التعامل مع القيم التاريخية العربية

                                                   

                             علي محمد فخرو

التعامل مع القيم التاريخية العربية

في مقال الأسبوع الماضي بينا وجود أزمة قيم سلوكية وأخلاقية وتنظيمية، على مستوى العالم، وعلى مستوى الوطن العربي. وبعيداً عن الانشغال بنقاشات وولولات الآخرين، وعلى الأخص في مجتمعات الغرب، فإن شبابنا وشاباتنا يحتاجون إعطاء أهمية لموضوع القيم، بشتى أشكالها، بالعالمية المشتركة التي تهمنا، وبالذاتية التي تخصنا كأمة عربية، وجعل القيم كمحددات ومعايير جزءاً من أهداف وأساليب نضالاتنا المدنية والجماهيرية. والواقع أن هناك ثلاث مجموعات من القيم تحتاج التعامل معها: قيم الموروث الثقافي التاريخي، والقيم الدينية التي جاء بها الإسلام، وقيم الحضارة العالمية الحالية المهيمنة.

فقبل الإسلام كان الخليط من القيم البشرية والقبلية هو السائد في مجتمعات العرب. ويعتقد المفكر المرحوم محمد عابد الجابري بأن القيمة المركزية التي كانت آنذاك تحكم كل القيم هي المروءة، ولكن ما أن يدخل في تفاصيل هذه القيمة المركزية حتى تتبدى أهم إشكالية في موضوع القيم: فهمها وتطبيقها، حسب متطلبات البيئة الاجتماعية والمرحلة التاريخية، فبدلاً من أن تكون المروءة، كما فهمها وأوجزها الماوردي، كتعفف عن الحرام، وإعراض عن الآثام، وإنصاف في الحكم، وكف عن الظلم، وعدم استكبار على الضعيف، وعدم الطمع في ما لا يستحق، إلخ.. من الصفات الأخلاقية والاجتماعية، بدلاً من ذلك ننتهي إلى أن المروءة هي القيمة المركزية في أخلاق القبيلة للسلطة المعنوية في مجتمع القبيلة يحتاج شيخ القبيلة أن يتحلى بها أساساً من أجل السؤدد والسيادة، أي من أجل سلطة وامتيازات الحكم. وهكذا تصبح أخلاق المروءة أخلاقاً محلية تحكمها العادة، وليست من الأخلاق الكونية التي مرجعيتها العقل والضمير والأخوة الإنسانية.
لقد جئنا بكل تلك التفاصيل بشأن قيمة واحدة للأهمية القصوى لمراجعة القيم التاريخية، التي خضعت لمتطلبات عصرها، لتتلاءم مع متطلبات الحاجات والظروف الحالية للمجتمعات العربية، وحتى لا يتيه المناضلون العرب في معاني الماضي السحيق ورمزيات قيمه آنذاك، بدلاً من إعطاء معان ومبادئ جديدة تحرر القيم العربية الرائعة من نواقص وتشوهات وتعقيدات الحياة العربية البدائية الماضية.
وينطبق الأمر نفسه، مراجعة وتجديداً وربطاً بالعصرنة الحالية، على قائمة طويلة من القيم التاريخية، التي صنفها عالم الاجتماع الدكتور حليم بركات تحت مسميات قيم العصبية من مثل، التضامن والتماسك الداخلي، وقيم الفروسية من مثل الشجاعة والنجدة، وقيم الكرم من مثل التضحية والضيافة، وقيم الاستقلالية الفردية والحرية من مثل الشرف والأمانة، وقيم المعيشة من مثل تحمل الصعوبات، وقيم الحشمة والتعقل. وهي في الأغلب قيم شخصية وأسرية واجتماعية، بعضها يجب الاحتفاظ به وبعضها الآخر يجب الابتعاد عنه. وتبدو الأهمية القصوى لتلك المراجعة النقدية وإعادة التركيب على الأخص في المرحلة التاريخية التي يعيشها العرب حالياً، فبعودة البعض إلى القبلية والمذهبية الطائفية والثقافات الإثنية الفرعية، واستعمال قيمها التاريخية القديمة في الصراعات السياسية المجنونة، أو الانتهازية العنيفة أصبح موضوع الفهم الجديد التقدمي للقيم التاريخية ضرورة وطنية وقومية. وتزداد أهمية الموضوع بسبب الاستعمال المكثف من قبل قوى الخارج الاستعمارية والاستخباراتية لثقافة القيم المشوهة في سبيل السيطرة على عقول وقلوب شباب وشابات الأمة، وعلى الأخص من خلال شبكات التواصل الاجتماعي المليئة بالثغرات. كما تبدو الأهمية مضاعفة بسبب استعمال البعض لتلك المراجعة القيمية كمدخل لفهم ونقد موضوع بالغ الحساسية: موضوع العقل العربي. في المقالة المقبلة سنراجع مجموعة القيم العربية الثانية: تعامل الدين الإسلامي مع تلك القيم، رفضاَ وقبولاً وتفاعلاً وطروحات جديدة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

449 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع