بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - الاعصار/الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/50195-2021-08-04-09-48-25.html
صباح اليوم التالي ركب رعد الحافلة العمومية وزار اثنان من النوادي، ابتدأ برينجرز ثم ذهب الى كرستال بالاس لكنه اصيب باحباط كبير كما حصل بالنادي الاول لانهم استهزؤوا به وبقدراته وبلياقته. رجع الى الغرفة وحكى لصاحبه ستيفن بما وقع له لكن الثاني بث بقلبه الامل وحذره من عدم الاستسلام كي يحقق احلامه. بالايام السبعة التالية راح يبحث عن جميع الاندية بلندن وصار يذهب حتى الى النوادي من الدرجة الثانية والثالثة وحتى الرابعة. لكنه في كل مرة كان يصطدم بالواقع المر فيخبروه انه لا يملك اللياقة اللازمة ولا يستطيع التعلم بسنه المتقدم. بعد كل ذلك التعب والجري خلف النوادي وصل الى نقطة اليأس الكامل. رجع الى غرفة ستيفن وقال،
رعد : لقد ياست يا ستيفن. سوف لن ابحث عن اي نادي من نوادي كرة القدم بعد اليوم. كنت مخدوعاً وواثقاً من نفسي اكثر مما يجب لكن ثقتي بالنفس قد تلاشت. الآن اتخذت قراراً قطعياً لا رجعة فيه.
ستيفن : وما هو قرارك يا صديقي؟
رعد : قررت ان ابحث عن عمل فلا يجدر بي ان ابقى مكتوف اليدين وعالة عليك. لذا اريدك ان تساعدني كي ابحث عن عمل.
ستيفن : لكنك لا تستطيع ان تعمل بشكل رسمي بهذا البلد لانك لا تحمل الاوراق الرسمية التي تخولك العمل فتدفع الضرائب. لذا يجب ان تجد عملاً اسوداً.
رعد : وما هو العمل الاسود؟ أهو العمل بالجريمة مع العصابات مثلاً؟
ضحك ستيفن وقهقه بصوت عال وقال،
ستيفن : لا يا صديقي، العمل الاسود هو العمل الذي لا يسجل لدى دائرة الضرائب فتستلم نقودك دون دفع اي قرش. يسمى هذا العمل هنا ببريطانيا (النقد باليد).
رعد : هذا جيد واين ساجد مثل هذا العمل؟
ستيفن : يجب ان تلف على المحلات والمؤسسات وتسألهم، ليس هناك سبيل آخر. يجب ان تسعى اليه حتى يتقطع حذائك.
رعد : حسناً سابحث ابتداءاً من الغد. سابدأ بشارع اجوير رود فقد رأيت الكثير من المحلات العربية هناك وبامكاني ان اتحدث معهم بامور الجنيهات باليد.
ستيفن : تقصد النقد باليد. اجل الاجانب يتفهمون العمل الاسود اكثر من غيرهم. اتمنى لك حظاً اوفر.
في صبيحة اليوم التالي سار رعد في شارع اجوير رود وراح يدخل المحلات العربية ويعرض عليهم خدماته لكنهم كانوا يرفضون تشغيله. وبآخر اليوم دخل احدى المطاعم ليرى رجلاً طويلاً يقف بمنتصف الصالة حياه وقال،
رعد : انا ابحث عن عمل. هل بامكانكم تشغيلي؟
الرجل : انا المدير هنا. ماذا بامكانك ان تفعل؟
رعد : بامكاني ان اقوم باي شيء.
الرجل : نحن بحاجة الى بواب. وبنفس الوقت تحافض على الامن.
رعد : اتقصد (بودي گارد)؟
الرجل : اجل، شيء من هذا القبيل.
رعد : وكم هو المرتب؟
الرجل : بدءاً سنعطيك 100 باوند.
رعد : بالشهر؟
الرجل : بل بالاسبوع.
رعد : انا موافق ولكن هل سيكون (النقد باليد)؟
الرجل : اجل.
رعد : هذا يناسبني جداً. متى ابدأ؟
الرجل : تعال الليلة الساعة الثامنة تماماً. ستعمل حتى الثانية من فجر اليوم التالي. ارتدي بدلة سوداء وقميصاً ابيضاً.
رعد : ليس لدي بدلة ولا قميص ابيض.
دس الرجل يده بجيبه واخرج حزمة من الجنيهات، اعطاها لرعد قال،
الرجل : هذه 200 جنيه. اشتري بها الملابس وسوف نطرحها من مرتبك بالتقسيط.
رعد : شكراً لك سيدي. اراك بالمساء.
الرجل : لا اريدك ان تتأخر، الساعة الثامنة مفهوم؟
هز رعد رأسه وخرج من المطعم تنتابه فرحة عارمة بعثت الامل بقلبه وبمستقبل مشرق. سار بشارع اجوير رود وراح يبحث عن محلات الالبسة. بقي يسير طويلاً حتى انتهى الشارع ورأى نفسه بالقرب من ساحة كبيرة. رفع رأسه فشاهد لوحة كتب عليها (اوكسفورد ستريت). فابتسم وقال، إذاً هذا هو شارع اوكسفورد الشهير. بالتأكيد ساجد بدلة هنا. بقي يستقصي ويتبضع لاكثر من ساعتين حتى حصل على مبتغاه فركب حافلة ارجعته الى مسكن صديقه ستيفن. دخل الغرفة حاملاً اكياساً كثيرة. ولما رآه صاحبه وقف وقال،
ستيفن : ما هذا يا رعد؟ هل قمت بسرقة بنك؟
رعد : كلا يا ستيفن. لقد حصلت على وظيفة. دعني اجلس وأخبرك عنها.
بذلك المساء ارتدى رعد بدلته ونظر بالمرآة ليجد نفسه انيقاً جداً لكن شيئاً ما كان ينقصه. تفحص نفسه جيداً فاكتشف ان ذقنه يحتاج للحلاقة، عاد وخلع بدلته كي لا تبتل وراح يحلق ذقنه ثم ارتدى البدلة من جديد وخرج ليستلم الوظيفة الجديدة. لما وصل المطعم كانت الساعة تشير الى الثامنة الا ربعاً فرأة نادلة تنظف الكؤوس خلف البار قال،
رعد : انا البواب الجديد. اسمي رعد.
النادلة : انا اعمل نادلة هنا واسمي جولي. تشرفت بمعرفتك. يجب ان تذهب وتقف خارج المطعم.
رعد : حسناً سافعل ذلك، اراكِ لاحقاً.
جولي : انتظر قليلاً، هل انت جائع، او تريد شيئاً لتشربه قبل البدئ بالعمل؟
رعد : كلا شكراً. انا متحمس كي ابدأ عملي.
صعد رعد الى الطابق العلوي المحاذي للشارع ووقف امام باب المطعم يفتخر بنفسه ويتمنى ان يرضى عنه المدير. وربما سوف يقوم بترقيته فيصبح حارسه الشخصي عندما يعرف قدراته وقوته وتفانيه بالعمل. وقف رعد امام الباب تمام الساعة الثامنة وصار ينظر يمين شمال وكلما تطلع بوجهه احد المارة كان يقطب حاجبيه كي يبث الرعب فيهم لان ذلك هو جزء من عمله. بقي واقفاً لساعة كاملة حتى بدأ الزبائن يدخلون للمطعم. كانوا ينظرون اليه ويدخلون دون ان يحيوه. اعتقد رعد ان ذلك امراً اعتيادياً لانه لم يفهم طبيعة الناس بهذا البلد الجديد. بقي الرواد يدخلون المطعم ويخرجون منه بشكل مستمر ولم تقع اي حادثة تذكر حتى جاء وقت انتهاء العمل نظر الى ساعته فوجدها تشير الى الثانية من فجر اليوم التالي لذا دخل المطعم وسأل النادلة جولي،
رعد : هل بامكاني المغادرة الآن.
جولي : اغلق فمك وارجع الى مكانك فالمدير موجود بالداخل.
رعد : ولكنهم قالوا ان العمل س...
جولي : قلت لك اصمت لمصلحتك.
فسكت رعد لانه اليوم الاول للعمل ولم يشأ ان يثير المشاكل. بقي واقفاً حتى الرابعة والنصف عندما خرج عليه المدير وقال،
المدير : احسنت يا رعد. بامكانك الذهاب لبيتك الآن. شكراً لك لقد ابدعت بعملك.
رجع رعد وهو بغاية الاستغراب. لقد فرحوا كثيراً بادائه مع انه لم يفعل شيئاً سوى الوقواف بالباب. ربما كان وقوفه هناك يبعث بقلوبهم الشعور بالامان لكنه لم يكن ليعترض فهو سعيد لانه صار يعمل ويجني ثمار عمله. بظهيرة اليوم التالي قام رعد وصديقه ستيفن بزيارة بالسيد ماي ببيته. جلسوا ليتناولوا وجبة الغداء هناك. وبعد الغداء جلسوا بالصالة فسأل ماي،
ماي : هل انت سعيد بعملك الجديد يا رعد؟
رعد : اجل انا جداً سعيد ولكن هناك امور تجري في المطعم تثير ريبتي. العمل تحيطه سرية كبيرة وساعات العمل مطاطة. فقد اخبروني ان العمل سيكون من الثامنة وحتى الثانية لكني عملت اليوم حتى الرابعة والنصف.
ستيفن : طبعاً لانك لا تتقاضى مرتبك بشكل رسمي فليس لديك حق الاعتراض على تشغيلك خارج ساعات العمل.
ماي : برأيك ماذا يدور بداخل المطعم؟
رعد : لا اعلم، عندما اردت ان ارحل جائتني النادلة جولي وطلبت مني ان ابقى.
ستيفن : ربما طلبت منك البقاء لانها مالت اليك يا شيطان.
رعد : لا ليس كذلك. قالتها وكأنها تحذرني من مغبة مغادرتي لموقعي. وكأنني احرس ثكنة عسكرية.
ستيفن : الم تسألها عن السبب؟
رعد : كلا، لم اشأ ان ادفعهم لطردني من المحل بعد ليلة واحدة فقط.
ماي : إذا عليك بالصبر. فالصبر سيكشف لك الغيوم لتتسلل من خلالها اشعة الشمس كي تضيء لك طريقك.
رعد : حسناً ساصبر وارى. ربما هي مشاكل البداية. فاصعب الامور بداياتها.
بعد مرور اسبوع كامل من العمل بالمطعم وصل رعد بتمام الساعة الثامنة ووقف بالباب كما فعل بالليالي التي سبقتها وراح يحرس المطعم وصار يتفحص كل الداخلين والخارجين. البعض منهم كانوا يحيونه بادب لكن الاغلبية لم يفعلوا ذلك. كانوا يمرون من امامه وكأنه عامود مقامٌ بجانب الباب. بقي صاحبناً يعمل بهذه الشاكلة حتى ناداه مديره واعطاه 60 جنيهاً قال،
المدير : لقد طرحت من مرتبك 40 جنيهاً ثمن المبلغ الذي قمنا باقراضك اياه.
رعد : لا بأس سيدي. شكراً على كرمك.
المدير : بل نحن الذين نشكرك لانك ابقيتنا بامان. واصل عملك وسوف نزيد من اجرك بسرعة فائقة.
فرح رعد لهذا الخبر لانه اصبح الآن ينتج بعد ان كان يأخذ ولا يعطي. ولو ان ذلك لم يكن هدفه منذ البداية لكنه بدأ يعمل بوظيفة وهذا ما راح يمنحه الامل حتى تتحسن ظروفه. وعندما كان يقف امام ذلك المطعم كان يصرف ساعات طوال بالتأمل والتفكير. يراجع فيها حالته ويخطط للمستقبل القريب والبعيد. فالمسقبل القريب كان يتطلب منه تأجير غرفة بنفس بناية صديقه ستيفن كي يعيد لستيفن خصوصيته في مسكنه بالرغم من ان الثاني لم يشتكي من وجوده معه. مهما كان الامر فبقائه بغرفة معزولة سيمنحه الاحساس بالاستقلالية وسيمكنه من مواصلة حياته بالشكل الذي يريدها. اما على المدى البعيد فهو يريد ان يخوض بعض الدورات لتطوير مهاراته في العديد من الامور التي يراها مهمة بحياته. لكنه يجب ان يركز على عمله وان يبدع اكثر كي يحصل على الترفيع الذي وعده به مديره.
بعد مروراً شهر كاملاً جلس رعد وستيفن بالبار ينتظران مجيء صديقهما الثالث السيد ماي. فور وصوله سألهما عن صحتهما ثم سأل رعد عن سير عمله قال.
رعد : انا سعيد جداً لانني تمكنت من تسديد ديوني وان احصل على ترفيع ليصبح مرتبي 120 باوند بالاسبوع.
ماي : وهل عرفت سبب السرية الكبيرة التي تحيط بالعمل؟
رعد : كلا. ربما هم يقومون ببيع مواد غير قانونية لكنني لا اعرفها.
ستيفن : برأيي يجدر بك ان تطّلع على طبيعة عملهم والا فانك ستتورط معهم إن كانوا يتعاملون بامور ممنوعة كالمخدرات او الجريمة المنظمة.
ماي : حاول ان تستقصي الامر من زميلتك جولي. اليس لديك علاقة جيدة معها؟ حاول ان تستدرجها بالكلام وكأنك تدردش معها بشكل اعتيادي. اسمع مني. افضل شيء هو ان تستدعيها الى البار كي تشرب معك كأساً خارج ساعات العمل، وبذلك ستتمكن من معرفة كل شيء منها. النساء يفقدن السيطرة على السنتهن عندما يشربن قليلاً. ما رأيك؟
رعد : ساحاول! غداً ساتحدث معها وساخبركم بالنتيجة.
باليوم التالي عمل رعد مثلما اقترح عليه زميلاه كي يستدعي جولي خارج العمل ويستدرجها بالحديث لكنها رفضت الخروج معه ولم تفصح عن السبب. بالمساء وقف رعد يزاول عمله بحراسة المطعم لما رأى سيارتين سوداء تقف امام المطعم وينزل منها رجل طويل يرتدي بدلة ثمينة يتبعه خمسة رجال، دخلوا المطعم دون ان يتحدثوا معه. صار الشك يراوده وتوقع ان يكونوا رجال عصابات لذلك قرر ان يدخل المطعم خلفهم عله يعرف سبب زيارة هذه المجموعة. وحالما دخل صالة المطعم وجد الرجال يحملون اسلحة نارية يوجهونها صوب صاحب المطعم. علم وقتها انه يجب ان يتصرف. ولكن كيف؟ هم يحملون اسلحة نارية والقوة العضلية لا تجدي بمثل هذه الحالت. هل يقفز عليهم ويجازف بحياته ام يصرخ عليهم ويخيفهم ربما سيخافون ويتركون المحل. وبينما هو يخطط لكيفية هجومه تلقى ضربة قوية على رقبته من الخلف سقط على اثرها ارضاً. بعد فترة فتح عينيه ليجد نفسه ممدداً بوسط المطعم ولا يوجد احد حوله. انتصب واقفاً لكنه شعر بالم كبير في رقبته فراح يدعكها. سار نحو البار واخذ القليل من الثلج ليضعه بمنديل وحطه على الالم فرأى النادلة جولي تقرب منه قالت،
جولي : ماذا فعلت يا مجنون؟ كيف تتدخل مع مجرمين قتلة من هذا الصنف من الرجال؟ كان بامكانهم ان يقتلوك فهم لا يتوانون بفعل اي شيء. لماذا تركت مكانك ودخلت المطعم؟
رعد : اردت ان اقدم يد المساعدة كحارس بهذا المطعم.
جولي : هل صدقت ذلك؟ يا رعد انت مجرد منظر للمطعم لا غير. تدخلك هذا كان سيتسبب في قتل صاحب المطعم.
رعد : اين هو الآن؟ هل اختطفوه؟
جولي : اي اختطاف هذا؟ لا هو هنا داخل المطبخ. سوف يأتي فيما بعد.
بعد قليل خرج المدير من المطبخ ونظر الى رعد ثم قال،
المدير : الا زلت هنا يا غبي؟
رعد : لماذا تقول عني غبي؟ انا اردت ان اتدخل لاساعدك.
المدير : وهل طلبت منك المساعدة؟ هيا اغرب عن وجهي انت مطرود.
رعد : ولكنك قلت انك راضيٍ عن عملي.
المدير : لا تكثر الكلام. اغرب عن وجهي ولا تأتي هنا ثانية، مفهوم؟
رعد : مفهوم.
دخل رعد الحمام وغير ثيابه تاركاً البدلة التي اشتراها حديثاً ورائه. خرج من المطعم وهو بقمة الانفعال يريد ان يريح اعصابه لكنه كان متوتراً جداً. تمنى لو ان احداً تحرش به الآن كي يقوم بصب جم غضبه عليه. دخل غرفته وراح يهيء نفسه كي يأخذ حماماً فسمع طرقاً على الباب. فتح الباب فرأى السيد ماي واقفاً امامه. دعاه للدخول، حس ماي بغيظ رعد فقال له،
ماي : هل تأذن لي بالدخول؟
رعد : طبعاً، طبعاً سيد ماي تعال.
جلس ماي على الكرسي وقال،
ماي : يبدو انني جئتك بوقت خاطئ. هل انت منزعج من شيء؟
رعد : اجل، لقد طردت من عملي ولكن لو حكيت لك السبب لاصبت بالذهول.
بدأ يحكي له القصة من البداية حتى النهاية حين تم طرده من المطعم فابتسم ماي وقال،
ماي : لدي صديق تايلندي هنا بلندن يحب زراعة الورد ببيته. لديه انواع متعددة منها ويقضي جل وقته يعالجها ويسقيها. سمع بيوم من الايام ان هناك نوع من الورود ينمو فقط بجبل يدعى (دوي انثانون) هذا الورد فريد من نوعه لانه يعيش فترة طويلة جداً ورائحته فواحة وله الوان زاهية. لذلك قرر ان يسافر الى تايلندا ويصعد الجبل ليجلب لنفسه وردة من ذلك النوع ويعود بها الى بريطانيا. ودعناه بالمطار ولم نسمع عنه اي شيء حتى رجع بعد فترة وقد عثر على واحدة ووضعها بوسط صالته.
رعد : وما ميزة هذه الوردة؟ لماذا يسافر كل هذه المسافة كي يحضر وردة واحدة؟
ماي : يا رعد، هذه الوردة تمتاز بانها تشعر بمشاعر صاحبها. فعندما يكون صاحبها فرحاناً فانها تتفتح وتنثر العطر بكل المنزل فتتحول صالته الى روضة غناء. اما اذا حزن صاحبها فانها تثني بويصلتها للاسفل وتبدأ قطرات من الماء تتساقط منها. كانت تشعر بمشاعر صاحبها بشكل ملحوظ. كلما دخل بيته تستدير نحوه وتتفتح اوراقها وكأنها تفرح بقدومه الى الدار. وعندما يغادر، تذبل وتنحني الى الاسفل.
رعد : يا الهي كم هذه الوردة غريبة.
ماي : في يوم من الايام دخل صاحبي بيته فرأى وردته قد ماتت. حزن عليها حزناً شديداً وحاول ان يسقيها الماء ويغير لها السماد لكن دون جدوى. لم تعد فيها الروح يا صاحبي. اسمع مني يا رعد، وردة نادرة من هذا القبيل يحزن الانسان على موتها. اما وظيفة تافهة يتقاضى منها الانسان دريهمات شحيحة فهي لا تستاهل حزنك ولا زعلك.
رعد : لقد ارحتني كثيراً بقصتك هذه. لا اعلم ان كانت حقيقية ام خيالية لكني اشعر بتحسن كبير. هل تأذن لي بان اقدم لك الشاي سيدي؟
ماي : كلا. اترك الشاي جانباً الآن. اريدك ان تأتي معي لنذهب الى بيتي.
رعد : لماذا؟
ماي : تعال معي فقط ولا تسأل اي سؤال.
ذهب رعد وماي الى بيته وفور دخوله استأذن من ضيفه ليتحدث بالهاتف ثم عاد حاملاً قدحين من الشاي الاصفر. اعطى واحداً منه الى رعد وجلس امامه ليبدأ الحديث،
ماي : يجب عليك ان تراجع نفسك يا رعد. العمل المذل الذي تسعى من اجله سوف لن يغير حياتك. انت جئت الى هنا وقطعت آلاف الكيلومترات وتحملت كل انوع العذاب اثناء الطريق كي تستقر ببريطانيا وتعمل شيئاً من نفسك. حسناً لم تكن مخططاتك التي رسمتها قد تحققت ولم تصبح لاعب كرة قدم. لكن لديك ميزة اخرى لو انك استثمرتها فسوف يصبح لك شأناً عظيماً. انت مقاتل ممتاز وبامكاني ان ادربك كي تصبح ملاكماً بالقتال التايلندي. ما رأيك؟
رعد : لو فرضنا انني اوافقك على اقتراحك ورحت اتمرن عندك. الا يجدر بي ان يكون لي شريك اتدرب معه؟
ماي : ومن قال انني لم اجهز لك شريك؟
رعد : من؟ صديقي ستيفن؟
ماي : لا، لا، ستيفن فنان وعازف لكنه ليس محارباً مثلك. سيكون لديك شريك، شريكك (وان پين).
رعد : واين هو وان پين هذا؟
بهذه الحظة دق جرس الباب فوثب ماي وفتحه لتدخل فتاة اسيوية كانت تسير خلف ماي. نظر اليها رعد فوجدها جميلة جداً. قامتها قصيرة ونحيفة لا يتعدى وزنها 50 كغم.
ماي : يا رعد، دعني دعني اعرفك على ابنة اخي وان پين من تايلاندا. هي ولادة لندن وتتحدث 3 لغات. الانكليزية، الفرنسية والتايلندية.
رعد : تشرفت بمعرفتك سيدتي.
امسك بيدها ونظر بوجهها فرأى عيوناً براقة جميلة لم يرى مثلها من قبل. وبالرغم من نحافتها لكن صدرها كان عامراً.
ماي : لقد وافقت وان پين ان تتمرن معك وتكون شريكتك.
وان پين: انا سعيدة بلقائك يا سيد رعد.
نظر رعد الى ماي وقال،
رعد : هل بامكاني ان اتحدث معك على انفراد يا ماي؟
ذهب الاثنان الى الغرفة المجاورة قال،
رعد : ما هذا يا سيد ماي، هل جننت؟ اتريدني ان اتمرن على هذه الرياضة العنيفة مع سيدة رقيقة من هذا النوع. كيف تتوقع مني ان اتلاكم معها. كيف اضربها؟ ماذا لو اصبت وجهها فانها لا محال ستموت. هل تريدني ان اكون قاتلاً؟
ماي : انت لا تعرف شيئاً يا رعد. هذه الفتاة لديها خبرة 7 سنوات في فن الملاكمة التايلندية وقد فازت بعدة بطولات محلية. ستكون محظوظاً لو تمكنت من ان تضربها ضربة واحدة فهي سريعة جداً وخفيفة جداً. اما ركلتها فقد سبق وان كسرت اضلع الكثير ممن تباروا معها.
رعد : ايعقل ذلك؟ هل تعمل كلاعبة محترفة؟
ماي : كلا، هي محامية جنائية ولديها مكتب محاماة في لندن. لكنها مقاتلة من الطراز الاول.
رعد : يا عيني. ساتدرب مع هذا الوحش.
ضحك عليه ماي وارجعه لغرفة الصالة فجلسا مع وان پين وصارا يخططان اوقات التمرين. قالت وان پين ان المساء يناسبها كثيراً لانها تعمل بمكتبها بالنهار. وافق الجميع على ان التمارين ستكون بجميع ايام الاسبوع العادية من الاثنين وحتى الجمعة على الساعة السادسة مساءاً. وسيبدأون بالغد.
بالوم التالي ذهب رعد الى بيت ماي ودخل الى الحديقة حيث خصص ماي غرفة خارجية كبيرة كي تكون قاعة للتدريب. جائه ماي حاملاً حقيبة بها الادواة اللازمة لاجراء التدريب وضعها على الارض. اخرج منها قفازين للملاكمة بلونين الاحمر والازرق. سأله،
رعد : الم تقل وان پين انها ستحضر للتدريب؟
ماي : اجل هذا صحيح قالت السادسة مساءاً.
رعد : اين هي إذاً؟
ماي : ما هي الساعة الآن؟
رعد : السادسة الا ربعاً.
ماي : إذاً ستحضر الى هنا بعد ربع ساعة.
رعد : هل انت واثق من دقتها؟ هل هي (بگ بن)؟
ماي : بل هي افضل من (بگ بن)، سترى يا رعد. الآن اريدك ان تضرب كيس الملاكمة 100 مرة. وبعد الانتهاء اريدك ان تركله 100 مرة لكل قدم.
رعد : اهذا هو التدريب؟
ماي : هذا هو الاحماء فقط. هيا باشر.
بدأ رعد بلكم الكيس بضع مرات حتى اوقفه ماي وقال،
ماي : توقف، توقف، انت تلكم بشكل خاطئ. يجب على قبضة يدك ان تكون مستقيمة مع رسغك والا فبالامكان ان ينكسر رسغك. اضرب ويدك مستقيمة. تستطيع ان تتخيل وجود مسطرة خشبية موضوعة فوق يدك ورسغك.
صار يضرب من جديد ولكن بيد مستقيمة هذه المرة. ولما بلغ العدد 80 بدأ يشعر بالاعياء. أحس به ماي فقال له،
ماي : ما المشكلة؟ هل تعبت؟
رعد : كلا ولكنني قليل اللياقة لانني لم اتدرب منذ فترة طويلة.
واصل رعد لكمه على الكيس حتى اكمل ال 100 لكمة ثم بدأ يركل الكيس بساقه الايمن. فاوقفه ماي وقال،
ماي : انت تركل كما لو كنت تضرب الكرة. يجب عليك ان تثني وركك وينطلق قدمك مدفوعاً من وركك كالمدفع، مفهوم.
رعد : نعم معلم.
واصل رعد ركل الكيس حتى اكمل الركلة المئة ثم ابدل ساقه وصار يركل بقدمه الايسر ولما وصل الى 60 دخلت وان پين فامر ماي وقال،
ماي : توقف، وانظر الى ساعتك. ماذا تشير؟
رعد : السادسة تماماً معلم.
ماي : والآن اخلع ساعتك وواصل الركل.
واصل رعد الركل حتى بلغ 100. نظر خلفه ليرى وان پين قد ارتدت ملابس تدريب سوداء طويلة. دون ان تستلم اوامر من المعلم وقفت امام الكيس وراحت تضربه بيدها بلكمات متتالية كانت تشبه صوت المدفع الرشاش. نظر رعد اليها وقال بسريرته، "يا ساتر يا ربي، انها حقاً محترفة".
بعد ان انتهى كلا الشريكين من تمارين الاحماء ناداهما المدرب كي يجروا بعض الحركات للاستعداد للنزال ثم طلب من رعد ان يلكم ماي بوجهها الا ان رعد تردد قليلاً. فامر المدرب شريكته كي تلكمه بوجهه فلكمته لكمة اسقطته ارضاً. جاء اليه ماي وقال،
ماي : عندما اطلب منك تسديد لكمة لشريكك فانك تلبي الطلب لا تتردد. لاحظ ان ماي اقوى منك وبلكمة واحدة رمتك ارضاً. لذلك لا تنظر اليها كامرأة وانما كشريك تدريب، مفهوم؟
رعد : مفهوم معلم.
ماي : والآن سدد لكمة قوية لوجه ماي.
سدد لكمه بوجه ماي الا ان ماي خفضت رأسها فذهبت لكمته سداً. عاد رعد فلكمها ثانية فتفادت لكمته من جديد. حاول كثيراً ولم يتمكن من لكمها ولو لمرة واحدة. وقتها بدأ يعرف مدى امكانيات شريكته فصار يحترمها ويحترم قدراتها العالية في القتال. بدأ ماي يوجه له التعليمات كي يتصرف بحالات معينة حينما يكون مغلوباً بالنزال فيبدأ باستعمال الركل بالركبة ليخرج من مأزقه ثم راح يحذره من الركل بالقدم دون ان يأخذ احتياطات ردة فعل خصمه. بعد مرور ثلاث ساعات امر ماي الشريكين بالتوقف وقال،
ماي : الدرس انتهى، سنلتقي غداً بنفس الموعد.
هنا سأله رعد،
رعد : هل اعجبتك يا معلم؟
ماي : انت تحتاج للكثير من التدريب. يجب ان تستعيد لياقتك فانت بطيء جداً. والملاكمة التايلندية تتطلب رشاقة في الاداء وسرعة عالية والقتال الذهني. سادربك على القتال الذهني بالدروس القادمة.
لم يشعر رعد بمثل هذا الارهاق بحياته رجع الى مسكنه يجرجر باقدامه. فور دخوله الغرفة انبطح على سريره وراح بنوم عميق. ولما رن جرس المنبه باليوم التالي رفع رأسه ونظر الى الساعة فعلم انه نام اكثر من 10 ساعات متواصلة. نزل من سريره فشعر بآلام بكامل جسده. هو يعلم ان ذلك سببه التدريب وان هذه الالام ستزول بعد فترة وجيزة لما تتعود عضلاته على التمارين العنيفة. خرج رعد في الصباح الباكر وراح يبحث عن عمل في المحلات التجارية القريبة من منزله. لكن الجميع كانوا يصدوه او يخبروه انهم ليسوا بحاجة لموظف جديد. رجع الى بيته بعد الظهر وراح يستعد للذهاب الى التمرين لدى السيد ماي. وصل المنزل الساعة السادسة الا ربعاً وبدأ بالاحماء المعتاد. هذه المرة بدت له حركاته اقل ارهاقاً فعلم انه بدأ يستعيد لياقته من جديد ولما بلغت الساعة السادسة تماماً نظر الى ساعته وقال،
رعد : اين وان پين؟ الم تقل انها دقيقة جداً بمواعيدها؟
ماي : لقد طلبت منها عدم المجيء اليوم لان لديك درس في الرياضة الذهنية.
رعد : حسناً انا جاهز.
تربع الرجلان على الارض وثنى ماي ساقه حتى اصبحت اقدامه فوق فخذه ووضع كفيه امام بعضهما البعض دون ان يتلامسا امر رعد كي يعمل مثله. قال ماي،
ماي : اريدك يا رعد ان تخلي ذهنك من كل الافكار. حاول ان تغلق عينيك وتنظر الى اللون الابيض الذي تراه امامك. لا شيء امامك مجرد نور ابيض. لا تسمع شيئاً سوى صوتي. وعندما اتوقف عن الكلام فسوف لن تسمع اي اصوات اخرى. وسوف لن تتوقف عن هذه الحالة حتى اطلب منك العودة.
عم الهدوء بينهما واغلق رعد عينيه حاول افراغ ذهنه من الافكار ليضع مكانها فراغاً ابيضاً. كان صعباً عليه فعل ذلك لكنه بقي يحاول حتى دخل بحالة ذهنية غريبة راح يغوص بداخل السكون ويشعر بسلام كبير صار لا يفكر باي شيء نهائياً. لم يكن يرى سوى اللون الابيض فوقه وتحته وامامه وخلفه. لا شيء غير الابيض. فجأة سمع صوت معلمه يقول،
ماي : توقف وافتح عينيك. اتعرف كم من الزمن كنت بحالة الاسترخاء هذه؟
رعد : ربما بضع دقائق. 10 - 20 دقيقة؟
ماي : والآن انظر الى ساعتك يا رعد.
رعد : يا الهي انها الساعة العاشرة. ماذا حصل اخبرني يا معلم.
ماي : لقد قربت كثيراً من (النرفانا). انها حالة السلام مع الروح. لقد تمكنت من لمس روحك يا رعد. انت بدأت تتعلم.
رعد : انا لا اصدق. اشعر بارتياح كبير وكأنني نمت 10 ساعات متواصلة. اهذا شيء اخترعته انت ام تعلمته من معلمك؟
ماي : بل تعلمته من معلمي بوذا. كان بوذا بتواصل كبير مع ذاته لانه كان يريد ان يلمس روحه وعندما يصل الى هذه الحالة يكون قريباً من الكارما التي توصله الى النرفانا.
رعد : انا جداً سعيد لانني تعلمت هذا الاسلوب من التواصل مع ذاتي. ساجرب ان ادخل بهذه الحالة عندما اكون مع نفسي.
ماي : بالانكليزية تسمى (مديتيشن) وتعني التامل. والتأمل هو الذي يجعلك تجلس على كرسي القيادة عندما تتحكم بعضلاتك من خلال عقلك. هناك رابط كبير بين العقل والجسد لكن الناس لا يجدونه ويلا يشعرون ان هناك تباعد او تقارب بينهما. انتم المسلمون تصلون خمس مرات باليوم. هل جربت ان تصلي يا رعد؟
رعد : اجل انا دائماً اصلي فعائلتي محافظة ومتدينة. لكنني الآن لا اصلي بانتظام.
ماي : وعندما تصلي، هل لاحظت انك تتثائب كثيراً وتشعر بالنعاس؟
رعد : اجل، اجل، هذا صحيح. اتثائب عدة مرات خلال صلاة واحدة.
ماي : لكن ظاهرة التثائب تختفي تماماً بعد ان تنتهي من الصلاة اتعرف لماذا؟
رعد : سألت شيخ الجامع الذي اتردد اليه ببغداد عن هذه الحالة فقال لي ان الشيطان يحاول ان يمنعك من الصلاة.
ماي : ربما هذا ما اخبروه. لكن الواقع غير ذلك تماماً. عندما يكون الانسان بحالة تقارب مع الخالق وقت الصلاة فانه يكون اقرب الى حالة التامل. مما يدفع الدماغ لتحفيز غدد تفرز مادة تسمى الميلوتينين وهي المادة التي تهيئك للنوم. الاسترخاء كذلك يدخلك بحالة مماثلة يمنحك الراحة النفسية يدفعك للنوم وانت مازلت مستيقضاً.
رعد : وكيف سنستفيد من تلك الحالة برياضتنا؟ نحن بحالة قتال والاعصاب كلها مشدودة ومتأهبة لا مسترخية.
ماي : انت الآن وضعت اصبعك على الجواب يا رعد. الذي اريد ان اوصله اليك هو انك عندما تتقاتل يجب ان تكون مسترخياً في ذهنك وان تتحكم بجميع عضلاتك وهذا سيجعلك خلف كرسي القيادة بالمعركة. وعندما تتلقى ضربة على وجهك او صدرك فانت لا تشعر بالالم لانك بحالة التأمل اثناء القتال. الشيء الوحيد الذي يجعلك تخسر الجولة هو فقدانك لاعصابك كما يحصل عندما تغضب وتهجم بدون تفكير فيتغلب عليك خصمك.
رعد : وهل تعرف شريكتي وان پين هذا التكنيك؟
ماي : وان پين خبيرة بـ (اليوكا) واليوكا هي اساس الاسترخاء والتأمل.
رعد : كل يوم يمر علي، اشعر بانني اتعلم الكثير.
رجع رعد ذلك اليوم وقد اكتسب خبرة جديدة الا وهي فن التحكم بجسده من قبل دماغه او الاسترخاء الكلي. قرر ان يتعمق بهذا الفن الذي تعلمه اليوم كي يساعده في جميع مجالات حياته. خرج بصباح اليوم التالي يبحث عن عمل وراح يتكلم مع اصحاب المحلات بهدوء كبير ولا ينزعج عندما يتلقى الردود السلبية منهم. لكنه كان يحرص على مواعيد التدريب ولا يفوته درس واحد ابداً. وكلما كان يتدرب اكثر كان يتقرب من وان پين اكثر وصار يشعر بمشاعر نحوها لم تكن موجودة بقلبه سابقاً. اهو الحب؟ ما هذا الهراء؟ كيف تحبه انسانة متعلمة تحمل شهادة المحاماة وهو شخص بالكاد اكمل تعليمه الدراسي؟ هو لا شيء وهي كل شيء. من يدري؟ فقد يكون لديها صديق او عشيق او حتى زوج. هل بامكاني ان اسألها؟ طبعاً لا. انها لا يمكن ان تنظر الي بتلك النظرة. لانها ارقى من ذلك بكثير. دعني احترم نفسي واواصل تدريبي معها ولا فانها قد تغضب مني وتمسح بكرامتي في الارض.
باليوم التالي وصل رعد الى منزل ماي بالوقت المحدد وراح يباشر تمارين الاحماء بحيث صارت تبدو له بانها ابسط كثيراً من المرة الاولى. ولما انتهى من الاحماء لاحظ وان پين واقفة امامه مرتدية بدلتها السوداء وتبتسم له. شعر وكان اجراساً صارت تقرع في قلبه، "انت حقاً احمق. لماذا تكن لها كل هذا الود؟ هل لانك تخاف منها؟ هل لانها تتدرب معك كل يوم؟ هل لانك وحيد ولا تجد احداً تصب عليه جم مشاعرك واحاسيسك؟
وان پين : (فرام)؟
رعد : ماذا؟
ماي : تقول لك شريكتك هل انت مستعد؟
رعد : اجل فرام.
دون اي مقدمات هجمت عليه وراحت تلكمه بقوة وبسرعة عالية فراح يرجع للخلف ويتفادى لكماتها. وعندما وصل الى الحبل توقف فركلته بركبتها على وجهه لكنه كان يعلم خطوتها القادمة فارجع رأسه للخلف وخطف منها لكمة ضعيفة لوجهها تلقتها بصدر رحب. واصلت التناور معه وراح يدافع عن نفسه اكثر من هجماتها له. وكلما تلاكم معها كلما عرف قابلياتها ولياقتها القتالية العالية. انتهي ذلك اليوم بتصفيق المعلم ماي إذ قال،
ماي : يبدو انك ذكي لانك بدأت تتعلم. ولكني اريدك ان تدمج القتال الذهني بالقتال العضلي. ما اقصده هنا هو انك تحاول ان تجمد خصمك وكانك ضغطت على زر التوقيف بجهاز الفيديو ثم تدرس وضعه وخطواته ثم تقوم بالتخطيط لخطوتك التالي قبل ان تضغط على زر التوقيف كي يعود خصمك ويتحرك. هل بامكانك فعل ذلك؟
رعد : ساحاول بالمرة القادمة.
خرج رعد ووان پين من منزل المعلم وسارا في الشارع قليلاً فسألها،
رعد : هل بامكاني ان اوصلك الى منزلك؟
وان پين : بيتي بعيد من هنا وانت لا تملك سيارة. لماذا لا تدعني انا اوصلك الى بيتك بسيارتي؟
رعد : حسناً، سيكون ذلك جيداً لانني اشعر بتعب كبير.
ركب رعد الى يسار وان پين وربط حزام الامان فطلبت منه ان يدلها على منزله. تتبعت ارشاداته حتى وصلت الى العمارة فاوقفت السيارة لكنها لم توقف المحرك قال،
رعد : الا نزلت قليلاً وشربت القهوة.
وان پين : اولاً القهوة بالليل سوف تحرمني النوم وانا يتحتم علي الاستيقاظ مبكراً لانني ساخوض حرباً ضروس بالمحكمة. ثانية، لا يليق ان ادخل معك بغرفة واحدة والشيطان ثالثنا. اليس هذا ما يقول دينكم؟
رعد : انا رفعت لكم الراية البيضاء. انتم شعب لكم دراية بكل شيء. اراك غداً بالتدريب إذاً.
نزل رعد من السيارة واغلق الباب ورائه انحنى كي يحييها وقال،
رعد : وداعاً وان پين.
وان پين : وداعاً يا حبيبي.
اصيب بدهشة عندما سمع كلمة (حبيبي). هل سمعها ام ان تمارينه الذهنية اوحت اليه بذلك؟ بالتأكيد هو خاطئ فانسانة بطلة مثقفة خارقة الجمال مثل وان پين لا يمكن ان تقول له حبيبي. كم انه غبي واخرق. سار ببطئ شديد حاملاً حقيبته ودخل العمارة. كان ينوي الطرق على باب صاحبه ستيفن لكن ساعته كانت تشير الى الثانية عشر ليلاً فعدل عن ذلك. دخل غرفته وجلس على السرير وكلمة حبيبي ترن برأسه كما لو كانت جرساً. هل قالتها، ام انه تهيأ له ذلك؟ اوه كم يبدو وجهها جميلاً بتلك البدلة السوداء
بقي يتخيل نفسه رجلاً يصاحب زوجته الى مكتب المحاماة ويحمل لها حقيبتها فيسألونها عنه تقول انه مساعدي. تخجل منه لانه لا يحمل اي شهادة. اوه لماذا يفكر بشكل سلبي. الفتاة تعرف ماضيه لكنها قالت له حبيبي ربما قالتها من باب المعزة او الشفقة. فالعراقيين يقولون كلمة حبيبي لكل شخص وكل شيء. نسائنا ينظرون الى طير او ارنب او كلب صغير ويقولون (حبيبي يخبل). فلماذا تعجب من كلمة حبيبي من فتاة يقابلها كل يوم وتضربه ضرباً مبرحاً. آه كم هي قاسية عندما توصل لكماتها الى وجهي المسكين. ارجوك رعد حاول ان تزيل وان پين من مخيلتك. حاول ان تنام وتواصل البحث عن عمل غداً". بصعوبة كبيرة تمكن من ان يحضى ببضع ساعات نوم لكن خيالها كان امامه وقتما فتح عينيه كي يستقبل صباحاً جديداً. ترك سريره وراح يغسل وجهه واسنانه ثم اعد بعض الطعام وخرج يجوب الشوارع بحثاً عن العمل. بالنهاية وجد محلاً للمجوهرات يبدو ان صاحبه مندائياً لانه وضع صورة الدرفش او الدربشا على الحائط وهو شعار للصابئة المندائيين. حياه رعد وطلب منه فرصة العمل فوافق الطرفان على ان تكون اجوره (النقد باليد). باشر رعد العمل فوراً وراح يجلب الصناديق من اسفل المحل ينظف المجوهرات ويعرضها بعد ان يضع الاسعار عليها حسب ارشادات المدير. بآخر اليوم اخبره المدير انه راض عنه وانه سيستمر العمل بالمحل بشكل دائم. بذلك اليوم اغلق صاحب المتجر متجره مع الساعة الرابعة بعد الظهر فرجع رعد وهو بغاية السعادة. ولما اصبحت الساعة السادسة تماماً وقف رعد ببيت ماي مرتدياً قفازه وجاهزاً للتدريب فحضرت وان پين حيتهم وبدأت تمارين الاحماء ثم تقابل الشريكان وراحا يتدربان بشكل منهجي واحد. استمرا على هذه الحالة حتى مرت 11 شهراً فدخل عليهم المعلم ماي ليجدهم يتقاتلان بشكل منسق كما لو كانا في تايلندا. ابتسم ماي وحياهما فتوقف رعد ونظر الى المعلم فجائته لكمة افقدته الوعي. سقط على الارض. راحت وان پين تحاول انعاشه وتضع رذاذ الماء على وجهه ففتح عينه وقال،
رعد : لماذا ضربتيني عندما رأيتيني توقفت لاحيي المعلم؟
لكن المعلم نفسه اجاب وقال،
ماي : انا الذي طلبت منها ان تضربك. هذه الضربة ستذكرك بانك عندما تكون بداخل نزال فانت لا يمكن ان تغير تركيزك الى شيء آخر حتى لو كنت انا معلمك.
وان پين : انا آسفة يا رعد. لقد طلب مني المعلم ان الكمك لكمة قوية كي تتذكرها دائماً.
رعد : ساتذكرها حقاً. لقد كدت تكسرين فكي.
وان پين : كن شكوراً لانني انا التي لكمتك. لو كان ذلك بنزال احترافي لما رحمك خصمك وفصل رأسك عن جسدك. الملاكمة التايلندية ليس بها رحمة.
ماي : الآن دعكما من البكاء والنحيب. اردت ان ازف لكما خبراً مهماً. هناك مبارة سيخوضها رعد مع ملاكم آخر بلندن بشهر حزيران. المهلة قصيرة لكنك يجب ان تكون جاهزاً. لديك 8 شهور فقط كي تستعد لذلك النزال.
رعد : انا مستعد الآن معلم. لكني اعدك ان ابدأ التمرين المكثف مع وان پين.
ماي : من الآن فصاعداً سيكون احمائك 300 / 300 / 300 . هل فهمت؟
رعد : اجل معلمي 300 لكمة و300 ركلة لكلا الساقين.
ماي : وبعدها ستركض 3 كلم في الشارع ثم تعود وتبدأ تمارينك مع وان پين. اريد كذلك ان اخبركما بشيء آخر. يجب ان نختار لرعد اسماً سرياً كي لا يؤثر على وجوده ببريطانيا. ماذا يعني اسمك يا رعد بالعربية؟
رعد : الرعد هو الصوت المخيف الذي تسمعه عندما تلمع السماء وقتما يهطل المطر بغزارة.
ماي : نحن لا نريد ترجمة حرفية للاسم. ما رأيكم بالاسم (الاعصار)
رعد : اجل اعصار اسم جميل، يعجبني.
ماي : لا ليس اعصار بل الاعصار معرف بالف ولام.
وان پين : حسناً ايها الاعصار دعنا نبدأ التمارين.
صارت تمارينه اكثر قساوة لكن النزال بالنسبة له كان امراً يستحق العناء فهو يتوق لان يجرب الخبرات التي يتلقاها من معلمه ومن شريكته الجميلة. بقي يتدرب بالمساء ويعمل بالنهار لدى المندائي حتى جاء موعد النزال. ركب المعلم ماي ووان پين ورعد وستيفن بسيارة وان پين وتوجهوا الى قاعة مجهولة بمنطقة كِلبورن. دخل الثلاثة القاعة فوجدوا جمهوراً كبيراً بانتظارهم. غير رعد ملابسه فكانت وان پين ومعلمه وصديقه الى جانبه. ولما وضعت القفاز على يديه قالت له،
وان پين : إذا كسبت المباراة اليوم فسيكون لك جائزتان. الاولى جائزة الفوز بالمباراة والجائزة الثانية قلبي.
رعد : ماذا؟ لم افهم ماذا قلتِ. هل قلت...
قاطعه المعلم ماي وقال،
ماي : هيا، هيا يا رعد. الجمهور ينتظرك. يجب علينا الخروج الى الحلبة. كفاك ثرثرة مع وان پين.
خرج رعد وهو يرتدي سروالاً ابيضاً وعبائة بيضاء وقفاز احمر تبعته وان پين ومعلمه ماي وستيفن. صعدوا الحلبة وراحوا يهيؤون رعد للنزال فجاء غريمه الانكليزي الاشقر بسروال احمر وعبائة حمراء وجلس امامه على الكرسي. امسك عريف الحفل المكرفون وصار يعلن للجمهور عن النزال قال، "على يميني بطل وستمورلاند لسنتين على التوالي الملاكم الشاب طوله 180 سم ووزنه 114 كغم فاز بـ 10 مباريات وخسر اثنان منها الملاكم جورج اوليفر". صرخ الجمهور وصاروا يحيوه ويهتفون بحياته ويشجعونه كي يقتل خصمه. واصل عريف الحفل وقال، "على يساري من غرب لندن الملاكم الجديد طوله 170 سم ووزنه 99 كغم ولم يسبق له الدخول بمباراة احترافية او محلية اليكم (الاعصار)، لم يصفق له احد سوى وان پين وستيفن بينما راح بعض الجمهور بالتنكيل والضحك والكلمات النابية. رفع رعد يده الى الاعلى ثم قرأ الفاتحة ورمى عبائته من كتفه فتلقفتها وان پين. امر العريف بخروج المساعدين وقال، "ليبدأ النزال". تقدم رعد ببطئ شديد نحو خصمه واحنى رأسه لخصمه لاداء التحية لكن الخصم استغل انحناء رعد فركله على وجهه ليسقط على الارض. صرخ الجمهور فرحين بنصر مبكر حتى وقف بعضهم وهموا بالخروج. الا ان رعد نهظ ثانية ومسح وجهه بقفازه ثم نظر الى الحكم وقال انا مستعد لمواصلة النزال. عاد وواجه خصمه من جديد فتقدم جورج وراح يلكم رعد لكمات متتالية بينما وضع رعد يديه امام وجهه كي يتلافى تلك اللكمات وعندما قرب جورج منه كثيراً سدد رعد لكمة قوية بيده اليمنى ارجعت خصمه للخلف وسببت له الدوار فتراجع وخطى خطوتين للخلف. تبعه رعد وسدد له لكمات متتالية سريعة كالمدفع الرشاش اسقطته على الحبال. استعدل بجسده واحتظن رعد فجاء الحكم وفرقهما. استمر القتال بينهما بين فر وكر حتى سمعا الجرس معلناً انتهاء الجولة الاولى. رجع رعد الى زاويته وجلس على الكرسي فجائته وان پين قالت،
وان پين : لماذا لا تتقاتل يا رعد؟ لماذا تبدوا وكأنك تعب؟ اين ذهبت كل التمارين؟
رعد : لا تقلقي يا وان پين، سافوز بالمباراة اليوم لقد درست خصمي جيداً. فهو رحيم جداً بالمقارنة بلكماتكِ وركلاتكِ.
مسحت وجهه بالماء البارد وجففته بالفوطة ثم قالت حظاً اوفر يا حبيبي.
سمع الجرس ثانية فوقف بعد ان اكتسب الشحنة العاطفية. تواجه مع خصمه فابتدأ جورج باللكم والركل لكن رعد كان يتراجع الى الخلف. وكلما ازدادت ضراوة ضربات جورج كلما تراجع رعد الى الخلف اكثر ويتخذ اوضاعاً دفاعية اكثر. حتى جر خصمه الى الزاوية. فجائه الحكم وسأله، "اتريد ايقاف المباراة يا اعصار" فهز رأسه بالسلب فامر مواصلة القتال. تقدم جورج وسط هتاف الجمهور كي ينهي خصمه ويطرحه ارضاً. فابتسم وتحمس وهجم على رعد ليكيل له الركلات واللكمات حتى قرب كثيراً من رعد فاستغل رعد ذلك ولكمه لكمه قوية سُمِعَ صداها بداخل القاعة وكأنها قنبلة فترنح جورج وصار يخطو خطوات غير متوازنة الى الخلف. تبعه رعد وراح يلكمه لكمات متتالية كالمدفع الرشاش لكن جورج لم يتمكن سوى محاولة الافلات من اللكمات او صدها. استمر رعد مطاردته ولكمه حتى اوصله الى الزاوية فتوقف عن لكمه ثم قفز قفزة دائرية بالهواء ليركله بوجهه فيبطحه ارضاً. صرخ الجمهور وهم يسبون رعد ويسمعونه الكلمات القبيحة النابية. بينما راح الحكم يعد الثواني، 1-2-3 وعندما وصل الى 9 وقف جورج وطلب مواصلة المباراة. وقف امام رعد وهجم عليه كالثور الهائج لكن رعد تذكر نصائح المعلم ماي وكيف يتعامل مع الازمات بالقتال الذهني فجمّدَ خصمه ذهنياً وبدأ يتفحصه ببطئ شديد من الاعلى الى الاسفل وراح ينظر الى ساقه اليسرى فوجده يعرج عليها. ثبت رعد جسده على ساقه اليسرى واطلق مدفعاً من ساقه اليمنى باتجاه ساق خصمه المعطوب فركع جورج على الارض. هنا رجع رعد الى الخلف اربع خطوات ثم ركض باتجاه جورج وقفز بالجو لينزل كالنمر بلكمة قوية من يديه الاثنتين اسقطت جورج مغمياً عليه. هدأ الجمهور قليلاً بينما ذهب الحكم كي يتفقد جورج الذي اغمي عليه ففتح يديه الاثنتين معلناً انتهاء المباراة. رفع رعد يديه الى الاعلى فراح بعض من الجمهور يصفق له على حركته التي لم يعهدوها بمقاتل من قبل معلنين اعجابهم به. دخل عريف الحفل الى الحلبة بينما راح مساعدوا جورج بحمله واسناده كي يقف فامسك الحكم بيده وبيد رعد. نظروا الى العريف فسمعوه يقول، "الفائز بالمباراة بالضربة القاضية...الاعصار". هنا لم يرى الجمهور بداً من ان يصفقوا لرعد تصفيقاً حاداً لانه كان اصغر من خصمه حجماً ولم يفز باي مباراة من قبل الا انه تمكن من طرح خصمه بالضربة القاضية. في الجولة الثانية.
ركضت وان پين الى الحلبة وراحت تمسح على وجه رعد فسألها،
رعد : هل سأفوز بجائزتك يا وان پين.
وان پين : بل انك فزتها فعلاً يا حبيبي. انا ملك لك الى الابد.
نزل رعد من الحلبة بصحبة وان پين ومدربه ماي متوجهين الى غرفة التبديل وهم يضحكون قال ماي،
ماي : انا جداً فخور بك يا رعد. لقد عرفت انك ستقفز قفزة النمر هذه عندما توقفت عن القتال.
رعد : الفضل يعود لك انت سيدي ولشريكتي وان پين.
وان پين : لا تنسى انك قضيت عليه بالنهاية وهذا مايهم. انت اصبحت الرجل الذي لا يقهر.
وبينما هم يتحدثون، دخل عليهم رجلين يرتديان بدلات سوداء ومعهم ثلاثة عناصر من الشرطة قال احدهم،
الشرطي : انا رئيس عرفاء بورتر هل انت رعد سالم؟
نظر رعد اليهم من خلال عينه المنتفخة وقال،
رعد : اجل انا رعد، ماذا تريدون؟
رئيس عرفاء بورتر : باسم شرطة صاحبة الجلالة القي القبض عليك بتهمة الدخول الى بريطانيا بشكل غير شرعي.
طلب رعد السماح له بارتداء ملابسه فوافقوا. اخذ حماماً سريع ثم لبس ملابسه وخرج مع الشرطة. سارت معه وان پين وقالت،
وان پين : لا تقلق حبيبي، ساخرجك من المشكلة.
ماي : تذكر ما اوصيتك به وقت الازمات وتحلى بالهدوء.
اومأ رعد برأسه وسار مع الشرطة ليدخل سيارتهم فتنطلق به بعيداً. قال ماي،
ماي : لا يمكن لاحدٍ ان ينقذ رعد سواكِ. اذهبي وحاولي ان تحلي الامر باي طريقة ممكنة.
وان پين : بالرغم من ان وزارة الداخلية متشددة جداً مع اللاجئين الغير شرعيين هذه الايام. لكنني حتماً ساقوم باللازم.
ركب ماي ووان پين وستيفن بالسيارة وتوارت بهم بين ظلام لندن الممطر. باليوم التالي دخلت وان پين مركز الشرطة كي تحصل على بيانات عملية القاء القبض فاخروها اكثر من المعتاد لكنها حصلت بالنهاية على نسخة من ملف القاء القبض وجميع الملابسات بداخله. ركبت وان پين سيارتها وتوجهت الى المقر الرئيسي لوزارة الداخلية وصعدت الى الطابق الاول فدخلت بباب كتب عليه (التأشيرات والهجرة) نظرت اليها موظفة الاستعلامات وقالت،
موظفة : تفضلي سيدتي.
وان پين : انا المحامية وان پين پوكوسوپ وهذه دلالات وظيفتي وبطاقتي الشخصية.
اخذت كل الاوراق والبطاقات منها وراحت تتفحصها ثم نظرت الى وان پين ثانية وقالت،
موظفة : نعم سيدة پوكوسوپ، كيف اتمكن من مساعدتك؟
وان پين : اريد مقابلة السيد الوزير.
موظفة : لكنك لا تحظين بموعد. يجب عليك الحصول على موعد كي تقابليه.
وان پين : الامر مستعجل ويتعلق بشخص بالامكان ان يكون نجماً كبيراً بالرياضة يمثل بريطانيا بالمحافل الدولية.
موظفة : لحظة واحدة من فضلك.
حملت اوراق ومستمسكات وان پين ودخلت من باب خلفي فجلست وان پين على الكرسي الموجود خلفها بالصالة. وبعد قرابة نصف ساعة عادت الموظفة وقالت،
موظفة : تفضلي معي سيدتي ستدخلين من الباب الذي على يمينك.
فتح الباب وخرج منها موظف كبير في السن وقال لوان پين.
موظف : اتبعيني رجائاً.
سار الموظف بالممرات تتبعه وان بين حتى وصلا الى احدى الابواب فطرق عليه فدخلت لتجد نفسها بمكتب سكرتيرة وزير الداخلية. كانت فتاة باواخر العشرينات من العمر شقراء رشيقة في غاية الجمال ترتدي قميصاً ازرقاً وتنورة بيضاء ضيقة وقصيرة جداً. وقفت وقالت،
السكرتيرة : اتبعيني لو سمحتِ.
فتحت الباب وادخلتها على مكتب كبير جلس بآخره رجل اصلع من الاعلى لكنه يحظى بالقليل من الشعر على جانبي رأسه. وقف ومد لوان پين يده فاخذتها وابتسمت بوجهه قالت،
وان پين : جئتك سيدي بخصوص مهاجر عراقي غير شرعي يدعى رعد سالم. حضر الى بريطانيا بصورة غير شرعية وحاول كثيراً كي يتأقلم مع جو بريطانيا وانظمتها الصعبة. لقد قام رجال الشرطة بالامس القبض عليه وزجه بالتوقيف وقد يُرَحّل من بريطانيا باي وقت.
الوزير : هل طلب اللجوء عندما اجتاز الحدود ودخل بريطانيا؟
وان پين : كلا، لظروف قاهرة لم يتمكن من اعلان حالة اللجوء وقت الدخول لانه كان خائفاً على حياته وحياة اهله بالعراق.
الوزير : اسمعي مني يا سيدة پوكوسوپ، يأتي الى بريطانيا مئات اللاجئين كل اسبوع ويطلبون اللجوء طمعاً بالبقاء والعمل هنا كي يحصلوا على فرصة اكبر للحصول على المال لان بلدانهم لا توفر لهم تلك الفرص نطلق عليهم مسطلح (اللاجئين الاقتصاديين). وهؤلاء اللاجئين لا يمنحون صفة شرعية للبقاء ببريطانيا. دعيني اقرأ لك الفقرة القانونية التي تصنف هؤلاء اللاجئين: مصطلح اللاجئ الاقتصادي هو الفرد الذي يغادر بلده من أجل البحث عن عمل أفضل وآفاق اقتصادية في بلد آخر. غالبًا ما لا يكون اللاجئون الاقتصاديون في وضع اللاجئ من الناحية القانونية، وهو وضع مخصص لأولئك الذين يسعون للهروب من العنف أو الصراع في وطنهم الام.
لذلك فإن مهمتنا ان نستكشف نوع اللاجئ إن كان لاجئاً اقتصادياً او لاجئاً لظروف قهرية.
وان پين : سيادة الوزير، ان الشخص المعني بالامر كان جندياً بالجيش العراقي الذي فتح الكويت عام 1990 ثم خرج منها بعد ان ابيد الجيش من قبل الامريكان والبريطانيين ففروا الى بلدهم هاربين تحت طائل القتل والدهس بالدبابات. ثم بعد مرور 4 سنوات حشد صدام عناصر جديدة كي يبعثها الى الكويت مرة ثانية لكن موكلي رعد سالم ابى ان يكون جزئاً من تلك الجريمة التي كان صدام سيكررها ويبعث به الى خط النار. ففر من هناك ومر بالجحيم اثناء رحلة الوصول الى بريطانيا. كل الذي كان يريده هو ان يلعب كرة القدم ليمثل بريطانيا. فهو بارع جداً بتلك اللعبة.
الوزير : وهل لعب الكرة؟
وان پين : كلا سيدي، عثر عليه احد الاشخاص واكتشف فيه خاصية مميزة اخرى وهي القتال فدربه ليصبح رياضياً من الرعيل الاول وقد فاز بالامس مباراته الاولى مع احد اشرس اللاعبين ببريطانيا.
الوزير : وكيف نقول للبرلمان ان هذا الشاب يجب ان يبقى هنا لانه بارع بالضرب والعنف والركل؟
وان پين : سيادة الوزير، الفقرة 24 من الفصل 123 في النظام الداخلي لوزارة الداخلية بالمملكة المتحدة حول منح مكانة خاصة للأشخاص المتميزين. يخول الاشخاص المميزين كي يحملوا الجنسية البريطانية ويمثلوها بالنظر لمهاراتهم الرياضية والعلمية او الفنية. انظر الى فرق كرة القدم سيدي فالذين يمثلون بريطانيا اغلبهم من هذه الفئة من الناس. هل انا خاطئة؟
الوزير : اجل ولكن هؤلاء يأتون من خلال دعوات رسمية للنوادي التي تحضرهم من اوطانهم.
وان پين : وانا كذلك سيدي. فزت بتسع مباريات دولية وفزت بلقب بطلة بريطانيا بلعبة الملاكمة التايلندية. وقد قمت بتدريب هذا الشاب وقد اصبح افضل مني شخصياً. هذا الشاب يتمكن من الدخول الى الدورة الاولومبية والحصول على الكأس الذهبي لبريطانيا سيدي.
الوزير : هل لديه اوراق تثبت انه كان مطالباً للجيش بالعراق؟
وان پين : اجل سيدي. تفضل هذه هي نسخة من البلاغ الذي ارسل اليه كي يلتحق بوحدته ليبعثوه الى الكويت. البلاغ يذكر انه قد سبق ان ادى الخدم العسكرية وانهم يريدونه الالتحاق ثانية. وانا احتفض بالنسخة الاصلية بمكتبي بلندن.
الوزير : حسناً سيدة پوكوسوپ، احضري النسخة الاصلية وارفقيها مع الطلب وسوف ينظر بالقضية على انها حالة استثنائية. شكراً لحضورك اليوم. سنعلمك بخطاب رسمي عن نتائج قرارنا.
وان پين : شكراً سيادة الوزير.
خرجت وان پين من مكتب الوزير والابتسامة العريضة على وجهها تكاد تطير من الفرح، راح قلبها ينبض 200 مرة بالدقيقة. احست نفس الاحساس عندما فازت بمباراتها التي حازت بموجبها على كأس بريطانيا قبل بضع سنين. عادت الى مكتبها وفور جلوسها رن هاتفها الخلوي فرفعته وقالت،
وان پين : وان پين، من معي؟
ماي : انا ماي، اردت ان اعرف نتائج المباحثات. هل تمكنت من اقناع الوزير؟
وان پين : لقد طلب مني بعض المستندات فوعدت بارسالها غداً.
ماي : لا يا وان پين، ارجعي الى مكتبك وخذي البيانات ثم عودي وسلميها للوزارة باليد اليوم لان اليوم وصلت رسالة من اتحاد الكيكبوكسنغ ببريطانيا يستدعون رعد لنزال على لقب بريطانيا. وإذا لم نتمكن من الرد عليهم فقد يعتبروا ان رعد منسحباً مما سيجعل خصمه الفائز بالبطولة.
وان پين : حسناً يا معلم، سافعل ذلك اليوم.
رجعت وان پين الى مكتبها وفتحت الخزنة الحديدة لتخرج المستندات اللازمة ثم عادت فوراً الى الوزارة. فور ان وقفت سيارتها في المراب لاحظت الوزير يركب سيارته فركضت نحوه وامسكت بالباب قبل ان يغلقه قالت،
وان پين : سيادة الوزير، سيادة الوزير، آسفة هذا الامر جداً طارئ.
الوزير : هذا تصرف بذيء جداً وغير لائق. كيف تجرئين على ايقافي بهذا الشكل؟
وان پين : سامحني يا سيادة الوزير لكنه امر مستعجل وعلمت للتو انك ستذهب الى اليونان في اجازتك لذلك اردتك ان تطلع على النسخ الاصلية للمستندات.
نظر الى وجهها وتفحصها جيداً وتردد قليلاً ثم مد يده ليأخذ المستندات. راح يتفحصها ورقة ورقة ثم قال،
الوزير : اين الطلب؟
اخرجت الطلب من حقيبتها واعطته اياه. اخذه وقلب الصفحة وراح يكتب على الورقة. ثم ارجعها لها. نظرت الى المستند فرأت توقيع الوزير مما يشير الى موافقته للطلب. امسكت بخده وقبلته قبلة سريعة. قال بسره "هذه الفتاة مجنونة". شكرته كثيراً وانطلقت به للداخل كي تسلمه لكاتب الوزارة. اخذ الكتاب منها ودخل الى اللجنة. بقيت تنتظر لاكثر من ساعة كاملة حتى خرج واعطاها المستندات. فتحت المستندات لتقرأ الموافقة على منح رعد اقامة (استثنائية للتَمَيّز). رفعت يديها للاعلى وصرخت باعلى صوتها،
وان پين : لقد نجحنا، لقد نجحنا، لقد نجحنا.
التفتت الى الموظف وسألت،
وان پين : متى يمكننا اخراج المحتجز من المركز.
الموظف : الآن فوراً إن اردتِ.
شكرته وركضت صوب سيارتها متجهة الى مركز الاحتجاز. ابرزت لهم قرار الوزارة فطلبوا منها الانتظار حتى ينادون لرعد. بعد قليل جاء رعد بصحبة احد افراد الحراسة. نظرت اليه وان پين وابتسمت فركض رعد صوبها واشتبكت ايديهم وراحوا يقبلون بعضهم ثم توقفت وقالت،
وان پين : ليس لدينا الكثير من الوقت. هناك مباراة كبيرة تنتظرك ومن خلالها ستكون بطل بريطانيا بالكيك بوكسينغ.
ركبت السيارة وانطلقت باتجاه منزل السيد ماي، بالطريق رن هاتفها الخلوي فرفعته وقالت، "انه معي بالسيارة. نحن قادمون يا معلم". ثم اغلقت الخط معه. وقف ماي مع ستيفن خارج المنزل ينتظرانهما بفارغ الصبر. ولما وصلا وخرجا من السيارة فتح ماي ذراعيه وتلقى رعد بالاحضان. ثم حياه ستيفن وهنأه على الاقامة وصاروا يهنؤوان وان پين على مجهودها الجبار بالعمل على مساعدة رعد، قال ستيفن،
ستيفن : ان ما فعلتيه لرعد عمل كبير جداً.
وان پين : لم اعمله فقط لاجل رعد. بل عملته لنفسي ايضاً.
سكت الجميع وادار ستيفن رأسه نحو السيد ماي فرأى ماي يبتسم ويقول،
ماي : كنت اعرف منذ البداية ان هناك شرارة حب قد اتقدت عندما التقيتما اول مرة. انا جداً سعيد لاجلكما يا اولاد. والآن دعوني اخبركم بالبرنامج.
قالها بينما كانوا يهمون بالدخول الى المنزل ويجلسون على الارائك بالصالة.
ماي : لقد ارسلت بالامس رسالة الموافقة للاتحاد.
قاطعته وان پين وقالت،
وان پين : بالامس؟ كيف فعلت ذلك يا معلم؟ انا اليوم فقط علمت ان رعد سيخرجوه من الاحتجاز ولولا استعجالي واللحاق بالوزير لما تمكنا من اخراجه اليوم ولانتظرنا شهراً كاملاً حتى يعود الوزير من اجازته باليونان.
ماي : انا كنت متأكد من انك ستنجحين بمسعاك لاخراج رعد من ورطته. فانت لست خبيرة بالملاكمة وحسب بل انك تعلمين كيف تترصدين السعادة لقلبك لذلك عملت كل ما بوسعك كي ترجعي حبيبك الى حلبة الملاكمة.
بعد مرور 7 اسابيع
وقف رعد بوسط غرفة التبديل مرتدياً سروالاً وعاري الصدر فاحظرت وان پين فانيلته البيضاء التي طبعت عليها كلمة (الاعصار) . عرضت عليه الفانيلا والبسته اياها.
بينما وقفت وان پين امامه تربط له القيطان على قفازه وعندما فرغت من ذلك اعطته قبلة ساخنة وقالت له باذنه،
وان پين : سانتظرك اليوم وانت حاملاً الكأس وتعود لي كي اقبلك قبلة النصر.
ستيفن : سنكون فخورين بك مهما كانت النتيجة. لكني سوف لن اقبلك مثل وان پين هاهاها.
ماي : ستنتصر يا اعصار. فقط لا تتعجل وتذكر ان العجلة ستجعلك تخسر.
رعد : لا تقلقو يا اصدقائي الاعزاء. سنحتفل اليوم ببيت المعلم. لكن دعني اسألكم، هل بامكاني ان ادخل الحلبة وانا ملتحفاً بعلم بلادي؟ هل ستنزعج منها الحكومة البريطانية؟
وان پين : بالعكس تماماً. الحكومة لا يهمها إن تلحفت باي علم طالما انك ستسمى بطل بريطانيا.
وضعت وان پين العلم على كتفه وقبلته فسار خارج غرفة التبديل تبعه اصحابه الثلاثة. دخلوا القاعة الكبيرة التي اكتظت بالمشجعين الذين جائوا لمتابعة هذا الحدث الكبير. فور خروج رعد للقاعة بدأ الجمهور بالتصفيق والهتاف
"اعصــار، اعصــار، اعصــار"
صعد رعد للحلبة ورفع يديه للاعلى فوقف الجمهور يحيوه ويهتفون باسمه. وما هي الا ثواني ودخل خصمه تريفر باركر الى القاعة. وراح الجمهور يحييه هو الآخر ويهتفون بحياته. صعد الى الحلبة ورفع يداه للاعلى فصفق له الجمهور. تقرب من رعد وقال،
تريفر : اليوم سادفنك بهذه الحلبة.
رعد : دعنا نرى. ليكون الرجل الافضل هو الفائز. حظاً اوفر يا صديقي.
تريفر : سوف لن اكون صديقك ايها الاجنبي الاحمق.
صعد عريف الحفل حاملاً المكرفون وراح يعلن عن المباراة،
"سيداتي سادتي، على يميني البطل الصاعد الملاكم الشاب من غرب لندن بطول 170 سم ووزن 101 كغم صفقوا للاعصـــــــــار". صرخ الجمهور محيين رعد وراحوا يصفقون له طويلاً. قاطعهم عريف الحفل وقال، "على يساري البطل تريفر باركر بطول 172 سم ووزن 109 كغم اليكم تريفــــــــــــر". صرخ الجمهور عالياً محيينه وراحوا يصفقون له. "ستكون المباراة اليوم الحاسمة لبطولة بريطانيا. ليفوز الرجل الافضل".
نادى الحكم وقال، "ليخرج المساعدون من الحلبة". خرج ماي ووان پين من الحلبة فتقدم رعد نحو غريمه تريفور وصافحه بلمس القفازين. ابتدأت الجولة. كان تريفر حذر جداً لانه كما يبدو قد درس حركات رعد مسبقاً وكان لا يترك له اي مجال للتسديد. كلما حاول ان يوصل لكمة الى جسد غريمه كان تريفر حذراً ويتفاداها بسهولة. وبالمقابل، حاول تريفر جاهداُ كي يلكم ويركل رعد لكنه تفادى كل تلك المحاولات ولم يصب باي اذى. صار الجمهور يستمتع بهذا العرض الفني الرائع لان كلا الغريمين كانا على مستوى عالٍ من الاحترافية والدقة في الهجوم والدفاع. لم يصب اي واحد منهما باي اصابة بالغة حتى سمع جرس انتهاء الجولة الاولى فعاد اللاعبان الى زاويتيهما. صعد ماي ووان پين الى الحلبة وراحا يمسحان وجه رعد ويمسدان عضلاته فسمع جرس ابتداء الجولة الثانية وطلب من المساعدين المغادرة فخرجت وان پين وقبل ان يخرج ماي همس باذن رعد قال، "ابتسم بوجه غريمك" ثم خرج من الحلبة. نهض رعد من الكرسي وسار باتجاه الخصم فسمعه يقول، "ساهشم رأسك هذه المرة يا اجنبي". ما كان من رعد سوى الابتسامة بوجهه. كانت تلك الشرارة التي اشتعلت بقلب تريفر فغضب كثيراً من رعد وهجم كالثور الهائج يطلق اللكمات بشكل متواصل وكان رعد يتلافاها ولا يدعها تصيبه. استمر بالابتسامة بوجه غريمه وظل تريفر يحمق اكثر واكثر ويطلق ركلات قوية كانت تذهب جميعها بالهواء وبعد آخر واحدة سمع تريفر يقول، "سانال منك يا ابن الزانية". هنا وقف رعد واسدل يده للاسفل ثم نظر الى غريمه وبدأ يوقف الفلم. جمد غريمه بذهنه وراح يدرسه من كل الجوانب راح ينظر الى يديه واقدامه ثم خطط له خطة محكمة. بقي رعد واقفاً فهجم تريفر وراح يلكم رعد بوجهه فتلقى رعد اللكمات المتتالية دون ان يشعر باي الم كما علمه معلمه. ثم هرب من يد غريمه وابتعد بعيداً عنه ثم نظر اليه نظرة تركيز عالية وراح يسحبه الى عنده حتى وثب بالهواء وانقض عليه وثبة النمر فهبط بكلتا قبضتيه لترتطم بوجه تريفر فسقط ارضاً. لم يكن لتريفر ان يتحمل هذا الطوربيد البشري الذي نزل عليه ليبطحه على وجهه. قرب الحكم منه وراح يعد له 1-2-3-4-5 فبدأ تريفر يلملم قوته ويحاول ان يقف على اقدامه. وبعد عدة محاولات انتصب واقفاً. استغل تلك الحالة لغريمه فاعد رعد نفسه ليثب عليه وثبة النمر الثانية. نظر اليه وقال، "انا آتي يا صديقي". ركض رعد نحوه ووثب بالهوء عالياً ليهبط على غريمه بقبضتيه فيسقط تريفر ارضاً للمرة الثانية. قرب الحكم منه وراح يعد 1-2-3-4-5-6-7-8-9-10. فتح الحكم ذراعيه وصاح، "انتهت الجولة والمباراة". اصاب الجمهور نوبة من الهيجان والصراخ والتصفيق، يحيون رعد ويهتفون "اعصار - اعصار - اعصار". دخل عريف الحفل الى الحلبة ثم دخل المحكمون والاطباء والمساعدون. تفحصوا تريفر ثم هزوا برؤوسهم. حاولوا كثيراً اسعاف تريفر وبالنهاية تمكنوا من ايقافه على قدميه. امسك الحكم بيده اليسرى وامسك رعد باليد اليمنى وانتظروا حُكمَ المحكمين. فاعلن عريف الحفل وقال، "الفائز بالضربة القاضية الاعصـــــــــــار". رفع الحكم يد رعد الى الاعلى. صرخ الجمهور وملأوا القاعة بالتصفيق والهتاف بحياة الاعصار. احتضنت وان پين حبيبها وقالت، "انت البطل، بل انت بطلي وحبيبي انا". امسك معلمه السيد ماي بكتفه من الخلف واداره واحتضنه ثم اداره صديقه ستيفن واحتضنه هو الآخر. سار رعد الى غرفة التبديل مصطحباً شيعته وهم مبتهجين سعداء لا تسعهم الدنيا.
بعد المباراة رجعوا جميعاً الى منزل المعلم ماي يتباحثون بجزئيات المباراة وكيف انهاها رعد بقفزة النمر الشهيرة مما حصل بها على النصر على غريمه. ولما كان الجميع منهمكاً بمتابعة اخبار الرياضة بالتلفاز همس رعد باذن وان پين وقال،
رعد : الا زلت على وعدك يا حبيبتي.
وان پين : وهل سبق وان اخليت بوعدي؟ انا اليوم ملكك. افعل بي ما شئت.
رعد : ساشبعك قبلاً يا ملكة قلبي. وساعطيك شيئاً تحبينه جداً.
وان پين : وما هو؟
رعد : خاتم يبقيك دائماً الى صفي ويربط قلبينا سوياً.
صرخت وان پين فانتبه اليها الجميع ليسمعوها تقول،
وان پين : لقد عرض علي الزواج.
صرخ ماي وستيفن وراحوا يهنؤونهما. وبينما هم بتلك الفرحة العارمة سمعوا جرس الباب. ذهب ماي ليفتح الباب. ثم عاد وبصحبته رجل اسمر اللون يرتدي بدلة رسمية قال،
ماي : يا رعد، لقد جاء السيد (كمام) من القنصلية العراقية ويريد مقابلتك.
رعد : دعه يتفضل.
سار مندوب القنصلية واخذ بيد رعد وقال،
المندوب : انا كمال الدليمي مندوب السيد الرئيس صدام حسين جئت لاهنئك بنصرك العظيم.
رعد : شكراً لك سيدي وشكراً للسيد الرئيس على هذا الاطراء الجميل.
كمال الدليمي : يقول سيادته انك رفعت اسم العراق عالياً. فقد فاجأته لما دخلت وانت حاملاً العلم العراقي فوقف يهتف لك لانك عبرت عن عظمة العراقيين جميعاً.
رعد : ابلغ سيادته ان وطني سيبقى دائماً بدمي ولن يغير منه وجودي الجغرافي. سابقى ابن الرافدين لانني شربت من مائه.
كمال الدليمي : لقد بعث لك هذا المظروف... تفضل.
استلمه رعد وفتحه ليجد رسالة تهنئة من صدام ومرفق معها شيك يصرف من مصرف الرافدين بمبلغ 20 الف باوند استرليني.
وقف كمال الدليمي قبل ان يحضر السيد ماي القهوة وقال،
كمال الدليمي : يجب علي الخروج الآن. السلام عليكم.
رعد : وعليكم السلام.
اصطحب رعد المندوب الى باب المنزل ثم رجع الى اصحابه فسألته وان پين،
وان پين : لماذا قبلت تلك الرشوة؟ فانت كسبت 10 اضعاف ذلك المبلغ بمباراتك الاخيرة. الم تعاني كثيراً على يد ذلك الدكتاتور؟ الم تضطر الى النوم بالحقول والاختباء بخزانات الوقود؟ قل لي، لماذا قبلتها؟
رعد : قبلتها لان ما زال عندي والدتي واقربائي بالعراق. ولو رفضت الهدية فسوف تباد عائلتي هناك. هل فهمتِ؟
وان پين : انا آسفة، لم اكن اعرف ذلك.
ماي : يا رعد اريد ان اخبرك بشيء مهم. هناك مباراة دولية تنظمها الهيئة الدولية ببانكوك سوف تنازل بطل...
قاطعه رعد وقال،
رعد : لا اريد ان افكر بالقتال ولا بالمباريات الآن. كل ما اريده هو ان اختلي بخطيبتي وان پين وعليكم ان تفهموا الباقي.
وقف ماي وامسك بستيفن وقال،
ماي : هيا يا صديقي. نحن غير مرحب بنا هنا. دعنا نخرج لنحتسي البيرة بالبار ثم انام بغرفتك الليلة. هل تستضيفني عندك؟
ستيفن : بالعادة لا استضيف اغراب عندي لكن حالتك ستكون استثنائية. دعنا نذهب.
4641 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع