بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة كاملة - القاتل البريء
في قصتنا هذه اليوم كما هو الحال في جميع قصص الجريمة يبدأ القارئ بالتأرجح كالبندول ما بين التبرئة والادانة لكن قرار المحكمة هو الفاصل باخر المطاف. فهل سيكون القرار العادل ام ان حكمك انت من حيث تجلس هو الصائب. ساترك لك القرار وسيكون هو الاصح في نظرك على الاقل. دعنا نتابع احداث هذه القصة الغريبة ونأخذ قراراتنا.
مشي ابيكار بحذر شديد وبخطوات بطيئة في جنح الظلام بوسط الغابة حاملاً رشاشته من نوع عوزي وتوجه بها حتى اخترق الغابة فدنا من منزل عشيق زوجته. وقف بجانب الباب متمسكاً بسلاحه بينما كان يلهث من التعب. وضع يده على مقبض الباب الخارجي ودفعه بحذر شديد فلم ينفتح فوضع سلاحه على الارض واخرج سلكاً معدنياً من جيبه. ادخله بثقب الباب وصار يدوره ذات اليمين وذات الشمال حتى إنبَلَقَ الباب. رمى السلك جانباً وحمل رشاشته ثم امسك بمقبض الباب ودفعه ببطئ شديد فانفتح. هو لا يريد اصدار اصواتاً تنبه العاشقين بقدومه لانه كان يريد ان يفاجئهما متلبسين بجريمة الخيانة كي يقضي عليهما. وبينما هو يسير بداخل المطبخ بدأت اصوات العشيقين المؤلمة وهما يمارسان الجنس القذر تصل الى مسامعه. كان صراخ زوجته المنتشية يخرق اذنيه ويقطّعهُ ارباً. سار بممرطويل نحو مصدر الاصوات رويداً رويداً. وكلما خطى خطوة جديدة كلما صارت الاصوات اقوى واكثر ايلاماً جاعلة منه اكثر عزماً على المضي بالانتقام. اخيراً وقف بباب غرفة النوم وكانت حبات العرق تسيل من جبينه فتنزل الى عينيه لتحرقهما لكنه لم يأبه بشيء. فكرة واحدة كانت تدور برأسه وهي فتح الباب واطلاق النار عليهما ولم يكن ليأبه بتبعات عمله. تفحص ابيكار رشاشته وسحب الاقسام ثم رفس الباب بقوة فانفتح على آخره فاضحاً الزوجة وعشيقها عرات ربي كما خلقتني متحاضنين على السرير. توقفا عن الحركة بعد سماعهما صوت الباب وهو يُصقَع بقوة. نظرت زوجته من فوق كتفها لتتفحص مصدر الصوت فارتابها ما رأت انه زوجها ماسكاً السلاح ينوي قتلهما.
استدارت اليه وبدأت تتوسله وتترجاه بينما كان عشيقها هادئاً واجماً لا ينبس ببنت شفه وكانه كان يقول بان الامر عائلي بين الزوج وزوجته وعيب عليه ان يتدخل. نظر ابيكار اليهما وصرخ، "ستموتان اليوم وتأخذا قذارتكما الى جهنم" . اطلق ابيكار العنان لرشاشته فصارت تزمجر وتمطر الرصاص بكل صوب وحدب حتى افرغ المشط برمته. وما هي الا ثوان واصبح الاثنان يسبحان ببركة من الدم. انصبغت اغطية السرير البيضاء بالحمار القاني. سقطت زوجته ارضاً منكفئة على وجهها سابحة بدمها بينما بقي العاشق مستلقياً على ظهره نصفه فوق السرير والنصف الآخر على الارض يخوض ببحر احمر هو الآخر. هنا سُمِعَ المخرج يصرخ باعلى صوته "cut" فتوقف الجميع وصاروا يصفقون. المشهد كان رائعاً والمصورون كانوا سعداء لانهم لم يضطروا لاعادة المشهد اكثر من مرة كما هو المعتاد بمثل هذه المشاهد المعقدة، فابيكار ممثل مقتدر وقد ادى الدور باحترافية كاملة مطلقة. كذلك ادت الممثلة هيذر بيترسون دور الزوجة الخائنة والممثل الاقل شهرة ادام فركيسون لعب دور العشيق ببراعة لا توصف. ابتسم ابيكار ووضع رشاشته العوزي على الطاولة ثم خرج خارج المنزل وجلس على عتبة الباب دس يده بجيب قميصه واخرج علبة سجائر فاشعل منها لفافةً وصار يستنشق ذلك الدخان المنعش بعد ان شعر بانجاز اهم مشهد بالفيلم. ولما اخذ رشفتين من السيجارة جائه الخبر المفجع. خرج اليه احد فنانو المكياج ويدعى جورج يصرخ قائلاً،
جورج : ماذ فعلت يا استاذ؟ لقد قتلتهما.
ابيكار : اجل، اجل يا جورج قتلتهما. هذا افضل مشهد بالفيلم كله. لانه ينهي التصوير والعمل برمته فقد تعبنا خلال الاشهر السبعة الماضية.
جورج : انت قتلتهما فعلاً.
ابيكار : اجل عزيزي. انه احتراف بالتمثيل. هل اعجبتُكَ بتمثيلي؟
جورج : اسمع مني يا ابيكار. هيذر وادم ماتا حقيقة.
ابيكار : ما هذا التخريف؟ ماذا تقصد يا جورج؟
جورج : اقصد انهما ماتا، توفيا، انتهيا، جثث هامدة حقيقية.
ابيكار : دعك من هذا المزاح الرخيص. الممثلون لا يموتون من الرصاص الكاذب.
جورج : بل انهما ميتان لانك اطلقت عليهما رصاصاً حياً.
ابيكار : ماذا تقول يا رجل؟ هل انت متأكد من ذلك؟
جورج : اذهب وانظر بنفسك.
دخل ابيكار البيت يجري وعندما صار بالغرفة وجد جميع الطاقم بحالة فوضى غير مسبوقة. دخل الغرفة وتخطى كل الكامرات والكشافات الضوئية والمكروفونات والاسلاك المنتشرة على الارض بكل مكان ليجد الممثلة هيذر مازالت منكفئة على وجهها من غير حراك بينما بقي الممثل ادم مستلقياً بين السرير والارض وعيناه تحدقان في السقف. صُدِمَ ابيكار واصيب بذهول كبير. "ما الذي يجري هنا؟ كيف ماتا من جراء رصاص التمثيل؟ فهو يصدر صوتاً فقط وتبقى الانابيب الخفية تنشر الدم الاصطناعي حول الممثلين لتخدع المشاهد على انهما قد قتلا حقاً. لكن هذا ليس ما قد حصل. فالممثلان قد ماتا فعلاً والدم المنتشر هو دم حقيقي" بقي ابيكار في حيرة من امره. سار نحو القتيل آدم لكن المخرج ستيفن صاح باعلى صوته،
المخرج ستيفن : توقف يا ابيكار ولا تلمس شيئاً، لقد اتصلنا بالشرطة للتو. يجب عدم لمس اي شخص او اي شيء بالغرفة حتى يأتي افراد الشرطة للتحقيق.
تراجع ابيكار الى الوراء ونظر الى الطاقم فوجدهم ينظرون اليه وكأنه قد ارتكب جريمة قتل.
ابيكار : انا لم اقتل احداً. انا... انا فقط استعملت هذه الرشاشة اللعينة. انه تمثيل انه مجرد تمثيل. ماذا جرى ماذا حصل؟ صدقوني ارجوكم.
ذهب احد المصورين بقرب ابيكار وسحبه الى الخلف واضعاً يده على كتفه وقال له،
المصور : لا عليك يا ابيكار. كلنا شاهدنا ما حصل، انت كنت تمثل وحسب. انت بريء لا تقلق.
ابيكار : كيف لا اقلق؟ فانا لم اطلق عليهما النار. اقصد لم اطلق رصاصاً حقيقياً.
المصور : اعلم ذلك. الشرطة ستحقق بالامر وستظهر الحقيقة انا متأكد من ذلك. تعال معي وساسقيك قهوة جيدة، هيا تعال.
رجع ابيكار الى الوراء وخرج من غرفة النوم ثم سار مع المصور بالممر حتى خرجا الى خارج المنزل وجلس على عتبة الباب ثم اتى بفنجان قهوة وناوله اياه. بقي ابيكار ماسكاً الفنجان ينظر الى الغابة بذهول وكأنه اصيب بداء التوحد. وما هي الا ربع ساعة وسُمِعَ دوي سيارات الشرطة تأتي من بعيد. وعندما بانت السيارات الاربعة كانت تجر ورائها عاصفة كبيرة من الغبار. وقفت بالقرب من المنزل ونزل منها جيش كبير من اعوان الشرطة. وخلال دقائق انتشروا بكل اتجاه. فريق منهم صار يجمع كادر العمل ويقوده بعيداً عن المنزل في الغابة وفريق كان يضع اشرطة صفراء حول المنزل وآخر يهيء الموقع للفريق الفني الذي سيلتحق بهم قريباً كي يتحقق من الادلة الموجودة بداخل موقع التصوير وحول غرفة النوم ومسرح الجريمة.
بعد ان اتمت الشرطة كل الاستعدادات التحقت بهذا الفريق عربتان جديدتان الاولى لفريق الطب الجنائي والثانية سيارة صالون قديمة من نوع دوج للمحقق هاري شلوسكي وشريكه موزس وايت. دخلوا جميعاً داخل المنزل وصاروا يتفحصون الحجرات كلها حتى وصلوا الى غرفة النوم التي وقع فيها الحادث وبات كلٌ يؤدي دوره بينما وقف المحقق هاري وشريكه يتحدثان مع بعض الاخصائيين حول موقع ابيكار وزاوية اطلاق النار وبعض التفاصيل الفنية الدقيقة. بعد مرور ساعة كاملة من التمحيص خرج المحقق هاري وسأل عن باقي الطاقم فاخبروه بانهم اقتيدوا الى الغابة فسار صوبهم وصار يتحث معهم الواحد تلو الآخر. حتى وصل الى ابيكار فسأله،
هاري : اسمك الكامل وعمرك؟
ابيكار : اسمي عبد القادر الورداني وكنيتي ابيكار، عمري 37 سنة. اعمل كممثل رئيسي بهذا الفيلم بعنوان "الخيانة والعقاب"
هاري : لماذا لديك اسمان؟ هل هو اسم فني؟
ابيكار : كلا. جئت الى الولايات المتحدة الامريكية من المغرب قبل ثلاث سنوات واحترفت التمثيل بهوليوود حيث مثلت الكثير من الافلام بادوار ثانوية وهذا هو اول فيلم أأخذ به البطولة. ومن الوهلة الاولى جابه الامريكان صعوبة بتلفض اسمي فتارة كانوا يسموني (أي بي كاي) وتارة (ابدول) بلآخر صاروا يختصرون اسمي بـ (ابيكار) بدلاً من عبد القادر.
هاري : ما هي علاقتك بالمجني عليها؟
ابيكار : علاقة عمل طبعاً. انها ممثلة محترفة وقد تعرفت عليها كزميلة من خلال تمثيلنا لهذا الفيلم.
هاري : هل كانت لك معرفة سابقة بها؟ او علاقة معها؟
ابيكار : كلا كنت اسمع باسمها بالمجلات والانترنيت فقط لكني لم التقيها ابداً.
هاري : والآن اخبرني كيف وقع الحادث؟
ابيكار : بعد ان اكمل الطاقم اعداد كل الاعمال التحضيرية، طلبوا مني ان اقوم بتنفيذ المشهد. المشهد هو عبور الغابة سيراً على الاقدام ودخولي الى المنزل وعثوري على العشيقين بالسرير ثم اطلاق النار عليهما بدافع الثأر عن الخيانة. الامر لا يتطلب الكثير من التاويل.
هاري : الم تتفحص الرشاش قبل بدئ المشهد؟
ابيكار : إن ذلك ليس من اختصاصي. فهناك شخص مسؤول عن اعداد الرشاشة ووضع الرصاص بداخلها قبل بدئ التصوير.
هاري : الا اخبرتني عن البندقية الآلية نفسها؟
ابيكار : انها من نوع عوزي اسرائيلية الصنع ولديها مشط يتسع لـ 25 اطلاقة من عيار 9 ملم.
هاري : هل سبق لك ان استخدمت هذا السلاح او سلاحاً آخر حقيقي؟
ابيكار : اجل عندما كنت اخدم كجندي بالجيش الملكي المغربي قبل ان أأتي الى امريكا، كنا نستخدم الاسلحة الامريكية ومنها بندقية آلية من نوع ام كي 16 سكار. لكننا لم نكن نستعمل هذا النوع بالذات من الاسلحة اقصد العوزي.
هاري : والآن سالقي القبض عليك يا عبد القادر بتهمة قتل هيذر بيترسون وادم فركيسون. اي شيء تقوله سيستخدم كدليل ضدك في المحكمة، هل فهمت حقوقك؟
ابيكار : اجل.
هاري : والآن استدر وضع يديك خلف ظهرك.
وضع الاصفاد على ايدي ابيكار وطلب من شريكه موزس ان يأخذه الى عربة الشرطة لنقله الى المركز.
بقي المحقق هاري يستجوب طاقم التصوير والمكياج والمخرج ومساعد المخرج وبقية الفنيين ثم بعد مضي ساعة كاملة ذهب الى
سيارته حيث جلس ابيكار بالكرسي الخلفي مكبل اليدين وجلس شريكه موزس بجانبه فانطلقوا الى مركز المدينة حيث يقع مركز الشرطة الرئيسي LAPD comunity central
دخل المحقق هاري بصحبة شريكه المحقق موزس متأبطين المتهم ابيكار فاودعاه الزنزانة ثم دخلا على مكتب مديرة المركز. رحبت بهما وقالت،
الكابتن كالاهان : اهلاً بكما، اخبروني ماذا جرى؟
هاري : القينا القبض على القاتل.
موزس : سوف لن تصدقي هذه القضية فهي معقدة لابعد الحدود.
الكابتن كالاهان : اريد شرحاً تفصيلياً لكل ما جرى.
هاري : المسألة بسيطة جداً يا سيدتي. القاتل ابيكار يعترف انه اطلق 25 اطلاقة على القتيل والقتيلة امام ما يقرب من 40 شخصاً لكنه يقول انه بريء.
موزس : والمشكلة اننا نرى انه فعلاً بريء.
الكابتن كالاهان : هل تلعبون معي؟ انا ليس لدي الوقت للمزاح ارجوكما ابقيا الحديث جدياً. كيف يعترف القاتل بانه اطلق النار على الرجل والمرأة وتسبب بقتلهما امام اعين الجميع وانه يدعي انه بريء وانكما تؤيدانه بقوله.
هاري : دعيني اوضح لكِ الامر سيدتي.
الكابتن كالاهان : وفر توضيحاتك للنيابة، فليس هناك داعي للاطالة لان كل ما ستقوله هو استنتاجاتك الشخصية.
استدع ابيكار الى غرفة التحقيق ثم دخل المحققان هاري وموزس على المتهم وسألاه إن كانت لديه اي اقوال يريد التصريح بها فاجاب بانه يريد محامياً. بعد خروج المحققان من غرفة التحقيق جلسا خلف مكتبيهما لكي ينتظرا المدعي العام. وما هي الا نصف ساعة ودخل المدعي العام السيد مارݘيلو مانزيني، فأدخِلَ الى الغرفة ودخل معه المحقق هاري فقدم نفسه،
المدعي العام : انا المدعي العام مارݘيلو مانزيني جئت لاتحدث معك يا سيد ابيكار. هل توافق ان تتحدث معي؟
ابيكار : انا طلبت محامياً ولم يستجاب لطلبي.
هاري : لقد اتصلنا بالمحامي المتطوع السيد بول رايدر وقال بانه في الطريق الينا.
ابيكار : سوف لن اتكلم معكما قبل مجيء المحامي.
وقف المدعي العام وخرج من الغرفة تبعه المحقق هاري. وبعد نصف ساعة دخل الى مركز الشرطة رجل اربعيني نحيف القامة يرتدي نظارة طبية ثخينة وبدلة سوداء تبدو وكأنها لم تزر دكان المكوى منذ ان خيطت. قدم نفسه للمجموعة وقال،
المحامي : اسمي بول رايدر محامي عن المتهم عبد القادر الورداني الملقب بابيكار.
مد يده للمدعي العام لكن المدعي العام لم يأخذها بل رمقه بنظرة ازدراء ثم اردف قائلاً،
المدعي العام : دعنا ندخل الى الداخل وننتهي من هذه المسألة.
دخل المدعي العام والمحقق هاري والمحامي بول رايدر غرفة التحقيق وجلسا على الكراسي ثم بدأ المحقق بحديثه،
هاري : اليوم الخميس التاسع من حزيران 2016 الحاضرون بالغرفة المتهم السيد عبد القادر الورداني والملقب بابيكار ومحامي المتهم السيد بول رايدر وانا الملازم هاري شلوسكي والمدعي العام السيد مارݘيلو مانزيني.
المحامي : بما ان لقائي هذا مع موكلي هو اللقاء الاول فانا اريد ان اكون بمفردي معه وان تؤجل جلسة التحقيق هذه الى يوم آخر.
المدعي العام : يمنح المحامي والمتهم الوقت اللازم للتشاور وتؤجل جلسة التحقيق الى الغد الجمعة المصادف العاشر من حزيران 2016.
خرج الجميع من الغرفة وقاد المحقق هاري المحامي والمتهم الى غرفة خصوصية منعزلة كي تتم المقابلة بينهما.
باليوم التالي جمعت مديرة الشرطة الكابتن انيتا كالاهان جميع افراد الفريق الذي كلفته بالتحقيق في القضية التي اطلق عليها الاعلام اسم (مذبحة هوليوود). وكان قائد تلك الخلية هو المحقق هاري وشريكه موزس. فتحت الحديث بقولها،
انيتا كالاهان : اليوم سنبدأ التحقيق بالقضية بشكل جدي ومكثف لاننا لا نريد اي مفاجئات من الدفاع عن ثغرات قانونية تجعل الجاني الحقيقي يفلت من العدالة. بدايةً اريدك يا هاري ان تذهب مع شريكك موزس الى بيت المتهم ابيكار وتفتشه بدقة عالية. بامكانك ان تأخذ معك باقي اعضاء الخلية. اما انتِ يا عريف ستيفنسن فاريدكِ ان تعملي بحثاً موسعاً عن ابيكار بكافة السجلات الرسمية.
وانت يا عريف بيترسون اريدك ان تزور القنصلية المغربية بلوس انجيلوس وتتحدث مع القنصل بخصوص الموضوع. هيا اخرجوا الآن.
خرج فريق مذبحة هوليوود متجهاً الى منزل ابيكار. طرقوا الباب فلم يأتيهم الرد فقاموا بكسر الباب ودخلوا المنزل. لبس افراد الفريق القفازات بايديهم وانتشروا بعد ان تأكدوا من خلوه من البشر تماماً وصار كلٌ يفتش باتجاه مختلف. دخل المحقق كالاهان غرفة المكتب وصار يقلب المستندات والاوراق والنصوص التي كانت فوق الطاولة فوجد الكثير منها متناثراً بكل مكان. غالبيتها كانت تتعلق بعقود بين المتهم وبين شركة الانتاج (شركة الشمس المشرقة). كذلك شاهد رسائل بداخل ظروفها كانت معنونة باسم المتهم ومبعوثة لهذا المنزل. فتحها فوجدها مكتوبة بلغة لم يفهما وشاهد بآخرها قلوب فوضعها باكياس كي ينقلها الى المركز. ثم صار يفتح الجرارات الواحدة تلو الاخرى حتى فتح الجرار الاخير فوجد فيه مجموعة طلقات تمثيل كاذبة. نادى شريكه موزس قائلاً،
هاري : تعال يا موزس. لقد فزنا بجائزة اللوتري الكبرى.
جاء موزس يجري ونظر في الرصاصات وهي بقلب الجرارة ثم قال،
موزس : يا الهي انها اهم دليل. ضعها في الكيس ودعنا نواصل البحث. انا اعتقد ان هذه الرصاصت ستلف حبل المشنقة حول عنق المتهم ابيكار.
رجع موزس الى غرفة النوم كي يواصل بحثه بينما واصل هاري البحث مدققاً بجميع محتويات مكتب ابيكار. وعندما انتهى الفريق من التفتيش عادوا كلهم الى المركز. قام الفريق بتسليم جميع الادلة الى الفريق الفني واتصل هاري بالدكتور راجو في المشرحة وسأله إن كان لديه اي تقرير عن الجثث. فاجابه بانه بصدد التشريح الآن وبامكانه ان يزوره بعد الظهر كي يعطيه تقريراً شاملاً. خرج هاري ليتناول شطائر الهوتدوك مع شريكه موزس ثم عادوا الى المركز كي يصنفوا الادلة ويتباحثوا بالقضية. بعد الظهر خرج هاري الى مركز الطب الجنائي ودخل المشرحة فوجد الدكتور راجو يعمل. طرق الباب ودخل فحيى الدكتور وسأله،
هاري : هل لديك شيء يا راجو؟
راجو : اجل، دعني ابدأ بالمرأة. هي انثى، 35 عاماً 5 اقدام وثمانية انجات وزنها 8 ستون ونصف ليس لديها علامات فارقة سوى ان لديها تقرحات فوق اقدامها تجدها فقط على اقدام سكان المناطق الحارة.
هاري : اتقصد كاليفورنا مثلاً؟
راجو : كلا يا هاري. مناطق حارة مثل اسيا وافريقيا، ربما عاشت هناك لفترة طويلة. ولكن ما لم نكن نعرفه هو انها كانت حامل بشهرها الثالث.
هاري : هل بالامكان معرفة الاب؟
راجو : لا ليس بعد فقد بعثت بعينة من الحمض النووي الى المختبر في الطابق الاول وسوف نحصل على الجواب لاحقاً. هل كانت هذه السيدة متزوجة؟
هاري : نعم ولكنها كانت منفصلة عن زوجها. بعض المحققين من الفريق ذهبوا اليوم ليتحدثوا مع زوجها. هل تعتقد ان لديها اطفال؟
راجو : لا هذه السيدة لم يسبق لها ان انجبت اي طفل. والجنين الذي ببطنها يشكل حملها الاول. ساكتب جميع ملاحظاتي ونتائج تحقيقي بالتقرير النهائي وسارفق معه نتيجة فحص الحمض النووي.
خرج هاري من الغرفة وعاد الى المركز. هناك التقى شريكه موزس فسأله،
هاري : هل تحدثت مع زوج المجني عليها؟
موزس : اجل. انه رجل سكير ولا يعي ما يقول. سألته عن زوجته هيذر فقال بانه سعيد لان شخصاً صالحاً قام بقتلها وخلص البشرية من شرها. لم اتمكن من ان اخذ منه اي شيء بسبب حالته المنتشية تركته ورجعت ادراجي.
هاري : وماذا عن المجني عليه ادم؟
موزس : انه يعيش بمفرده وليس لديه اقارب نهائياً. يسكن بشقة بمنطقة نورث ويدنغتون بالقرب من الجامعة. بامكاننا زيارة المنزل اليوم إن شئت.
هاري : اجل سيكون ذلك جيداً. دعنا نذهب الآن.
غادر المحقق هاري مع شريكه المحقق موزس قاصدين شقة المجني عليه آدم. وهناك دخلا الشقة وقاما بالبحث فيها فلم يجدا اي دليل يربط القاتل ابيكار بالقتيل آدم. رجعا الى مركز الشرطة وبلغا مديرة الشرطة الكابتن انيتا بذلك.
بقي فريق مذبحة هوليوود بالتحقيق وجمع الادلة والحديث مع الناس المقربين من القاتل والمجني عليهما لعدة شهور، وكانوا على اتصال دائم بالمدعي العام ونائبه بشكل يومي حتى جاء موعد جلسة الاستماع الاولية. فقدم محامي الدفاع السيد بول رايدر التماساً للمحكمة كي يخرج المتهم بكفالة مالية. الا ان الادعاء العام وضح للمحكمة ان ذلك لا يؤيده الادعاء العام وذلك لفضاعة الجريمة. لذا كان قرار القاضي بعدم اطلاق سراح المتهم بكفالة مالية والابقاء عليه بالسجن الانفرادي حتى فترة المحاكمة. وقرر القاضي عقد الجلسة الاولى بعد 3 اشهر من ذلك التاريخ.
بعد ٣ اشهر
دخل محامي الدفاع بول رايدر قاعة المحكمة وسأل شرطي الاستعلامات إن كانوا قد احضروا المتهم لقاعة المحكمة فاجابه بالايجاب فطلب الدخول اليه والتحدث معه. وعندما ادخلوه الى سجن المحكمة شاهد موكله ابيكار قادماً من بعيد يتأبطه شرطي طويل وضخم جداً ولما وصل عنده سأله المحامي،
بول : لماذا لم ترتدي البدلة التي احضرتها لك؟
ابيكار : لازال هناك المزيد من الوقت.
بول : كلا يجب ان تكون جاهزاً يا ابيكار. انت لا تعرف متى سينادون على قضيتك كي تدخل.
ابيكار : حسناً سارتديها الآن.
بول : دعني اراك الآن. يا سلام... انت تبدو مواطناً صالحاً. انت لا تعرف كم ان مظهرك سيكون له تأثير على القاضي والمحلفين.
وما ان انهى جملته هذه حتى سمعوا احد الحراس يستدعيهما للدخول الى قاعة المحكمة فدخل ابيكار ومحاميه بول وجلسا على طاولة الاتهام بينما دخل المدعي العام السيد مارݘيلو مانزيني وبصحبته نائبه (الكرسي الثاني) وجلسا على طاولة الادعاء. وهنا دخل المحلفين الاثنا عشر وجلسوا باماكنهم ثم صرخ المنادي فوقف الحضور ودخل القاضي وجلس فجلس الجميع من بعده. بدأ القاضي الجلسة بالاعلان عن القضية رقم LA5326K4132 وهنا افتتحها بكلمة طويلة مفادها ان القضية بغاية التعقيد وان الالتزام بالهدوء على مدار الجلسات مطلوب من الجميع. نظر الى المدعي العام وطلب منه البدء.
المدعي العام : سيدي القاضي، ان قضيتنا اليوم قد تبدوا معقدة جداً كما وصفت حضرتك في بداية الافتتاحية لكن الادعاء العام يجد فيها بساطة كبيرة. فقد تعلمنا من اوليات العلم الجنائي ان اي جريمة تتطلب ثلاث اسس تبنى عليها القضايا. اولاً جثة او جثث المجني عليهم ثانياً اداة الجريمة ثالثاً الشهود. وفي حالتنا هذه فان لدينا الاسس الثلاثة وهي جميعاً تشير الى المتهم السيد ابيكار. لذلك لا اعتقد ان هناك اي داعي للاطالة بالمرافعات واطالب المحكمة باتخاذ قراراتها فوراً بادانة المتهم في قتل المجني عليهما.
محامي الدفاع : سيادة الرئيس حضرات المحلفين الكرام. ان زميلي المدعي العام السيد مانزيني نسي فقرة مهمة جداً نستند عليها بمحاكمنا في الولايات المتحدة الامريكية. يبدو ان الذي علمه القانون نسي ان يخبره بعنصر مهم جداً يدعى الدافع للجريمة. فالمتهم لم يكن لديه اي دافع يجعله يقتل المجني عليهما فكيف تكتمل الصورة بدون ذلك؟
وقف المدعي العام مقاطعاً إذ قال،
المدعي العام : ومن قال لك ان المتهم لم يكن له دافع؟ يبدو لي ان محامي الدفاع السيد رايدر لم يطلع على تقرير الطبيب الشرعي. فجثة المجني عليها هيذر بيترسون كانت حامل بشهرها الثالث، ثم اثبت فحص الحمض النووي ان الجنين الذي برحمها كان للمتهم ابيكار. ونكران ابيكار لوجود علاقة له مع المجني عليها اثناء التحقيق الاولي لدليل قاطع على ان النية مبيتة في قتلها.
محامي الدفاع : سيدي القاضي، ان اقامة علاقة جنسية ببلدنا اليوم بين شخصين بالغين لا تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ربما كان ذلك ممكناً قبل مئة عام عندما درس السيد مانزيني القانون اما اليوم فلا. ولا اعتقد ان كل من تحمل عشيقته يقوم بقتلها مع زميلها بالعمل فقط ليتخلص من المسؤولية تجاه الجنين. فالاجهاض بولايتنا قانوني وبامكانهم التخلص منه إذا كان هذا هو سبب الخلاف. هذا لو سلمنا إن كان هناك خلاف. ونكران علاقة ابيكار بها كان للحفاظ على سمعتها كممثلة لا غير لانها منفصلة عن زوجها ولم تحصل على الطلاق بعد.
المدعي العام : اود استدعاء الشاهد الاول المخرج ستيفن كروفرد.
دخل مخرج الفيلم ستيفن كروفرد الى القاعة وجلس بجانب القاضي على كرسي الشهود.
المدعي العام : اسمك وعملك لو سمحت؟
المخرج : اسمي ستيفن كروفرد واعمل كمخرج سينمائي عملت بالاخراج لاكثر من 14 عاماً. انا كنت المخرج في فيلم "الخيانة والعقاب" من انتاج شركة الشمس المشرقة.
المدعي العام : هل تعرف المتهم او المجني عليهما؟
المخرج : اجل انها علاقة عمل. كنت اعرف الممثلة هيثر قبل عامين لاننا عملنا على فيلم (الاب المثالي) لكن لم يتسنى لي التعرف على ابيكار او المجني عليه الثاني ادم فركيسون عن قرب.
المدعي العام : من خلال خبرتك، كيف كانت حالة ابيكار النفسية يوم وقوع الجريمة؟
هنا اعترض محامي الدفاع قائلاً ان المخرج ليس محللاً نفسياً. فوافقه القاضي فسحب المدعي العام سؤاله.
بعد ذلك بقي المدعي العام يمطر المخرج باسئلة كثيرة ثم بعد مرور ساعة كاملة انتهى من الادلاء بشهادته ورجع الى مكانه. عاد الادعاء بمنادات الشاهد الثاني وسأله،
المدعي العام : اريد منك اعطاء اسمك ونوع عملك بالطاقم؟
مارتن بارو : اسمي مارتن بارو، اعمل مشرف على مخازن معدات الطاقم.
المدعي العام : ارجو منك توضيح كلمة معدات.
مارتن بارو : انها تشمل جميع ادوات المستعملة في التمثيل من ملابس وآلات ومعدات مكياج وما شابه.
المدعي العام : وهل تشمل اسلحة وذخائر؟
مارتن بارو : اجل بالتأكيد اسلحة وذخائر ايضاً.
المدعي العام : هل تحرس تلك المعدات 24 / 7 ؟
مارتن بارو : كلا، انا احرسها خلال فترة التصوير، فهناك ايام لا يتم فيها التصوير، لذا فانا لا اكون موجوداً بالمخزن.
المدعي العام : هل هذا يعني ان الشخص الذي يريد ان يدخل ويعبث او يسرق بعض من تلك المواد اثناء غيابك سيجدها من غير حراسة؟
مارتن بارو : كلا، هناك كامرة مراقبة تراقب المواد اثناء الليل واثناء عدم تواجدي بالمخزن.
المدعي العام : وهل تغطي تلك الكامرة كافة زوايا المخزن؟
مارتن بارو : ان تغطية المخزن كله عمل مستحيل. لذلك فإن الكامرة تدور وتغطي 180 درجة.
المدعي العام : شكراً يا سيد بارو.
هنا سأل القاضي محامي الدفاع،
القاضي : هل لديك سؤال للسيد بارو؟
المحامي : اجل يا حضرة القاضي.
وقف ودنى من الشاهد ثم سأله،
المحامي : يا سيد بارو، هل تعتقد ان بالامكان ان يدخل شخص الى المخزن ويسرق بعض المعدات كالاسلحة او امشاط الاسلحة او العتاد؟
مارتن بارو : بالتأكيد، لكنه يجب ان يكون مسرعاً لان الكامرة ستعود وتغطي مكانه بعد فترة 40 ثانية. اي انها تذهب الى اقصى اليمين ثم تعود الى اقصى الشمال بعد 40 ثانية.
المحامي : الكامرة ستعود وتغطي مكانه بعد فترة 40 ثانية. شكراً لك سيد بارو. ليس لدي المزيد من الاسئلة لهذا الشاهد سيادة القاضي.
بعد ذلك تبع هذا الشاهد باقي الشهود حتى وصل العدد الى 40 شاهداً كانو جميعاً من فريق التصوير والعاملين فيه من فنيين ودعم لوجستي. بعد ذلك استُدعِيَ محقق الشرطة هاري شلوسكي فقام المدعي العام باستجوابه حين سأله ،
المدعي العام : اشرح لنا كيفية عثوركم على الرصاص الكاذب؟
المحقق : اخذنا إذناً بتفتيش شقة المتهم ابيكار فدخلنا اليها وقمنا بتفتيش الشقة بدقة كبيرة حتى عثرت انا بنفسي على الرصاصت الـ 25 في جرارة مكتب السيد ابيكار.
المدعي العام : هل كان العيار مطابقاً للرصاص الذي تطلقه تلك الرشاشة؟
المحقق : اجل انه عيار 9 ملم. والطلقات كانت فارغة اي انها تطلق صوتاً لكنها لا تقتل احداً. هي من النوع الذي يستعمل بالتمثيل.
المدعي العام : هل قمتم بالتحقق من بصمات الاصابع عليها؟
المحقق : اجل، الرصاصات كانت نظيفة وخالية من البصمات.
المدعي العام : كم هي سنين خبرتك يا هاري؟
المحقق : 15 سنة.
المدعي العام : شكراً سيدي القاضي. لا احتاج لهذا الشاهد بعد الآن.
طلب القاضي من الدفاع استجواب المحقق هاري فدنى منه وسأله،
المحامي : حضرة المحقق هاري، من خبرتك الطويلة كمحقق بالشرطة، لماذا تُزال البصماتُ من على الادلة؟
المحقق : انها لطمس هوية القاتل.
المحامي : هذا جميل جداً. هل هذا يعني ان القاتل قام باستبدال الطلقات الكاذبة بالطلقات الحقيقية كي تطلق على القتيلين؟
المحقق : اجل بالتأكيد.
المحامي : وكم رصاصة اطلقت بيوم وقوع الجريمة؟
المحقق : 25 رصاصة.
المحامي : وكم رصاصة اصابت القتيلين.
المحقق : اصيبت القتيلة هيذر بثلاثة رصاصت، واحدة ببطنها وواحدة بقلبها وواحدة بقدمها الايمن. اما القتيل ادم فقد اصيب برصاصتين واحدة برأسه وواحدة بكفه الايمن.
المحامي : هذا شيء فضيع. يقوم القاتل باطلاق 25 رصاصة من بندقيته فيصيب منها 3 رصاصات لواحدة ورصاصتين للثاني؟ والمجموع 5 وماذا عن باقي الرصاصات العشرين الباقية؟
المحقق : لقد توزعت بعدة مكانات بالغرفة. البعض منها استقر بالجدار الخلفي للسرير وبعض منها على الجدار على يمين السرير وهناك ثلاث رصاصات اصابت اغطية السرير. واربعة رصاصات اصابت السجادة على الارض.
المحامي : هل انت هداف ماهر يا محقق هاري؟
المحقق : اجل.
المحامي : لو افترضنا (كفرضية فقط) انك انت الذي تطلق هذه الرصاصات وبنيتك قتل احد من مسافة مترين فقط فكم رصاصة ستصيب يا ترى؟
المحقق : ربما 12 او 14 على الاقل من مجموع 25.
المحامي : انت قلت للادعاء العام ان مسح الرصاصات الكاذبة من بصمات الاصابع يشير الى ان القاتل لا يريد ان تعرف هويته، اليس كذلك؟
المحقق : هذا صحيح.
المحامي : شكراً لك سيد شلوسكي. انتهيت من هذا الشاهد سيادة القاضي.
نزل المحقق من كرسي الشهادة فقام الادعاء العام باستدعاء الفني في الفحص الجنائي فحظر القاعة وجلس على كرسي الشهود. سأله المدعي العام،
المدعي العام : هل قمت بفحص بصمات الاصابع على اداة الجريمة؟ اقصد البندقية الآلية.
الفني : اجل انها تحمل بصمات اصابع المتهم ابيكار.
المدعي العام : ماذا قاله فني الاسلحة عن الاطلاقات التي وضعها بداخل المشط؟
الفني : قال انه وضع الرصاصت الكاذبة بالمشط في اليوم الذي سبق التمثيل.
المدعي العام : وماذا عن اغلفة الطلقات التي التقطت من مسرح الجريمة؟
الفني : كان عددها 25 غلافاً. ولا تحمل بصمات اي شخص.
شكراً سيدي ليس لدي المزيد من الاسئلة.
اجل القاضي الجلسات الى يوم الاثنين بعد عطلة نهاية الاسبوع. وبعد العودة للمحكمة سأل القاضي من محامي الدفاع عن الشهود. فقال،
المحامي : الدفاع يستدعي المحقق هاري من جديد.
دخل المحقق هاري وجلس على كرسي الشهادة.
المحامي : انت لا زلت مؤدياً القسم لذلك ساواصل الاستماع لشهادتك. سيد هاري ارجو منك ان تذكرنا ثانية كم سنة وانت تعمل بالشرطة؟
المحقق هاري : 15 سنة.
المحامي : هل سبق لك ان قتلت شخصاً؟
المحقق هاري : اجل قتلت 2 اثناء تأدية الواجب.
المحامي : بحياتك، هل قمت بحشو رصاصات بداخل المشط بمسدسك؟
المحقق هاري : طبعاً. انا اعملها تقريباً كل يوم.
المحامي : اريد منك ان تقوم بتجربة عملية امام المحكمة. هل لديك قفاز بلاستيكي؟
المحقق هاري : اجل ها هو. انا احتفض به بجيبي دائماً.
المحامي : هذا جيد، الآن اريد منك ان تلبس القفاز لو سمحت.
المحقق هاري : ها قد لبسته.
المحامي : والآن اريد منك اخراج الرصاصات من المشط ووضعها على الطاولة التي امامك.
قام المحقق باخراج مسدسه من خصره ثم بدأ باخراج الرصاصات الواحدة تلو الاخرة من المشط ووضعها على الطاولة التي امامه. ساله المحامي،
المحامي : كم عدد الرصاصت التي امامك؟
المحقق هاري : انها 7 رصاصات.
المحامي : والآن حضرة القاضي ساقوم بالتوقيت. وانت يا هاري عندما اقول لك ابدأ ستبدأ بحشو المشط بالطلقات. هيا ابدأ.
مسك هاري الرصاصة الاولى وقام بحشوها بالمشط ثم اخذ الثاني والثالثة حتى اتم ادخال الرصاصت السبعة بداخل المشط. وعندما اتم العملية قال "انتهيت". نظر المحامي الى ساعة التوقيت وقال دقيقتان و45 ثانية. والآن اريد منك خلع القفاز ثم اريد منك اخراج الرصاصات ثانيةً من المشط.
اخرج هاري الرصاصات من المشط وعندما اعطاه المحامي الاشارة بدأ بحشو الرصاصات بداخل المشط حينها بدأ المحامي بتوقيت عملية الحشو. ولما انتهى من حشو الرصاصات السبعة بالمشط نظر المحامي الى ساعة التوقيت وقال،
المحامي : استغرقت العملية هذه المرة 32 ثاني. والآن يا محقق هاري، من خبرتك الطويلة مع السلاح، وبحسب رأيك لماذا تعتقد ان المرة الاولى استغرق حشو المشط ثلاث دقائق الا ربع بينما بالمرة الثانية استغرق 32 ثانية فقط؟
المحقق هاري : عندما يريد الانسان ان يحشو الطلقات بالمشط فهو يمسك بالمشط بيد ويمسك الرصاصة باليد الثانية ثم يقوم بالضغط بقوة باصابعه كي يدخل الرصاصة ويدفعها ضد مقاومة النابض. وبما ان ذلك يصبح اصعب عندما يكون الانسان مرتدياً قفازاً لانه يفقد القدرة على اللمس لذلك فنحن دائماً نحشي امشاطنا دون ارتداء القفاز لان ذلك يستغرق وقتاً طويلاً.
المحامي : شكراً لك حضرة المحقق، ليس لدي المزيد من الاسئلة.
اعلن القاضي رفع الجلسة لمدة اربعة ايام الى ما بعد انتهاء عيد الشكر.
بعد اربعة ايام بعد عيد الشكر انعقدت المحكمة ثانية فسأل القاضي إن كان هناك المزيد من الشهود فاخبراه بانهما قد انتهوا من استجواب الشهود فطلب من المدعي العام ان يقوم بمرافعته النهائية.
المرافعة
وقف المدعي العام وقال،
يا حضرات المحلفين، نحن اليوم امام قضية تبدو من الخارج على انها بغاية التعقيد الا انني اراها بسيطة جداً ولا تتطلب كل ذلك التفكير والتمحيص. المتهم ابيكار اقام علاقة عاطفية مع المجني عليها هيذر بيترسون وعاشرها لفترة من الزمن حتى حملت منه. اثبت الطب الشرعي بتحليل الحمض النووي ان ابيكار هو والد الجنين. وبما ان المجني عليها كانت منفصلة عن زوجها فان اعباء العائلة صارت برقبة العشيق ابيكار الذي لم يفكر بالاجهاض لقتل الجنين وانزاله من والدته بل قرر قتل الطفل ووالدته والممثل الذي راح ضحية الجريمة النكراء كلٌ مع بعض برزمة واحدة.
لقد اثبت المعمل الجنائي ان الرصاصات الكاذبة التي عثر عليها ببيت المتهم ابيكار وبمكتبه هي مطابقة لنوع الرصاصات من عيار 9 ملم بما يدل على ان المتهم قام بتغيير الرصاصات الكاذبة بالرصاصات الحقيقية بداخل مخزن التمثيل ويرجع بها الى بيته ويضعها بجرارة مكتبه ثم ينفذ جريمته النكراء باليوم التالي. وفي يوم الجريمة قام وامام حشد كبير من المصورين والمخرجين والفنين بقتل هيذر وشريكها بالتمثيل وذلك باطلاق الرصاص الحي عليهما ليرديهما قتيلين. يريد الدفاع ان يوهمنا ان المتهم بريء من تهمة القتل بتلك التمثيلية المضحكة مع المحقق هاري عندما طلب منه افراغ مشطه من الرصاص واعادة حشوه ثانية.
لذلك ارجو منكم يا حضرات المحلفين ان تدخلوا الى داخل الغرفة وتخرجوا بقرار واحد موحد هو ان المتهم مذنب ويستحق العقاب.
القاضي : والآن يتفضل محامي الدفاع السيد بول رايدر بادلاء مرافعته الختامية.
المحامي : احييكم يا سادة ويا سيدات. بالحقيقة انتم بموقف لا تحسدون عليه ابداً لان القرار بمثل هذه الحالات سيكون صعباً للغاية. فنحن امام قضية جداً غريبة ومعقدة. المتهم السيد عبد القادر الورداني والملقب بابيكار دخل وبيده ادات الجريمة، بندقية آلية من نوع عوزي وبها مشط يحتوي على 25 اطلاقة. دخل غرفة النوم وصار يمطر المجني عليهما برصاص بندقيته حتى افرغ المشط الذي كان يحتوي على رصاص حي. ثم جاء الينا ويقول بانه بريء. فكيف نستطيع تصديقه؟
ان صناعة الافلام منتشرة بجميع ولايات امريكا لكنها مركزة كثيراً هنا في ولاية كاليفورنيا. وتقوم الشركات بانتاج الكثير من انواع الافلام من دراما ورعب وكوميديا وجريمة. لكن على ما يبدو فإن افلام الجريمة هي اكثر انتشاراً لان المشاهدين يرغبون بمتابعتها لما لها من اثارة وتشويق. جميع هذه الافلام يستعمل فيها اسلحة كاذبة كالسكاكين والفؤوس الاصطناعية والمدافع والبنادق والمسدسات الحقيقية لكنها تحشى برصاص كاذب يصدر النيران والاصوات المدوية الا انه لا يقتل البشر. فيقوم الفنيون باضافة الاصباغ الحمراء لتوهيم المشاهد على انها دماء. الاحصائيات تدل على ان شركات تصنيع الرصاص الكاذب تبيع مليون ونصف المليون رصاصة شهرياً لشركات المنتجة للافلام وهذا بكاليفورنيا فقط.
المتهم بقضيتنا هو ممثل من اصل عربي مسلم ويعمل بهوليوود منذ اكثر من ثلاث سنوات بادوار ثانوية، وهذه هي المرة الاولى له كي يأخذ الدور الرئيسي بهذا الفيلم وقد قام بدوره بشكل ممتاز حيث ادى دور الزوج المخدوع الذي يداهم زوجته وهي متلبسة بالخيانة فيطلق عليها الرصاصات الكاذبة ليقتلها لكنه لم يكن يعلم ان الرصاصات قد بُدّلَت برصاصات حقيقية ادت الى قتل الممثلة هيذر بيترسون والممثل ادم فركيسون.
اراد الادعاء العام ان يوهمنا ان السيد عبد القادر او ابيكار للاختصار اراد ان يوهمنا انه كان قاصداً قتل عشيقته وذلك بالتضاهر بانه لا يعلم بالرصاص الحقيقي وانه هو الذي استبدله في مشط البندقية الآلية اثناء دخوله لمخزن المعدات ليلاً. والآن دعوني اتحدث اليكم بالمنطق ومن خلال شهادات الشهود.
اولاً لو فرضنا ان ابيكار هو القاتل الحقيقي وانه ذهب الى المخزن بالليلة التي سبقت تصوير المشهد وقام باستبدال الرصاص الكاذب بالرصاص الحي. حسناً ولكن ايــــــــن ومتـــــــى فعل ذلك؟
اخبرنا المسؤول عن المخزن السيد مارتن بارو ان هناك كامرة تدور بالمخزن وتغطيه على 180 درجة لذلك على القاتل ابيكار ان يدخل المخزن لابساً قفازاته البلاستيكية ويقوم بعملية اخراج الرصاصات الكاذبة الـ 25 من المشط وادخال الرصاصات الحقيقية الـ 25 الى المشط خلال فترة لا تزيد عن 40 ثانية والا فان الكاميرا ستعود وتصوره. وهذا مستحيل لان المحقق هاري شلوسكي برهن امامنا انه عندما يكون مرتدياً القفاز لا يستطيع ان يحشي مشط مسدسه بالرصاصات الـ 7 سوى بما يقارب ثلاث دقائق. اي ان حشو 25 اطلاقة بالمشط سيستغرق ما يقارب من 9 دقائق. وهذا مستحيل لان الكامرا ستعود وتصوره. وقد فحصنا اشرطة الكامرة فلم نجد فيها اي شخص داخل المخزن تلك الليلة.
اما الاحتمال الثاني هو ان يأخذ المشط من المخزن بفترة وجيزة الى منزله ويقوم بعملية استبدال الرصاص هناك ثم العودة الى المخزن وارجاع المشط الى مكانه بسرعة كبيرة بحيث يكون ذلك اكثر نجاعة. لكن الانسان الذي يقوم بكل هذه الحسابات اي الاخذ بنظر الاعتبار الوقت الذي تدور به الكاميرا وتعود للتصوير ثم تبديل الرصاص وعدم ترك البصمات على الرصاصت. من الصعب التصديق انه يقوم بوضع الرصاصات الكاذبة والخالية من البصمات وهي الدليل الوحيد ضده في جرار مكتبه كي يأتي فريق الشرطة ليعثر عليها هناك بكل سهولة. وبدلاً من ذلك كان بامكانه ان يرمي تلك الرصاصات الكاذبة بالبحر او يدفنها باي حفرة بعيدة ولا يجدها اي مخلوق على الكرة الارضية.
الآن التحليل الوحيد والمنطقي يا حضرات المحلفين هو ان شخصاً ما قام بتبديل الرصاصات ووضع الرصاصات الكاذبة بجرار مكتب السيد ابيكار كي يلصق به التهمة.
لذلك اطالبكم ان تقومو بتبرئة موكلي من هذه التهمة التي لا تستند الى المنطق وان نطالب الشرطة جميعاً كي تحقق بالموضوع حتى تضع القاتل الحقيقي امام المحكمة حتى ينال عقابه العادل ويصبح خلف القضبان. شكراً.
دخل المحلفون الى غرفة المداولة ورفع القاضي الجلسة. خرج المحامي من القاعة وبقي مساعده بصالة المحكمة ينتظر نتيجة المداولة. جلس المحامي بول رايدر على احدى الارائك يشم انفاسه ويرتاح لانه شعر انه قد انجز مهمة مستحيلة.
وبعد مرور ثلاث ساعات خرج مساعد المحامي وقال له ان المحلفين قد انهوا تداولهم وعادوا الى صالة المحكمة. فرجع المحامي وجلس الى جانب موكله عبد القادر كي يستمع الى النتيجة وهو بغاية التوتر فسمع القاضي يسألهم إن كانوا قد توصلوا الى قرار موحد فاجابه مندوبهم بالايجاب واعطاه الورقة التي تحتوي على القرار للساعي كي يوصلها الى القاضي. وبعد ان قرأها القاضي ارجعها لمندوب المحلفين كي يقرأها فقال، "نحن المحلفون الاثنى عشر قد تداولنا القضية التي امامنا بما يخص عملية قتل هيذر بيترسون وادم فركيسون وقد وجدنا بالاجماع ان المتهم عبد القادر الورداني الملقب بابيكار غير مذنب بالتهمة الموجه اليه"
ارتفع الضجيج في المحكمة بين معارض ومؤيد. قفز المحامي بالهواء فرحاً وعانق المتهم عبد القادر ثم سمعوا القاضي وهو يطرق الطاولة بمطرقته ثم يصدر الحكم قائلاً، : " انا القاضي مايكل روبير شاير اعلن ان المتهم عبد القادر الورداني قد اسقطت عنه جميع التهم وهو حر طليق من الآن"
عمت الفرحة على الجميع ما عدى المدعي العام ونائبه لكنهما ذهبا الى المحامي وهنئاه على الفوز وخرجا من قاعة المحكمة.
بعد مرور اسبوعين اقلعت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية من مطار فلوريدا متجهةً الى باريس وعلى متنها 210 راكب. جلس رجلان بالدرجة الاولى وهم بغاية السعادة لانهما عائدان للوطن. الاول ضابط المخابرات العميد عبد السلام بن هاني والثاني ضابط المخابرات العقيد محمد جمال والذي نعرفه بـ (عبد القادر الورداني او ابيكار). وبعد ان استبدلوا الطائرة بمطار اورلي بباريس ركبا طائرة اخرى من نوع اير باص تابعة لشركة طيران الملكية المغربية. وقبل وصول الطائرة الى مطار الرباط بساعة دار الحديث بينهما كالتالي،
العقيد محمد بن جمال : انت لا تستطيع ان تقدر مدى اشتياقي للمغرب سيدي.
العميد عبد السلام بن هاني : انت اتممت مهمتك بكل جدارة وتستحق العودة لوطنك واهلك.
العقيد محمد بن جمال : لقد ثأرت لمقتل زوجتي واولادي حميد وسعيد رحمهم الله بذلك اليوم المشؤوم الذي قام العميلان شاؤول گباي وشولا اليعازر على تفجير دار السينما بالقصر الابيض بالمغرب. بعد تنفيذ عمليتهما القذرة استقرا بامريكا وغيرا اسمائهما وعملا كممثلين كي لا نعثر عليهما والآن اشعر بارتياح كبير بعد ان قمت بقتلهما بتلك الضربة المفتعلة وامام الكامرات.
العميد عبد السلام بن هاني : ولكن اخبرني يا عقيد محمد، انا لازلت في حيرة من امري، كيف تمت عملية التظليل؟
العقيد محمد بن جمال : لقد كانت بغاية البساطة. قمت بحمل مشط مليء بالرصاص الحي معي وذهبت به الى مخزن المعدات. وهناك انتظرت الكاميرا حتى ابتعدت ثم قمت باستبدال مشطي المليء بالرصاص الحي بالمشط المليء بالرصاص الكاذب خلال ثواني قليلة ثم خرجت وعدت الى منزلي. وفي الطريق اخرجت الرصاص الكاذب من المشط ثم تخلصت من المشط الفارغ وابقيت الرصاص الكاذب بجيبي. وحالما وصلت شقتي، قمت بتنظيف الرصاصات من بصماتي ووضعتها بجرارة مكتبي في امل ان تعثر عليها الشرطة وهذا فعلاً ما قد حصل.
العميد عبد السلام بن هاني : ولكني لازلت لا افهم شيئاً واحداً. مهمتك كانت التخلص من هذين الارهابيين وسافرت ورائهما لامريكا وبقيت تبحث عنهما لفترة طويلة حتى عثرت عليهما ثم بدأت تعمل معهما بالتمثيل وتنتظر الفرصة الملائمة كي تقضي عليهما. وعندما جائتك الفرصة وبيدك بندقية آلية تحتوي على 25 اطلاقة، فانت لم تطلق عليهما سوى 5 رصاصت قاتلة وباقي الرصاص استقرت بالحائط والسرير. مع العلم انك الاول على دورتك بالتهديف، لماذا؟
العقيد محمد بن جمال : اطلقت عليهم الرصاصات القاتلة بحذر شديد وباقي الرصاص بددتها ونشرتها بكل مكان كي يبدو الامر مقنعاً. فالذي يمثل لا يهمه اين تتجه البندقية لان الرصاصات فارغة، لذا فهو لا يهدف تهديفاً حقيقياً دقيقاً.
العميد عبد السلام بن هاني : هناك ملاحظة اخرى لم ينتبه لها المدعي العام اثناء الجلسة وهي، بما انهم يعرفون عنك انك خدمت بالجيش المغربي. وتعرف ان اطلاق النار بالبندقية الآلية له رد فعل لكل اطلاقة لذلك فانبندقية تهتز وترتعش بقوة الى المام والى الخلف اثناء الاطلاق. وانت عندما قمت باطلاق النار (بحسب رأي المدعي العام) لماذا لم تتوقف من اول اطلاقة عندما شعرت برد فعل الرصاص الحي؟
العقيد محمد بن جمال : بالحقيقة انا كنت خائفاً من هذه المعلومة لكن يبدو لي ان المدعي العام لم يكن يعي هذه الحقيقة.
العميد عبد السلام بن هاني : انا متأكد من ان جلالة الملك سوف يمنحك ترفيع بعد هذه العملية الجريئة. احييك يا بطل.
1622 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع