جداول قُتلت أحلامها

                                                         

                         فاطمة هادي شاكر القريشي

جداول قُتلت أحلامها

عندما تكون الغيرة قاتلة تفعل مالم يكن بالحسبان . وأن مقدور الحياة أن نراها تكمن في أسباب كثيرة منها يجعلنا نبتسم ، والآخر يجعلنا نعيش مرارة التجربة ، هكذا هي دنيانا كرّ وفرّ مادام فيها رغبات وتطلعات لكن لايزيد الإنسان طمعاً إلا حين يفقد قناعته فيها .
كانت هناك عائلة من أجمل العوائل وألطفها ، تتكون من أب و إم وابنيهما مناف الذي يعمل مهندسا و زيد وهو طالب في المرحلة الرابعة في قسم الكيمياء .
كان الجميع يعيش سعادة غامرة ، لما يسودهم من وئام وسكينة .
في يوم من الأيام فاتحت الأم ولدها مناف بقولها :
- ولدي الحبيب لقد بلغت الثلاثين من العمر وعليك إكمال نصف دينك .
- نعم يا أمي فأنا أرغب في ذلك .
- وهل وضعت عينك على إحداهن ، أم أختار لك من بنات خالتك ، ماذا تقول ؟ وهي تربت على كتفه بلطف .
- أنا أرغب في الزواج من دانا التي أحبها منذ سنتين ، كانت زميلة لي أيام الدراسة.
- طيب لاتهتم سنزوجها لك (وما يكون خاطرك إلا طيب حبيبي) .
ذهبت الأم كما هي العوائل حين تخطب لأبنائها ، فأول الأمر تذهب النساء ؛ لتتعرف على العائلة وتطرح رأيها في خطبة الفتاة التي يرغبون خطبتها .
وافق أهل دانا بذلك , وقد قابلوا أهل مناف بكل احترام وتقدير .
مناف جهز كل شيء للزواج بعدما بنى طابقاً علوياً لبيتهم الذي يقع في مكان يتقاطع به شارعان كبيران .
وبعدما أتمَّ عشه الزوجي تزوج من دانا ، وعاشا أجمل الأوقات وأنداها والفرح يداعب شمائلهما.
أما زيد فقد أكمل دراساته الجامعية ، وفي يوم حكى لدانا التي كانت تحترمه كثيراً - وقد اتخذته صديقاً لها- حبه لمروة وهي فتاة تسكن الحي نفسه ، لكنه لايمتلك مالاً للزواج منها .
وعدته دانا بمساعدته في الزواج ممن يحب حتى أنها أهدت له ثمن مجوهراتها بعد بيعه ، وقدمته له ثمناً لمهر مروة ، لم يقبل في بادئ الأمر لكن أقنعته أنه بمثابة أخيها ولابد من قبول هديتها له .
شكرها على تضحيتها الكبيرة من أجل سعادته . فأقام مشروعاً تجارياً درَّ عليه الكثير من الأموال .
وذات يوم فاجأها باسترداد المبالغ التي أعطتها إياه مع هدية ثمينة، لتقديرها وإخلاصها له .
ثم قرر الزواج من مروة التي أصبحت تغار من دانا ، لأن دانا أجمل منها وأبهى ، فضلاً عن قربها من أفراد العائلة جميعها ؛ لطيبتها وحسن تصرفها ؛ مما جعل مروة تفتعل المشاجرات معها .
وفي ذات يوم افتعلت مروة مشاجرة وبحضور مناف وزيد مع ديانا فمثلت مروة دور المظلومة ، فقامت بتحريض زيد لعتاب أخيه من تصرفات دانا تجاهها:
- لم أعد اتحمل زوجة أخيك ! بينما دموع الخداع تقطر من عينيها
- لا بأس سوف أكلِّم مناف ، كفى دموعا – حبيبتي - لم أعد أطيق ذلك .
صعد زيد إلى مناف ؛ ليعاتبه ما جعل مناف يصرخ بوجه زيد فتدافعا ، فإذا بزيد يرمى على حزمة من (أشياش تسليح) فاستقر أحدهما في ظهر ؛ ليفارق الحياة أما دانا فكانت تحضر حليباً لمولودها ، فسمعت مناف يصرخ ويقول
–لقد قتلتك يا حبيب قلبي
فأفزعها ما حدث فراحت تنادي من هم في الطابق الأسفل وهي تصرخ بأعلى صوتها .
على الرغم من كل ما حدث كان سببه حقد مروة وغيرتها من دانا ، فظلت تحمل الحقد ، مما جعلها تدلي بشهادة زور ضد دانا ، ادَّعت فيها أنَّ دانا كانت تربطها علاقة غير شرعية بزوجها زيد ، وقد قُتِل لهذا السبب .
ألقي القبض على دانا وعدُّوها هي السبب الأول في الجريمة ، فحُكِمَ عليها بالإعدام أما مناف فقد أُطلِقَ سراحه بعد توقيفه عِدة شهور ، لكنه تخلَّى عن دانا ولم يقف معها بعدما وقفت معه ومع عائلته مواقف طيبة .
وفي يوم تنفيذ حكم الإعدام ، حضر كل من له شأن بذلك ومنهم رجل الدين الذي جاء ليلقنها الشهادتين ، لكن كانت مشيئة الله أقوى .
فكل ما يوضع الحبل في رقبتها ويتم التنفيد ينقطع الحبل ، وقد تكرر ذلك خمس مرات ، مما جعل الشيخ يصيح بأعلى صوته :
كفى ، توقَّفوا ، حسبي الله ... أنا لم أشاهد مثل هذا الأمر طوال حياتي ! وهو يتمتم بذكر الله ، اتركوها إن في ذلك حكمة ربانية ، أعيدوا محاكمتها ، ربما تكون مظلومة .
وبالفعل أعادوا محاكمتها وعند سماع مروة بذلك جنَّ جنونها ، فأوكلت عدة محامين ؛ لكي تثبت التهمة على دانا ، فتم إصدار حكم الإعدام مرة أخرى ، فأعدمت دانا على الملأ . ففاضت روحها إلى بارئها نقية طاهرة الأردان .
في هذا العصر تغيَّرت الموازين ، فمروة تعيش مترفة بما خلَّفه زيد من ثروة كبيرة والتي كان لدانا الفضل فيها . بينما آلآلاف مثل مروة من رجال ونساء يجلسون على أسرة الحرير من غير أدنى حق لكن آخرين يباتون في دهاليز الفقر والمعاناة ، نتيجة الظلامات التي خلفها الماكرون.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع