثلما عشقتك يا الكس. انت كل ما اريده من هذه الدنيا.
اليكسا : كلا، كان هناك باريس. الا تعرف باريس؟
مصطفى : باريس؟ ماذا تقصدين؟ اتقصدين عاصمة فرنسا؟
اليكسا : الا تعرف قصة (باريس وهيلين)؟
مصطفى : لا اعرفها، اخبريني انتِ.
اليكسا : إذاً تعال اجلس بجانبي على السرير واستمع للقصة. كان يا ماكان في قديم الزمان كان هناك امير يدعى باريس يسكن بدولة يقال عليها طروادة. بعثه والده الى دولة سبارتا ليوطد العلاقة معهم ويعقد اتفاقية صلح. وعندما دخل الامير باريس في القصر الملكي شاهد الملكة زوجة الملك مينيلوس الفائقة الجمال واسمها هيلين. فوراً ودون سابق انذار وقع بحبها من اول نظرة وبقي يطاردها ببصره طوال الليل ولما سنحت له الفرصة فاتحها بحبه سراً ليعلم انها تبادله الحب بنفس القدر لذا قرر ان يخطفها ويرجعها معه الى طروادة ويتزوجها هناك. بفجر اليوم التالي ابحر بسفينته في جنح الظلام ومعه الاميرة الحسناء. وما ان رجع الى طروادة اقام حفل زفافه على الاميرة هيلين. اما ملك سبارتا فقد اكتشف غياب الملكة من القصر وتمكن من ان يربط اختفاء زوجته هيلين برحيل الزائر امير طروادة باريس. فغضب غضباً شديداً واقسم ان يقتلهما وان يدمر دولة طروادة على رؤوس من فيها ويهدم السور المنيع. استدعى قواده وطلب منهم الاستعداد بجنودهم وبواخرهم لمقاتلة طروادة. وبعد ان اكمل الاستعدادات بجيشه ابحرت من سبارتا الف سفينة حاملة العدة والعتاد وجيشاً جراراً عرمرم متجهاً الى طروادة. لكنهم عندما هبطوا على شواطئ طروادة جابههم جدار طروادة المنيع الذي لم يقتحمه احد منذ قرون. لذا حاصروا المدينة لعدة شهور دون جدوى. وبآخر المطاف كاد اليأس يدب بقلب افراد جيش سبارتا. فجأة خطرت لاحد القواد فكرة بناء حصان خشبي كبير تَخَبّأ فيه بضع جنود من سبارتا وقدموه هدية لطروادة اعترافاً منهم ببسالة شعب طروادة. فقُبِلت الهدية وادخل الحصان الخشبي الى داخل سور المدينة. وفي الليل عندما نام الجميع، خرج الجنود المختبئين بداخل الحصان الخشبي العملاق وفتحوا بوابات السور المنيع فتدفق سيل جنود الاعداء المتأهبين من خارج طروادة الى داخلها وهدموا المدينة وقتلوا الملك والملكة هيلين معهم. وهكذا انتهت اقوى قصة حب بالتاريخ. فهل تعشقني يا سيد مصطفى اكثر من عشق باريس لهيلين؟
مصطفى : لكن عشقي لك اقوى الف مرة. انا ساهدم الدنيا كلها إن لم تَرضي بزواجي منك يا اجمل هيلين.
اليكسا : وانا سوف انتحر إن لم تتزوجني يا مصطفى.
مصطفى : إذاً يجب ان اكلم والديك بخصوص حبنا قبل ان تنتحري.
اليكسا : اعتقد انهم يعرفون بما يدور بقلوبنا من نظراتنا لبعضنا البعض.
مصطفى : هذا شيء عظيم. إذاً سنتحدث معهم اليوم بالموضوع بشكل مفصل. دعينا نذهب اولاً بجولة في السوق، ما رأيك؟
اليكسا : الرأي رأيك والشور شورك يا جلالة الملك.
قبلها مصطفى فذابت اليكسا بين ذراعيه وما هي الا لحظات حتى دخل الحبيبان تحت اغطية السرير. وبعد ان تمت عمليتهما بنجاح خرج الحبيبان خارج الفندق ليجلسا بمقهىً صغير بوسط مدينة اثينا وتناولا وجبة الافطار. طلبا الكثير من الطعام لشعورهما بالجوع المفرط الذي لم يكونا يعرفا سببه. وبعد ان امتلأت كروشهم قال مصطفى،
مصطفى : يجب علي ان اتحدث مع والدك بخصوص علاقتنا.
اليكسا : انا متأكدة ان ابي سيفرح جداً لانه يحبك كثيراً.
مصطفى : ما دمنا في سيرة والدك، هل تعلمين ان اسمه مشهور عالمياً؟
اليكسا : أحقاً ما تقول؟ اسم بابا؟ لم اكن اعلم ذلك.
مصطفى : ان اسم والدك هو ميكوس ثيودراكس اليس كذلك؟
اليكسا : هذا صحيح.
مصطفى : ان ميكوس ثيودراكس يعد واحداً من اشهر الملحنين بالعالم وهو يوناني الاصل.
اليكسا : لم اكن اعلم ذلك.
مصطفى : هو الذي لحن مقطوعة "زوربا" الشهيرة وهو ايضاً الذي لحن موسيقى فلم (Z). انا متأكد من ان والدك يعرف هذه المعلومة بشكل جيد.
اليكسا : انا جداً فخورة بك حبيبي، فانت تعرف عن الموسيقى والفن والتاريخ اليوناني اكثر مني.
مصطفى : والآن اين تريدين ان تأخذيني؟
اليكسا : وانت، اين تريد ان تذهب؟
مصطفى : اريد زيارة السوق لشراء الهدايا لاصدقائي بالعراق.
اليكسا : هناك السوق المركزي وهناك (مونوستيراكي) ويسمى ايضاً بالانكليزية الـ (فلي ماركت).
مصطفى : وما هو هذا مونو ستيتكي... او الفلي ماركت؟
اليكسا : انه سوق تباع فيه الاشياء الرخيصة والنادرة والجميلة ويشمل التحفيات والملابس والعطور والهدايا بجميع انواعها.
مصطفى : إذا هو الفلي ماركت، هيا بنا.
خرج الحبيبان من المقهى واستقلا سيارة اجرة اخذتهما الى ساحة (امونيا) ومن هناك سارا على الاقدام باتجاه السوق الذي اخبرته عنه حبيبته سوق الفلي ماركت. كانت البضاعة هناك مغرية للغاية واثمانها جداً معقولة. بدأ مصطفى يتفحص المعروضات فسألته حبيبته،
اليكسا : دعنا نبدأ التسوق. لمن تريد شراء الهدية الاولى؟
مصطفى : اريد هدية تليق بادلين.
نظرت اليه اليكسا بغضب شديد وبنبرة ملؤها الغيرة الانثوية قالت،
اليكسا : ومن هي هذه المدعوة ادلين؟
مصطفى : لا تقلقي عزيزتي. انها اخت صديقي المقرب فارس وهي بمقام اختي تماماً.
اليكسا : هل انت متأكد؟ فأنا لاحظت منك نبرة مختلفة عندما ذكرت اسمها. لم تقل ادلين بل قلت بمياعة ادليــــــــــن.
مصطفى : دعك من هذا يا حلوتي. فان القلب الذي يستوعبك لا يمكن ان يدع امرأة اخرى تتشارك معك فيه. انها بمنزلة اختي.
اليكسا : حسناً دعنا ندخل الى هذا المحل إذاً.
تفحص مصطفى واليكسا البضاعة بالمحل فلم يجدا شيئاً يليق بادّا فخرجا ودخلا متجراً آخر فاشترى مصطفى بعض الهدايا لوالد ووالدة اليكسا. نظرت اليكسا الى مصطفى وسألت،
اليكسا : هل ادلين متدينة؟ اقصد هل تذهب الى الكنيسة ايام الاحد؟
مصطفى : اجل انها كذلك. هي متدينة جداً.
اليكسا : إذاً انا اقترح عليك ان تشتري لها هذا.
حملت وشاحاً ابيضاً مطرزاً باليد فسألها،
مصطفى : ما هذا؟
اليكسا : انه وشاح تضعه النساء عندنا لما يذهبن الى الكنيسة. هذا الوشاح جميل جداً ولا تجده باي مكان آخر.
حطت الوشاح فوق رأسها كي تستعرضه على مصطفى.
مصطفى : تبدين جميلة جداً. حسناً ضعيه في السلة.
اليكسا : وبعد ذلك؟
مصطفى : اريد شراء عطر نسائي اسمه سوار دي باريس.
اليكسا : ولمن هذا يا دونجوان زمانك؟
مصطفى : انه لاحدى زميلاتي بالمدرسة. هي بالسبعين من العمر واحيلت على التقاعد هذا العام.
اليكسا : دعنا نشتريه من متجر العطور هناك إذاً.
بقي الحبيبان يدخلان المتاجر، الواحد تلو الآخر حتى امتلأت ايدهم بالاكياس التي كادت تقطع اصابعهم. نظر اليها وقال،
مصطفى : اعتقد اننا اشترينا كل شيء والآن دعينا نرجع الى الفندق كي نتخلص من هذه المشتريات.
استقل الحبيبان سيارة اجرة وعادا الى فندق الاكروپوليس وحالما دخلا الغرفة ووضعا الاكياس على الارض سحب مصطفى حبيبته وقبلها قبلة ساخنة انتهى الامر بهما بين اغطية السرير فمارسا الحب مجدداً. وبعد ان انتهوا من مهمتهما الممتعة قال لها،
مصطفى : اشعر بجوع قاتل. يجب علينا ان نخرج فوراً كي نتغذى بمطعم قريب ثم نذهب الى بيتكم لاقابل اباك.
اليكسا : انا موافقة على كل ما قلته ولكن اسرع فانا اكاد اموت من الجوع والهيام هاهاها.
خرج الحبيبان الى مطعم بعيد نوعاً ما عن الفندق ليتناولا وجبة الغداء. هذه المرة اقترحت عليه اكلة (موزاكا) وقالت له انها تشبه اكلة المسقعة بالعالم العربي وقالت ايضاً ان الموزاكا تحضر عادةً من لحم الخنزير المخلوط بلحم البقر لكن المطعم الذي اختارته اليوم هو لشخص سوداني الاصل ويعمل الموزاكا باللحم البقري فقط. بعد ان انتهوا من تناول وجبة الغداء استقلا سيارة اجرة اخذتهما لبيت اليكسا. دخلا الشقة فوجد مصطفى شاباً وسيماً بداخل الشقة ركضت اليكسا نحوه وعانقته وهي فرحة جداً. بقي مصطفى مشدوهاً وهو ينظر الى حبيبته تعانق ذلك الرجل الغريب. ارادت اليكسا ان تنهي معانات حبيبها فنظرت اليه وقالت،
اليكسا : حبيبي مصطفى دعني اعرفك على اخي مايكل. مايكل اقدم لك حبيبي وخطيبي مصطفى، انه من العراق. بامكانك ان تتحدث معه بالانكليزية.
مايكل : اهلاً وسهلاً بك.
مصطفى : اهلاً بك يا اخي مايكل، انا سعيد لمعرفتك.
مايكل : وانا كذلك اخي مصطفى.
اليكسا : انها حقاً مفاجئة سعيدة، متى جئت يا حبيبي؟
مايكل : وصلت اثينا صباح اليوم لان لدينا عطلة بالجامعة ستدوم شهراً كاملاً. والباقي انتِ تعرفينه، فقد اخبرتكم على الهاتف باني نجحت واصبحت بالصف الثاني.
مصطفى : الف مبروك اخي مايكل.
اليكسا : اين هو ابي؟
مايكل : انه في الصالون مع الوالدة. اعتقد بانهما ينتظرانكما.
دخل مايكل والحبيبين الى الصالة فوجدوا والدي اليكسا جالسين هناك، حيوهما وجلسوا معهما. قام مصطفى بتقديم الهداية للابوين فشكراه وقبّلاه. ثم تصدر والد اليكسا الحديث،
ميكوس : ارجو ان لا تزعلا من كلامي هذا يا اولاد. فمنذ فترة قصيرة جداً بدأت علاقتكما هنا باليونان وانا اعرف انك يا مصطفى جئت هنا كسائح ولم يكن لديك اي نية لاقامة علاقة مع فتاة يونانية. لكن الذي وقع هو امراً خارج عن ارادتك لذا، فانا اريد ان اعرف طبيعة العلاقة التي تربطكما وما هي مخططاتكما للمستقبل. اريد ان اعرف إن كنت تنوي المجئ الى اليونان ثانية وتستقر هنا ام ان تلك هي مجرد نزوة عابرة؟
هنا شعرت والدة اليكسا انها تريد ان تضيف شيئاً فقالت،
ايلي : انت تعلم يا مصطفى ان ابنتي قد مرت بتجربة قاسية جداً وانها فسخت الخطوبة بعد ان اكتشفت خيانة خطيبها. ونحن نحب ابنتنا اليكسا كثيرا ولا نريد لها ان تقع بنفس التجربة مع رجل سائح جاء لكي يزور الآثار القديمة باليونان ثم يقضي اوقاتاً ممتعةً مع ابنتي ويرجع ادراجه.
سعل مصطفى كي ينظف حنجرته ويقوم بالقاء اهم خطاب يلقيه لمستمعيه إذ قال،
مصطفى : انا جداً سعيد لانكما فتحتما الموضوع بشكل صريح وخالي من المجاملات والتزويق.
سعل مرة ثانية ثم واصل القول ببرود شديد كما كان يفعل مع طلابه بالمدرسة،
مصطفى : اجل اقولها بفخر واعتزاز ان علاقتي بابنتكم اليكسا هي علاقة اسمى واعظم وانظف من المتعة الموقتة والشهوة الرخيصة. فانا في سن لا يسمح لي ان امارس تصرفات المراهقين لا تليق بي وبسني خصوصاً واني شارفت على 32 سنة. لذلك سوف يسعدني بل سيزيدني شرفاً ان اطلب يد ابنتكما اليكسا إن كنتما راضين عني. وبامكانكما ان تضعا اي شروط مهما كانت لارتباطنا بالزواج يا عمي وياخالتي.
ايلي : نحن ليس لدينا سوى شرط واحد فقط.
مصطفى : اشرطي علي ما شئت يا امي فانا جاهز.
ايلي : شرطي الوحيد هو ان تسعد ابنتي وتحبها وتحترمها وان تكون صادقاً معها. فنحن لا نرغب باي مهر او شبكة ولا اعباء او قيود نضعها عليك كما هي العادة عندكم بالعالم العربي.
ميكوس : اين ستستقرون بعد الزواج؟ هنا ام بالعراق؟ فاذا كان بالعراق فنحن سنتفهم الامر طالما انكما ستكونان سعيدين هناك وتعدونا بالزيارة بين الحين والآخر ونحن نأمل ان نتمكن من مشاهدة احفادنا قبل ان نرحل. وإذا كان باليونان فسنكون سعداء ايضاً وستكون انت ابننا الثاني الى جانب ابننا مايكل.
مصطفى : بالحقيقة يا عمي نحن لم نفكر باي من هذه التفاصيل بعد لاننا للتو اكتشفنا اننا ننجذب كثيراً الى بعضنا البعض وبالامكان ان نؤسس حياة سعيدة ونكوّن اسرة مع بعضنا. لذلك اخرنا التفاصيل الى وقت لاحق. وبكل الاحوال فان معيشتنا بكلا البلدين ستكون جيدة لان علاقتنا مبنية على التفاهم. وانا من خلال اليومين التي عشتها باليونان احببتها واحببت شعبها وكل شيء فيها.
ميكوس : لكنكما التقيتما منذ يومين فقط. فلماذا تتخذون قرارات بعيدة المدى قبل ان تجربا تأقلمكما مع بعضكما؟
مصطفى : كلامك جداً سديد يا عمي، لكننا لم نشأ ان نعمل اي شيء من وراء ظهوركم حتى لا تعتقدون بنا السوء.
اليكسا : انا ائيد كل ما قاله توفي.
مصطفى : خلاص يا الكس، اصبحت انا توفي؟ الم تناديني درش في السابق؟
اليكسا : هذا كان في السابق قبل ان تخطبني. الآن انت احلى والذ توفي.
ضحك الجميع بينما كانوا جالسين في غرفة الصالة. غير مصطفى موقعه وجلس بجانب مايكل كي يسأله عن اموره وعن الحياة الجامعية وما شابه. بقي مصطفى ببيت اليكسا طوال اليوم حتى حل المساء فدخلت اليكسا مع والدتها الى المطبخ لاعداد وجبة العشاء. وفي المطبخ سألت ايلي ابنتها،
ايلي : هل انتما مصممان على الزواج الآن يا الكس؟
اليكسا : كلا يا امي، نحن لم نتحدث بامور الزواج او اي شيء من هذا القبيل ابداً فلم تكد تبدأ علاقتنا سوى منذ يومين فقط. ولكن بطبيعة الحال نحن نحب بعضنا كثيراً وهذا يعني اننا سنتزوج في يوم من الايام. انا متأكدة من هذا الامر.
ايلي : وهل بحثتما بموضوع الدين؟ اقصد هل يريد منك ان تغيري دينك الى الاسلام؟
اليكسا : ماذا تقولين يا امي؟ هذا ابعد شيء عن ذهن توفي. هو يحترم ديني وانا احترم دينه، لا فرق بين ديننا.
ايلي : لكنهم يا ابنتي لا يؤمنون بان المسيح ابن الله ولا يؤمنون انه المخلص للبشرية. ولا يؤمنون بالثالوث المقدس. ولا يؤمنون بالتعميد.
اليكسا : يا امي نحن لدينا معتقداتنا وهم لديهم معتقداتهم. لماذا نريد ان نخلط الاوراق؟
ايلي : هل فكرت يوماً انه قد يتزوج عليك فتصبح لك ضرة؟
اليكسا : مصطفى؟ مستحيل. هو لا يفكر مثلما يفكرون هكذا. بالاضافة الا ان الذين يقومون بتعدد الزوجات ببلده هم من الريفين غالباً وليس من سكنة العاصمة بغداد.
ايلي : طالما انه لن يطلب منك ان تغيري دينك يوماً ما، فانا لا مانع لدي.
اليكسا : حبيبتي ماما، اطمئني ولا تزعجي نفسك بتفاصيل غير مهمة.
في الجانب الآخر من المنزل سأل الاب،
ميكوس : اخبرني المزيد عن نفسك يا مصطفى؟
مصطفى : يا عمي، انا جئت الى اليونان بهدف السياحة ولم تكن لدي اي فكرة بالعلاقة التي حصلت بيني وبين اليكسا كما نقول بالعربي (قضاء وقدر). لقد احببت ابنتك من كل قلبي وهي ايضاً احبتني كثيراً لذلك ارتبطنا برابطة الحب مع اننا لم نكن نخطط لذلك. بالتأكيد انا اريد ان اكمل حياتي معها ولا يهمني اين. فبامكانها ان تأتي لتعيش معي بالعراق او ان اتي انا واستقر هنا باليونان. هذا الشيء سنقرره في المستقبل.
ميكوس : إن ذلك يسعدني جداً لان الشيء الوحيد الذي اطلبه منك هو العناية بابنتي لاننا سوف لن ندوم لها يا ولدي.
دخلت ايلي والدة اليكسا حاملة معها طبق السوڨلاكي والجاجيكي ووضعته على مائدة الطعام ثم قالت،
اللي : هيا يا رجال تفضلوا، الطعام جاهز.
جلس الجميع على الطاولة ماعدى اليكسا لانها جائت من المطبخ لتجلب معها آخر طبق. وضعته على المائدة وجلست بجانب مصطفى فبدأ الجميع يتناول العشاء. وبعد ان انتهوا من الاكل جلسوا لبضع ساعات سوية فطلب مصطفى من الجميع الاذن كي يغادر للفندق فتبعته اليكسا وقالت للجميع.
اليكسا : نراكم غداً.
اوقفها والدها وسأل،
ميكوس : ماذا عن عملك غداً؟
اليكسا : ساستقيل يا والدي. اريد ان اقضي كل اوقاتي مع توفي، وداعاً.
ركب الاثنان سيارة اجرة اقلتهما الى فندق الاكروپوليس وحالما دخلا الغرفة اغلقا الباب وذاب كل واحد منهما باحضان الآخر.
باليوم التالي اخذت اليكسا حبيبها الى مطعم شهير اسمه (كورفو تاڨيرنا) ويمتاز هذا المطعم بانه يقدم الموسيقى اليونانية الحية. وحالما جلسا على الطاولة، خَوّلَ مصطفى حبيبته ان تقوم باختيار اطباق الطعام. اختارت اليكسا كل انواع المشاوي المؤلفة من لحم الخروف والبقر وركزت على اكلة الگليفتيكو وهي مصنوعة من كتف الخروف المشوي على نار هادئة لمدة طويلة. وقبل ان يرحل النادل طلبت منه ان يحضر لهم جبنة الحلومي المشوية. وبينما هم ينتظرون الطعام كان عازف البزق يعزف الالحان اليونانية التراثية التي اطربت مصطفى كثيراً وفجأة شاهدوا ثلاثة من الزبائن قاموا بترك طاولتهم ودخلوا الى حلبة الرقص ثم صاروا يرقصون بوسط الحلبة. قال مصطفى،
مصطفى : انظري يا الكس انهم يرقصون بنفس طريقة زوربا. انظري كيف يرفعون ايديهم الى الاعلى بمحاذاة اكتافهم.
اليكسا : انها الرقصة اليونانية التقليدية وهي اشبه برقصة الدبكة العربية.
وما هي الا دقائق وصار باقي زملائهم الجالسون على الطاولة يرمون بالاطباق الفخارية تحت اقدام الذين يرقصون فتتكسر ويدعسون عليها.
مصطفى : انه تقليد غريب نوعاً ما. لماذا يعملون ذلك؟
اليكسا : انهم يعتقدون ان تلك العملية تكسر الشر وتقتل الحزن على المفقود وتبعدهم عن الموت.
وعندما وصل الطعام. بدأ مصطفى يتذوق الاطباق اليونانية الرائعة وقد اعجبته فكرة شرائح جبنة الحلومي المشوية. كانت كل الاطعمة لذيذة جداً نالت اعجابه.
بعد ان انهو الطعام ودفعوا الفاتورة. خرجوا كي يتمشوا قليلاً بالشوارع الخالية. ولما صار الهواء بارداً قالت اليكسا،
اليكسا : اشعر بالبرد يا توفي.
ومن دون سابق انذار ودون اي تردد، خلع مصطفى معطفه ووضعه على كتف الكس فابتسمت بوجهه وقالت له،
اليكسا : انت حقاً (كيريوس)
مصطفى : ماذا تعني؟
اليكسا : تعني انك انسان محترم (جنتلمان) والآن الا رجعنا يا حبيبي؟
مصطفى : هيا نرجع الى الفندق.
بالاسابيع التي تلت صاروا يقضون جميع اوقاتهما سوية وقد سافرا الى جزيرتين جميلتين وهما (كس) و (كريت). وباحدى المناسبات اخذته الى مرفأ يبعد عن اثينا نصف ساعة فقط يدعى (ميكرو ليمانو) ومعناها المرفأ الصغير وفيه وجدوا اصحاب قوارب الصيد الصغيرة يملكون مطاعم بالقرب من المرفأ ويعدون اطباق السمك المختلفة. فجربوا جميع تلك الاطباق الرائعة وخرجوا بفاتورة متهاونة جداً. وباقي الايام لم يبالوا بالوقت ابداً، يخرجون ويتبضعون ويأكلون ويزورون العائلة ويستمتعون بصحبة بعضهما حتى استيقظ مصطفى يوماً في الصباح الباكر وسأل اليكسا،
مصطفى : اتعرفين ما هو اليوم؟
اليكسا : اجل، انه الجمعة.
مصطفى : انا اقصد التأريخ؟
اليكسا : انه... انه... انه... يالهي انه الثاني عشر من اغسطس. انه موعد رحيلك.
مصطفى : اجل، سارجع الى بغداد غداً السبت.
اليكسا : لا تذهب ياحبيبي ارجوك لا تسافر. فقد يمسكون بك هناك لاجل الخدمة العسكرية.
مصطفى : لقد سبق وان خدمت العسكرية بعد ان تخرجت من الجامعة وكنت ضابط احتياط. فلا تقلقي من ذلك.
اليكسا : اريدك ان تبقى معي هنا باثينا لاني اخاف عليك ولا احتمل العيش من دونك.
مصطفى : والعيش من دونكِ لا يطاق حبيبتي لكني يجب ان ارحل، كي ارتب اموري واعود ثانية كي نعقد قراننا هنا.
اليكسا : ان ذلك سيسعدني جداً لكني اتمنى ان لا ترحل حبيبي لاني ساموت من الم فراقك.
مصطفى : بالعكس يا حبيبتي الكس. سوف نشتاق لبعضنا البعض اكثر فيصبح لقائنا اكثر تشويقاً. نحن نقول "زد غباً تزداد حباً"
اليكسا : ومتى ستعود؟
مصطفى : لا اعلم بعد ولكن ربما بغضون شهر او اقل.
اليكسا : شهـــــــــــــــــر؟ تريد ان تبقى شهراً كاملاً ببغداد؟ انا لا احمل فراقك يوماً واحداً يا توفي فكيف إذا دام شهراً؟ اريدك ان تعود قبل ذلك ارجوك توفي.
مصطفى : ساحاول ان اسوي اموري وارجع لبقلاوتي اليونانية باسرع وقت ممكن.
اليكسا : حسناً ولكن اوعدني بانك ستعجل بالعودة.
مصطفى : اعدك بذلك. والآن دعينا نلبس ثيابنا ونفطر كي نذهب الى منزل والدك حتى اودعهم.
اليكسا : سوف لن اغادر هذا السرير قبل ان تأتي الى هنا وتقبلني قبلاً طويلة وساخنة قبل ان نرحل.
بعد ان تمكنا من ترك السرير بصعوبة كبيرة استحما تحت الدوش سوية ثم ارتديا ملابسهما ونزلا ليتناولا وجبة الافطار بمطعم الفندق وبعد ذلك ذهبا الى بيت العائلة. هناك كان الجميع يشعر بالحزن لان العائلة كلها صارت تحب مصطفى كثيراً وصار يحبهم هو الآخر ووعدهم بانه سيعود اليهم بعد شهر او اقل من شهر. بقي معهم طوال ذلك اليوم ثم استاذن من الجميع وودعهم وقالت لهم اليكسا بانها ستسطحب خطيبها في الغد الى المطار ثم بعد المطار ستذهب لمقابلة عمل بشركة وعدوها بوظيفة ولا داعي للقلق عليها. رجع الحبيبان الى الفندق وحالما دخلا الغرفة صارت اليكسا ترتب حقيبة مصطفى والدموع تنهمر من عينيها دون انقطاع. سحبها خطيبها الى عنده وقبلها ومسح دموعها ثم سألها،
مصطفى : هل انتهيت من ترتيب الحقيبة؟
اليكسا : بقي الشيء القليل يا توفي.
مصطفى : إذا دعنا نودع بعضنا ونمنح بعضنا الحب.
اليكسا : كنت اضنك لم تسأل.
بقي الخطيبان يمارسان الحب طوال الليلة الاخيرة حتى قرب الفجر فاعياهما الحب وناما باحظان بعضهما البعض. وعندما استيقظا على رنين الهاتف رفع السماعة فسمع موظف الاستعلامات يقول،
موظف الاستعلامات : كاليميرا كيري مصطفى، استيقظ رجاءاً.
مصطفى : نيه، افخاريستو پولي فيلامو.
اليكسا : يا سلام يا توفي صرت تتكلم اليونانية بطلاقة وتقول له شكراً جزيلاً يا صديقي.
مصطفى : واستطيع ان اقول لك (ساغاپو پولي).
اليكسا : وانا كذلك ساغاپو پولي پولي پولي واموت فيك ايضاً حبيبي.
مصطفى : هيا حبيبتي إذا بقينا هنا فسوف يفوتني موعد الطائرة.
اليكسا : ويفوتني موعد المقابلة للعمل بعد ذلك.
قفزت اليكسا من السرير وصارت ترتب آخر قطعة من مالابس مصطفى في الحقيبة ثم اغلقتها وقالت "كل شيء اصبح الآن على ما يرام"
هبط الاثنان الى قاعة الاستقبال وسلم مصطفى مفاتيح غرفته وودع موظف الاستعلامات ثم خرج مع اليكسا مستقلين سيارة اجرة لتنقلهما الى مطار اثينا الدولي. وحالما دخلا قاعة المطار وجدا طابوراً طويلاً جداً على رحلة بغداد. هنا سمعا على المذياع الاعلان التالي بالانكليزية: تعلن شركة خطوط اولمپيك عن اقلاع رحلتها رقم 007 المتجهة الى بغداد. الرجاء من المسافرين الكرام التقدم لمكاتب تسجيل الوصول ووزن الحقائب.
فضحكت اليكسا وقالت لخطيبها،
اليكسا : رقم رحلتكم 007 اي ان جيمس بوند سيكون مسافراً معكم. هاهاها
ضحك مصطفى كي يجاملها وحسب، لكنه كان حزيناً جداً لانه سيفارقها لشهر كامل على الاقل. ومع ذلك قال لها،
مصطفى : اجل سيكون السيد بوند جالساً الى جانبي بالطائرة هاهاها
اليكسا : يا الهي الطابور طويل جداً، متى سيصلك الدور يا ترى؟
مصطفى : ربما بعد ساعة على الاقل. لماذا تبقين معي هنا حبيبتي لماذا لا تذهبين الى المقابلة؟ لقد قلت انك تريدين الذهاب لشركة كي تحضري مقابلة عمل.
اليكسا : هل انت متأكد؟
مصطفى : اجل حبيبتي. اذهبي انت وانا سابقى بالطابور حتى يأتي دوري، فلدي المتسع من الوقت.
اليكسا : أذاً دعني وادعك الآن يا حبيبي.
احتضنته بكلتا يديها ومسكته بقوة لاصقةً شفتيها بشفتيه لوقت طويل حتى قال لهم احد المسافرين من الخلف، "لقد سار الطابور، الا تقدمتما الى الامام رجاءاً" فضحك الخطيبان .
مصطفى : وداعاً يا حبيبتي.
هنا صارت اليكسا تبكي بحرقة.
مصطفى : ما هذا يا اليكسا؟ لا تقلبيها الى ميلودراما.
قالت وهي تمسح دموعها.
اليكسا : اشوف وشك بخير حبيبي. ارجعلي بسرعة.
وتوادعا بقبلة اخيرة ثم ذهبت وصارت تؤشر له وتبعث له بقبلات هوائية من بعيد.
خرجت اليكسا من المطار وهي بغاية الحزن ثم ركبت سيارة اجرة وطلبت منه ان يأخذها الى مركز اثينا حيث مكتب الشركة التي ترغب العمل لديه. وهناك دخلت المكتب وقابلت سكرتيرة المدير وقالت لها بانهم استدعوها لمقابلة عمل فقالت لها السكرتيرة ان المدير سيقابلها لما يحين دورها وطلبت منها ان تنتظر قليلاً لذا جلست اليكسا على احدى الكراسي. وبعد نصف ساعة اذنت لها بالدخول على المدير. فدخلت وقالت،
اليكسا : صباح الخير يا سيد پاپاس.
پاپاس : اهلاً بكِ انسة اليكسا. كيف حالك؟
اليكسا : انا بخير شكراً. انا مستعدة للمقابلة لغرض العمل كمرشدة سياحية! لقد طلبتموني لغرض المقابلة.
پاپاس : بما انك جئت من طرف والدك العم ميكوس لذلك ساوافق على تشغيلك فوراً دون الحاجة لمقابلة.
اليكسا : انا جداً سعيدة سيد پاپاس. متى تريدني ان ابدأ بالعمل؟
پاپاس : بامكانك البدأ بالعمل من الغد لدينا مجموعة سواح من اليابان. ولكن الآن اريدك ان تساعدينا بترجمة بضع رسائل جائتنا بالتلكس من دولة الامارات قبل ان ترجعي للبيت. هل هذا ممكن؟
اليكسا : بالتأكيد سيد پاپاس. بكل ممنونية، ساترجمها فوراً.
خرجت اليكسا الى خارج مكتب المدير وسألت السكرتيرة عنها فقالت لها انها 5 رسائل وليست واحدة. فتأففت قليلاً لكنها تذكرت انها وعدت المدير بالترجمة. فجلست لاكثر من اربع ساعات وهي منهمكة بترجمة الرسائل الطويلة من العربية لليونانية والتي تحتوي على عقود ونصوص قانونية تربط الشركة وتحملها المسؤولية على سلامة السواح القادمين لليونان من الامارات. ثم سلمتها للسكرتيرة وخرجت لتستقل سيارة اجرة وترجع بها الى بيتها. وعندما وصلت الشقة ادخلت المفتاح بالباب وفتحته ثم دخلت واذا بالوجوه كلها تنظر اليها بوجوم مخيف. كسرت امها الصمت وقالت،
اللي : تعالي يابنتي واجلسي بجانبي. هناك شيء يجب ان تعرفيه.
اليكسا : ماذا هناك يا امي؟ هل ابي بخير؟ هل اصابته النوبة ثانية؟ اين بابا؟ بابا، بابا.
اللي : ابوك بخير واخوك بخير ولكن... ولكن...
اليكسا : ولكن ماذا اخبريني يا امي، لا تحطمي اعصابي، ماذا هناك؟
اللي : الخبر الذي سمعناه على التلفاز اليوم.
اليكسا : اي خبر هذا؟ ماذا هناك؟
رفعت اليكسا صوت التلفاز بسرعة فسمعت المذيعة تعلن الخبر التالي: وقع اليوم حادث اليم هز الشعب اليوناني وهز العالم باسره. لقد سقطت طائرة من طائرات خطوط اولمپيك في البحر الابيض المتوسط مباشرة بعد الاقلاع ولم ينجوا احد من الركاب. لقد تم العثور على 156 جثة من اصل 160 والبحث مازال جارياً...
صرخت اليكسا عالياً وصارت تقول، "لا، لا، لمـــــــــــــــذا، لمـــــــــــــــذاعندما احب شخص تأخذه مني يا ربي؟ الست مؤمنة الست احبك ياربي؟ الم يكن مصطفى انساناً مؤمناً وطيباً؟ لماذا اخذته؟
خفضت والدتها صوت التلفاز وقالت،
اللي : لا تتعجلي يا ابنتي، من قال انها طائرة مصطفى؟ ربما ليست الطائرة التي ركبها مصطفى، ربما هي طائرة اخرى. هل تعرفين رقم الرحلة؟
اليكسا : كلا لا اعرفها. من اين لي ان اعرفها؟ لحظة، لحظة يا امي اجل تذكرت انها 007.
فقال والدها،
ميكوس : لقد حاولت الاتصال هاتفياً بالمطار وبشركة الاولمپيك اكثر من 50 مرة دون جدوى. الارقام دائماً مشغولة. ما العمل؟
اليكسا : انا ذاهبة الى المطار فوراً. لا يمكنني ان ابقى مكتوفة الايدي.
ميكوس : انا سوف آتي معك، هيا يابنتي.
وبتلك اللحظة ظهر المذيع على التلفاز ليكرر الخبر فرفع ميكوس الصوت كي يسمعه ثانية حيث قال بان رقم الرحلة هو 007. صرخت اليكسا باعلى صوتها وصارت تبكي وتولول والكل يحاول ان يهون عليها دون جدوى.
وما هي الى دقائق حتى دق جرس الباب. هنا قالت الام،
اللي : ها هم الجيران جائوا ليستفسروا عن سبب الصراخ عندنا، يبدو انهم سمعوا الخبر من التلفاز.
ذهب اخاها مايكل ليفتح الباب وإذا بمصطفى يدفع الباب ويدخل مبتسماً ساحباً حقيبته ورائه غير آبهٍ بشيء من حوله.
نظر اليه مايكل وتسمر في مكانه فاتحاً فاه مبحلقاً به كانه صعق ببرق من السماء. استدارت الأم نحو القادم فحدقت به وكأنها رأت شبحاً مخيفاً فتسمرت بمكانها وصارت تعمل علامة الصليب ثم رفعت اليكسا رأسها من حيث جلست فوصلتها عدوى الخرس. الكل صار بحالة دهشة مرعبة، صار يطغي على الجميع صمت قاتل الكل لا يعلم من اين اتى هذا القادم.
قال مايكل بصوت منخفض اجش وببطئ شديد،
مايكل : الكس تعالي يا اختي. انظري من جاء للتو؟
اردف مايكل بصوت اعلى الآن قائلاً،
مايكل : لقد جـــــــاء مصطفى. انه حـــــــــــي يرزق انظروا جميعاً، انه حي يرزق، انه حي يرزق.
وقفت اليكسا على اقدامها وهي تمسح دموعها ثم بدأت تتدارك حالتها وتتفهم الشيء بل الشخص الذي امامها وقالت،
اليكسا : حبيبي توفي؟ كيف ذلك؟ لا اصدق، لقد اخذتك الى المطار بيدي.
نظرت اليه وكررت،
اليكسا : لقد اخذتك بيدي الى المطار وكنت ستركب الطائرة اللعينة.
مصطفى : اجل هذا صحيح ولكن عندما وصلني الدور بذلك الطابور الطويل الممل كي ازن حقيبتي سألني الموظف عن جواز سفري فتذكرت انه ليس معي لاني لم استرجعه من خزنة الفندق فرجعت لاثينا. وذهبت مباشرة الى الفندق واخذت جوازي ثم ذهبت الى مطعم وتغديت ثم جئت الى هنا.
اليكسا : لكنك لم تسمع عن الحادث؟
مصطفى : الحادث؟ اي حادث هذا؟ هل وقع حادث ما بمكان ما؟
اللي : الطائرة التي كانت ستقلك الى بغداد. سقطت بالبحر ومات جميع ركابها.
مصطفى : مــــــــــاذا؟ ماذا تقولين يا خالتي؟ يا الهي، شيء لا يصدق.متى سمعتم الخبر؟
اليكسا : سمعناه بالتلفاز اليوم والخبر ما زال يعاد مراراً وتكراراً.
مصطفى : دعوني اسمع الخبر بنفسي ارجوكم، انه امر عجيب.
رفعت اليكسا صوت التلفاز وهي تقبل خطيبها وتمسح على رأسه بينما جائت والدتها بكأس من عصير الليمون وسقته. ولما سمع الخبر كاملاً وقف على ساقيه وقال،
مصطفى : سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، شيء لا يصدق. كل انسان يموت بوقته والله لم يكتب لي الموت هذا اليوم على ما يبدو.
اليكسا : خلاص يا توفي، ابقى هنا ولا تذهب الى بغداد. اريدك معي طوال العمر افهمت؟ لا طائرات بعد اليوم.
ضحك الجميع بينما جلسوا يتناولون وجبة خفيفة من الفطائر.
بعد مرور اسبوع طار مصطفى على متن طائرة اخرى الى بغداد ولم يمكث هناك سوى اسبوعين ونصف ثم عاد الى اثينا ليقترن بخطيبته اليكسا ويبقى معها باليونان باقي سنين عمره. اليوم هو استاذ بجامعة اثينا، اخذ الاستاذية بعد ان اكمل الدكتوراه بالادب الانكليزي بنفس الجامعة وقد رزقهم الله بابنتين الكبرى اسموها ناتاشا والثانية سُكَينة على اسم والدة مصطفى. كانت البنتان تتحدثان اليونانية والعربية والانكليزية بطلاقة. الاولى كانت شقراء تشبه والدتها كثيراً والثانية بيضاء لكن شعرها اسود كالفحم.
1756 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع