بقلم: صفوة فاهم كامل
هو العراق ...! تحليل في كتاب الدكتور حسن البزّاز، وقراءة لأفكاره
في أمسية ثقافية عامرة، وفي ليلة هادئة ونسمة صيفية باردة، احتفى الملتقى العراقي للثقافة والفنون، في العاصمة الأردنية عمّان بإشهار وتوقيع الكتاب الجديد للأستاذ الدكتور حسن البزاز، الموسوم (هو العراق). بحضور عدد من النخب العراقية والأردنية وجمهور من محبّي الثقافة والأدب. أدار الاحتفال وقدّم الكتاب رئيس هذا الملتقى والناشط الكُفء في هذا المجال السيد ضياء الراوي. وكان الأستاذ البزاز، قد أهداني مؤلفه الثامن عشر، قبل أيام قليلة لقراءته والاستمتاع به، وأبداء الملاحظات حول الأفكار المطروحة بين سطوره.
(هو العراق) طُبعَ وصدرَ في الأردن لكن من غير عنوان لدار نشر معتمدة، ولا إشارة إلى مكتبة معيّنة تبنّته كما هو متعارف عليه، وخلت صفحاته الأولى من الإهداء المجامل، والمقدمة اللازمة، والتقديم له... ربما غايةٍ في نفس يعقوب والله أعلم! علماً إن الأستاذ حسن، قد استعان بعشرات المصادر المهمة التي تخص موضوعه. غلاف الكتاب الفني هو من تصميم المؤلف نفسه، وهو ذاته ومنذ صباه موهوب بفن الرسم والخط العربي، كما هو موهوب في العِلم والإنتاج العلمي.
الكتاب كما هو غريب في عنوانه ، غريب أيضاً ومُثير بعناوين مواضيعه، غزير بمحتواه، سلس بقراءته على الرغم من تطرّقه إلى حقب عديدة وأزمان مختلفة على مدى تاريخ سحيق، مستعيناً بحكم من القران الكريم وأبيات من قصائد ذات مدلولات، حرصاً من الكاتب على تقديمه للقارئ بأسلوبه المعروف وإيصال أفكاره وفلسفته العلمية الرصينة من خلال تاريخه العلمي والأكاديمي الطويل وتجربته في الحياة، كمراقب للأوضاع ومحلل للإحداث، مستنيراً برؤيته التقدمية والوطنية، وهذا على ما يجعلني أجزم من مبتغاه الأول والأخير في طبع الكتاب وتوزيعه بنفسه بلا مقابل مادي، على الأصدقاء والمثقفين والمهتمين في الشأن العراقي!
الأستاذ الدكتور حسن البزّاز، المولود في بغداد عام 1945، حاصل على شهادة عليا من الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة الأزمات والقانون والاقتصاد الدولي. نشأ وتربى في كنف عائلة سياسية معروفة. فهو شقيق الدبلوماسي السابق والسياسي اللاحق، الشهيد عبد الرحمن البزّاز، أول رئيس وزراء مدني في عهد العراق الجمهوري. دخل الدكتور حسن، عالم السياسية من أوسع أبوابها بعد 2003، من خلال تأسيسه لـ (حركة القوى الوطنية والقومية) ومختصرها (حقوق) وأصبح أمينها العام. ناهضت هذه الحركة، الانتخابات البرلمانية العراقية تحت ظل الاحتلال في دورتيها الأولى والثانية، لكنها شاركت في الثالثة ولم تحصل على أي مقعد تحت قبّته.
الكتاب بمجمل صفحاته هو تصفح سريع لتاريخ العراق ماضيه وحاضره، مع مقارنة بينه وبين تاريخ دول وشعوب العالم الآخر ومنها العربية وصولاً إلى ما هو عليه العراق الآن،
الكتاب لم يتضمن أي فصول تعريفية أو أبواب رئيسية كما هي حال الكتب الأكاديمية، إنما وضع عشرة عناوين لمواضيع فلسفية في السياسية وعلومها، تندرج تحت يافطات ومسمّيات لطالما استخدمها المفكّرين والمنظّرين في ذلك العالم الشائك المنغمس في السياسة.
العنوان الأول هو (مصابح ومقابح) ويتحدّث عن المراحل الحضارية للأمم والقيم الأخلاقية لها في قبحها وجمالها وشرها وخيرها، وارتباط بعض هذه المراحل بالعنف كوسيلة للتعامل فيما بينها، ويجد الكاتب أن العراق يأتي على رأس تاريخ هذه الحضارات وإن اختلفوا في التفسير حول مراحله التاريخية، وصولاً إلى تجارب عدد من الدول في العالم خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أما العنوان الثاني فهو (الخلطة النادرة) والموضوع باد من عنوانه، عندما نتحدّث عن العراق بموجب خلفيته العريقة والطويلة الذي أصبح وبمرو الزمن عنصراً معقداً للأنظمة المتعاقبة بسبب خلفيته الجغرافية والبيئية والثقافية وتاريخه الممتدّة جذوره إلى أعماق التاريخ، وظلَّ العراق وشعبه محافظاً ومكابراً بكبريائه، وهي صفة ملازمة للفرد العراقي والعربي، وتعني الكِبرَ والاعتزاز بالنفس والتراث، وهذا ما جعل الكاتب يذكر ما ذكره قس بريطاني أقام فترة طويلة في سورية والعراق وكتب كرّاساً عنوانه (العراق مفتاح المستقبل).
اليافطة الثالثة للمواضيع هي (الانحراف التاريخي) وفيه يستشهد الكاتب بوصف هيرودوتس، للعراق بأنه متحف الأجناس البشرية وهو محق بذلك لأن العراق هو البلد الحاضن لكل الأجناس البشرية على مدى تاريخه الطويل، ثمَّ يستشهد المؤلف بشكل أوسع بكتاب شقيقه عبد الرحمن البزاز (نظرات في التربية والاجتماع والقومية) حينما يقول إن كثير من الزعماء والقادة العرب-بعد تحرر بلدانهم من الاستعمار الأجنبي-ينسبون كل سوء وكل ضعف وكل خطأ في بلدانهم إلى ذلك الاستعمار وتحميل الغير تبعه أخطائهم وهذا عيب نفسي دفين يتّصف أغلبهم به ويوّلد الانحراف لديهم في السياسة والعمل، وكل ذلك يندرج تحت مرض الأنانية التي تستقر في عقل وفكر الإنسان بشكل عام!
العنوان الرابع من عناوين الكتاب هو (الذات الوطنية) وفيها يتجه السيد حسن البزاز، إلى حدود أبعد ليفرّق بين الذات والوطنية قبل الدخول في تفاصيل موضعه واستكمال عناصره. فالذات من وجهة نظر الكاتب هي مجموعة عقائد وأفكار تخص النفس الذاتية أو الهيكل الذاتي. أما الوطنية فتعرف بالفخر القومي والتعلّق العاطفي والولاء والانتساب لأمّة محددة. ثم يستشهد بتجارب عدد من الشعوب والكيانات السياسية التي يختلط عليها الأمر ويميزها عن مفهومها في الدولة العربية، على أن موضوع الهوية والمواطنة يشغل حيّز غير قليل من الثقافة والفكر وفي دراسات العلوم السياسية والقانون والاجتماع.
والموضوع الخامس هو (عسكرة السياسة) وفيه يُشير المؤلف-مستعيناً بفكر المفكر عبد الرحمن البزاز-عن دور المؤسسة العسكرية ورجالها في العراق الذين قبضوا كلياً على أمور البلاد وانفردوا وحدهم بأغلب المناصب، حتى الخارجية وتولي الأمور السياسية للبلد، واضعين دور المجتمع المدني جانباً داخل ثكنة شبه عسكرية، متطرّقاً في نجاحه شخصياً أي -عبد الرحمن- في وضع الأسس الأساسية لبناء الدولة العراقية على أساس الدولة العلمانية عندما تولى رئاسة الوزراء عام 1965، لغاية عام 1966، وهذا ما أغاض العسكر ليستخدموا كل الضغوط المتاحة بين أيديهم لأجل تنحيته، وهذا ما حصل ونجحوا فيه بسهولة.
وعند الانتقال إلى الموضوع السادس (البنى التعليمية) وهو عنوان أكثر تفاؤلي من بقية العناوين، لأن التعليم وكما هم معلوم للجميع بكل مستوياته وآلياته هو الحكم الفيصل في تقدّم الشعوب وفي ضوئها تبنى الأمم. فالأمم جميعها تقدّمت وبنت بلدانها من خلال التعليم ومنها العراق الذي تقبل جميع أقلياته الكبيرة والصغيرة في مجال التعلم ومنها تولّد ارتباط متين فيما بينهم على الرغم من أن هيرودوتس، قد قيّم العرب بأنهم متنابزون ويتقاتلون مع بعضهم البعض ويقاتلون غيرهم أغاروا على جيرانهم وسلبوا قوافلهم!
وتفرّد السابع بعنوان (الفكر والمكر) وفيه إشارة إلى القلق الاجتماعي والاضطراب الشعبي الذي يحدث عادةً في البلدان غير المستقرّة والدول التي يغلب عليها طابع التخلّف والتعنصر والتناحر بين أبنائه، وهنا يشير الكاتب إلى أن العراق ربما سيكون المثل الأسمى من بين كل التجارب الدولية المشابهة، ويتحدّث حول العقل من جانب، المكر وتوابعه من جانب آخر ومدى تأثير هذا العنصر الهدّام في بناء الأمة الأخلاقية مستنيراً بالآية الكريمة﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ في إشارة إلى الفرق بين المكر والكيد في أنه لا يكون إلا مع تدبر وفكر.
العنوان الثامن (سمو وأُفول) وتحت هذا العنوان يصف الكاتب إلى ما وصل إليه العراق في حالته الجديدة بأنه جمهورية برلمانية اتحادية دستورية، وأمامه فرصة سانحة بناء نظامه المتكامل. لكن المحتل ومنذ اللحظة الأولى كان هدفه تدمير العراق بكامل كيانه وتراثه وتاريخه العريق. فتحولت أحلام شعبه من أول سمو في حياته الجديدة إلى أفول ويأس لمستقبله، بسبب ممارسة السلطات السياسية القائمة زوراً وبهتاناً على أسس ديمقراطية، ووجود كم هائل من شذّاذ الآفاق ممن تعاون وأيّد المحتل.
والموضوع التاسع (خاصّة القول) وتعني المشاركة السياسية في العملية السياسية وفيها التمهيد والانتقال التدريجي من البنية المعينة في الحكم وغدارة شؤون السلطة والبلاد إلى بيئة أخرى تقوم على التعددية الشاملة سياسياً وحزبياً وإدارياً وثقافياً وإعلامياً. وكمثال على ذلك العملية السياسية العراقية التي من أهم واجباتها تنظيم العلاقة بين السلطات وبينها وبين الشعب. لكن الدستور العراقي الجديد أصبح رمز لفشل العملية السياسية وجرّ البلاد إلى حالة الفوضى.
والعنوان العاشر والأخير هو (لُبّ القول) والذي أراد المؤلف من خلاله لملمة كل أفكاره المنتشرة على صفحات هذا الكتاب ووضعها تحت هذه اليافطة ولبّ القول إشارة إلى مصطلح (الديمقراطية) الذي ربما يكون الأكثر اختلافاً وتفاوتاً بالرأي، لكن أهم ما في فحوى الديمقراطية هو مقدار فهمنا وقبولنا لحرية الإنسان والوطن. ويبقى النظام الديمقراطي للأوطان بمختلف أنواعه مرتبطاً بوجود الدستور الدائم الذي يكون من بين أهم واجباته تنظيم العلاقة بين السلطات، وبينها وبين الشعب. ويرى المؤلف عند الحديث عن الوضع الديمقراطي الذي عاشه العراق قبل وبعد تكوينه السياسي، فهناك مراحل سياسية مختلفة متعدّدة عاشها المجتمع العراقي على مدى عدّة قرون
في الأخير ولمن يهمّه الأمر يتساءل البزاز: هل هناك فرصة أمام الشعب العراقي إلى إمكانية قيام نظام ديمقراطي حقيقي متكامل يقوم على أساس الالتزام بالنصوص الدستورية وممارسة الحقوق والواجبات في ظل سلطانه؟ وهل هناك فرصة جادة لبذور الديمقراطية لكي تنمو طبيعياً في العراق؟
وفي ضوء كل ما ذكره الأستاذ القدير الدكتور حسن البزاز، وما استند إليه من مصادر وأفكار وطروحات فأن كتابه انتهى بدون أي خاتمة أو موجز لرؤية شاملة أو تصورات شخصية لواقع عراقي أفضل والمستقبل المنظور له وكذلك العالم، لكن كل ما ذكره في كتابه عن العراق منذ نشأة الخليقة على أرضه وإلى اليوم هو بلا شك كتاب يُغني ويجيب على أسئلة كثيرة لطموحات شعب ووطن... هو العراق!
الكاتب يهدي كتابه الجديد لكتاب هذه السطور
1089 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع