د.منار الشوربجي
آفاق زيارة بايدن الخارجية
زيارة بايدن الأولى خارج بلاده جاءت وسط ارتفاع كبير فى الثقة بالرئيس الأمريكى بين الشعوب الأوروبية، بعد أن وصلت إلى أدنى مستوياتها وقت رئاسة ترامب. وبايدن يزور أوروبا لحضور ثلاثة اجتماعات- هى قمة السبع الكبار، وقمة حلف الأطلنطى، فضلًا عن اجتماع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، لكن رغم ارتفاع الثقة فى «بايدن»، فإن قبول أوروبا «عودة أمريكا»، التى تحدث عنها بايدن، تواجهه عقبات عدة.
أولى تلك العقبات هى الاختلاف الواضح فى مواقف الطرفين إزاء سلسلة من القضايا المهمة، فإدارة بايدن لا ترغب فقط فى رأب الصدع الذى أصاب علاقات بلاده بحلفائها الأوروبيين فى عهد ترامب، وإنما تهدف أيضًا إلى توحيد أولئك الحلفاء وراء موقفها من الصين وروسيا. لكن الأوروبيين يعطون الأولوية فى العلاقة مع أمريكا لقضايا الاحتباس الحرارى والاقتصاد العالمى ومواجهة وباء كورونا، وهى كلها لا يمكن إحداث تقدم بخصوصها دون التعاون مع الصين.
صحيح أن أمريكا والأوروبيين يسعون «لاحتواء» النفوذ الصينى فى إفريقيا وأوروبا الشرقية، وصحيح أن أوروبا فرضت عقوبات على الصين بسبب قضية الأيغور المسلمين، إلا أن أوروبا تسعى للتعاون مع الصين اقتصاديًا، ولا تتخذ الموقف الأمريكى نفسه بخصوص قضية هونج كونج. أما بخصوص روسيا، فلعل أهم الخلافات بين أوروبا وأمريكا تتعلق بخط أنابيب الغاز الطبيعى الممتد تحت بحر البلطيق من روسيا لألمانيا.
وكانت إدارة بايدن، عشية الزيارة، قد رفعت العقوبات الأمريكية المفروضة بموجب ذلك الخط، لا كموقف جديد تتبناه بشأن تلك القضية، وإنما بهدف تفكيك التوتر مع ألمانيا حتى تقبل بالتفاوض مع أمريكا بخصوصها. وأمريكا وحلفاؤها يختلفان أيضًا بخصوص إعلان الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان.
واللافت أن لقاء القمة الأمريكى البريطانى قد حمل دلالات رمزية تعكس حال العلاقة حتى مع أقرب حلفاء أمريكا تقليديًا، أى بريطانيا، فرغم احتفاء بايدن دومًا بجذوره الأيرلندية التى جعلته، حتى بعد تولى الرئاسة، يتحدث صراحة عن هجرة أجداده إلى أمريكا هربًا من «وحشية الاستعمار البريطانى» لأيرلندا، فقد استخدم العبارات الدبلوماسية المألوفة، فى مؤتمره الصحفى بلندن، معبرًا عن سعادته بزيارة ذلك «البلد العظيم». لكن زيارة بايدن كانت قد بدأت بعد ساعات قليلة من إدانة القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية فى بريطانيا موقف حكومة جونسون فى مفاوضات بريكسيت بخصوص التجارة على الحدود بين أيرلندا الشمالية ودولة أيرلندا.
وتصريحات المسؤول الأمريكى خلقت توترًا سعت الخارجية الأمريكية لتفكيكه بالتأكيد على أن تلك التصريحات لا تمثل بحال موقف الرئيس الأمريكى، وقال مسؤول بالإدارة إن بايدن «لم يأتِ بنية اتخاذ موقف صدامى» فى اجتماعه برئيس الوزراء البريطانى، وإنما «يسعى فقط لتوصيل رسالة» مؤداها أن الولايات المتحدة تعطى أهمية كبيرة للسلام فى أيرلندا الشمالية!.
أما العقبة الثانية والأشد خطورة فهى أن ارتفاع الثقة الأوروبية بالرئاسة الأمريكية لم تصاحبه الثقة فى سياسة أمريكا الخارجية، فلم تنسَ دول أوروبا ولا قياداتها ما جرى فى عهد ترامب، ثم واقعة اقتحام الكونجرس. وقادة أوروبا يعرفون أن واحدًا من بين كل ثلاثة من الجمهوريين يصدقون أن انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة قد زُورت لصالح بايدن، الأمر الذى يجعل مصير أمريكا مجهولًا بعد انتهاء حكم بايدن.
لذلك فإن السؤال الأشد أهمية هو عما إذا كانت أوروبا، شعوبًا وقيادات، راغبة أصلًا فى «عودة أمريكا» إلى قيادة النظام الدولى، منتهى الصلاحية بالمناسبة، بعد أن كانت تلك الدول قد اتخذت قرارها، فى عهد ترامب، بالسير قدمًا مع الولايات المتحدة أو بدونها.
1167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع