د .مهند محمد صبري البياتي*
المقترح الجديد لتوزيع الدوائر الانتخابية
طُرح في مجلس النواب العراقي هذا الاسبوع مقترح توزيع الدوائر الانتخابية الجديد، حيث يكون عدد الدوائر الانتخابية في كل محافظة مساوي لعدد المقاعد المخصصة لكوتا النساء في المحافظة، بحيث يترشح عن كل دائرة انتخابية من 3 الى 5 نواب، ويجب ان يصل الى البرلمان على الاقل في كل دائرة انتخابية نائبة واحدة او اكثر، والغرض الاساسي منه هو سهولة ضمان كوتا النساء وعدم الدخول في حسابات طويلة لضمان كوته النساء كما تم شرحه في المادة 16 من مشروع مقترح قانون الانتخابات والذي تمت مناقشته العام الماضي واقراره ولكن لم يُرفع للسيد رئيس الجمهورية لاقراره، بحيث اذا لم تحصل اية امرأة على مقعد او اكثر في جوله الانتخابات لعدم كفاية الاصوات اللازمة لتكون نائبة في البرلمان، يتم اختيار االسيدة التي لها اعلى الاصوات لتكون نائبة ، حتى لو ان اصواتها لم تكن كافية للحصول على مقعد، وهذا الامر يُلغي المادة 16، وقد اعترضت بعض الكتل على هذا المقترح ومنهم دولة القانون والفتح والمتحدث باسم الحزب الشيوعي ولكل كتلة سببها الخاص بها، وبهذه الطريقة سيقسم العراق الى 83 دائرة انتخابية ، وقد تحصل النساء على اكثر من هذا العدد من المقاعد اذا فازت امراتان في الدائرة الانتخابية الواحدة، ولمعرفة تأثير هذا المقترح على النتائج المتوقعة للانتخابات، سنحلل نتائج الانتخابات النيابية في العام 2018 لمحافظه بغداد، ونحاول تقسيم المحافظه الى 17 مركز انتخابي وهي حصة كوته النساء في بغداد حيث عدد المقاعد الكلي هو 71 منها 52 للرجال و 17 للنساء ومقعدين للمكون المسيحي والصابئي.
ولسهولة تحديد المراكز الانتخابية، فمن السهولة البدء بالاقضية ، وكل قضاء عدد سكانه يتراوح ما بين 300 و500 الف نسمة، سيكون دائرة انتخابية واحدة، اما اذا قل عن هذا فسيتم دمجه مع قضاء اخر، اما اذا زاد عن 500 الف نسمه فسيتم تقسيمه الى عدة مراكز انتخابية، وقد تستخدم النواحي التابعة للقضاء في هذه الحالة للتقسيم.
وحسب الاحصائيات البيانات المختلفة والصادرة من جهات عديدة في الحكومة العراقية، فان بغداد تتكون من ثمانية اقضية ومجموع سكانها يبلغ 6,536,603 نسمة حسب البيانات المتاحة لي من مواقع مختلفة، اما اقضيتها وحسب عدد سكانها من الاكبر للاصغر، فهو الكرخ وعدد سكانها 1,643,712، والرصافة بعدد 1,386,521، وبعدها مدينة الصدربعدد 1,176,252 ثم ألكاظمية بعدد 812,970 ثم الاعظمية بعدد 608,874 والمحمودية بعدد 444,258 وابو غريب بعدد 322,258 واخيرا المدائن بعدد سكانها البالغ 141 الف و130 شخص، والارقام هذه تقريبية لانه لا توجد احصائيات رسمية دقيقة صادرة من الجهات ذات الاختصاص مثل وزارة التخطيط ووارة الداخلية، وفي اخر تقرير احصائي صدر من وزارة التخطيط ومبني على بعض التقديرات والحسابات الاحصائية، وليس على احصاء شامل، وصدر عام 2018 تم تقدير نفوس بغداد بعدد 8,126,755 نسمة، علما ان اخر احصاء شامل حصل عام 1997، اي مضى 23 عام على اخر احصائية شاملة للعراق، ولحد الان لم يتم اخذ القرار عن موعد الاحصاء القادم، والذي هو مهم وضروري للتطيط للعراق.
نستنتج من الارقام اعلاه انه يمكن اعتبار قضاء المحمودية دائرة انتخابية واحدة تضم خمسة نواب، اما ابو غريب فهي ايضا دائرة انتخابية واحدة باربعة نواب، اما المدائن فلا يمكن اعتبارها دائرة انتخابية لحالها، ويجب ضمها الى دائرة انتخابية في احد اقضية بغداد، وقد يكون الاقرب لها جغرافيا هو قضاء الرصافة، وبهذه الحالة يكون الحجم الكلي لقضائي الرصافة والمدائن هو 1,527,651.
وعند النظر الى عدد سكان اقضية بغداد الخمسة المتبقية، نجد ان قضاء الكرخ وهو الاكبر وبعدد سكان 1,643,712 ، يجب تقسيمه الى اربعه مناطق انتخابية لان كوته النساء لهذا القضاء هو اربعه، والعدد الكلي لنوابها وحسب عدد سكانها هو 17، وفي هذه الحالة ستكون هنالك ثلاث مناطق انتخابية من اربع نواب والمنطقة الانتخابية الاخيرة ستكون من خمس نواب.
اما قضاء الرصافة الموسع فسيقسم الى اربع دوائر انتخابية كل واحدة تتكون من اربعه نواب. ومدينة الصدر والتي حصتها 12 نائب منهم ثلاثة من النساء، فسيقسم الى ثلاث مناطق انتخابية كل منها من اربعة نواب. وقضاء الكاظمية والبالغ عدد نوابها 9،وسيترشح منها نائبتان، فستقسم الى دائرتين كل منها من اربع نواب، والقضاء الاخير هو الاعظمية والذي عدد نوابه سته، فسيقسم ايضا الى دائرتين، لكن كل دائرة فيها ثلاث نواب فقط، وبهذا يتم تقسيم محافظة بغداد الى 17 منطقة انتخابية، وكل منطقة يجب ان تخرج منها نائبة واحدة على الاقل وهي التي ستحصد على اعلى عدد من الاصوات ضمن مجموعة النساء.
ان هذا التقسيم سيساعد على وصول نواب باصواتهم الخاصة فقط، وليس باصوات رؤساء كتلهم كما حصل سابقا، وستكون العلاقة قوية بين النواب وجمهورهم لان المنطقة الانتخابية ستكون صغيرة نوعا ما، وسيدفع هذا الامر الكثير من المرشحين الى النزول للشارع والتحدث الى جمهورهم مباشرة، لكسب الاصوات وستكون المنطقة التي سيترشح عنها صغيرة، ويتراوح عدد سكانها ما بين 300 الف و 500 الف شخص ومن ضمنهم الاطفل وكل من لم يبلغ الثامنه عشر يوم اجراء الانتخابات، مقابل ان يحاول المرشح التواصل ممع اكثر من ثمانية ملايين شخص هم سكان بغداد، وهو امر لم يحصل سابقا، لكن كانت اللافتات والمناشير توزع بشكل جنوني وفي كل مكان، وهذا الامر سينطبق على المحافظات الاخرى.
وعند مراجعة نتائج الانتخابات السابقة لمدينة بغداد عام 2018 نجد ان عدد المصوتين كان 2,004,844 لانتخاب 71 نائب، وقد ترشح لهذه المقاعد 2174 مرشح، عدا عن مرشحي الاقليات، وحصل عدد لا بأس به من المرشحين على عدد من الاصوات لا يتجاوز عشرة اصوات، وهذا في حد ذاته مهزلة شاركت فيها معظم الاحزاب المتسيدة للمشهد، والتي سمحت ان يكون عدد المرشحين في اية محافظة هو ضعف عدد مقاعد، النواب للمحافظة، وهذا كان مثالا للتلاعب لانه لو افترضنا ان اي ان حزب لو فاز لوحده بجميع مقاعد البرلمان، فسيكون النصف الاخر من مرشحيه خاسرين، وسنجد ان احزاب وكتل مثل سائرون وفتح ودولة القانون والوطنيه والنصر والحكمة والقرار العراقي وتحالف بغداد قد رشحت كل واحدة منها 138 شخص للانتخابات وهي تعرف مسبقا انه على الاقل سيخس اكثر من 69 مرشحا منهم في الانتخابات، وهذا الرقم هو عدد مقاعد النواب لبغداد عدا الاقليات، والمهزلة الاخرى ان ثلاثة من مرشحي الحكمة حصلوا على صوت، و3 اصوات و 4 اصوات فقط، وثلاثة من مرشحي تحالف بغداد حصلوا على 5 و6 اصوات فقط، وهذه خسارة كبيرة للجهد والاعلان ، ولكن في التوزيع الجديد سوف لن يغامر اي حزب في وضع اكثر من 3 او 5 مرشحين لكل دائرة انتخابية. اضافة لذلك فانه عند النظر الى نتائج المرشحين في انتخابات العام 2018، نجد ان بعض المرشحين حصدوا اصوات عالية بسبب التركيز على شخص واحد في الكتلة، وذلك للحصول على اصوات كثيرة تساعد مرشحين اخرين في نفس الكتلة لم يحصلوا على اصوات معتبرة للدخول الى البرلمان، فمثلا في دولة القانون حصل نوري المالكي على 102,128 صوت مما سمح لعمار كاظم والحاصل على 3,091 صوت فقط بالدخول للبرلمان، وهذا هو اقل صوت لنائب من بغداد من غير السيدات، وهذا النظام غير العادل والذي تصر دولة القانون والفتح على ابقائها، قد حرم اشخاص حصلوا على اكثر من ضعف اصوات النائب عمار كاظم، مثل غسان العطية والذي حصل على 6800 صوت ولكنه لم يستطع الدخول للبرلمان، ونجد مثلا ان في سائرون هنالك 22 مرشح حصلوا على اكثر من اصوات عمار كاظم ولم يدخلوا البرلمان، وهنالك 14 مرشح اخر من الوطنية، وسنجد ان عدد المرشحين من بغداد والذين حصلوا على اصوات اكثر من اصوات عمار كاظم يبلغ 61 مرشحا ولكن لم يتمكنوا من الدخول للبرلمان.
وسيلغي التوزيع الجديد للمناطق الانتخابية هذه الحالةلانه عندما يترشح نوري المالكي او هادي العامري او حيدر العبادي او ماجدة التميمي او عبد الحسين عبد الرضا او اياد علاوي، فسوف لن يستفيد احد من اصواتهم الزائدة، لذلك كانت دولة القانون والفتح هي من اكثر من عارض المقترح الجديد، ولكن المستغرب كان هو موقف جاسم الحلفي من الحزب الشيوعي والذي اعترض على مقترح توزيع الدوائر الانتخابية ووضع مثالا غير منطقي عند مناقشته للموضوع اما الاعلام، علما ان توزيع المناطق الانتخابية الجديد قد ينفع الحزب الشيوعي في الحصول على اكثر من المقعدين التي حصل عليها في الدورة السابقة، فمثلا ان حظوظ النائبة السابقة هيفاء الامين هي كبيرة جدا اذا ترشحت عن قضاء الناصرية، وكذلك للنائب السابق رائد فهمي اذا ترشح عن احد مناطق بغداد والتي يتمركز فيها المدنيون، ونفس الامر بالنسبة الى النائبة السابقة شروق العبايجي والتي من المؤمل ان تنجح في هذه الانتخابات، ومن المتوقع ان تصعد في هذه الدورة ناشطات نسويات كثيرات اذا ترشحن عن بعض مناطق بغداد المدنية كذلك في كثير من المحافظات، واعتقد ان البرلمان القادم سيشهد صعود شخصيات كثيرة مستقلة وذات مركز مجتمعي مرموق اذا قاموا بالدعاية الانتخابية الصحيحة، وستقل بشكل كبير كلف الدعايات الانتخابية للنواب، لان مجال دوائرهم ستكون اصغر بكثير من الدورات السابقة، لانها سوف لن تشمل المحافظة بكاملها.
*اكاديمي مقيم في الامارات
786 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع