ذكرى مجيدة لمدينة عظيمة :
تحتفل الشعوب الحية الناهضة بذكرى الأحداث الكبرى فى تأريخها و منها ، تأسيس مراكزها الحضارية و بخاصة عواصمها ، التى لعبت دورا ايجابيا فاعلا فى حياتها و مصيرها ، مهما كان هذا الدور متواضعا فى مسيرة الحضارة الأنسانية ، حيث تقام المهرجانات الثقافية و الفنية و تنظم المؤتمرات و الندوات العلمية و يكرم المبدعون و النابهون من أبنائها ، فما بلك بعاصمة الرشيد ، مدينة السلام و أم الدنيا ، التى لعبت دورا حاسما فى تأربخ المنطقة و العالم و لعبت دورا أساسيا بالغ الأهمية فى النهوض الحضارى لشعوب المنطقة. و كانت مركز الخلافة الإسلامية و +ل الشعوب التى أعتنقت الدين الأسلامى . أول أحتفال بذكرى تأسيس بغداد :
كان مؤسس الجمهورية العراقية الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم أول من أحتفل عام 1962 بمرور 1200 سنة على بناء بغداد ، حيث نظمت الأحتفالات البهيجة و عقد مؤتمر علمى برعاية الزعيم و حضور مؤرخين متخصصين بتأريخ المدينة و عدد كبير من المفكرين والأدباء البارزين في البلاد العربية و جمهرةٍ من المستشرقين البارزين من بلدان أوربا ممَّن قدموا دراسات قيمة بفصحى العربية - عن الدور الفعال الذى نهضت به بغداد فى عصر أزدهارها و ما تعرضت له من أحداث جسام عبر التأريخ ، نالت استحسان و أعجاب المشاركين فى المؤتمر .
و ضمن احتفالات الذكرى الثانية للثورة فى 14 تموز 1960 ، أفتتح الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم المدرسة المستنصرية بعد ترميمها و تجديدها و قد ألقى شاعر العرب الأكبر محمد مهدى الجواهرى قصيدة رائعة بالمناسبة نقتطف منها ما يلى :
أعدْ مجد بغدادٍ ومجدُك أغلبُ وجدّْد لها عهداً وعهدك أطيبُ
وأطلع على المستنصريةِ كوكباً وأطلعته حقاً فانك كوكب
أقمت بها عزاً عريقاً مكعباً وكان بها ذلُّ عريق مُكعٌَب
أبا كلَّ حر لا أبا الشعب وحده اذا احتضن الأحرار فى أمةٍ أب
هنيئا لك العيد الذى أنت رمزه بذكرك يستَعلى وبأسمك يَطرَب
أعد مجدَ بغدادٍ تُعدْ مجدَ أمة به الكون يَزهَى والحضارات تعجَب
بغداد المنسية :
هذا العام 2012 م يصادف ذكرى مرور ( 1250) عاماً على بناء بغداد ، عاصمة العباسيين ـ التى شيدها الخليفة أبو جعفر المنصور فى العام 762 م وأكتمل بنائها فى عام 766م . و هى مناسبة جديرة بالأحتفال أكثر من أية مناسبة تأريخية أخرى . و لكن لا احد فى بغداد اليوم يتذكر تأريخ هذه المدينة العريقة ، الزاخرة بالمفاخر و الأنجازات العظيمة فى شتى جوانب الحياة . حيث يتولى أمرها الآن أناس غرباء عنها و عن أمجادها و لا يهمهم أمرها و لا علاقة لهم بتأريخ المدينة ولا بالحضارة التى تمثلها .
أسباب بناء بغداد :
لم تكن فى العراق فى بداية العهد العباسى مدينة تصلح ان تكون عاصمة لأمبراطورية فتية ناهضة ، أما بلدة الكوفة - التى بنيت بعد الفتح الأسلامى لبلاد الرافدين فى عهد الخليفة عمر أبن الخطاب ، لتصبح مقراً للعمال و الولاة المرسلين الى العراق فقد كانت تزخر بالحركات السياسية و الفكرية المناهضة للخليفة العباسى الجديد ، و بؤرة للفتن و الأضطرابات ، مما أثار قلق مؤسس الخلافة العباسية أبو العباس السفاح ، و أتقاءاً لشرور تلك الحركات ، بنى ضاحية جديدة سماها " الهاشمية " و جعلها مقراً لخلافته ، ثم شيد ضاحية أخرى قريبة منها سماها بـ(الأنبار ) و اتخذها عاصمة لدولته الناهضة و أستقر فيها الى حين وفاته بعد ذلك بعامين . و خلفه أبو جعفر المنصور ، الذى كره " الأنبار " على أثر محاولة جماعة من " الراوندية " قتله و لقربها من الكوفة و رداءة مناخها و قرر بناء مدينة جديدة تليق بمكانة الأمبراطورية ، بعيدا عن مثيرى الفتن و القلاقل . و يقول بعض المؤرخين ان المنصور " أخذ يتنقل فى أنحاء العراق ،حتى أستقر رأيه على موقع حسن و جميل ، عليه قرية تسمى بغداد .و يبدو أنه مر بهذا المكان فى موسم طاب هواؤه و عذب ماؤه ، فأختاره و أرتاح له لوقوعه فى وسط مملكته ، حيث تتقاطع طرق المواصلات بين الشام و خراسان ، و هما الأقليمان الأشد خطرا عليه فى دولته ، و لوجود ه فى نقطة عسكرية حصينة بين دجلة و الفرات ، فلا يصل العدو اليه من الشرق أو الغرب ، الا بعد أجتياز أحد النهرين ."
" كان ذلك فى عام ( 145 هجرية الموافق لعام 762ميلادية ) عندما أمر بأحضار المهندسين من أنحاء الأمبراطورية ، فخططوا مدينة دائرية الشكال ، محيطها أربعة أميال ، محصنة بسورين ، خارجى و داخلى ،يحيط بسورها الخارجى خندق عميق يجرى فيه الماء من نهر ( كرخايا ) و عليه عدة جسور للعبور ، يمكن كسرها عند حدوث خطر مهدد و بنيت على كل سور أبراج شامخة . و لعل اطرف ما يذكره مؤرخوا بغداد ، ان المهندسين المكلفين بتخطيط و تصميم المدينة المدورة قاموا بتصوير معالمها على الأرض فى بقعة واسعة . و وضعوا حب القطن فوق خطوطها و أحرقوها ليلا ، و الخليفة واقف على مرتفع ينظر الى هندستها و معالمها ، فأعجبته و راقه منظرها ، فأمر بحفر الأسس، ثم و ضع بيده حجر البناء الأول و سماها مدينة السلام ."
انطلقت الحركة الدؤوبة في ورشة بناء بغداد بمئة ألف عامل تحت أشراف عدد كبير من خيرة البناة و الصناع و الصباغين و الرسامين الذين تم أستقدامهم من أنحاء الدولة العباسية. و أستغرق بناء المدينة حوالى خمسة أعوام) وكان للمدينة أربعة أبواب وسميت بأسماء البلدان المتجهة نحوها وهي (الشام والبصرة والكوفة وخراسان ) .
و يقول الخطيب البغدادي المؤرخ المعروف في وصف بغداد "لم يكن لبغداد في الدنيا نظير, في جلالة قدرها وسعة أطرافها وكثرة دورها ومنازلها ودروبها وشوارعها ومحالها وسككها وخاناتها وطيب هوائها وعذوبة مائها وبرد ظلالها وأفيائها واعتدال صيفها وشتائها وصحة ربيعها وخريفها"."
ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي :
تزخر بغداد بالكثير من المعالم التاريخية والحضارية ، وأهمها القصور الأثرية والمساجد الإسلامية القديمة و دور العلم مثل دار الخلافة و القصر العباسي ومسجد الخلفاء العباسيين المعروف قديما بجامع القصر أو جامع الخليفة و المدرسة المستنصرية والتى تشكل بمجموعها ظاهرة جديدة و فريدة فى الفن المعمارى الأسلامى. فألى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح. وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك.
تبوأت بغداد مكانة سياسية مرموقة ، بأعتبارها عاصمة الدولة العباسية القوية الناهضة الممتدة من المحيط الأطلسى غرباً الى حدود الصين شرقاً ، و أزدهرت فيها الصناعات الحرفية و الزراعة و التجارة و تميزت بالتفاعل الخصب مع حضارات الآخرين . وأصبحت إحدى أكبر مدن العالم وأجملها، وحاضرة العلوم والفنون و ملتقى العلماء و قبلة الدارسين من شتى بقاع الدنيا ، طوال عهود نهوضها و أزدهارها. ، لكن نجمها أخذ بالأفول مع بداية غروب شمس الدولة العباسية ككل. و تعرضت لكثير من الغزوات الخارجية و التقلبات الداخلية فقد غزاها المغول و الصفويون و العثمانيون و الأنكليز ، حيث عانت المدينة المدينة الأمرين خلال فترة احتلالها على مر العصور .
يوم بغداد :
يكاد يجمع معظم المؤرخين و الجغرافيين العرب القدامى و المحدثين ان بدأ تشييد بغداد كان فى عام ( 762 م ) و لكنهم يختلفون فى تحديد اليوم الذى وضع فيه المنصور حجر الأساس لعاصمته الجديدة ( 762م) . و يقول احد خبراء القانون ، أنه أستناداً الى توصية اللجنة التى شكلها الزعيم الراحل و التى ضمت كبار العلماء و المؤرخين ، صدر قانون من مجلس الوزراء يوم 17/11/1962 عندما كان هذا المجلس هو السلطة التشريعية فى البلاد بتحديد الأيام الأول و الثانى و الثالثمن شهر كانون الأول عطلة رسمية لمناسبة ذكرى تأسيس بغداد و الذكرى الألفية للفيلسوف الكندى . و هذا القانون لم يتم الغاؤه او تعديله و ما يزال سارى المفعول .
------------------------
جودت هوشيار
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
4803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع