حسن حاتم المذكور
بعد هزيمة النظام البعثي في حرب ام الهزائم عام 1990 , افتتحت امريكا واسرائيل بعربانها واسلامويها خيمة صفوان, وفي مزادها وضعت للعراق سعراً , دفعه صدام وحكومتة ارضاً وثروات ودولة وسيادة مقابل كرسي في بغداد يستطيع منه مواصلة التنكيل بالعراقيين .
بعد احتلال العراق عام 2003 , افتتحت امريكا وحلفائها خيمة ( صفوان ) المنطقة الخضراء ايضاً , جمعت وكلائها في مزاد اعضاء مجلس الحكم الموقت , ليعرض كل بضاعته على ( بسطيته ) وكان الدم العراقي هو الأرخص من بينها , وبأشراف المندوب السامي بول بريمر ابتكرت ثلاثة خيمات فرعية لثلاثة مزادات رئيسية مع رفع الضرائب الوطنية ولأخلاقية عن بضائع المشتركين , فكان عراقيي الجنوب والوسط قد رخصوا داخل مزاد خيمة مكونات الأئتلاف ( الشيعي ) , وعراقيي المناطق الغربية في مزاد مماثل داخل خيمة المكون ( السني ), وعراقيي المناطق الشمالية في مزاد داخل خيمة التحالف ( الكوردي ), وتمت تجزاءة المتبقي من الكرسي البعثي على ثلاثة رئآسات طائفية عرقية مؤجرة .
ثلاثة مزادات في بزار وطني !! كبير, وللمزادات والبزارات اخلاقها وسعة احتيالها داخل اجواء مثالية للغش والخبث والوقيعة , تقطع وتعلن عن بيع اجزاء الوطن حياً وبقسوة مفرطة تمارس غير المسبوق في تقبيح جمالية الأنتماء الوطني , ومن داخل فوضى افتعال الأزمات وتفريخ الأحقاد والكراهية تعمل على اكمال مهمة ترخيص وبيع حاضر الوطن والناس ومستقبل الأجيال .
عراقيو الجنوب والوسط , يعرضون الآن في مزادهم الشيعي , وعراقيو المناطق الغربية يباعون وجغرافيتهم في اثمان متدنية داخل مزادهم ( السني ) , وعراقيي الشمال استلمت احزاب عشائرهم الرئيسية اثمانهم قروضاً , انها بزارات لعرض القطعان , وليس وطن لمكونات ابية الأنتماء والولاء .
الطاغية الجبان صدام حسين وحزب الرذائل البعثية , ومن اجل الأحتفاظ الموقت في كرسي سلطوي , يستطيع منه التحكم في بغداد , بقصورها وبحيراتها وسجونها وجوع اهلها ومقابرها الجماعية , قايض العراق وشعبه وثرواته وسيادته ومستقبل اهله , ذات الكرسي داخل حدود المنطقة الخضراء , تزأر من فوقه نمور الفساد للطائفيين والقوميين والعشائريين بوجه العراق ـــ الجريح بهم ـــ متناسية , ان بقايا بقاياها رهينة على رفوف الوصاية الأمريكية, مقابل اوهام الأمساك بكرسي سلطوي يعمر اطول من سابقه .
عندما يدرك بنات وابناء الجنوب والوسط , انهم عراقيون مثلهم مثل اشقائهم في المناطق الغربية والشمالية, لهم حق التعبير عن معتقداتهم وعقائدهم وشعائرهم وتقاليدهم , كموروثات داخل اطار الثقافة الوطنية , وانهم كشعوب واديان ومكونات اخرى لهم جميعاً خصوصياتهم مثلما لهم مشتركاتهم في المصالح والمنافع ولهم حاضر ومستقبل اجيال ليس مسموحاً تجزأته او تقاسمه وبيعه .
لا توجد في الكون امة تحترم نفسها , استطاعت فيها احزاب الطوائف والمذاهب والأعراق والعشائر ان تتقاسمها وتتنازع عليها , فهذا الذي يحدث في العراق مسرحية حزن لأهله , يبكون فيها عراقهم قبل ضحاياهم .
هل انها لعنة , ان يتسع السقوط ليتجاوز مزادات السياسة ليغمر في وضاعته كتاب لثقافة كانت يوماً عراقية وطنية , اذا كان كرسي السقوط قد اغرى السياسي, مالذي يغري المستثقفين لترقص ذيولهم لفضلات قد تسقط من بين انياب او مؤخرات السياسيين ؟؟؟, ما اسهلهم للأنشطار بين هذا الطائفي وذاك العشائري , وما اسهل عليهم ان يتزاحموا حول دلالي المزادات , انهم حقاً قد تجاوزوا سن اليأس الثقافي , فأصبحت ردود افعالهم كراهية الوطن وتضليل الراي العام , انهم يغادرون ذاتهم ليعودوا اليها مرتزقة على حسابها , انسلخوا تماماً عن ان يكونوا نموذجاً وطنياً , وقطعوا مع الرأي العام , حتى ذاك الذي كان واهياً من ادعاءات القيم والمباديء التي تسيلها الآن اقلامهم لعاباً.
على السياسي الشريف والمثقف الوطني , ان يراجع موقع قدميه , ان كانت على ارضية الأنتماء الوطني ام انها خارج ذاته الوطنية , ليتأكدوا انهم حقاً عراقيون ... وعراقيون مع بعضهم ولبعضهم ويرفضوا تقزيم هويتهم داخل العشيرة والمذهب والطائفة والقومية .
شعبنا الذي خرج مهروساً من بين فكي رحى ماكنة الأرهاب البعثي على امتداد اربعة عقود , لا يريد ان يتكرر عليه ذات الزمن من داخل محرقة الطائفيون والقوميون , لينتظر مستسلماً مرة اخرى ان يقرر مصيره من خارجه .
واخيراً : لم يأخذ الأحباط من صبر ورفض العراقيين مأخذاً , كما ان بؤس الحالتين السياسية والثقافية , لم ينزع كامل المبادرة من المواقف الوطنية , فهناك الكثيرون من سياسيين ومثقفين , ورغم صعوبة اوضاعهم ووحشية حصارهم , يضخون نتاجهم المعرفي بين شرايين الرأي العام , وهناك وعي يعيد غزل خيوط الهوية الوطنية طيفاً جميلاً يرتديه العراق الموحد ,وهناك حراك صامت من تحت بساط الغارقون في مستنقعات الفساد والأنتهازية والأستسلام لفوضى الأمر الواقع, وهناك عراق على قمة تاريخه الحضاري , يكسر منقار ضعفه وينتف الكريه من ريش الطائفية والعشائرية , ليعود ذاك الذي كان مقتدراً على تجديد ذاتـه , وهناك الف هناك, يجد فيه الأربيلي والسليماني نفسه مكرماً آمناً في بيوت اشقائه في البصرة والعمارة , ويمكنهم مجتمعين ان يجدوا ارضية التسامح والأخوة والأمان في بيوت الأشقاء في الأنبار والموصل , وكركوك قبلة الأطياف العراقية المتآخية , وبغداد تنشد ميلاد كينونتها على صخرة وحدة مكونات العراق , ويجرف الزمن العراقي الجديد , المتبقي من ازمنة الطائفيين والقوميين العشائرين , ويتوارى من حاضر ومستقبل العراقيين مفتعلات الأزمات وفبركات المتنازع والمتصارع والمتقاتل عليها , ويقطع شرايين يتسرب منها المهرب من الثروات الوطنية , ويتسلل من مجاريها غسيل الأختراقات الأقليمية والدولية , ويصبح العراق كبيراً بأهله ويذهب صغار الطوائف والأعراق الذين كبروا في احضان الأقدار المستوردة , انهم البيض الذي كان فاسداً في رحم معارضة النظام البعثي .
1081 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع