بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة /آلة الزمن -الجزء الاول
وقف ابراهيم رافعاً عصى غليظة الى العلى محدقاً بالفتيان الاربعة الذين سرقوا دراجته. لقد كانوا يعرفون تمام المعرفة ان الله منحه قويٌ خارقة بالرغم من انه وحيداً لكنه يستطيع ان يتغلب عليهم بالقتال. حاول احدهم ان يراوغه فقال،
حسين : كم انت جبان يا ابراهيم. تود ان تتشاجر معنا حاملاً بيدك تلك العصى؟ لولاها لما تجرأت ان تتحدانا.
ابراهيم : انتم سرقتم دراجتي وانا مستعد ان استخدم اي شيء كي استردها.
اجابه حسين رئيس العصابة ،
حسين : من قال انها دراجتك؟ هل ترى اسمك مكتوبٌ عليها؟
ابراهيم : دعك من هذا الغباء. انت تعلم جيداً انها لي وانتم سرقتموها من امام مدرستي. كنتم دائماً تنظرون الي بحقد عندما تروني ارجع من المدرسة كل يوم. ليس هناك من يعرفكم افضل مني، انتم لصوصٌ حاقدين وتودون ان تنالوا مني لكني جاهز لكم حتى وإن احظرتم جميع اصحابكم معكم. هيا تعالوا إن تجرأتم. هيا.
حسين : ستندم يا ابراهيم. سنقطعك ارباً ونكسّر عصاك فوق رأسك.
ابراهيم : وانا احب ان تتكسر فوق رأسي. هيا تقدموا إن كنتم رجالاً!
علم حسين ان ابراهيم جاد بتحديه وانهم لن يتمكنوا من التغلب عليه فتراجع وقال،
حسين : كلا سوف لن ندعك تنال مبتغاك. تعال وخذ دراجتك اللعينة ولا ترينا وجهك ثانية.
ابراهيم : انتم جبناء ولن تتمكنوا من النيل مني لا الآن ولا باي وقت لاحق. اياكم ان تسرقوا مني شيئاً بالمستقبل فسوف لن ارحمكم. اذهبوا بعيداً عن حارتنا. ها قد حذرتكم.
سار ابراهيم نحوهم بكل ثبات بينما كان يبحلق مباشرة باعينهم. امسك بدراجته بكل ثقة ليقتادها بعيداً عن اللصوص الذين سرقوها. بقي ينظر باعينهم ويتحداهم لكنهم لم يتجرأوا على مجابهته لانهم يعلمون انه عندما يتقاتل فانه سينقلب الى ظرغام هائج لا يهمه الالم بتاتاً. ولما صار بعيداً عنهم ركب الدراجة وعاد بها لداره. دخل الدار فوجد والدته تعد الطعام بالمطبخ قال،
ابراهيم : السلام عليك يا امي.
الوالدة : وعليك السلام يا بني. كيف حالك؟
ابراهيم : انا بخير. كيف حالكِ انتِ؟
الوالدة : كان لدي امتحان بالمدرسة وكانت اجابات طلابي مخجلة. يبدوا انهم لا يفقهون شيئاً عن التاريخ الذي ادرسه لهم. احياناً اعاتب نفسي لاني ادرس المادة التي تدخل من اذن وتخرج من الاخرى.
ابراهيم : انتِ شاطرة فقط على اولادك. لقد أهلكتيني انا واختي وداد بمادة التاريخ ورحتِ تدرسيها لنا حتى اثناء العطلة الصيفية. والآن اخبريني اين جدي؟
الوالدة : هل حصل معك اليوم شيء غير اعتيادي يا ولدي؟ تبدوا متوتراً على غير عادتك.
ابراهيم : كلا يا امي ابداً، انا بخير. اين جدي؟
الوالدة : اذهب واغتسل كي تستعد لوجبة الغداء.
ابراهيم : حسناً ساغتسل. ولكن اين جدي؟
الوالدة : لقد صدعت رأسي يا فتى، اين جدي اين جدي. جدك في المعبد منذ الصباح الباكر. يجب عليك ان تعتني به كثيراً لانه ليس على ما يرام. يبدو لي وكأن صحته تتدهور يوم بعد يوم. اريدك يا بني ان تسليه وتخرجه من همومه هذه.
ابراهيم : لقد كان سعيداً دائماً، لكنه اصبح كئيباً هذه الايام.
الوالدة : لقد عودنا جدك على ان يتحلى بالمرح دائماً. يضحك، يغني، يرقص، يمازح الجميع، لم نراه يوماً بهذه الحالة ابداً. ارجوك حبيبي حاول ان ترفه عنه لانه يحبك كثيراً ويعتبرك اهم انسان بحياته.
ابراهيم : انت تعلمين جيداً كم احب جدي فبالنسبة لي هو بمثابة المعلم والاب الروحي والمثال الاعلى.
الوالدة : عفاك يا ولدي. والآن إذهب اليه واستدعيه للطعام بعد ان تغتسل.
مشى ابراهيم الى قلب الدار ثم فتح الباب الخلفي المطل على الفناء ودخل المستودع الخارجي الذي عادة ما تخزن فيه والدته المواد الغذائية واواني الطبخ ومستلزماته. دخل الغرفة فرأى جده منهمكاً بعمله على الآلة التي يصنعها فابتسم وقال،
ابراهيم : السلام عليك يا جدي. كيف حالك؟ والى اين وصلت بالكبسولة ؟
خلف : صباح الخير يا افضل حفيد عندي. الكبسولة بخير ولازلت اقوم ببعض التعديلات عليها.
ابراهيم : ومتى تعتقد انها ستكون جاهزة كي اجربها.
خلف : تجربها؟ هل جننت؟ كلا يا ولدي سوف لن يجربها احد سواي انا يا حبيبي. فانا الذي صنعتها وانا الذي اجربها بعد ان تصبح جاهزة. لم يبقى الا الشيء القليل وتصبح 100 بالمئة.
ابراهيم : لكني لازلت اجهل عمل هذه الكبسولة. بالرغم من انك شرحت لي طريقة عملها لكني لم افهم المبدأ العلمي بعد.
خلف : دعني اكمل ما بيدي الآن، ساربط المعجل بالمحرك الرئيسي ثم اشرح لك الطريقة بشكل مبسط.
ابراهيم : حسناً يا جدي. ساراقبك وانت تعمل.
خلف : إذاً ابقى صامتاً ودعني اركز على عملي.
ابراهيم : هل تأذن لي بسؤال واحد يا جدي قبل ان تبدأ؟
خلف : تفضل يا حبيبي. اسأل؟
ابراهيم : لماذا تبدو حزيناً هذه الايام؟ فانت لست على عادتك.
خلف : انها ذكرى وفاة جدتك حسيبة يا ولدي. البارحة صادف ذكرى وفاتها.
ابراهيم : هل كنت تحبها كثيراً يا جدي؟
خلف : اجل يا ولدي. كانت هي كل شيء بالنسبة لي. ساندتني ووقفت الى جانبي طوال حياتها ولم تسمح لاحد ان يغضبني او يعكر مزاجي. كانت هي الامل والحب والحياة.
ابراهيم : الم تتخاصما يوماً يا جدي؟
خلف : ابداً، ابداً. عندما كنت حزيناً او غاضباً او مريضاً كانت هي البلسم الذي يشفيني. كانت تعتني بي وكأني طفل صغير.
ابراهيم : انا لا اصدق ذلك. كيف تعيش معها طوال تلك السنين ولم تتشاجرا يوماً واحداً.
خلف : فعلاً. لم يسبق لنا ان تشاجرنا ولا حتى للحضات. كانت تحبني كثيراً وكنت انا اقدس الارض التي تسير فوقها.
ابراهيم : واين كنتم تسكنون؟
خلف : كنا نسكن بمنطقة قمبر علي. الم اخبرك عن 10 من 10؟
ابراهيم : كلا يا جدي، ارجوك اخبرني.
خلف : إذاً اسمع يا برهومي. عندما اشتريت الدار في قنبر علي قررت البلدية ترقيم المحلات وقتها. فمنحت منطقتنا الرقم 10 وصار تسلسل بيتنا 10. فاصبح عنواننا 10/10.
ابراهيم : هاهاها، اجل فهمت الآن. والآن اخبرني يا جدو، ماذا تعمل؟
خلف : ساخبرك بذلك ولكن بعد ان اكمل ربط بعض الاسلاك بالمعجل.
ابراهيم : ساراقبك ولن افتح فمي هذا وعد مني.
استمر جده بعمله 30 دقيقة حتى سمعا صوت والدته وهي تستدعيهما لتناول وجبة الغداء فاجلا العمل على الكبسولة وخرجا من غرفة المخزن الذي تطلق عليه فاطمة لقب (المعبد). دخلا الى صالة الطعام فوجدا والد ابراهيم واخته الصغيرة وداد جالسين على السفرة بينما وقفت فاطمة تسكب لهما الارز. رفعت رأسها وقالت،
فاطمة : هل اغتسلتما يا شباب؟
خلف : انا لست شاباً، فانا 72 عاماً. هذا هو الشاب ابنك الذكي برهومي.
فاطمة : تقول عنه ذكي وقد طلبت منه ان يغتسل منذ ساعة لكنه لم يفعل، ربما يريد ان يصاب بالكورونا. هيا اذهب الى الحمام وارجع فوراً. لا تنسى المعقم بعد التغسيل، افهمت؟
ابراهيم : حسناً يا هتلر سافعل.
خرج ابراهيم من صالة الطعام وراح يغتسل ثم عاد بعد دقائق وقال،
ابراهيم : انا جاهز يا امي. دعنا ناكل فانا اتضرع من الجوع.
جلس الجميع على الطاولة وصاروا يأكلون بشهية كبيرة لان فاطمة طباخة ماهرة فقد اعدت لهم مرقة السبانخ والرز. تمتعوا جميعاً بمذاقها اللذيذ لانها اتقنت عملها. وبعد ان انتهوا من تناول الطعام تسائل عبد الهادي والد ابراهيم،
عبد الهادي : اما زلت يا عمي مصراً على عمل كبسولة الزمن التي ستأخذك الى ايام ابو لهب؟ هاهاها
خلف : انا لست مستعداً ان اتناقش مع انسان جاهل مثلك. اتركني بحالي يا هادي.
عبد الهادي : حسنا، حسناً انا فقط اردت الاطمئنان على حالتك النفسية.
خلف : اطمئن يا صهري العزيز فانا لم اصل لحالة الخرف بعد. لذلك دعني اعمل ما اعمل وابقى انت بحساباتك.
عبد الهادي : وهل تعتبر مهنة المحاسبة شيء يعاب عليه الانسان؟
خلف : كلا ولكن الانسان يصبح معاباً عندما يستهزئ بما يجهل.
ابراهيم : دعنا نرجع للمعمل يا جدي فقد وعدتني بان تشرح لي بعض الامور.
خلف : هيا يا ولدي دعنا نخرج فقد شعرت بضيق في التنفس واكاد اصاب بجلطة في الدماغ من جراء الحديث مع اباك الساذج.
خرج الاثنان وتوجها نحو المعمل. وهناك قال الجد،
خلف : اسمع يا ولدي. انت تعلم ان الساعة تقيس الزمن. والزمن يسير الى الامام. فماذا لو توقفت الساعة؟
ابراهيم : سيستمر الزمن ولا يتوقف.
خلف : هذا شيء صحيح جداً. إذاً الزمن لا يتوقف. ولكننا اذا نظرنا الى الساعة فسوف نتوهم ان الزمن قد توقف اليس كذلك؟
ابراهيم : هذا صحيح، انه مجرد وهم.
خلف : فاذا اردنا ان نصلح الساعة فاننا نجعل الساعة تتساير مع الزمن بشكل صحيح ولكن ماذا لو اننا بدلاً من ذلك ارجعنا الزمن كي يتماشى مع الساعة؟
ابراهيم : لكن ذلك غير معقول يا جدي. انا اعتقد ان ذلك ضرب من الخيال ولا يمكن وقوعه فذلك مخالف للعلم والمنطق.
خلف : دعني اوضح لك ذلك بشكل مختلف. ارجوك ارني هاتفك النقال. ما هو صنعه؟
ابراهيم : انه سامسونغ.
خلف : هل هو انسان ام آلة؟
ابراهيم : انه آلة بطبيعة الحال.
خلف : وهل بامكان تلك الآلة ان تتلاعب بمشاعرك كانسان؟
ابراهيم : مستحيل، ابداً.
خلف : وماذا لو ان صاحبك اتصل بك هاتفياً واوصل اليك خبراً محزناً؟
ابراهيم : ساتأثر به وقد ابكي.
خلف : لكنك تتطلع بالآلة وقد تاثرت بالصوت والصورة التي تأتيك من الهاتف؟
ابراهيم : نعم.
خلف : لكنك تبكي. وهذا ما اردت ان اصل اليه. نحن كبشر نرفض اي شيء خارج عن المألوف لأننا نريد ان نبسط الامور ولاننا لا نؤمن بالشيء قبل ان نراه باعيننا ونلمسه بايدينا اليس كذلك؟
ابراهيم : اجل صحيح.
خلف : انا لو ارجعتك 20 سنة الى الوراء واخبرتك ان هناك جهاز هاتف ذكي يستطيع ان يعمل كل شيء كما تعمل الحواسب فماذا سيكون رد فعلك؟
ابراهيم : سوف لن اصدق ذلك.
خلف : لكن العلم تطور بشكل ملحوظ ووفر لنا الهواتف الذكية وبعد ان تلاشت دهشتنا من تلك الهواتف، اصبحنا نسلّم على انها شيء اعتيادي وهي جزء من حياتنا اليس كذلك؟
ابراهيم : اجل يا جدي العبقري. الآن فهمت مبدأك الفكري ولكني لازلت لا استوعب كيف تستطيع تلك الكبسولة ارجاعنا للماضي.
خلف : اسمع مني يا برهوم. ان قلب الكبسولة هو المعجل، فهو يقوم بتعجيل نواة الذرة بحيث تتحرك بمسار حلزوني يعاكس دوران الساعة فيخترق حاجز الزمن كما تخترق الطائرة حاجز الصوت.
ابراهيم : اجل يا جدي لقد قرأت عن ذلك بالفيزياء. إذ عندما تخترقه يصدر صوت مدوي يشبه الانفجار. الآن فهمتك.
خلف : سوف يدرس اسلوبي عن كيفية اختراق حاجز الزمن بعد ان نطرح افكارنا للملأ ثم يصبح الامر اعتيادياً ومسلمٌ به كما سلمنا بالهواتف الذكية.
ابراهيم : الآن انا اكثر فهماً للموضوع ولكن دعني اسألك بعمق اكبر. هل بامكان آلتك هذه ان ترجع الى الماضي الآن؟ اقصد هل هي جاهزة للعمل؟
خلف : اجل انها جاهزة ولكن هناك شيء مهم ينقصها. فاذا جلست انا مثلاً بداخل الكبسولة وقمت باختيار تاريخ معين لو فرضنا 1/1/1900 فان الكبسولة ستذهب الى ذلك الزمان لكنها سوف لن تكون بنفس الموقع الذي هي فيه الآن. لانها مازالت تختار المكان عشوائياً.
ابراهيم : وهل هناك احتمال ان يكون مكان الوصول بعيداً بآلاف الكيلومترات عن هذا المكان؟
خلف : كلا ولكن ربما بضع كيلومترات فقط. فمثلاً نحن الآن في زيونة فاذا قمت بتجربتها الآن فسوف ترجعني الى التاريخ المطلوب ولكن بمنطقة معسكر الرشيد او الوشاش او الامين او بغداد الجديدة.
ابراهيم : وما المشكلة في ذلك؟
خلف : طبعاً إذا رجعت وحطت على مكان يابسة فهذا شيء جيد ولكن ماذا سيكون رد فعلي لو ان الكبسولة وقعت بمستنقع او بالنهر او بوسط طريق سريع او بساحة معركة؟
ابراهيم : اجل الآن فهمت سبب قلقك. ولكن كيف ستحل ذلك؟
خلف : بما ان في الزمن الماضي لم يكن لديهم جهاز الـ GPS او الملاح الآلي لتحديد المواقع لذلك ساحاول ان اجد طريقة تجعل الكبسولة ترجع الى نفس المكان الذي انطلقت منه. اما الآن فليس لدي المزيد من العمل لان المحرك يحتاج الى وقود. الآن انا متعب، ساصب الوقود للكبسولة غداً وساجربها.
ابراهيم : إذاً الغد سيكون اليوم المنشود. حظاً سعيداً يا جدي. والآن يجب علي ان ارجع الى غرفتي فانا استعد للبكالوريا هذا العام وعلي ان احصل على معدل جيد كي ادخل جامعة جيدة. اريد ان ادخل كلية العلوم واصبح عالماً مثلك يا جدي.
خرج ابراهيم من المختبر بعد ان قبّل جده وعاد الى الدار ذاهباً مباشرة الى غرفته كي يراجع دروسه. فتح كتبه وبقي يفكر بما قاله جده عن الرجوع الى الماضي لانها كانت فكرة تستهويه جداً ويتمنى ان يخوضها ولو لمرة واحدة بحياته. اراد ان يتفحص الكبسولة بنفسه بدون وجود جده. فقرر ان ينزل بتلك الليلة الى المعمل ثم يتفحصها بنفسه. دق جرس المؤقت تمام الساعة الثالثة صباحاً فانتفظ ابراهيم من سريره وارتدى ملابسه ثم وضع هاتفه الذكي والشاحنة بجيبه كعادته ونزل الى الطابق السفلي، ومن هناك خرج من الباب الخلفي متجهاً الى مختبر جده. فتح الباب ودخل المختبر فيلم يجد احداً هناك. اشعل النور ثم راح يتفحص الكبسولة الزجاجية التي يعمل عليها جده. فتح بابها ونظر بداخلها فوجد ان هناك متسع كبير بالداخل.
مد ساقيه ودخل داخلها ثم جلس على الكرسي الوحيد بمنتصفها وبدأ يتفحص ازرار التحكم التي امامه. خرج من الكبسولة وجلب حاوية الوقود وصار يصبها بخرطوم الكبسولة حتى امتلأت فعاد ودخل الكبسولة ثانية.
ضغط على زر التشغيل فسمع صوت المحرك الرئيسي ثم بدأ يسمع المعجل حتى صارت الكبسولة تدور بسرعة عالية فقام بالضغط على زر آخر لتبدأ الكبسولة بالاهتزاز وبدأت تدور ببطئ حتى توقفت ثم عادت وبدأت تدور من جديد بعكس اتجاه عقرب الساعة. اصيب بالهلع لانه لم يكن يعلم كيف يوقفها. صار يكبس على الازرار بشكل عشوائي حتى بدأت تهتز بعنف وتصدر اصواتاً عالية تصم اذنيه. اراد ان يخرج منها الا ان الباب كان موصداً وليس هناك مجال لفتحه لانه يحكم آلياً للمحافضة على سلامة الراكب. بدأ الخوف يدب في اوصاله واعتقد انه سيموت بتلك اللحظة. حاول ان يقرأ بعض السور القرآنية كي يهيء نفسه للموت. دامت هذه الحالة ما يقرب من ربع ساعة الى ان توقفت الآلة تلقائياً وانطفأت جميع اضوائها ما عدى لوحة التحكم. نظر اليها فوجدها تشير الى ارقام غريبة.
نظر الى الرقم ولم يفهم للوهلة الاولى معناه ثم تذكر ما قاله جده بالامس فبدأ يحاول تحليل الامر. هل من الممكن انه رجع الى الماضي عام 1971؟ ولكن ما هي الارقام التي تليها؟ فقال لنفسه، "اجل لقد فهمت الآن، انه الرابع عشر من فبراير/شباط عام 1971. وما معنى تلك الكلمات التي بعدها؟ اوه ليتني ركزت على تعلم اللغة الانكليزية. نظر الى مفتاح احمر كتب عليه كلمة DOOR هذا بسيط، انه يعني الباب. دعني اضغط عليه وارى. حالما ضغط عليه انفتحت الباب. "ارجو ان لا اخرج فاجد نفسي بمختبر جدي ثانية ولم ابرح مكاني". اخرج رأسه خارج الكبسولة وصار يتفحص الموقع فوجد نفسه في مكان اشبه بغرفة المخزن الذي يعمل به جده الا انه مليء بالخردة. شاهد الكثير من الاخشاب بكل الاحجام وهناك دراجة هوائية صغيرة ينقصها عجلة امامية وهناك قدر كبير من النوع الذي تطبخ به الاطعمة اثناء المآتم والاعراس. بالقرب من الكبسولة شاهد سريراً حديدياً اكله الصدأ، تدلت منه الكثير من النوابض. خرج من الكبسولة وتمشى بالغرفة ثم رفع رأسه من حيث يأتي مصدر الضوء فوجد فتاة جميلة ترتدي نظارة طبية ثخينة، ترفع حجر صغيرة فوق رأسها كي تحتمي بها وتنظر اليه بخوف كبير.
الفتاة : من انت ولماذا اتيت الى هنا؟ هل انت لص؟ اجل انت لص انه واضح من شكلك اليس كذلك؟
ابراهيم : كلا انا لست لصاً. اريد ان اعرف تاريخ اليوم رجاءاً.
الفتاة : إذا لم تكن لصاً فلماذا دخلت بمخزن بيتنا؟ ماذا تريد مني؟ بامكاني ان اصرخ واستدعي الجيران.
ابراهيم : أاكد لك يا فتاة، باني لست لصاً. ارجوك لا تخافي مني، أخبريني عن تأريخ اليوم.
الفتاة : وما الذي جاء بك الى هنا؟
ابراهيم : ساخبرك فيما بعد ولكن اخبريني عن التأريخ ارجوك؟
الفتاة : انه يوم الجمعة.
ابراهيم : من اي شهر واي سنة؟
الفتاة : من شهر شباط 1971.
ابراهيم : عظيم، عظيم. انت عبقري يا ابو فاطمة يا بطل. ستحصل على جائزة نوبل. انا لا اصدق، لقد فعلتها لقد فعلتها. انا اول من استعمل آلتك الجديدة. كم انا احبك يا عبقري.
الفتاة : هل انت مجنون؟ ومن هو ابو فاطمة؟
ابراهيم : انه جدي ولكن اسمعي مني يا فتاة. ما اسمك؟
الفتاة : اسمي تالة عبد الحميد.
ابراهيم : واين نحن؟
تالة: الا تعلم كيف وصلت الى هنا؟ هل اتيت بسيارة بيكاب ومعك هذه الكرة الزجاجية؟
ابراهيم : اسمعي مني يا تالة. انا اسمي ابراهيم. وجدي انسان عبقري لقد اخترع هذه الكبسولة التي تعبر الزمن وقد استعملتها ليلاً عندما نام الجميع فاتيت بها الى هنا.
تالة: اتقصد آلة الزمن التي تأخذك الى المستقبل مثل كتاب المؤلف ويلز الذي الفه عام 1895؟
ابراهيم : اجل ولكن تلك القصة كانت من الخيال. اما هذه الآلة فهي حقيقة علمية.
تالة: ومن اي زمن اتيت إن كنت صادقاً؟
ابراهيم : من المستقبل عام 2020.
تالة: هذا شيء يصعب تصديقه.
ابراهيم : اسمعي مني ارجوكِ. لا اعلم كيف استطيع ان اقنعك ولكن انظري الي جيداً، هل شاهدت سروالاً مثل سروالي؟
الفتاة : اجل انه من نوع جينز وانا املك 3 منه.
ابراهيم : دقيقة واحدة لو سمحت. دعيني افكر... هل لديكم هاتف بالبيت؟
تالة: اجل انه بداخل الدار.
ابراهيم : هل استطيع ان اراه؟
تالة: انا وحدي بالدار فوالدي ووالدتي واخي الصغير اسامة سافروا الى الموصل وسوف لن يعودوا قبل يوم الخميس.
ابراهيم : إذاً دعيني ارى هاتفكم لو سمحتِ.
تالة: ارجو ان لا تخيب ظني وتسرق شيئاً. انا ساثق بك وادخلك بيتنا.
ابراهيم : اقسم لك اني لست لصاً.
تالة: إذاً تعال معي. ساريك هاتفنا.
دخل ابراهيم وتالة الى الدار فقادته الى مدخل البيت الرئيسي وقالت له،
تالة: هذا هو التلفون ثم ماذا؟
ابراهيم : يا سلام.انه من النوع القديم.
تالة: كلا انت مخطئ، انه جديد جداً، لقد نصبه لنا موظف من دائرة البرق والبريد والهاتف قبل اسبوع. هاتفنا القديم اصيب بالعطب وطلبنا منهم تغييره.
ابراهيم : انا اقصد انه من النوع القديم. فانتم تتصلون بالهواتف الاخرى بعملية تدوير قرص الارقام باصابعكم.
تالة: وكيف تريدنا ان ندور القرص؟ باسناننا مثلاً؟
ابراهيم : كلا يا تالة. بالمستقبل سوف يخترع الانسان الهواتف الرقمية الذكية والتي ستتطلب الضغط على الازرار بدل من القرص. وكذلك بامكانك ان تقولي اسم الشخص المطلوب فيقوم الهاتف بالاتصال به.
تالة: انا لا اصدق ذلك. هذا مستحيل.
وضع ابراهيم يده في جيبه واخرج هاتفه النقال وقال لها،
ابراهيم : هذا هو الهاتف من عام 2020. بامكاننا الاتصال باي شخص في جميع انحاء العالم مجاناً ونستطيع ان نراه عبر شاشته الصغيرة ويرانا هو ايضاً بشكل مباشر وحي.
اخذت الهاتف منه وتفحصته بيدها ثم قالت له،
تالة: حسناً إن كنت صادقاً بما تقول، قم بالاتصال بهاتفنا هذا ودعني اسمع رنينه.
ابراهيم : هذا غير ممكن الآن لان شبكات الهواتف الذكية لم تنصب بعد بزمنكم ولانكم لا تملكون واي فاي.
تالة: إذاً انت نصاب. ساتصل بالشرطة فوراً.
ابراهيم : انتظري دقيقة ارجوك. دعيني اسألك سؤالاً اخير وبامكانك ان تطلبي الشرطة بعده.
تالة: تكلم وبسرعة.
ابراهيم : هل لديكم آلة تصوير بالبيت؟
تالة: اجل، انها لوالدي ويمكننا ان نستعملها جميعاً.
ابراهيم : كيف تقومين بالتصوير؟
تالة: اضع عيني على الفتحة الصغيرة وانظر من خلالها ثم اضغط على الزر فتلتقط الصورة.
ابراهيم : وكيف تخرج الصورة؟
تالة: بعد ان يمتلئ الفيلم بالصور ناخذه الى مخبر لطبع الصور وبعد اسبوع تكون الصور جاهزة.
ابراهيم : وماذا لو قلت لك اننا بالمستقبل نلتقط الصورة ونستطيع ان نشاهدها فوراً وبنفس اللحظة. وان هواتفنا بالاضافة الى دورها كهواتف فانها تلتقط الصور الفوتوغرافية والافلام.
تالة: هذا مستحيل انت تكذب. لا يمكن ان اصدق ذلك.
ابراهيم : إذا قفي هناك وضعي الشمس امامك.
ذهبت الى الجزء المضيء من الغرفة وجعلت اشعة الشمس امامها. وجه ابراهيم هاتفه نحوها والتقط لها صورة. ثم قال لها، "غيري من موضعك قليلاً" فقامت باخراج لسانها كي تضحك عليه لانها تعتقد انها تتعامل مع معتوه وانه سوف يفشل بعمله هذا. الا انه التقط لها عدة صور ثم جاء بجانبها وصار يستعرض لها ما التقطه بهاتفه فانصدمت وقالت،
تالة: يبدو ان كلامك صحيح. كيف فعلت ذلك؟ هل استطيع ان اجربها؟
ابراهيم : بالتأكيد. امسكيها هكذا ثم وجهيها صوبي وقومي بالضغط هنا.
التقطت تالة عدة صور لابراهيم وهي تتارجح ما بين مصدقة ومكذبة لما بين يديها.
تالة: ربما سينفذ فيلمك من الكامرا.
ابراهيم : لا تقلقي فالهاتف لا يحتوي على فيلم وهو يستطيع ان يخزن مئات بل آلاف الصور بذاكرته الداخلية. لحسن الحظ فانا جئت بالشاحنة معي بجيبي والآن اريدك ان تقولي شيئاً او تغني وسوف اصورك بفيلم ڨيديو.
تالة: حسناً لكن صوتي قبيح. اسمع مني إذاً، (قمرة يا قمرة لا تطلعي عالشجرة * والشجرة عالية وإنتِ بعدك زغيّرة * يــــــــاه.. يا قمرة).
توقف عن التصوير ودعاها كي تشاهد الفيلم فشاهدت نفسها وهي تغني بالصوت والصورة فاصيبت بذهول واعجاب كبيرين.
ابراهيم : الهاتف فيه كامرتان، واحدة امامية وواحدة خلفية. انظري، بمجرد الضغط هنا استطيع ان احول الكامرة كي تلتقط الصور لي. تعالي الى جانبي وسوف التقط صورة لنا نحن الاثنين. نسميها سلفي.
تالة: يا الهي انت محق. انها صورة جميلة.
ابراهيم : هل هناك آلة تصوير تستطيع ان تفعل كل ذلك بزمنكم؟
تالة: كلا. لقد صدقتك الآن. هل تأذن لي كي اطلع على باقي الصور بداخل هاتفك؟
ابراهيم : بالتأكيد. انظري، هذه صورة امي فاطمة، نحن نسميها هتلر لانها صارمة جداً. هي مدرسة تأريخ.
تالة: انها جميلة جداً. ارجو من الله ان يحفظها لك.
ابراهيم : شكراً. وهذا جدي. هو الذي اخترع هذه الآلة التي مكنتني من العودة الى زمنكم. وهذه صورة وداد الزعطوطة. انها اختي الحبيبة. وهذا والدي اسمه عبد الهادي نلقبه عبودي. هو ليس على وفاق مع جدي.
تالة: عائلة رائعة حفظها الله. والآن قل لي ماذا تريد؟ ولماذا جئت الى هنا؟
ابراهيم : دعيني اتذكر قليلاً، اجل عرفت. ان الذي يحكمكم هو الزعيم عبد الكريم قاسم اليس كذلك؟ كلا، كلا انا غلطان انه احمد حسن البكر، مضبوط؟
تالة: اجل انه البكر.
ابراهيم : والآن اسألك للمرة الثالثة بعد المئة، اين نحن؟
تالة: ببغداد. هي هي هي
ابراهيم : اعرف ذلك ولكن باي منطقة من بغداد؟
تالة: نحن براغبة خاتون اتعرفها؟
ابراهيم : سمعت عنها لكني لم ازرها سابقاً لانها كانت محاصرة بصبات كونكريتية. ولكن اين تقع زيونة عن هنا؟
تالة: انا لم اسمع بزيونة من قبل. انتضر قليلاً. هل هي مدينة الضباط التي بالقرب من ملعب الشعب؟
ابراهيم : اجل انها هي. يا الهي لقد عرفتيها يا تالة. احسنت صنعاً انا فخور بك.
تالة: اسمع يا ابراهيم هل تشعر بالجوع او العطش؟
ابراهيم : اريد شرب شيء بارد لو سمحت، فانا اكاد اموت من العطش.
تالة: هل تريد تراوبي؟
ابراهيم : وما هو التراوبي؟
تالة: انه مشروب لذيذ جداً. تعال معي وجربه.
قادته الى المطبخ ثم فتحت الثلاجة واخرجت قنينتين من مشروب تراوبي ثم فتحت الاغطية واعطته واحداً منها. شرب رشفة منه فاعجب بطعمه كثيراً وفجأة عم الصمت بينهما. وبعد قليل قالت له،
تالة: بالواقع لدي كتاب اسمه (آلة الزمن) للكاتب ويلز وقد قرأته عدة مرات لاني احب تلك الفكرة. فكرة الذهاب للمستقبل اوالرجوع الى الماضي. لكني لم اكن اتخيل يوماً ان اقابل شخصاً يأتي من المستقبل لاني كنت اعتقد ان ذلك امراً مستحيلاً.
ابراهيم : لدي فضول كبير ان ارى بغداد بالماضي اقصد بزمنكم الآن. فهل هناك مانع ان نخرج بجولة كي ارى الحواري البغدادية معك؟
تالة: بالتأكيد. انا لم اخرج من الدار منذ ان سافرت عائلتي الى الموصل. دعني اغير ثيابي ونخرج سويةً.
صعدت تالة الى الطابق الثاني وتوارت بين ثنيات السلم ثم عادت بعد ربع ساعة فوجدته ما زال يشرب قنينة التراوبي.
تالة: هل اعجبك التراوبي؟
ابراهيم : بعد ان نفذت قنينتي الاولى ذهبت الى الثلاجة واحضرت قنينة ثانية. ارجو ان لا يزعجك ذلك.
تالة: ابداً يا برهم البيت بيتك.
ابراهيم : ارجوكِ لا تناديني برهم. فبالعراق مستقبلاً لدينا رئيس جمهورية اسمه برهم صالح، هو فاسد وعميل وسيء جداً.
تالة: ولماذا لم يثور عليه الشعب؟
ابراهيم : الموضوع معقد جداً والسبب هو ان لدينا الآن مليشات ورجال دين يعيثون بالارض فساداً ويملكون جيوشاً يقودوها كالعصابات يقتلون وينهبون وكله باسم الدين.
تالة: هل هذا هو العراق؟ هل انت جاد يا ابراهيم؟ هل هذا مصير بلدنا إذاً؟ انا جداً حزينة.
ابراهيم : الوضع اسوأ من ذلك بكثير لكني لا اريد ان احزنك يا تالة.
تالة: بل اريد ان اعرف. اخبرني ارجوك.
ابراهيم : هل سمعت بالكورونا؟ بالتأكيد لا، لانها جديدة.
تالة: وما هذا الكورونا؟ هل هو مشروب جديد كالكراش او السينالكو اوالببسي مثلاً؟
ابراهيم : يا ليته كان مشروباً. انه وباء خطير جداً حصد مئات الآلاف من الارواح ومازال حتى وقت مجيئي متفشياً بكل انحاء العالم.
تالة: من المؤكد انه لم يصيب العراق لان لدينا افضل نظام صحي بالعالم واطبائنا هم انزه واحسن الاطباء.
ابراهيم : مازال اطبائنا كفوئين جداً لكن نظامنا الصحي بالعراق وصل الى اسوأ حال. مستشفياتنا قذرة وبؤرة للجراثيم والاوبئة فقد اصبحت مرتعاً للصراصير والفئران والقطط. الدواء عندنا يباع بالسوق السوداء على ارصفة الطريق. بعض من الاطباء من الذين باعوا ضمائرهم صاروا يتاجرون بعلمهم ويتفقون مع صيدليات محددة يبعثون لها وصفات دواء مشفرة كي يأخذون من المريض اضعافاً مضاعفة من ثمن الدواء الاصلي.
تالة: كل ذلك يصعب تصديقه.
ابراهيم : صدقيه يا عزيزتي. ان هناك المزيد، ففي العراق اصبح هناك مشاكل طائفية بين الشيعة والسنة بين العرب والكرد بين المسلم والمسيحي بين الصابئي والسني المتطرف.
تالة: السني المتطرف؟ ما هذا الجنون؟ السني لا يمكن ان يكون متطرفاً لانه يحب اخوانه الشيعة.
ابراهيم : يا تالة قبل بضع سنين كانت هناك حرب طائفية وبالتحديد عام 2006 وقد دارت وقتها مأساة سميت بالقتل على الهوية. توقفك دورية غير معروفة ويسألونك عن مذهبك فان اخبرتيهم بمذهب مغاير لمذهبهم يقومون بقتلك.
تالة: انا لا اصدق كل ذلك. وماذا عن فلسطين؟ هل حررت من براثن الصهيونية المقيتة؟
ابراهيم : كلا ليس بعد، لدينا عراقيون يفتخرون بانهم عملاء لاسرائيل. لدينا سياسون يذهبون لاسرائيل للتباحث مع قادتهم. لدينا سياسيون عراقيون يستقبلون الاسرائيليين بمقاطعاتهم ويفخرون بذلك. صار بعض العراقيين الخونة يتلحفون بالعلم الاسرائيلي ويخرجون على التلفاز بكل وقاحة.
تالة: هل وصلنا لهذا الحد من الانحطاط؟ وماذا عن مصر هل ترضى بكل ذلك؟ ما رأي السادات؟
ابراهيم : السادات بنفسه سيزور اسرائيل وسيعقد معهم صلحاً بعد سنتين. وسيقتلونه باستعراض عسكري بعد ذلك. اليوم رئيس مصر هو عبد الفتاح السيسي يُعتَبَر من افضل اصدقاء اسرائيل.
تالة: لقد رسمت لي صورة قاتمة جداً للمستقبل. كيف تعرف كل هذه المعلومات؟
ابراهيم : الفضل يعود لامي. فهي مدرسة تاريخ ولا تتردد في انتهاز اي فرصة كي تصب المعلومات التاريخية برؤوسنا. والآن، هل لازلتِ تريدين ان نتجول ببغداد ام انكِ تراجعت عن وعدك.
تالة: تفضل معي دعنا نزورها قبل ان تتحول الى جحيم.
ابراهيم : هل لديكم سيارة بالبيت؟
تالة: لدينا اثنان. واحدة لوالدي من نوع ڨولڨو 164 وواحدة لوالدتي. لقد سافرت العائلة بسيارة الوالد الكبيرة وبقيت سيارة امي هنا. انا مخولة بقيادتها بعد ان حصلت على رخصة القيادة. بامكاننا ان نتجول بها. انها من نوع ڨوكسواگن رگة.
ابراهيم : اجل لقد شاهدت صورها بالانترنيت.
تالة: وما هو هذا الانترنيت؟
ابراهيم : الانترنيت هو شبكة حواسيب عالمية. هل تعرفين ما هي الحواسيب؟
تالة: بالطبع انها الكومبيوتر. هناك كومبيوترات بمؤسسات كبيرة بالعراق مثل الكهرباء الوطنية والسكك الحديدية والبنك المركزي.
ابراهيم : بزمننا فان كل بيت لديه كومبيوتر. وقدرته وطاقته الاستيعابية تقدر بآلاف المرات اكبر واسرع واقوى من اقوى كومبيوتر موجود بالمؤسسات عندكم اليوم. في بعض البيوت لديها اكثر من كومبيوتر واحد. فببيتنا مثلاً لكل فرد منا لديه كومبيوتره الشخصي.
تالة: واين تضعون كل هذه الكومبيوترات. هل تبنون لها بنايات خاصة ملحقة بالبيت؟
ابراهيم : كلا يا حبيبتي. الكومبيوتر الشخصي اصبح بحجم الحقيبة اليدوية.
تالة: هل يعقل ذلك؟
ابراهيم : اجل واكثر من ذلك. اليوم هاتفي الذكي هذا لديه طاقات وقدرات بدأت تعوض طاقات الكومبيوتر الشخصي فصار الكومبيوتر يحمل بالجيب.
تالة: وماذا عن العلاقات الاجتماعية لديكم؟
ابراهيم : الآن وضعت اصبعك على الجرح الاكبر يا تالة. فالعلاقات الاجتماعية تكاد تكون معدومة. الجميع يهتم بهاتفه وحاسوبه اكثر من اهتمامه بافراد عائلته. تخيلي انني قرأت نكتة قبل بضعة ايام قبل مجيئي الى هنا عن فتى يقول "اليوم انقطع الكهرباء عندنا وتوقف الانترنيت فقمت بالتعرف على افراد عائلتي ووجدتهم لطيفين جداً"
تالة: الهذا الحد يا ابراهيم؟ ان هذا امر محزن.
ابراهيم : واكثر من ذلك بكثير. لقد وصلتني الكثير من القصص عن اناس يوقعون باخوانهم ويدخلونهم السجن من اجل مصالح شخصية. وقد بدأت هذه الظاهرة بعد الحرب مع ايران.
تالة: الحرب مع ايران؟ اي حرب هذه؟ هل خضنا حرباً معهم؟
ابراهيم : اووووووه. انها اكبر كارثة حلت بالعراق. اسمعي سيدتي. عام 1979 انتهى حكم الشاه وجاء رجل دين اسمه الخميني. كان يسكن بفرنسا. وقبل ذلك كان يسكن بالعراق ثم طرد من هنا وذهب الى فرنسا. جاء وخطف الحكم من شاه ايران وبعد عام من توليه الحكم بدأت حرب بين العراق وايران دامت 8 سنوات.
تالة: 8 سنوات؟ يا ربي. كيف تحمل العراق؟ هل مات الكثير من العراقيين؟
ابراهيم : ما بين مليون ومليون ونصف. العراق امتلأت بالارامل والمعوقين والايتام.
تالة: وكيف انتهت؟
ابراهيم : انتهت بعام 1988 اي بعد 8 سنوات من اندلاعها. لكن العراق لم يحضى بالسلم سوى سنتان فقط حتى احتل العراق الكويت ثم شنت امريكا مع 32 دولة حرباً شعواء على العراق لاسترجاع الكويت.
تالة: انا اسمعك.
ابراهيم : ركع العراق واخضعوه بعد ذلك لحصار اقتصادي دمر كل شيء. ثم في عام 2003 قامت امريكا باحتلال العراق.
تالة: ماذا؟ امريكا؟
ابراهيم : اجل امريكا. ولكن ذلك ليس كل شيء. فقد جلبت معها مجموعة من اللصوص من الذين اسمتهم المعارضة العراقية بالخارج وسلمتهم الحكم في العراق.
تالة: ارجوك كفى. فانا لا استطيع ان اسمع المزيد. دعنا نخرج بجولتنا ببغداد التي اعرفها انا قبل ان تتدمر.
1760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع