بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة / اعظم خطة في التاريخ - الجزء الاول
عندما تتكالب عليك الكوارث فانها تنهال مرة واحدة كالفيض الجارف ولا تمنحك مهلة كي تسترد انفاسك. اليوم كان اسوأ يوم لـ (لو) فبهذا الصباح الباكر استيقظ على اتصل احد عملاء شركة التأمين ليخبره ان الشركة سوف لن تعوضوه عن الحادث الذي وقع لسيارته عندما كانت واقفة باحدى شوارع لندن بالقرب من منزله. السيارة لم تكن مصفوفة بشكل مخالف للقانون ولا كانت تشكل خطراً على المارة قطعاً الا انهم اخبروه انهم غير مسؤولون عن حادث الاصطدام لانه من نوع اصطدام وهرب ولا تعرف هوية السائق. لذا فهم لن يدفعوا له ثمن الاضرار التي لحقت بسيارته الجديدة والتي لم يمر على شرائها سوى شهراً واحداً فقط. والآن اصبحت ركاماً وغير قابلة للتصليح.
بهذا اليوم المشؤوم خرج لو من بيته كي يحاول اللحاق بالحافلة الحمراء ذات الطابقين والتي تمر من امام منزله كل يوم في تمام الساعة الثامنة وانصف آملاً ان يصل الى عمله بالبنك قبل التاسعة. الا ان الحافلة بذلك اليوم ولسوء حظه تأخرت كثيراً ولم تأتي الا مع الساعة التاسعة الا عشر دقائق مما كانت السبب في وصوله متأخراً عن بدء العمل بالبنك قرابة الربع ساعة. حالما وضع قدمه اليمين داخل البوابة الرئيسية قابله مدير البنك السيد شارلي ينظر اليه بغضباً عارم ويسأله،
السيد شارلي : لماذا تأخرت اليوم؟
لو : انه بسبب الحافلة سيدي. اعدك ان ذلك سوف لن يتكرر.
السيد شارلي : هذا شأنك انت. اما ما يخصني كمديرك بهذا البنك اللعين هو وصولك بالموعد المحدد. نحن لا نستطيع ان نقول لزبائننا ان البنك مغلق لان جلالة اللورد لو العظيم متأخراً عن عمله. هيا اذهب الى عملك فوراً واعتبر هذا آخر انذار لك يا لو، مفهوم؟
لو : مفهوم سيدي. انا اعتذر سيدي.
دخل لو غرفته وجلس على مكتبه كي يحاول البدء بالعمل الا انه تذكر انه نسي مفتاح الخزنة الرئيسية بمنزله. لذا قال لزميلته،
لو : ارجوك يا وندي، هل بامكانك ان تغطي عني لاني يجب ان ارجع لبيتي واجلب مفتاح الخزنة من هناك.
وندي : كيف تنسى شيئاً مثل هذا؟ وماذا ساقول للسيد شارلي إذا طلب مني فتح الخزانة؟
لو : حاولي خلق اي عذر له لاني ساذهب الى بيتي وساعود بسيارة اجرة كالبرق. لن يشعر بغيابي احد صدقيني.
وندي : حاول ان لا تتأخر يا لو فانا غير مستعدة لسماع كلمات نابية من ذلك المعتوه المتخلف مديرك المصون.
خرج لو يجري مثل البرق، اوقف سيارة اجرة وطلب من السائق اخذه الى عنوان بيته وان يرجعه فيما بعد فوافق سائق سيارة الاجرة. حالما وصل منزله دخل غرفة النوم فوجد المفتاح على الطاولة اخذه وعاد مسرعاً. كانت حبيبته تريسي لاتزال مستلقية على السرير، حاولت ان تتكلم معه لكن دون جدوى وضع المفتاح بجيبه وخرج من جديد. ركب سيارة الاجرة وعاد بها الى البنك. حال وصله هناك، نزل من سيارة الاجرة واعطى السائق آخر جنيه يملكه في محفظته ثم دخل يجري داخل المصرف فلم ينتبه على غيابه احد. فور دخوله المكتب وجد زميلته وندي واقفة بوسط المكتب وهي بغاية التوتر قالت،
وندي : لماذا تأخرت يا لو؟ لقد طلب منا المدير ان نفتح الخزانة لاحد الزبائن.
لو : لم اتأخر لكنني صرفت آخر جنيه على سيارة الاجرة كي اجلب المفتاح.
وندي : قلت للمدير بانك ذهبت الى المرحاض قبل 10 دقائق. طلب مني ان اخبرك كي تذهب الى مكتبه فور رجوعك من رحلة نداء الطبيعة.
لو : انا ذاهبٌ الآن. قومي بالصلوات من اجلي فقد يكون آخر يوم بحياتي.
طرق باب المدير فاذن له فدخل ليجد زبوناً جالساً لدى المدير. رفع رأسه من تلة الاوراق التي تكدست امامه ورمقه بنظرة مخيفة ثم صرخ،
شارلي : لمـــــــــــاذا تأخرت يا لو؟
لو : كن... كن... كنت بالمرحاض سيدي.
شارلي : سنتحدث عن هذا فيما بعد ولكني الآن اريدك ان تأخذ السيد ويكس الى القبو وان تمكنه من فتح صندوق اماناته الشخصي.
لو : بالتأكيد سيدي. تفضل معي يا سيد ويكس.
خرج لو مع الزبون وانزله الى القبو. فتح صندوقه بمفتاحه فقام الزبون بوضع المفتاح الخاص به هو الآخر واداره فانفتح الصندوق. نظر الى لو وقال،
السيد ويكس : الا منحتني بعض الخصوصية لو سمحت؟ اريد ان افتح صندوقي دون ان تنظر الى محتواه.
لو : بالتأكيد سيدي انا آسف.
خرج لو خارج صالة الصناديق ووقف بباحة القبو ينتظر الزبون كي ينتهي من استخدام صندوقه. وبهذه الاثناء دخل رجلان من موظفي البنك وفتحا بوابة الخزانة الرئيسية فبانت له من خلال البوابة السميكة رزم الاموال المكدسة بداخلها فعلم انه يجب ان يضع حداً لمعاناته المالية لانه عمل لما يقرب من 10 سنوات بهذا البنك اللعين ولم يحصل على زيادة واحدة بمرتبه. اتخذ قرار بان يضع يده على الملايين المتلألئة امامه ويسرقها.
==**==
بعد مرور اربعة اشهر من ذلك اليوم الكئيب. دخل الرقيب جو حارس السجن الى زنزانة يقتاد سجيناً جديداً طازجاً وصل للتو الى السجن. دفعه وقال له،
الرقيب جو : مرحباً ببيتك الابدي يا شيخ اللصوص يا سيد لو. دعني اعرفك على رفيقك الجديد. سوف تقضون اوقاتاً ممتعة بصحبة بعضكما.
ضحك الرقيب جو ضحكته الخبيثة التي يكرهها كل السجناء واغلق الباب الحديدي للزنزانة. نظر لو حوله فعلم ان حياته سوف تنتهي بهذا القبر الاسمنتي الصغير المسدول بالقضبان الفولاذية ويجب التأقلم عليه مهما كلف الامر. وضع حوائجه فوق السرير العلوي ثم قال لرفيق الزنزانة.
لو : انا اسمي لويس گرين بامكانك ان تناديني لو.
السجين الثاني : انا اسمي ريشارد وليامز بامكانك ان تناديني ريك.
تصافح الشريكان ثم سار السجين الجديد لو نحو المغسلة وصار يرمي الماء البارد على وجهه ثم ذهب الى الخزانة الحديدية الصغيرة ليرتب ملابسه بداخلها. الخزانة لم يزد عرضها عن 20 سم فقط لكنه قليل الحيلة الآن ولا يستطيع ان يعترض. بعد ان فرغ من ترتيب ملابسه عاد وجلس على سريره العلوي فسأل،
لو : هل انت هنا من مدة طويلة؟
ريك : جئت قبلك الى هذا سجن منذ اسبوعين فقط وسابقى هنا اربع سنوات. لقد بدأت للتو اخدم محكوميتي. وماذا عنك؟
لو : انا حكمت بـ 12 سنة. لكنني لا اعلم كيف ساتحمل كل هذه المدة فالامر صعب جداً بالنسبة لي لانها المرة الاولى التي ادخل بها السجن.
ريك : سوف تتعود عليها عاجلاً ام آجلاً حتى يصبح الوقت يمر عليك ولا تشعر به ابداً. كل ما عليك فعله هو ان تعيش يومك بسلام وتبتعد عن المشاكل لان السجن هذا بؤرة للمشاكل اينما وليت وجهك.
لو : ولماذا دخلت السجن؟ ما هي تهمتك؟
ريك : القتل الغير متعمد. وانت؟
لو : انا سرقت 6 ملايين جنيه من مصرف نات ويست.
ريك : وهل استردوا المبلغ منك؟
لو : كلا، المبلغ ينتظرني حتى اخرج من السجن بعد 12 عاماً. وانت، لماذا قتلت؟
ريك : كنت بصحبة حبيبتي احتسي الجعة ببار جوار منزلي. وفجأة جاء رجل تافه حاول ازعاج حبيبتي فطلبت منه الانصراف لكنه اصر على ازعاجها ولم يذعن لطلبي، راح يمسك بيدها ويسحبها عنده ويقول لها انه غني وانه سوف يسعدها بماله. انتصبت من مكاني واشتبكت معه بمعركة بالايدي حتى اخرج خنجره وهجم علي كي يطعنني. دفعته بقوة الى الخلف كي اتفادى الطعن من خنجره فتراجع الى الخلف وسقط على الارض ليصطدم رأسه بمسند الاقدام المعدني وراح ينزف بغزارة. امسكت بيد حبيبتي وخرجنا نجري الى الشارع. سرنا باقصى سرعة نحو شقتي وبقينا هناك حتى اليوم التالي حين سمعنا طرقاً على الباب. فتحنا الباب فوجدنا قوة كبيرة من رجال الشرطة. القوا القبض علي بتهمة القتل لان الشخص الذي تشاجرت معه قد فارق الحياة بالمشفى بعد اربع ساعات من سقوطه على الارض. وبالرغم من ان الكثير من الشهود الذين كانوا بالبار بتلك الليلة شهدوا لصالحي واكدوا للقاضي اثناء جلسات المحاكمة انني كنت ادافع عن نفسي، الا ان القاضي اصدر حكمه النهائي وكان (القتل الغير متعمد).
لو : قصة فضيعة حقاً. وماذا كان عملك قبل ان تأتي للسجن؟
ريك : كنت اعمل بالقوات الخاصة في الجيش البريطاني. لقد تسرحت من الخدمة العسكرية قبل فترة قصيرة. وانت، هل عملت بالجيش؟
لو : انا لم اخدم بالجيش نهائياً. كنت اعمل بمصرف يدعى نات ويست لمدة 10 سنوات. عملت هناك بمرتب تافه ولم يزداد مرتبي ولا قرشاً واحداً خلال السنين العشرة التي عملت بها هناك حتى قررت ان اسرق مليون جنيه استرليني دون ان يعلم بي احد. لكني عندما وصلت امام الخزانة الرئيسية مع احد الزبائن الذي دخل يتفقد صندوقه. وجدت امامي مبالغ الكبيرة جداً، صار الطمع يدب بقلبي حتى قمت بسرقة 6 ملايين جنيه. لقد كانت خطة محكمة لانني درستها من جميع الجوانب لكن بعض الامور العرضية حالت دون اتمام المهمة بنجاح. القي القبض عليّ وادخلوني التوقيف بعد اسبوع من السرقة ثم حوكمت بمحكمة الماجستريت بلندن.
ريك : وهل استرجعوا المال منك ؟
لو : كلا. كنت اذكى منهم. سيبقى ذلك المال ينتظرني حتى اخرج من السجن. ولكن قل لي، ماذا كانت مهمتك في عملك السابق؟
ريك : كنت قد خضعت لتدريبات قاسية جداً قبل الالتحاق بوحدتي بافغانستان. كان زملائي يسمونني رجل المهمات الصعبة لانني كنت كفوءاً جداً بعملي. وقد قمت بقتل 14 افغانياً بينما كانوا يؤدون صلاتهم بالمسجد.
لو : ولماذا طردت من الخدمة إذاً؟
ريك : لانني رفضت تنفيذ الاوامر بالتوقف عن القتل. المحكمة العسكرية اكتفت بطردي من الخدمة العسكرية.
لو : اجل، هذا شيء لا يغتفر. ارجو ان تحدثني عنه بالتفصيل في وقت لاحق. والآن دعنا نذهب الى المطعم لاني اشعر بجوع قاتل.
ريك : هل تعتقد انك لازلت حراً طليقاً تتناول الطعام وقتما تشاء؟ سوف تسمع الجرس في تمام الساعة الحادية عشر والنصف لان ذلك هو موعد تقديم وجبة الغداء.
لو : يا الهي، ساموت من الجوع حتى ذلك الحين فالساعة الآن مازالت التاسعة والربع.
ريك : لدي بعض البسكويت بامكاني ان اتقاسمه معك حتى يحين موعد الغداء.
لو : شكراً لك يا مارك، انت حقاً رجل المهمات الصعبة.
ريك : اسمي ريك وليس مارك. وانت على الرحب والسعة.
مع الساعة الحادية عشر والنصف تماماً سُمِعَ البوق المتقطع دلالة على بدء تقديم وجبة الغداء فخرج جميع السجناء من زنازينهم ودخلوا قاعة المطعم حيث يقوم بعض زملائهم المساجين بتقديم الطعام ويضعونه على صواني معدنية. جلس السجين الجديد لو على احدى الطاولات كي يتناول طعامه فجائه مسجون اسود طويل القامة وامره بالمغادرة لان المكان مكانه. فامسك ريك بذراع شريكه وسحبه اليه وقال،
ريك : تعال يا لو واجلس الى جانبي هنا بهذا المكان. فالمساجين حساسين جداً من ناحية اماكنهم التي تعودوا الجلوس عليها. اجلس هنا بجانبي.
ذهب لو مع شريكه ريك وجلسا بمكان مختلف. فسأل لو،
لو : الن يعترض صاحب هذا المكان إذاً؟
ريك : كلا، الرجل الذي كان يجلس بهذا المكان قد مات بالامس.
لو : وكيف مات؟
ريك : اصيب بالسكتة القلبية.
لو : هل كان كبيراً في السن؟
ريك : كلا، كان عمره 30 عاماً فقط. وهذا يخبرك مدى الكم الهائل من التوتر الذي يعاني منه السجناء.
نظر لو الى طعامه فابدى سخطه وقال،
لو : ما هذا الطعام الرديء؟ هل ستقدم لنا مثل هذه القمامة كل يوم؟
ريك : اساساً انت محظوظ اليوم لان الطاهي يشعر بسعادة كبيرة لانه رُزِقَ بمولود جديد البارحة لذلك قام بطبخ وجبة مميزة.
لو : وتسمي غائط الكلاب هذا، وجبة مميزة؟ ولكن قل لي يا ريك، هل تنوي الهروب من السجن؟
ريك : هذه المواضيع لا تطرح على مائدة الطعام ابداً. افهمت؟
لو : اجل، اجل فهمت، سوف لن اكررها ثانيةً.
بعد ان اكملا وجبة الطعام رجع ريك ولو الى زنزانتهما فقام ريك باعداد القهوة واعطى منها قدحاً للو فتسلمها منه وقال،
لو : والآن دعني اسألك بخصوص الهروب. هل تنوي ان تهرب من السجن؟
ريك : لا طبعاً. الهروب لسجين مثلي سيكون جنوناً. فانا محكوم باربع سنوات فقط. هل من المنطق ان اهرب الآن بينما يتسنى لي الصبر قليلاً بالمقارنة بمحكومية الكثير من النزلاء هنا؟ كلا يا لو، انا لا افكر بالهروب بتاتاً. والآن دعنا ننتهي من شرب القهوة ونخرج الى الخارج كي نتمشى بالهواء الطلق في باحة السجن.
خرج الرفيقان الى الباحة وصارا يتمشيان فجائهما احد السجناء وقال للو،
سجين : يا سلام، كم انت وسيم يا حبيبي؟ ما اسمك؟
تدخل ريك وقال له،
ريك : اتركه وشأنه يا بوبو فهو ليس مثلياً.
اصيب بوبو بخيبة امل وراح بعيداً. بقي الرفيقان يسيران لمدة ساعة كاملة حتى سمعا صوت الصفارة معلناً انتهاء فترة التنزه الخارجي فعادا الى زنزانتهما. هنا سأل لو،
لو : وماذا تعمل بمثل هذه الاوقات؟
ريك : انا امارس القراءة كثيراً.
لو : ومن اين تأتي بالكتب؟
ريك : هناك مكتبة تابعة للسجن، بامكان كل المساجين استعارة الكتب منها. سوف يمر علينا احد المساجين يدفع عربة ملئى بالكتب. بامكانك استعارة واحد منها إن شئت.
بعد ساعتين قرر لو الاسترخاء فاستلقى على سريره. بينما بقي ريك جالساً على كرسيه يقرأ كتابه. فجأة سُمِعَ صراخ وضجيجٌ مدويٌ خارج الزنزانة فرفع لو رأسه وسأل،
لو : يا الهي، ما هذا؟ هل وقع امر ما؟
ريك : لا عليك يا لو، انه فقط شجار بسيط بين السجناء. هذا يحصل كل يوم مئات المرات. يجب عليك ان تتعود عليه.
في تمام الساعة السادسة مساءاً سُمِعَ البوق المتقطع دلالة على بدء تقديم وجبة العشاء. فخرج الرفيقان وجلسا على نفس الطاولة التي جلسا عليها وقت الغداء وتناولا الطعام ثم عادا الى الزنزانة. وفي تمام الساعة الثامنة سمع البوق المتواصل معلناً اطفاء الانوار والتوجه الى الاسرّة. فاستمرت الحياة على هذا المنوال والروتين القاتل.
==**==
بعد مرور شهر ونصف جلس الرفيقان ريك ولو بأماكنهم كي يتناولا وجبة الغداء فجاء سجين اسود طويل القامة وقال لريك،
السجين الاسود : اترك هذا المكان، اريد ان اجلس انا عليه.
ريك : لكن هذا هو مكاني. اذهب انت وابحث لنفسك عن مكان غيره.
السجين الاسود : لقد قررت ان اغير مكاني وانا ساجلس هنا من الآن فصاعداً.
ترك ريك كرسيه وذهب بعيداً الى طاولة ثانية ليتلافى المشاكل. تبعه لو وسأله،
لو : ما الذي حصل؟ لماذا اراد هذا السجين اخذ مكانك؟
ريك : انه فقط استفزاز يقوم به بعض السجناء لانهم يشعرون بالملل.
لو : ولماذا انت بالذات؟
ريك : كما اسلفت سابقاً. فان الكثير من السجناء سيمكثون هنا بهذا السجن مدى الحياة. ولذلك هم يشعرون بالغيرة من اناس مثلي ممن لديهم 4 سنوات فقط.
وبينما هم يتحدثون فيما بينهم جاء السجين الاسود الطويل نحو ريك مرة ثانيةً وقال له،
السجين الاسود : قم من هنا فانا اريد ان اجلس بهذا المكان من الآن فصاعداً.
لم يتحمل ريك هذه المرة فانتصب وضربه بالصينية المعدنية على رأسه ليوقعه ارضاً. انتفض السجين الاسود من الارض وسدد لكمة قوية لريك اسقطته على ظهره فوق الطاولة. فجأة بدأ الحراس يطلقون صفاراتهم وهجموا على ريك والسجين الاسود واقتادوهما الى خارج قاعة الطعام. رجع لو الى زنزانته ينتظر لساعتين او اكثر حتى جائه احد المساجين وقال له، "هل سمعت ما جرى؟ زميلك ريك ادخلوه السجن الانفرادي لمدة اسبوعين". هنا اصيب لو بالكآبة لانه كان يشعر ان وجود ريك معه يهون عليه مرارة السجن. بقي يذهب لتناول وجبات الطعام وحده فكانوا يستفزونه ويتنمرون عليه كي يستدرجوه الى قتال بالايدي. الا ان لو كان يذعن لمطالبهم ويسحب نفسه دون ان يشتبك معهم لانه يعلم جيداً انه ضعيف البنية ولا يقوى على مقارعة اي واحد منهم. بقي ينتظر زميله ريك حتى جاء موعد خروجه من الحفرة كما كانوا يسمون السجن الانفرادي. رجع ريك الى الزنزانة وهو بحالة مزرية فالرائحة الكريهة تفوح منه وهي خليط ما بين رائحة العرق ورائحة البول. كذلك ذقنه كان طويلاً وجفونه منتفخة يشكو من آلام بكل بقعة من جسده. دخل الزنزانة وحيى لو بكلمة واحدة قال، "هلو" ثم رمى نفسه على سريره وغطس بنوم عميق. بعد مرور 5 ساعات استيقظ من نومه وصار يهيئ ملابسه كي يأخذ حماماً ويحلق ذقنه. بعد ان استجمع نفسه وعاد بملابس نظيفة جلس على سريره وسحب كتابه ليقرأه. قال شريكه،
لو : كيف تشعر الآن؟ هل تحسنت حالتك يا ريك؟
ريك : لا لم تتحسن ولن تتحسن ابداً طالما ان هناك ذلك الزنجي الحقير يترصد لي اينما ذهبت.
لو : وماذا ستفعل حيال ذلك؟
ريك : امامي خيارين لا ثالث لهما. اما ان اقتله او ان اخرج من هنا.
لو : تخرج من هنا؟ تخرج من هنا؟ وكيف تخرج من هنا؟ نحن في اكثر سجن بريطاني لديه حراسة مشددة واسواره تبدوا كالقلعة الحصينة إذ يبلغ ارتفاعها 6 امتار. هل الامر بهذه السهولة؟
سجن بولنغتون
ريك : الخروج من هذا السجن سهل جداً لكن البقاء خارجاً هو الامر الاكثر صعوبة.
لو : وماذا يتطلب كي تخرج؟
ريك : يتطلب الكثير من المال، والتخطيط الجيد.
لو : إذاً دعنا نهرب من هنا سويةً. ما رأيك؟
ريك : ومن اين لي بالمال يا صاحبي؟ فانا لا املك الكثير منه.
لو : لا عليك يا ريك. قل لي فقط كم يلزمنا من مال كي نخرج؟ هل يكفي ان اعطيك مليون جنيه كاجرة لاتعابك؟
ريك : بل مليوني جنيه. زائداً تكاليف الهروب؟
لو : وما هي تكاليف الهروب؟
ريك : هناك الكثير من الرشاوي التي نحتاج دفعها كي نسهل عملية الهروب. ثم ان الطريق سيكون محفوفاً بالمخاطر لذلك يجب علينا ان نرسم خطة محكمة تمكننا من الخروج خارج السجن والبقاء خارج اسواره.
لو : اطمئن، المبلغ موجود عندي وما عليك سوى البدأ بالتخطيط.
ريك : يجب علي ان اقوم برسم خطة محكمة لا غبار عليها لذلك سابدأ من اليوم. علينا الحصول على خريطة لبريطانيا اولاً. ساطلب من موزع الكتب كي يحضر لي خريطة من المكتبة. وعندما تكون بحوزتي سابدأ برسم الخطة وعليك ان توفر كل ما احتاجه من القهوة لان الخطة قد تستغرق بضعة ايام كي تكتمل.
لو : يبدو انك خبير بمثل هذه الامور يا ريك. ستثبت انك فعلاً كنت تعمل بالقوات الخاصة. ومتى ستبدأ؟
ريك : غداً بعد الافطار عندما يأتي موزع الكتب، سنطلب منه خريطة لبريطانيا.
باليوم التالي بعد ان انتهوا من تناول وجبة الافطار. رجعا الى زنزانتهما وبقيا ينتظران موزع الكتب حتى جائهم فسأله لو،
لو : هل لديك خريطة لبريطانيا؟
السجين : هناك اطلس موجود بالمكتبة، ساجلبه لك غداً.
لو : حسناً. هذا سيفي بالغرض.
رحل السجين عنهما فصارا يلعبان لعبتهما المفضلة، الشطرنج. وباليوم التالي جلسا بالزنزانة ينتظران موزع الكتب حتى جاء وقال لهما انه وجد نسخة قديمة من الاطلس. فاخذاها منه ليجلس ريك ويتفحصها حين قال،
ريك : الخريطة التي وجدتها بداخله هي خريطة تضاريس وليس بها اسماء للمدن لذلك ساقوم انا بكتابتها بنفسي. سيبدأ الاعتكاف الآن.
سار لو نحو آلة القهوة واعد لصاحبه كأساً كبيراً لانه يثق به وليس امامه سوى هذا الخيار. نظر الى ريك وهو يضع اسماء المدن على الخريطة. فهو لا يجرؤ على السؤال لانه يعرف ان صاحبه سوف يتشتت ذهنه. بقي طوال اليوم يرسم على اوراق خارجية ويرجع للخريطة ثم يرسم رسوماً اخرى على اوراق بيضاء ويقوم بحسابت رياضية ثم يقوم بوضع المزيد من المدن على الخريطة. بقي بهذا الحال حتى سمع البوق المتقطع دلالة على بدء تقديم وجبة العشاء فخرج الصديقان خارج الزنزانة وتناولا العشاء ثم عادا الى الزنزانة ورجع ريك يرسم ويكتب ويخطط بينما راح صديقه يخدمه كما لو كان عبده المملوك. استمر ريك على هذا الحال لمدة اسبوعاً كاملاً حتى اعلن في اليوم الثامن انتهاء الخطة وقال،
ريك : لقد فرغت من رسم خطة محكمة لا يستطيع حل طلاسمها اي رجل من رجال نيو سكوتلانديارد. والآن اريد منك ان تحضر لي 25 الف جنيه.
لو : ساطلب المبلغ من صديقتي بالهاتف اليوم كي تحضرها في الزيارة غداً. ساذهب عند احد السجناء كي استأجر منه الهاتف المحمول. خرج لو وطلب الهاتف من السجين فاستأجر منه الهاتف مقابل 50 جنيهاً. رجع الى الزنزانة واتصل بحبيبته ليطلب منها المبلغ فوافقت ووعدته انها ستأتي باليوم التالي ومعها المبلغ المطلوب. وباليوم التالي بعد انتهاء الزيارة رجع لو الى الزنزانة وبيده ظرفاً اسمراً وبداخله 25 الف جنيه. اعطى الظرف لريك ليبدأ بعد المال وقال له،
ريك : سنبدأ بتنفيذ الخطة الآن فوراً. ساشرح لك جزءً محدداً منها فقط لاسباب امنية ثم اقوم بالكشف عن باقي اجزاء الخطة حينما يحين وقتها. انظر معي الى الخريطة.
خريطة بريطانيا
ريك : نحن هنا بمبنى سجن بولنغتون الذي يقع بمدينة بولنغتون وهي المدينة المعلمة بالنقطة الحمراء. من هناك سننطلق شمالاً باتجاه مدينة ستراتفورد. قبل ان نبدأ بتنفيذ العملية، علينا ان نعطي 5000 جنيه الى (كويد).
لو : ومن هو كويد؟
ريك : انه احد الحراس المتنفذين العاملين هنا بالسجن.
لو : هل انت متاكد انه سيقبل الرشوة؟
ريك : هذا الحارس مرتشي من الدرجة الاولى ويسمى (كويد) لأن كويد هو الاسم الدارج للجنيه الاسترليني. سنقوم بمنحه المبلغ كي يُسَهّل علينا الدخول والاختباء بداخل حاوية الملابس المتسخة التي ستوضع بقلب شاحنة الغسيل ثم تسير بنا تلك الشاحنة الى خارج السجن. سنقوم باعطاء 1000 جنيه لسائق شاحنة الغسيل واعطاء 1000 جنيه آخرى لحارس بوابة السجن كي يغض النظر عن تفتيش الملابس المتسخة. اما نحن فسنبقى مختبئين بداخل الحاوية تحت كومة الملابس المتسخة بداخل الشاحنة حتى نصل الى مدينة ستراتفورد كما هو معلّم بالسهم الازرق على الخريطة. لاحظ اننا سنذهب الى ستراتفورد بدلاً من الذهاب الى مدينة اوكسفورد مع ان كل المساجين الهاربين من السجن يفضلون الذهاب الى اوكسفورد لانها من المدن الكبرى كي ينتشرون بها ويصعب العثور عليهم هناك. الا اننا سنتجه الى المدينة الاصغر وهي ستراتفورد. سنصل ستراتفورد بعد ساعة من خروجنا من السجن. سيُكتَشَفْ هروبنا من السجن الساعة السابعة الا ربعاً عندما تتم عملية عد المساجين. ستُبَلّغ ادارة السجن الشرطة البريطانيا المركزية عن هروبنا فتقوم الشرطة المركزية بغلق جميع المنافذ والطرق الخارجية المؤدية من والى السجن بدائرة كبيرة قطرها 80 او 90 كلم تشمل مدينتي اوكسفورد وستراتفورد وتشمل ايضاً المخارج البحرية بالضبط كما هو معلم بالدائرة الحمراء.
لو : وكيف سننفذ خطتنا إذاً؟
ريك : هذا ما ستكتشفه عندما تنتظرنا حبيبتك بمدينة (سويندن) بمزرعة عمتها التي حدثتني عنها ومعها مليوني جنيه اجرتي التي وعدتني بها.
لو : ولكن كيف سننتقل من ستراتفورد الى سويندن بالرغم من وجود الحواجز على جميع الطرق؟ فالطرق كلها مغلقة والشرطة تفتش كل المركبات المارة من تلك النقاط.
ريك : ساقوم انا بعملي السحري. هذا هو اختصاصي يا لو.
لو : حسناً، سوف لن اناقشك بذلك ولكن متى سنبدأ بالتنفيذ؟
ريك : سوف تأتي شاحنة الغسيل بعد ثلاثة ايام. نكون قد انتهينا وقتها من جميع استعداداتنا.
لو : انت فعلاً عبقري.
ريك : غداً اريدك ان تستأجر الهاتف النقال لغرضين، الاول هو الاتصال بصديقتك واخبارها عن المال وعن انتظارها لنا في سويندن والثاني لاني اريد ان استعمله لاتمام الخطة.
لو : حسناً ساحضره غداً.
باليوم التالي استأجر لو الهاتف النقال استعمله ثم اعطاه لريك. امسك ريك بالهاتف وراح بعيداً ليتحدث به. تسلل لو خلفه ليسمع المحادثة التلفونية فسمع ريك يقول، "ولا تنسى ان تحجز لنا بفندق الفصول الاربعة. سنحضر مباراة كرة القدم هناك". بعد ان انتهى من مكالمته ارجع الهاتف للو وقال
ريك : كل شيء على ما يرام.
لو : اي فندق واي مباراة هذه؟
ريك : سوف ترى فيمل بعد. كل شيء بوقته حلو يا لو.
عملية الهروب
بيوم مجيء سيارة الغسيل. تسلل ريك ولو الى قاعة فرز الغسيل بهدوء كبير فقابلهما الحارس المرتشي كويد ومعه احد السجناء الاربعة المسؤولين عن الغسيل. اعطاه ريك مبلغ 500 جنيه فسلمهم ملابس اعتيادية بسراويل قصيرة توحي على انهم سواح فلبسوها ثم فتح حاويتي غسيل ليقفزا بداخلها ثم غطاهما بالمزيد من الملابس المتسخة. دفع الحاويتين ذات العجلات واخرجهما خارج المبنى مع باقي الحاويات الاخرى استعداداً لايداعهما بداخل الشاحنة. بقيت الحاويات تنتظر الشاحنة ربع ساعة كاملة خارج المبنى حتى حضرت اخيراً فقام بادخال الحاويات بداخل الشاحنة ثم اوصد باب الشاحنة. تحركت الشاحنة وصارت تسير بالمسارات الطويلة بين مباني السجن حتى وصلت الى البوابة الرئيسية. نظر سائق الشاحنة فلم يتعرف على الحارس المرتشي عند البوابة فقال لزميله،
السائق : نحن بورطة كبيرة. لقد تغير الحارس المرتشي وسوف ينكشف امرنا.
زميل السائق : وكيف حصل ذلك؟ لقد اكدوا لنا ان الحارس بالبوابة سيكون الاصلع البدين.
السائق : لا اعلم كيف حصل ذلك ولكن ارجو ان لا يطلب منا فتح الباب الخلفي للشاحنة. انتظر.
قال لهم الحارس بصيغة الامر،
حارس البوابة : افتح الباب الخلفي، اريد ان القي نظرة عليها.
السائق : ولكن يا سيدي نحن متأخرون جداً وعلينا الذهاب الى سجن ثاني كي نحمّل المزيد من الملابس.
حارس البوابة : قلت لك افتح الباب ولا تعارضني، افهمت؟
السائق : حسناً سنفتحها.
نزل السائق ومساعده ورجعا الى مؤخرة الشاحنة مع الحارس. فتح الباب وصعد الحارس بداخل الشاحنة وراح يتفحص عربات الغسيل الواحدة تلو الاخرى حتى سمع صوتاً من وراء ظهره يقول،
الحارس المرتشي : انزل يا بوب. لقد قمت بفحص هذه الشاحنة قبلك. انها خالية.
فاقتنع بوب وغير رأيه ثم خرج من الشاحنة وقال للسائق،
حارس البوابة : حسناً واصلوا الخروج من بوابة السجن.
اغلق السائق ومساعده الباب الخلفي لمؤخرة الشاحنة ثم ركبا بالامام وخرجت الشاحنة الى خارج البوابة وصارت بالشوارع الخارجية. بعد مرور ساعة بدأت صفارات الانذار بجميع ارجاء السجن تعلن هروب السجينين. اتصل آمر السجن بشرطة نيو سكوتلانديارد واخبرهم بما حصل فاخبروه بانهم سيقومون بالبحث عن الهاربين.
==**==
في لندن رفع العميد مكنزي السماعة واتصل بالملازم اول گاري فرانس الملقب بكوجاك وقال له،
العميد مكنزي : يا كوجاك اريدك ان تحضر الى مكتبي فوراً.
كوجاك : ما الامر سيدي؟ هل وقع هجوم ارهابي؟
العميد مكنزي : تعال الى هنا ولا تكثر من الكلام.
بعد 6 دقائق تماماً سمع العميد مكنزي طرقاً على بابه فقال، "ادخل". فدخل كوجاك المكتب وحيى رئيسه وجلس فقال،
العميد مكنزي : لقد هرب سجينان من سجن بولنغتون. اريدك ان تلقي القبض عليهما.
كوجاك : متى وقع ذلك؟
العميد مكنزي : هربا قبل ساعتين.
كوجاك : هل لديك اسماء المسجونين؟
العميد مكنزي : ريشارد وليامز ولويس گرين؟
كوجاك : شيء فضيع.
العميد مكنزي : انا ساعتمد عليك يا كوجاك وساسخّر كل امكانياتنا ورجالنا تحت امرتك. هناك طائرة سمتية تنتظرك على السطوح اركبها وانطلق بها الى اوكسفورد على الفور.
كوجاك : سافعل ذلك سيدي.
هبطت الطائرة السمتية على مطار اوكسفورد فخرج منها كوجاك وركب سيارة الشرطة التي تنتظره خارج الطائرة. سأله السائق،
السائق : الى اين يا سيدي؟
كوجاك : الى سجن بولنغتون فوراً.
سارت سيارة الشرطة بسرعة عالية وقد اطلق السائق صفارتها وضوئها الازرق الدوار فاتجهت نحو السجن. حال وصولهم هناك وجدوا آمر السجن ينتظرهم خارج المبنى (ب). صافح كوجاك وقال له،
كوجاك : نحن في عجلة من امرنا. كلما اسرعنا كلما تمكنا من القاء القبض على الهاربين.
آمر السجن : لقد سخرنا لكم كل امكانياتنا. فقط اطلب وسوف ننفذ.
كوجاك : اريد ان ارى زنزانة السجينين والمطعم وباقي الصالات بالقسم.
قاده الآمر الى زنزانة لو وريك. اخرج المحقق كوجاك مصاصة من جيبه، ازال الغطاء الشفاف منها ووضعها بفمه ثم راح يدور بالغرفة ويتفحص كل شيء بدقة كبيرة. حتى فتح احدى الجرارات فوجد صورة لاحدى الفنادق بفرنسا فقال لنفسه، "كم انت ذكي يا وحش". واصل ابحاثه تحت الاسرة وبداخل الخزانة. ثم قال للآمر،
كوجاك : اريد ان ارى المطعم.
تجول كوجاك بالمطعم ثم بالحمامات وبعدها بقاعات الخدمات ومن ضمنها صالة فرز الغسيل. ابتسم المحقق وسأل المدير.
كوجاك : هل كان هناك سيارة نقلت الغسيل هذا اليوم؟
الآمر: اجل في الصباح الباكر. لماذا؟
كوجاك : لقد هربوا بحاويات الملابس للغسيل المتسخ. والآن اريد ان اتحدث مع حارس البوابة.
نادى الآمر على حارس البوابة فجاء وسأله،
كوجاك : هل قمت بتفتيش الغسيل قبل مغادرته بوابة السجن؟
بوب : اجل سيدي، كنت على وشك ان افتش عربات الغسيل وصعدت الى خلف الشاحنة لكن الحارس ديفد جائني وقال انه قام بتفتيش الشاحنة مسبقاً لذلك أغلقنا الباب الخلفي وسمحنا للعربة بالمرور.
كوجاك : واين اجد الحارس ديفد؟
بوب : ذهب الى بيته كي ينام فهو يعمل بوردية الليل.
ادار كوجاك رأسه نحو احد مساعديه وقال،
كوجاك : اذهبوا الى بيت ديفد واحضروه الى مركز الشرطة اريدكم ان تستجوبوه هناك. والآن اريد ان ازور الحواجز بالطرقات. اين اقرب حاجز؟
المساعد : انه يبعد 20 كلم عن هنا سيدي.
ركب كوجاك ومساعده وانطلقت بهما السيارة باتجاه الحاجز تتبعهم سيارتي شرطة اخرى. وبعد قليل وصلوا الحاجز فنزل كوجاك وسأل الشرطي قائلاً،
كوجاك : كيف تسير الامور عندكم؟
الشرطي : نحن نفتش كل السيارات والشاحنات وحتى الدراجات النارية والهوائية.
كوجاك : هل ستتمكنون من التعرف على وجوه السجينين؟
الشرطي : لدينا صورهم سيدي. لقد زودتنا مديرية السجون بها.
كوجاك : واصلوا البحث وكونوا حذرين ودقيقين جداً.
نظر الى مساعده وقال، دعنا نزور باقي نقاط التفتيش. فقال له مساعده،
المساعد : سيدي هناك 18 نقطة تفتيش. هل تريدنا ان نزورها كلها؟
كوجاك : اجل انا قلت كلها يعني كلها وبعدها سنزور المرفأ ربما يكونوا قد استأجروا قارباً كي يهربوا به. كذلك سنتصل بالمطار ونسألهم عن اي طائرة صغيرة او كبيرة غادرت اوكسفورد منذ الصباح الباكر وحتى الآن.
==**==
بداخل احدى عربات الغسيل
همس لو لزميله وقال،
لو : كدت اصاب بنوبة قلبية. فماذا كنا سنفعل لو ان الحارس اكتشف امرنا؟
ريك : لا تتوتر يا رفيقي لقد نفذنا من الجحيم. كان تدخل الحارس المرتشي بوقته. حمداً لله.
لو : وماذا الآن؟ ماذا سيقع لنا؟
ريك : الشاحنة متجهة الى مدينة ستراتفورد. ولكن قبل ان نصل المدينة بخمس كيلومترات سنمر من مطار قديم اسمه لونغ مارزدون. هذا المطار كانت تنطلق منه الطائرات المقاتلة ايام الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب خرج المطار من الخدمة واصبح مطاراً للطائرات الرياضية. انا لدي طائرة رياضية تنتظرنا هناك.
لو : إذاً انت طيار ايضاً؟
ريك : بالتأكيد، ولماذا اشتري طائرة لا استطيع قيادتها؟
لو : وطبعاً إذا اغلقوا جميع الطرق من والى المدينة فنحن سوف نطير من فوقهم ونتجه بها الى سويندن.
ريك : الآن بدأت تفهم يا لو براڨو.
لو : لقد فكرت بكل شيء. انت حقاً تستاهل كل جنيه ساصرفه عليك.
بقيت الشاحنة تسير بهما لساعة ونصف كاملة وفجأة وقفت فسأل لو،
لو : لماذا توقفنا؟ هل وصلنا المطار؟
ريك : اعتقد ذلك ولكن اسكت ولا تتكلم حتى ينادينا السائق.
انفتح الباب الخلفي للشاحنة وناداهما سائق الشاحنة قائلاً،
السائق : هيا انزلا من الشاحنة. لقد وصلنا لونغ مارزدون.
خرج ريك ولو من حاويات الغسيل وترجلا من الشاحنة ثم شكرا السائق فتمنى لهما حظاً وفيراً ورجع الى قمرته وابتعد بشاحنته مواصلاً رحلته الى ستراتفورد اون ايفون. سار ريك وتبعه لو حتى وصلا الى مدخل المطار الذي ليس عليه اي حراسة. سارا على اقدامهم فلم يجدا احداً بالمطار. فتح ريك احدى ابواب حضائر الطائرات فوجد طائرته الحمراء فتفحصها بحب كبير وقال،
ريك : انظر يا لو اليست هي اجمل شيء بالدنيا؟ دعني اعرفك على طائرتي (مايك براڨو انديا).
لو : اهذه هي الطائرة التي ستقلنا الى سويندن؟ هل جننت يا رجل؟ سوف لن اركبها حتى لو كان آخر يوم بعمري.
ريك : هذه طائرتي المسجلة باسمي يا لو. انا اقود هذه الطائرة منذ اكثر من 5 سنوات. وهي أامن واسطة نقل بالعالم. سنطير بها على ارتفاع 2000 قدم وسوف لن يكشفنا اي رادار لان جسم الطائرة صغير ولا يعكس موجات الرادار. لقد قمت بتطوير خزان الوقود كي يزيد من مدى الطائرة فتتمكن من حملنا الى سويندن دون الحاجة للتزود بالوقود. هيا ساعدني كي نخرجها من الحضيرة ثم نقفل البوابة.
دفع لو وريك الطائرة حتى اخرجاها خارج الحضيرة ثم اقفلا باب الحضيرة بالقفل. امر ريك زميله،
ريك : اجلس وارتدي الخوذة الواقية ثم اربط حزام الامان بينما اقوم انا بعملية التحقق من سلامة الطائرة.
لو : ولماذا تتأكد من سلامتها؟ هل هناك شك بانها غير سليمة؟
ريك : انه اجراء روتيني يا لو. يقوم الطيارون بهذا الاجراء قبل اي رحلة مهما كان امد الرحلة.
جلس لو على الكرسي الى جهة اليمين وربط حزام الامان بينما التف ريك حول الطائرة وتأكد من سلامتها ثم جلس الى يساره وصار يجري المزيد من الاجرائات ثم صرخ "ابـــــــتعد عن المروحة" وسحب خيطاً من المحرك ليدير المحرك.
طائرة ريك من نوع كويك سيلفر Quicksilver MXII
كان لو متوترا وخائفاً يرتعش من شدة الخوف اغمض عينيه بينما بدأت الطائرة تسير على المدرج المغطى بالحشيش ازدادت سرعة الطائرة حتى سحب ريك العصى فارتفعت العجلة الامامية ثم تبعتها العجلتان الخلفيتان فاقلعت الطائرة في الجو. فتح لو عينه ليجد نفسه طائراً في الجو وبجانبه ريك فقال لنفسه، "كنت غبياً عندما وافقت ان اذهب مع هذا المعتوه المتهور. سوف نموت لا محال وسنسقط من السماء". التفت الى ريك وسأل،
لو : كيف ستعرف الاتجاهات؟
الا ان صوت المحرك كان مرتفعاً فلم يسمع ريك ما قاله لذلك اعاد السؤال وهو يصرخ باذن صاحبه وقال،
لو : كيـــــــــــف ستعرف الاتجاهات؟
ريك : لدي بوصلة امامي ولدي جهاز GPS كذلك سنستدل به الطريق كما هو الحال بالسيارات. فقط استمتع بالرحلة ولا تقلق من شيء.
بقيت الطائرة تتسلق بالجو حتى نظر ريك الى لو واشار بيده صوب عداد الارتفاع الذي صار يشير الى 2000 قدم. فهز لو رأسه معلنا فهمه لما يجري.
==**==
في مطار اوكسفورد دخل كوجاك مكتب مدير المطار واخبره بسبب الزيارة فوعده المدير بالتعاون الكامل. نادى المدير رئيس قسم العمليات وسأله،
مدير المطار : اريدك يا سيد ولسن ان تجلب لي قائمة بجميع الطائرات بكل احجامها المغادرة من مطارنا لهذا اليوم.
رئيس قسم العمليات : سافعل ذلك سيدي.
خرج رئيس قسم العمليات من المكتب وغاب لمدة نصف ساعة ثم عاد يحمل معه حزمة من الاوراق قال،
رئيس قسم العمليات : هذه قائمة بجميع الطائرات المغادرة من هذا المطار والتي تحمل وجهات الرحلة وجميع اسماء الطيارين والركاب بما فيهم الرحلات التدريبية لنادي الطيران.
تفحص مدير المطار القائمة وصار يقرأها بكل فقراتها ثم رفع رأسه الى كوجاك وقال،
مدير المطار : لم يغادر سجنائك من هذا المطار ابداً.
كوجاك : شكراً لك سيادة المدير. الآن يجب علي ان اذهب للميناء لاتأكد منهم هناك.
خرج المحقق ومعه فريقه وتوجهوا الى الميناء ثم قابلوا مدير الميناء وطلبوا منه نفس الطلب. فاحضر لهم قائمة بكل القوارب التي غادرت الميناء الرسمي والخاص لكن السجينين لم يكونا مدونين بالقائمة. وقف المحقق كوجاك واخرج مصاصة حلوى من جيبه وراح يتأمل البواخر الخارجة والداخلة للميناء. بقي على هذا الحال لمدة خمس دقائق ثم تماسك نفسه ونادى على مساعده قائلاً،
كوجاك : اتصل بالمركز الرئيسي بلندن واطلب لي كل ما يتعلق بلو وريك وحبيبتيهما والاملاك التي يملكونها باسرع وقت ممكن. اريد هذه المعلومات بينما نتوجه الى مدينة اوكسفورد ثانيةً.
ركب الجميع السيارة وانطلقوا باتجاه مدينة اوكسفورد. دخل كوجاك احدى مطاعم ماكدونالد وطلب وجبة (بيك ماك) مع البطاطا المقلية وكأساً كبيرة من الكولا. ساله مساعده،
المساعد : لماذا كل هذا الكم من الكولا سيدي؟
كوجاك : الكولا تحتوي على الكثير من السكر وهي تساعدني على التفكير. اريد ان احل هذه المسألة لاننا نقارع عدواً ذكياً للغاية.
انتظر قليلاً حتى اعطاه العامل صينية حمراء بلاستيكية تحتوي على طعامه فاخذها وجلس على احدى الطاولات تبعه مساعده بصينية مشابهة وجلسا يتناولان الطعام. بعد ان فرغ كوجاك من وجبته السريعة بدأ يفكر وينظر الى الخارج من احدى الشبابيك يتابع السيارات الواقفة بالطابور كي تستلم طلباتها. وفجأة رن هاتفه فاخرجه وصار يتكلم فيه ثم عاد مسرعاً الى مساعده وقال،
كوجاك : لقد عرفت ان السجين لو لديه صديقة تدعى تريسي دوسن وتسكن حالياً لدى عمتها جنيفر دوسن التي تدير مزرعةً للابقار بمدينة سويندون. اما السجين ريك فقد تركته صديقته قبل اسبوعين فور دخوله السجن وهي تسكن بمدينة وركنغتون بالشمال.
المساعد : هل لدى ريك اي عقار مسجل باسمه؟
كوجاك : كلا فقط لديه...
المساعد : ماذا يا سيدي؟ تحدث؟ ما الذي لديه؟
كوجاك : ربما ذلك لا يعني شيئاً ولكنه يملك طائرة رياضية من نوع ام اكس II.
المساعد : واين يحتفظ بهذه الطائرة؟ اهي بمطاراوكسفورد؟
كوجاك : كلا، يحتفظ بها بمطار يدعى لونغ مارزدون.
المساعد : واين يقع هذا المطار اللعين؟
كوجاك : دعني اتصل بالمركز واسألهم.
اتصل كوجاك بالمركز وتحدث معهم ثم عاد وقال،
كوجاك : مطار لونغ مارزدون قريب من مدينة ستراتفود اون ايڨون. هذا المطار كان عائداً للقوة الجوية البريطانية RAF ايام الحرب العالمية الثانية ثم تم تحويله الى مطار للطائرات الرياضية وهذا يشير الى انهم ينوون الهرب بالجو، لهذا سوف لن نعثر عليهم لا بحواجز الطرق ولا بالمطارات او المرافئ. يبدو انهم سيهربون بطائرة رياضية. يجب ان نذهب الى مطار لونغ مارزدون لنتأكد من ذلك. ضع الاحداثيات على نظام الملاحة GPS ودعنا نسرع ونذهب هناك ربما سنصطادهم بداخل المطار قبل ان يغادروا.
سارت بهم السيارة مدة ساعة ونصف حتى اوصلهم نظام الملاحة الى المطار فدخلوا البوابة الرئيسية وكانت كل الحضائر مقفلة. بقوا يتجولون بداخل المطار حتى رأوا رجلاً طويل الشعر لديه لحية حمراء طويلة. اوقف كوجاك السيارة، نزل منها وابرز شارته للرجل ليسأله،
كوجاك : من انت وماذا تعمل هنا؟
الرجل : انا اسمي باري گوردون اعمل كمدرب للطيران تحت الخفيف هنا. وانت؟
كوجاك : انا اسمي كوجاك انا محقق بشرطة نيو سكوتلانديارد وهذا شريكي. نحن نبحث عن رجل يدعى ريشارد وليامز او ريك بالمختصر. هل تعرفه؟
باري : اجل اعرف ريك انه يملك طائرة حمراء بالحضيرة البعيدة هناك.
كوجاك : شكراً لك سيدي.
ركب السيارة وتوجه نحو الحضيرة فنزل منها ليجد ان الحضيرة موصدة بقفل كبير. سأله المساعد،
المساعد : هل نرجع لذلك الرجل الملتحي ونطلب منه مفتاح هذا القفل؟
كوجاك : كلا ليس لدينا الكثير من الوقت. اكسر القفل ودعنا ندخل.
فتش المساعد عن شيء يكسر به القفل فلم يجد لذا صار يضرب على القفل بمقبض مسدسه حتى انكسر القفل ففتح بوابة الحضيرة ليجد الكثير من الطائرات الرياضية جاثمةً هناك لكنه وجد بقعة فارغة بينها، سار نحوها ليجد ورقة على الارض. التقطها وقرأها ما فيها، "اردت ان استدعيكم على فنجان قهوة لاقوم لكم بواجب الضيافة لكنني ومع شديد الاسف اضطررت الى المغادرة على عجالة. استسمحكم عذراً لان مساعيكم راحت هبائاً. التوقيع ريك"
كوجاك : اللعنة، اللعنة، اللعنة. لقد سافروا بالطائرة الرياضية. كنت اعرف انهما سيذهبان الى مزرعة عمة تريسي السيدة جنيفر دوسن بمدينة سويندون.
بهذه اللحظة دخل الحضيرة (باري) الرجل الامريكي ذو اللحية الحمراء فسألهم،
باري : كيف دخلتم الى هنا؟ الحضيرة كانت موصدة بالقفل.
كوجاك : اضطررنا الى كسر القفل ولكن هل تعلم اسم الطائرة التابعة لريك؟
باري : اجل انها مسجلة بالاسم (مايك براڨو انديا).
كوجاك : شكراً لك سيدي.
المساعد : يجب ان نذهب الى المزرعة التي قصدوها.
كوجاك : انا متعب جداً الآن والطريق الى سويندون قد يستغرق 4 او 5 ساعات. دعنا نرتاح اليوم ونتابع البحث غداً.
1766 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع