القس لوسيان جميل
مسألة عبادة ربين / الجزء الأول
عزيزي القارئ! يقول الانجيل انه لا يستطيع الانسان ان يعبد ربين، الله والمال.اليك ما يقوله انجيل متى: لا يستطيع الانسان أن يعبد ربّين: الله والمال. هذا كلام المسيح. " ما مِن أحدٍ يستطيع أن يعمل لسيّدين، لأنّه إمّا أن يُبغض أحدهما ويحبّ الآخر، وإمّا أن يلزم أحدهما ويزدريَ الآخر. لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال" (متّى ٦ : ٢٤).
غير ان مقالي هذا ليس وعظا في مسألة عبادة المال، لكنه شيئ مماثل له فقط، اي هو ما يشبهه من احد الوجوه ويختلف عنه من وجه آخر. فما اريد ان اقوله في هذا المجال هو ان الانسان لا يمكن ان يكون له رمزان مقدسان ( الاهان ) في وقت معا، كما يفعل بعض العراقيين الذين يريدون الجمع بين مقدسين: اله المسيحية والاله اكيتو من اجل غاية سياسية غير شريفة، او من اجل أيديولوجية كنسية مراوغة ومضللة. اما المتكلدنون فقد دخلوا الى سلوكية القومية مؤخرا جدا، مؤكدين ان قوميتهم كلدانية، مع ان القاعدة تقول انه لا يمكن عبادة رمزين في آن معا. هنا لا يمكن عبادة رمز الكلدان الوثني مع الرمز الأساسي المسيحي يسوع. وعليه نستطيع ان نقول بأنه لا الأشوريين هم آشوريين ولا المتكلدنون هم كلدان. وعلى الجماعتين ان تختارا بين القومية وبين يسوع المخلص من الأمة اليهودية التي كانت قد اصبحت امة فاشلة. وكفى بقى سب الآخرين الباقين على انتماء واحد وعلى رموزه، لكي يعرف كل واحد طريقه ولا يحدث التداخل العجيب المستحيل Absurde بين الرموز، او الآلهة، بحسب التسمية القديمة. هذا مع العلم ان التسمية الكلدانية هي الأخرى لم تعد صحيحة ومقبولة، على الرغم من ان البابا اوجين هو الذي كان قد فرضها، لأسبابه الخاصة به، ومنها انه كان يحسب ان كنيسة المشرق كلها نساطرة هراطقة، كما قرأت ذلك يوما عند السيد نيسكو. هذا في حين ان كنيستنا الملقبة بالكلدانية اسمها الحقيقي هو: " كنيسة المشرق المتحدة مع روما، اي مع البابا، كرئيس للكنيسة الجامعة، وليس مع الحضارة اللاتينية"، كما سنرى لاحقا. اما السفارة البابوية نفسها فلا يجوز ان تسمى السفارة البابوية، لأن البابا ليست له سفارات، وانما هي: سفارة دولة الفاتيكان لدى سفارة دولة العراق، الأمر الذي يجعلنا نتفادى كرسي العقائد والايمان الذي كان يديره الكاردينال مولر بدهاء قبل ان يقيله البابا بولس من منصبه ويبدله بآخر غير منحاز. اما قبل ايام فقد سمعت عن تسربات تقول بان البابا بولس لن يجدد مرة اخرى لمولر قيادته لكرسي العقيدة والايمان. وهنا، ماذا اقول؟ فيا ليت الباباوات يحذفون كرسي العقائد هذا من اساسه، ويستبدلونه بكرسي يقدم النصائح الجيدة لكنائس العالم كلها، ومنها كنيسة العراق، على مستوى الأعمال الايمانية الحياتية، وعلى مستوى المواكبة الحضارية والايمانية معا، كآن يشمل هذا الكرسي بعطفه المادي كل الكنائس الفقيرة ومشاريعها وحتى رواتب قسسها، عند الضرورة القصوى، لكي لا تبقى الكنائس الفقيرة ماديا متسولة على ابواب الانتهازيين.
نبرهن على صحة ما نقول: ان البرهان على ما سوف نقوله الآن يأتي عن طريق فلسفة ترتدي طابع العلم ايضا، لأنها فلسفة وعلم. اما هذه الفلسفة ـ او علم الانسان، فتسمى الفلسفة البنيوية. شخصيا ابقى على فلسفة شتراوس البنيوية، لأن العلم يرى ان الانسان الناتج عن فلسفة ما بعد البنيوية انسان آخر يماثل انساننا الراهن، ولكن لا يشبهه في كل التفاصيل.علما بأن الانسان الناتج عن " ما بعد البنيوية " سيكون له رمزه ايضا كأي انسان، سواء كان هذا الرمز مقدسا ام لم يكن. وهنا ايضا وبالتأكيد سوف يستحيل الجمع بين رمزين. سواء فيما يخص انساننا الراهن، ام فيما يخص الانسان الناتج عن ما بعد البنيوية. واذن فمن خلال فلسفة شتراوس البنيوية سنعرف انه لا يمكن ان يتواجد مقدسان او الآهان او رمزان في حياة انسان واحد، او في حياة جماعة بشرية واحدة، سواء كانت غربية ام شرقية. فحياة الانسان الفرد ليست ولا يمكن ان تكون مجمع آلهة، كما كان حال الآريوباج، او معبد اليونان عندما دخله مار بولس وخطب بالناس وتكلم عن يسوع الذي حَسِبَ اليونانيون انه يكلمهم عن اله جديد ارقى من آلهتهم فيمكنهم ان يعملوا له مذبحا كسائر آلهتهم. غير ان بولس عندما كلمهم عن يسوع الذي صلب ومات وقام من بين الأموات انفضت الجماعة من حوله وقالت له: غدا سوف نأتي ونسمع منك. فعرف مار بولس انه فشل مع اليونانيين، فقال قولته المشهورة في رسالته الى اهل قورنتس: لأَنَّ اليَهُودَ يَطْلُبُونَ الآيَات، واليُونَانِيِّينَ يَلْتَمِسُونَ الحِكْمَة. أَمَّا نَحْنُ فَنُنَادِي بِمَسِيحٍ مَصْلُوب، هُوَ عِثَارٌ لِليَهُود وحَمَاقَةٌ لِلأُمَم.
واذن اعزائي ان نفسَ الانسان ليست معبد اليونان الذي كان يحوي كل آلهتهم. الا ان اولئك اليونان كانوا معذورين لأنهم كانوا وثنيين يعبدون آلهة متعددة، تجيب الى حاجاتهم الحضارية المتعددة. اما الجماعة القومية او الدينية فهي مماثلة للشخص الانساني، لا تستطيع ان تتحمل في زماننا البعيد عن الوثنية، اكثر من رمز واحد او اله واحد او مقدس واحد. فالفرد هو كينونة واحدة entity متماسكة لا يمكن تجزأتها كما لا يمكن ان نحملها اكثر من نفس بشرية لأن كل فرد انساني له نفسه البشرية الخاصة به. وعليه لا يمكن ان نقول، كما كانت الكنيسة تقول سابقا، بأن الانسان مركب من نفس وجسد، لتقول بالتالي: عندما يموت الانسان تنفصل نفسه عن جسده وتذهب الى باريها لكي يدينها على اعمالها. كلا يا اخوتي:عندما يموت الانسان تموت معه نفسه ايضا، وعندما يموت الجسد وتتلاشى البنية التحتية، تتلاشى البنية الفوقية ايضا، اي يتلاشى ما كانوا يسمونه النفس. اما اذا مات المقدس الحضاري لجماعة ولإنسان فرد كان ينتمي الى تلك الجماعة، فانه لا يمكن لأحد ان يدعي انه من حقه ان يستمر في عبادة ذلك المقدس. كما لا يمكن مثلا ان يدعي المسيحيون، او فلنقل الغربيون منهم بان يحتفظوا بمقدسهم القسطنطيني القديم وعقائده، لأن ذاك المقدس قد تلاشى مع الثورة الفرنسية، ولم تعد للفرنسيين غير ما سموه الكثلكة التي تحولت مع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الى " المسيحية ".
واذن لنعد الى تحليلنا اللاهوتي الحضاري. في هذا التحليل لا نذهب الى البدايات، مع ما يسمى الانسان الراشد Homo sapiens المختلط بانسان النياندرتال. فالذهاب الى هذا المستوى ممكن، لكنه سوف يشتت ويعقد ما نذهب اليه من مقالنا، لأنه لا يمكن لانسان ان يعبد رمزين الهيين في آن معا، لا بل لا يمكن لانسان حتى ان يذهب الى الرمز البائد وحده، بحجة مثلا انه يحترم او يحب الربيع. ولكن هل يمكن احترام الربيع وغير الربيع من اجل جمال الربيع نفسه، بدون ان نعطي للربيع صفة قدسية ؟: نقول نعم ممكن. ولكن هذا القول قد يخص نوروز او يخص موسم شم النسيم، لكنه باتأكيد لا يخص اكيتو ولا غير اكيتو بأي عذر كان. علما بأننا نعلم ان المهرجانات التي عملها المتأشورون مع الاغراءات التي اعطوها للشباب بأن يذهبوا ويعيدوا عيد اكيتو هناك، كان الهدف منها عمل تجمع سياسي بقيادة المتأشورين في دهوك، بغايات سياسية ما كانت تخفى الا عن الأغبياء.
+ لنواصل برهاننا: فنحن اذن نعود الى فترة الوثنيين العرب، عرب الداخل، والعرب النازحين من الجزيرة العربية ( عرب ــ غرب نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط ). فكان بين هؤلاء العرب الجماعات الآشورية وجماعات الكسيديين، الذين كان اليهود قد سماهم البابليين نكاية بالذين كانوا قد سبوهم. ولكننا نعرف ايضا ان الكسيديين خرجت من بينهم جماعة استولت على الحكم التي سميت بالكلدان، لكونهم كانوا منجمين وكانوا اناسا اشرارا مؤذيين لجيرانهم وللكسيديين الذين كانوا يحكمون قبلهم. هذا مع العلم ان كتابة الكسيديين والكسيديين الكلدان كانت المسمارية، حسب ما فهمنا من السيد موفق نيسكو، ولم تكن الآرامية. بعد هذا لا اعرف اذا ما كان البعض سوف يبقون يتغنون بالكلدان وبالقومية الكلدانية ام سيفهمون الحقيقة التي تقول: بأننا نحن العرب المسيحيين نكون كنيسة المشرق المتحدة مع روما، اي مع البابا مباشرة، ولا علاقة لنا لا بالكثلكة ولا بكلدان البابا اوجين، كما يذكر السيد نيسكو. ولا نعرف متى سيفهم رؤساؤنا الأعزاء بأن كرسيهم مكسور ولا يمكن ان يضعونه، لا في اور ولا في بغداد، ولا في كشكر مثلا، ولا في اي مكان آخر. ولا نعرف متى سيفهمون اذن، بأننا نحن مسيحيي الشرق لا نتبع اية عقيدة، يؤيدنا البابا بولس في هذا المجال، حيث يقول منتقدا الكنيسة: " ان الذين يميلون بشكل مبالغ فيه نحو الطمأنينة العقائدية والذين يريدون بعناد ان يجددوا الماضي المفقود لهم رؤية جامدة ( ثابتة ) لا تتطور. وهكذا يتحول الايمان الى ايديولوجيا كغيرها من الآديولوجيات.
واذن نحن نقول للآشوريين: اما ان تعبدوا يسوع واما آلهة الآشوريين. ونقول لمن يدعون انهم كلدان: اما ان تعبدوا يسوع المسيح او تعبدوا القومية الكلدانية او التسمية الكلدانية. فالآشوريون والكسيديون والكلدان، هؤلاء كلهم كانت شعوبهم واحدة، تنتمي الى من يستلم الحكم من بين المذكورين" من باب من تزوج امي اسميه عمي" هذا مع العلم بأن المتأشورين يحسبون عن وهم او عن تضليل، بأن الآشوريين كانت لهم قومية خاصة بهم منفصلة كليا عن الجزريين. فعند آشوريي يونادم كنا يسهل التلاعب بالكلمات، كما يسهل مثلا قلب معنى الآثوري، اي صاحب الدار، ( أثرا – آتور السريانية ) الى آشوري وآشور، التسمية التي لا محل لها من الإعراب هنا، حيث أن يونادم كنا يحسب انه يستطيع ان يضللنا عندما يعطي للآشوريين قومية خاصة بهم يمكن ان تضاف الى مسيحيتنا. انه يحسب ان انتماءه الى كذا من المخابرات تمكنه من ان يلعب على كل الحبال، وانه يسستطيع ببهلوانياته ان يمثل جميع المسيحيين عندنا، مع اننا نعلم ان مسيحية الشرق، او مسيحية كوخي، لا علاقة لها بالآشوريين ولا بالكلدان الوثنيين، لا من قريب ولا من بعيد.
اما اذا اصر المتأشورون ولاسيما جماعة الحركة الآشورية الديمقراطية على منهجهم الاستحواذي المستنكر، فلن يكون امام المسيحيين الآخرين، ومنهم جماعة كنيسة المشرق المتحدة مع البابا، سوى التفريط بهم، ليعملوا بآشوريتهم ما يحلو لهم ولكنائسهم. ففي نظري نحن لن نفقد شيئا مُهما اذا انفصل عنا هذا النفر المتأشور الكذاب الغريب الذي يلعب على حبال السياسة الأمريكية التي دمرت بلدنا العراق وبلدان عربية اخرى. وقد شاهدناهم لابسين الخاكي العسكري مع الأمريكان يدلوهم على المعارضين للاحتلال. انا نفسي كنت ذاهبا الى الكنيسة لكي ابات هناك على حسب عادتي، الا انهم اوقفوني في مفرق الكنيسة – ومحطة البانزين لفترة تقارب العشر دقائق، حتى انهم كانوا يطلبون مني ان اوصلهم الى تللسقف. غير اني رفضت بقولي لهم انا ذاهب الى الكنيسة لأنام هناك، وعيوني لا تساعدني ان اقود السيارة بالليل. ثم اخيرا سمحوا لي بالذهاب الى الكنيسة، فانطلقت بسرعة الى حيث ابات.
2523 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع