بقلم أحمد فخري
قصة كاملة - وحيداً في بانكوك
يبدأ العمل بشركة باركو للمواد الانشائية بابوظبي مع الساعة التاسعة صباحاً. دخل رائد مكتبه وبيده شطيرتي بيض اشتراهما من المقهى الهندي الذي بالقرب من مقر الشركة. جلس خلف مكتبه فلحق به الخادم الهندي بابو وسأله،
بابو : هل تريد شاياً سيدي؟
رائد : ليس بعد يا بابو. سانتظر حتى يأتي المهندس احمد وسنشرب الشاي سوياً.
بابو : إذاً اخبرني عندما تريد شرب الشاي.
خرج بابو من المكتب ورجع الى زاويته بآخر الممر. بهذه الاثناء دخل احمد المكتب فالقى التحية على صاحبه وجلس فقال له،
رائد : لقد اشتريت لك شطيرة بيض من المقهى الهندي. تفضل.
احمد : شكراً لك يا صديقي انا اشعر بالجوع. دعنا نوصي على الشاي قبل ان نباشر الاكل.
نادى احمد على بابو وطلب منه قدحين من الشاي السليماني ثم رجع الى المكتب.
رائد : حان الوقت لان نفكر باجازتنا السنوية يا احمد.
احمد : لقد فكرت بها ليلة امس ولكن دعني اسألك اولاً. كم لديك من رصيد الآن؟
رائد : لدي 32 يوماً. بامكاني ان اخذها كلها.
احمد : اما انا فلدي 28 يوماً فقط. هل عندك وجهة معينة تفكر بها؟ كزيارة بعض الاصدقاء مثلاً؟
رائد : عزيزي احمد، نحن كما تعلم عزاب. والاعزب هنا غير مرغوب فيه لدى الاصدقاء الذين لديهم عوائل. ربما يعتقدون اننا وحوش وسننقض على زوجاتهم فورما تسنح لنا الفرصة.
احمد : ان هذه الظاهرة مخجلة حقاً لانها تأتي من الامراض الاجتماعية التي يعيشها الرجل الشرقي. فانا مثلاً لا يمكن ان انظر الى زوجة او اخت صديقي سوى اخت لي. لكن الآخرون لا يفكرون مثلي.
رائد : وانا كذلك. لكن ادمغتهم مبرمجة بهذا الشكل مع شديد الاسف، ماذا نعمل؟ والآن قل لي اين تريد ان تذهب؟
احمد : افكر بالذهاب لاي بلد فانا اتشوق للاجازة كي اتعرف على ثقافات جديدة.
رائد : ثقافات؟ قلت لي ثقافات يا سيد احمد؟ اعترف يا صديقي؟
احمد : اجل ثقافات وربما اشياء اخرى. انت تعلم انني اعزب الآن بعد ان مررت باوقات عصيبة مع زوجتي اثر زواج فاشل دام سبع سنوات حتى انتهى بطلاق كارثي فرحلت زوجتي واخذت معها ابنتي الوحيدة والآن انا احسدكم انتم العزاب. وكما يقول المثل الاردني (اعزب دهر ولا ارمل شهر). لذلك علينا الاستمتاع بعزوبيتنا الآن قبل ان تكبلنا بنت الحلال وتحمّلنا اثقال العائلة والاطفال والمدارس والاطباء وما الى ذلك.
رائد : ولكن لماذا تطلقتما يا احمد؟ إن لم تعتبر ذلك تطفلاً مني.
احمد : تقول الهانم انني بخيل لانني لم اوافق على سفرها كي تزور والدتها ببغداد.
رائد : ولماذا لا تدعها تزور والدتها؟ ما المشكلة في ذلك؟
احمد : حبيبي رائد، لقد سافرت للعراق قبل اربعة اشهر وقد بقيت هناك شهراً كاملاً. اي انها كانت هناك قبل 3 اشهر فقط.
رائد : الهذا تطلقتما؟
احمد : كلا، كانت هذه المشكلة هي التي اشعل الشرارة الاولى على نقاشات عقيمة صارت تدور بيننا كل يوم. كانت تصفني فيها بالبخل والكثير من الاوصاف القبيحة.
رائد : سامحها الله.
فتح الباب ودخل عليهما بابو يحمل صينية فوقها الكثير من كاسات الشاي فوضع قدحاً فوق طاولة كل من الزميلين ثم خرج بباقي الاقداح. اخرج رائد الشطيرة واعطاها لاحمد وفتح الثانية وقضمها. صرخ احمد وقال،
احمد : يا الهي اهذه شطيرة بيض؟ من كثر ما وضعوا الفلفل فيها تكاد تشب بها النيران.
رائد : لكنها لذيذة يا صاحبي، اليس كذلك؟
احمد : انت بصراوي ولا يهمك يا رائد. من كثرة ما تعرضنا للطعام الهندي بهذا البلد اصبحنا كالهنود لا نحب سوى الطعام اللاهب المشتعل.
رائد : دعنا نرجع لموضوعنا حمودي. ما رأيك برحلة الى تايلندا؟
احمد : اتقصد انا وانت؟ انا لم يسبق لي الذهاب الى هناك قط. هل تريد ان نذهب سوياً الى تايلندا؟
رائد : اجل تايلندا، تايلندا بانكوك، تايلندا الجميلات، تايلندا العزوبية، تايلندا قلبي الذي يخفق. انا زرتها 4 مرات لحد الآن ولم امل منها.
احمد : والله اعتقد انك قمت بزرع الفكرة برأسي الآن، يجب علي ان افكر بها؟
رائد : ولماذا كل هذا التفكير؟ تقول الدراسة ان نسبة النساء الى الرجال تبلغ 70% اي ان لكل 100 تايلندي هناك 70 امرأة منهم.
احمد : متى نسافر؟
رائد : هذا هو الكلام الصحيح. دعنا نبدأ الحجز.
احمد : قبل ان نبدأ الحجز، علينا تقديم طلب الاجازة. تعال معي كي نملأ الطلبات عند مسؤول الموارد البشرية ونقدم على الاجازة.
رائد : دعني انهي شطيرتي اولاً ثم نذهب سوياً.
خرج الصديقان من مكتبهما ودخلا مكتب مسؤول الموارد البشرية فحياه احمد وقال،
احمد : السلام عليكم سيد امين. كيف حالك؟
امين الجاسر : وعليكم السلام باش مهندس. انا بخير والحمد لله.
احمد : نريد التقديم على اجازاتنا السنوية المتبقية بارصدتنا.
امين الجاسر : يا باش مهندس احمد انت لديك 28 يوماً برصيدك فكم تريد ان تأخذ منه؟
احمد : اريدها كلها.
امين الجاسر : حسناً سيصبح رصيدك صفر بعدها. وانت يا باش مهندس رائد لديك 6 ايام، كم تريد ان تأخذ منها؟
رائد : لا، لا انت غلطان، لدي من الرصيد 32 يوماً وليس 6 ايام. انظر بحاسوبك جيداً يا اخي.
امين الجاسر : يبدو انك نسيت الاجازة العرضية التي اخذتها في شهر فبراير من هذا العام. كانت 26 يوماً.
رائد : اجل لكنني طلبت وقتها (اجازة عطف) لان والدتي كانت بالمستشفى بعمان.
امين الجاسر : مع شديد الاسف الاوراق التي ارفقتها من المستشفى بعمان لم يتم الموافقة عليها لانها كانت بدون ختم للمشفى. لذا طُرِحَت من رصيدك واحتسبت كاجازة عادية.
رائد : ولكن لماذا لم تخبروني بذلك؟
امين الجاسر : لقد تم ارسال مذكرة داخلية اليك بتاريخ الثاني من مارس وقد وقعت انت على استلامها.
احمد : يبدو انك لم تتفحصها جيداً يا رائد.
رائد : يا الهي لقد راحت كل خططي للاجازة.
امين الجاسر : انا آسف يا باش مهندس. خيرها بغيرها.
احمد : وهذا يعني انني ساسافر وحدي يا بطل.
رائد : وهل يرضيك ذلك يا صديقي؟ تذهب انت وتستمتع بالتايلنديات بينما اتسكع انا هنا وحدي بين المطاعم الهندية بابوظبي؟
امين الجاسر : وقع هنا يا استاذ احمد لو سمحت.
احمد : ها انذا وقعت يا رائد. انظر الى الامر بشكل مختلف. فانا سارجع من بانكوك وساحدثك عن رحلتي ومغامراتي فتستمتع انت بمكانك دون ان تصرف درهماً واحداً.
رائد : كم انت لئيم وخبيث يا احمد.
بالايام التي تلت كان احمد يعمل بشكل مكثف كي لا يبقي اي امر معلق في العمل حتى لا تتراكم عليه الاوراق حينما يعود من اجازته. اشترى تذكرة مرجعة الى تايلندا وحول النقود ليأخذ معه 3000 دولار. بالرغم من انه كان يحمل بطاقة ائتمان اميريكان اكسبريس لكنه كان يفضل حمل بعض السيولة النقدية معه. بيوم السفر ذهب الى المطار ساحباً ورائه حقيبة كبيرة ودخل بها مطار ابوظبي. بعد ان تمت جميع الاجرائات دخل الطائرة فاعجبته كثيراً لان تلك كانت رحلته الاولى على خطوط الامارات. كان غالبية الركاب من مواطني دولة الامارات لانهم كانوا يرتدون الزي الوطني الخليجي. الرحلة دامت 6 ساعات واربعون دقيقة قدمت خلالها عدة وجبات دسمة من اشهى والذ الاطعمة. كانت الرحلة طويلة نوعاً ما لانه كان متشوقاً كي يصل الى وجهته باسرع وقت. حطت الطائرة بمطار بانكوك (سوفيرنابومي) ونزل احمد مع المسافرين ليدخلوا بقاعة الوصول فقابله ذلك التمثال الكبير العجيب بوسط القاعة.
علم وقتها ان ذلك التمثال هو رمز للبلاد ويمثل الحضارة التايلندية العريقة. بقي يسير في قاعات المطار الضخمة ليرى المحلات والمعروضات المبهرة. كانت له فكرة مسبقة خاطئة عن ذلك البلد العظيم واليوم اصبحت له فكرة مغايرة. بقي يتتبع يافطات المعلقة بالاعلى كي يخرج الى الشارع.
لكنه تفاجأ بنصب كبير يبلغ طوله 15 متراً بوسط باحة كبيرة يمثل 20 رجلاً يصارعون ثعباناً اسطورياً كبيراً.
يا الهي هذا ليس مطاراً بل هو متحف عملاق لم اتخيل ان اشاهده بحياتي. بعد عناء كبير رأى يافطة كتب عليها (الجمارك) فخرج وتتبعها حتى وصل الى مبتغاه. كانت الاجرائات سريعة وسلسة للغاية إذ لم يُسأل اي سؤال من قبل موظف الجمارك. فقط طمغ على جوازه وارجعه اليه. خرج احمد الى قاعة المطار الخارجية ليشاهد مكاتب كثيرة منتشرة بجميع الارجاء. راح يبحث على مكاتب حجز الفنادق كما نصحه صاحبه رائد بابوظبي. وعندما عثر على المكتب استقبلته فتاة جميلة رحبت به وبحثت له عن فندق بالمواصفات التي يريدها. وقع اختياره على فندق ذو 4 نجوم فقامت بطبع بيانات ذلك الفندق على ورقة واعطته اياها فسألها،
احمد : كم تامرين يا سيدتي؟
الموظفة : ماذا تقصد؟
احمد : اجرتك، لانك وجدتِ لي هذا الفندق.
الموظفة : الخدمة مجانية سيدي. يومك سعيد ومرحباً بك بتايلندا.
سار احمد في صالات المطار حتى رأى باباً كتب فوقه (الخروج / سيارات التأجير / تاكسي)
خرج منها ليجد طابوراً طويلاً للمسافرين يريدون استئجار سيارة تكسي فوقف خلفهم. وراح يسير ببطئ كي يصله الدور. وعندما اصبح الاول بالدور جاء رجل بالزي الخليجي واراد ان يسبقه ويأخذ السيارة قبله الا ان احمد لم يسكت له فنهره وقال،
احمد : ما هذه الهمجية؟ هل تعتقد انك في المصفح؟ هيا ارجع الى آخر الطابور كما يقف باقي البشر واحترم نفسك.
شعر الخليجي بالخجل وذهب ليقف بآخر الطابور. وعندما وقفت سيارة اجرة امام احمد ركبها وحيى سائقها ثم قال،
احمد : خذني الى فندق ابيس بانكوك لو سمحت.
سارت سيارة الاجرة من المطار لفترة نصف ساعة ثم دخلت مدينة بانكوك فراح يمتع نظره بالمباني الجميلة والشوارع العريضة فاستغرب كثيراً لانه كان يعتقد انها بلد فقير وليس به كل ذلك التنظيم الجذاب. بعد ان اكمل اجرائات التسجيل بالفندق سلم جواز سفره لمكتب الاستعلامات كي يحتفضوا به بالخزنة الحديدة ثم صعد الى الطابق الاول وفتح باب الغرفة لينبطح على السرير وينام نوماً عميقاً. في صباح اليوم التالي اخذ حماماً ساخناً وغير ملابسه ثم نزل الى الطابق الارضي حيث مطعم الفندق ليتناول وجبة الافطار، جلس على احدى الطاولات الشاغرة وطلب من النادل بعض الشاي والبيض والزبدة وراح ينتظر ما طلب فسمع صوت رجل بلهجة شامية واضحة يقول له؟
الرجل : هل انت عربي؟
احمد : اجل انا من العراق لكنني اسكن واعمل بابوظبي، وانت؟
الرجل : انا اسمي زهير المؤزن من سوريا واسكن ببلدي سوريا.
احمد : المؤزن اسم غريب، اهو تركي؟
زهير : المؤزن هو الذي يؤزن بوقت الصلاة بالجامع.
احمد : اجل اجل انا آسف. انا اسمي احمد الكيلاني.
زهير : اتشرف بك سيد احمد. وماذا تعمل هناك؟
احمد : انا مهندس كهرباء وانت؟
زهير : انا تاجر. لدي مخزن لبيع الدراجات الهوائية بدمشق. أنا في طريقي الى تايوان لكنني توقفت هنا ببانكوك لبضعة ايام لغرض الاسترخاء قليلاً والاستراحة من الزوجة والاولاد. هل انت متزوج يا احمد؟
احمد : كنت متزوجاً لكنني تطلقت من زوجتي. لذا بامكانك ان تعتبرني اعزباً.
زهير : وكم ستبقى هنا؟
احمد : سابقى حوالي الشهر.
زهير : ممتاز جداً. ها قد عثرت على رفيق لي.
احمد : وانا اتشرف برفقتك سيد زهير.
زهير : ما هو برنامجك اليوم؟
احمد : بما انها زيارتي الاولى لبانكوك فانا اريد ان استكشف المدينة، وانت؟
زهير : انا اعرف بانكوك جيداً ولا احتاج لاستكشافها. ساذهب اليوم الى مركز تجاري يدعى ريڨر سيتي بانكوك كي اوصيهم على بدلات لزوجتي بالشام. هل تريد ان تأتي معي؟
احمد : كلا، ساذهب وحدي بالوهلة الاولى ثم التحق بك فيما بعد. اعطني وقتاً ومكاناً محدداً بداخل المركز التجاري.
زهير : سالقاك تمام الساعة الواحدة ظهراً عند البوابة الرئيسية للمركز. وسادعوك لوجبة الغداء هناك.
احمد : لقد سجلت اسم المركز شكراً.
زهير : الى اللقاء إذاً يا صاحبي. ساذهب انا الآن.
خرج زهير فتبعه احمد الى الشارع ليرى بائعاً متجولاً يدفع عربة متنقلة للاسماك المشوية تتطاير منها رائحة الشواء المغرية قال احمد بسره "يجب علي ان اجرب تلك الاسماك بوقت لاحق". راح يمشي على رصيف الشارع فوصل الى شارع فرعي على يمينه فدخله وواصل سيره. صار يتفحص المحال التجارية حتى وجد يافطة كتب عليها بالنكليزية. نحن نأخذ قياساتك اليوم ثم نسلمك بدلتك غداً. تذكر احمد ان صديقه رائد سبق وان حدثه عن هذه الخدمات السريعة فقرر ان يدخل هناك ويستفسر عنها. دخل المتجر فرأى رجلاً هندياً يرتدي عمامة السيخ الشهيرة يضع مقياساً شريطياً على رقبته فحياه وقال،
احمد : كيف يتم العمل لديكم سيدي؟
الخياط : اولاً تقوم انت باختيار القماش الذي تريده ثم اقوم انا باخذ قياساتك فتخرج خارجاً لمدة ساعة ثم ترجع لي كي اقوم بتفحص البدلة والسروال. بعدها اقوم باعدادها واحضارها الى الفندق الذي تنزل فيه.
احمد : وكم يبلغ معدل سعر البدلة؟
الخياط : المعدل هو 100 دولار وذلك طبعاً يعتمد على نوع القماش الذي ستختاره.
احمد : هل قلت غداً؟
الخياط : اجل ساحضرها غداً بنفسي.
احمد : حسناً دعني اختار القماش. لانني اريدك ان تخيط بدلتان.
عرض له البوماً سميكاً يحتوي على عينات من الاقمشة فاختار احمد قماشاً قال عنه انه الحرير الياباني وهو بالحقيقة قطن لكنه مصنوع بطرق حديثة وبتقنية لا تسمح له ان يتكمش. وبعد ان اخذ القياسات خرج صاحبنا من المحل وهو بغاية السعادة. سار بنفس الشارع حتى صب الشارع بشارع كبير آخر فقرر ان لا يبتعد كثيراً عن محل الخياط كي لا يتوه عنه. بقي يمشي لفترة من الزمن حتى قابله رجل هندي آخر يحمل دفتراً كبيراً يشبه سجل الحسابات قال،
الرجل : هل تأذن لي سيدي بخمس دقائق من وقتك؟
احمد : تفضل.
قطع الهندي ورقة من دفتره وراح يكتب عليها بقلمه ثم لفها جيداً فاصبحت كالسجارة ووضعها بيد احمد وطلب منه ان يحكم غلق معصمه عليها.
احمد : انا جاهز. انها بقبضة يدي.
الرجل : انت سيدي عربي واصلك من... العراق... تعمل بالخليج.
قال احمد بداخله، "هذه امور واضحة على بشرتي ثم ان العراقيين يملأون الخليج. انا لا اصدق ذلك"
الرجل : انت كنت متزوجاً والآن انت مطلق ولديك ابنة واحدة وهي الآن مع طليقتك.
قال احمد بداخله، " انتظر قليلاً، هذا الرجل صار يدخل بخصوصياتي. كيف عرف كل هذه المعلومات عني؟ دعنا نرى"
الرجل : لقد عانيت كثيراً من زوجتك لكنها اخذت ابنتك وذهبت الى العراق. انا اشعر من يديك والطاقة التي تخرج منها ان عملك به طاقة كبيرة ربما انت تعمل بالكهرباء او شيء من هذا القبيل.
قال احمد بداخله، "يا الهي، انه مصيب بكل شيء قاله. دعني اسأله، عن اسمي؟"
ولكن قبل ان يسأله، تقدم الهندي بجواره وقال،
الرجل : هل سألت عن اسمك سيدي؟ اجل اسمك احمد. والآن دعني اسألك انت سؤال، ما هو اسم وردتك المفضلة؟
احمد : زهرة الاقحوان.
الرجل : والآن افتح معصمك واقرأ الورقة التي كتبتها انا قبل ان نبدأ الحديث.
فتح الورقة التي بيده فوجدها تحتوي على كلمة " chrysanthemum" وهي تعني زهرة الاقحوان بالانكليزية.
احمد : يا الهي انت على حق. كيف عرفت ذلك؟ انت حقاً موهوب.
الرجل : شكراً لك سيدي. والآن اهدني اي مبلغ تشاء بداخل دفتري.
فتح دفتره الكبير وادار رأسه بعيداً عن احمد فاخرج احمد ورقة بمئة بات ووضعها له بالدفتر ثم اغلق الدفتر. انحنى الرجل لاحمد معرباً عن شكره وسار بطريقه بعيداً. قال احمد بداخله، " انا اعرف ان السحر والتنجيم غير حقيقي وكما قال الله (كذب المنجمون ولو صدقوا) ولكن كيف؟ لقد كتب الوريقة ولفها ثم وضعها بمعصمي فامسكت بها وضغطت عليها. فكيف يكون قد قرأ افكاري وعلم اسم تلك الزهرة النادرة؟ ساحدث جميع اصحابي بهذه القصة عندما ارجع الى ابوظبي".
واصل احمد السير حتى رأى مدخلاً لمخزن كبير فدخله وراح يتفحص بضاعته ثم اشترى ربطتي عنق تناسب لون البدلتين التين سيخيطها له الخياط. نظر الى ساعته رأى ان ساعة وربع قد مرت فاستدار ورجع لحانوت الخياط كما وعده. دخل المحل فشاهد الخياط ممسكاً بقصاصات لمعطف البدلة الجديدة البسها له وراح يعلم عليها بطباشيره الابيض ثم طلب منه نزعها وقال،
الخياط : انتهى كل شيء. بامكانك الذهاب الآن وساحضر لك البدلة غداً. هل لك ان تدفع لي ثمنها الآن؟
احمد : بالتأكيد.
اخرج احمد محفظته ودفع المبلغ للخياط كاملاً ثم خرج من المحل. وقتها شعر بالجوع فقرر ان يتناول وجبة الغداء. سار بطريق العودة للفندق فلمح يافطة خارجية كتب عليها بحروف عربية (مطعم اسلاماباد). قال، حمداً لله ساتناول وجبتي هنا. دخل المطعم فرآه خالياً من الزبائن. جلس على احدى الطاولات وانتظر بعض الوقت حتى جائه رجل يبدو من ملامحه انه باكستاني فقال له بالعربية،
احمد : السلام عليكم.
النادل : وعليكم السلام.
هنا تكلم بالانكليزية وقال،
احمد : هل لي بقائمة الطعام؟
اخرج النادل ورقة قذرة بائسة من جيب سرواله الخلفي واعطاها لاحمد. تفحصها احمد وراح يقرأها ثم قال،
احمد : اريد شوربة العدس اولاً ثم اريد كاري الدجاج مع الرز. وقطعتي سنبوسك باللحمة.
ذهب النادل وعاد بصحن الشوربة ووضعه على الطاولة. امسك احمد بالملعقة وغرسها بالصحن لكن قبل ان يرفعها الى فمه ويترشف الشوربة شاهد صرصاراً يتمشى على طاولته فتقزز من ذلك المنظر وكاد يتقيأ، انتصب واقفاُ ثم خرج من المطعم دون اي كلام. بقي يسير بطريقه حتى شاهد علامة المكدونالد فدخل وطلب اكلته المفضلة (بيگ ماك) ثم خرج وقرر الرجوع الى الفندق. قبل ان يصل باب الفندق شاهد عربة السمك المشوي فندم لانه اكل من مكدونالد. كان الاجدر به ان يأكل السمك المشوي. لذا قرر تناولها بالمساء. دخل غرفته واستلقى على ظهره ثم تذكر موعده مع السوري فقفز وقال، "يا الهي لقد نسيت زهير". نظر الى ساعته فوجدها تشير الى الرابعة بعد الظهر. "ما اغباني. وعدت الرجل ان التقيه الساعة الواحدة. ساعتذر منه كثيراً. الآن ساخذ حمام سريعاً". وبينما هو يغتسل سمع طرقاً على الباب. صرخ من داخل الحمام وقال، "انا بالحمام يا زهير. سادق عليك بعد قليل". فرد عليه زهير وقال، "لا عليك، انا انتظارك. غرفتي هي 204". خرج احمد من الحمام، جفف شعره وارتدى ملابسه ثم خرج ليقابل صاحبه السوري. دق على بابه ففتح الباب وقال،
زهير : انا اعرف ان المهندسين دقيقين بمواعيدهم، فكيف جعلتني انتظرك يا رجل؟
احمد : صدقني يا زهير، انا اعتذر منك كثيراً فقد حدثت لي امور غريبة جداً انستني الموعد.
زهير : دعني اطلب لنا كأسين من الشاي ودعني استمع لقصتك.
احمد : لا، انا ساموت من جو الغرفة المغلق. ما رأيك نتناول الشاي بمقهى الفندق بالاسفل؟
زهير : والله فكرة اكثر من رائعة. هيا بنا.
خرج الصديقان من غرفة زهير ونزلا الى الطابق الارضي حيث هناك باب جانبي يأخذك الى مقهى الفندق.
احمد : اختر المكان الذي يناسبك.
زهير : لا يهم. بامكاني الجلوس باي مكان. دعنا نجلس هنا.
جلس الصديقان فجائهما النادل ليطلبا كأسين من الشاي وبعض الكيك ثم بدأ احمد يقص عليه قصة البدلة التي تقاس اليوم ويحظرها لك الخياط بنفسه في الغد. ثم حكى له قصة الهندي الذي قرأ له الطالع وكيف اصاب بتنبؤاته فعلق زهير وقال،
زهير : كذب المنجمون ولو صدقوا.
احمد : هذا ما قلته لنفسي ولكن يا زهير كان يحدثني عن تفاصيل دقيقة في حياتي اقشعر لها بدني.
زهير : اجل هم بارعون بتلك الحيل انا اعتقد انك لو نظرت...
قاطعه شاب ابيض طويل يتحدث بالعربية ولكن بلهجة غريبة قال،
الشاب : هل تأذنان لي سيدي ان اتحدث معكما.
احمد : تفضل، ماذا تريد؟
الشاب : انا اسمي غمراني وهذاك صاحبي الذي يقف بباب المقهى اسمه بن يحيى نحن جوعى ونتمنى لو انكم تعطونا ما تبقى من طعامكم.
تفحصه احمد بشكل دقيق فوجده شابٌ في العشرينات من عمره وكذلك صاحبه الذي يقف بعيداً. كيف يستجدي الطعام وهو لا يبدو عليه انه متسول، يجب ان استدعيه ليجلس". سبقه زهير وقال،
زهير : ماذا تتحدث عن بقايا الطعام يا رجل؟ تعال واجلب صاحبك هنا سنطلب لكما ما تريدان.
احمد : بالطبع على الرحب والسعة اجلسا معنا.
اشار غمراني لصاحبه كي يأتي ويجلس معهما بينما رفع احمد يده كي يستدعي النادل. وقف بن يحيى امام الطاولة وقال،
بن يحيى : انا اشكركما لانكما دعوتمانا على طاولتكما. لكننا لسنا متسولون صدقني سيدي.
احمد : ما هذا الكلام يا اخي. انتم على الرحب والسعة. تفضلوا واختاروا ما حل لكم من طعام ولا تفكروا بالثمن ابداً
صار صاحبه غمراني يبكي وقال،
غمراني : اقسم بالله انا اريد ان اقبل يديكما فانتما من الواضح انكما انسانات طيبات.
زهير : اعتقد انك تقصد (اناس طيبون).
بن يحيى : سامحونا يا اخي فنحن من الجزائر ولغتنا العربي (پا طري بيان)
غمراني : صاحبي يقصد ان لغتنا ليست جيدة. سامحونا.
احمد : لا عليك يا اخي فنحن جميعاً عرب بالرغم من اختلاف لهجاتنا.
جاء النادل فطلب احمد من ضيفيه ان يختارا الطعام فطلبا بعضاً من الدجاج مع الرز. تركهما النادل وذهب ليحضر ما طلبوا. سألهما زهير وقال،
زهير : ولكن ماذا حل بكما؟ ولماذا انتما بهذه الحالة؟ يبدو عليكما شباب مثقفون وملابسكما تدل على انكما من اهل الخير.
غمراني : سيدي نحن الاثنان من مدينة قسنطينة بالجزائر. نشتغل كموظفين في شركة الخطوط الجزائرية منذ الكثر من ثلاثة اعوام. انت نعلم ان جميع موظفي الخطوط يتمتعون بميزة كبيرة وهي ان بامكانهم السفر على متن خطوطهم التي يعملون بها لاي وجهة في العالم وبتخفيض يصل الى 90% من ثمن التذكرة. لذلك قررت انا وزميلي ان نستغل هذه الفرصة ونسافر باجازتنا الى بانكوك كي نتعرف على معالم البلد.
بن يحيى : كان هدفنا هو البقاء لمدة (سيمانة) واحدة اي سبع ايامات فقط.
احمد : وماذا حدث بعد ذلك؟
جاء النادل بالطعام ووضعه على الطاولة فهجم عليه الشابان وراحا يلتهمانه كما لو كانوا في اثيوبيا. اشار احمد للنادل وقال له، "كرر الطلبية". بعد ان انتهوا من اكل الصحن الثاني شربا الكوكا كولا وصارا يخرجان الريح من فمهما وصارا يبتسمان فسأل احمد،
احمد : وماذا حدث بعد ذلك؟
بن يحيى : في الايام الاولى من وصولنا لبانكوك كنا نستمتع باوقاتنا وقد التقينا بالكثير من الفتيات الجميلات واستمتعنا معهن باوقاتنا.
سأل احمد وقال،
احمد : ولكن؟
زهير : ماذا حصل بعد ذلك؟
غمراني : كنا نخطط للباقاء ببانكوك سبع ايامات فقط كما قلت لكما. لذلك كان لدينا نقوداً تكفي لتلك المدة لا اكثر. لكن وقعت الفاجعة.
بن يحيى : الفاجعة سيدي هي ان شركة الخطوط الجزائرية وضعت شرطاً مهماً للموظفين الذين يسافرون على متن طائراتها بالتذاكر المخفظة وهي ان الطائرة يجب ان يكون فيها كراسي شاغرة. اي اننا سنكون على (ليست دي تونت).
غمراني : يقصد صاحبي قائمة المستنظرين.
بن يحيى : اجل قائمة المستنظرين. وكلما ذهبنا الى المطار كي نرجع الى الجزائر، كنا ننصدم بان الطائرة كانت بلا كراسي شاغرة. وهذا يعني ان نعود باليوم التالي (انكور) كي نحاول الرجوع لبلدنا. بقينا بهذه الحالة حتى نفذت نقودنا تماماً (والو) وطردنا من الفندق وبقينا ننام بالشارع.
احمد : منذ متى وانتما تنامان بالشارع؟
غمراني : منذ ثلاثة اسابيع سيدي.
احمد : لا حول ولا قوة الا بالله. اسمعا مني يا اخوان. اولاً انا اسمي احمد وهذا اسمه زهير. نحن اخوانكما وسوف نعمل كل ما بوسعنا لمساعدتكما.
زهير : اجل هذا واجبنا وهو ليس من باب التفضل عليكما لا سامح الله. نحن نريد ان نحل مشكلتكما لتعودا الى وطنكما.
انتصب غمراني من كرسيه وامسك بيد احمد كي يقبلها فاسرع احمد بسحب يده واحتضن الشاب وقبله من وجنتيه وقال،
احمد : لو كنت انا بنفس الموقف بالجزائر، فكيف كنت ستتصرف معي؟
غمراني : والله كنت اخذتك الى بيتي ورحبت بك والدتي وكنت حتى سازوجك من اختي مليكا.
بن يحيى : وانا سازوجك من اختي فاطمة الزهراء.
ضحك الجميع وقال احمد،
احمد : اسمعوا مني يا اخوان. اولاً سنحجز لكما غرفة في فندقنا هذا. ثانياً ستأكلون وتشربون معنا بجميع وجباتنا. ثالثاً سنمنحكما النقود للمواصلات كي تذهبا بها الى المطار ربما تتمكنا من الركوب على الطائرة كلما تصدف وجود رحلة الى الجزائر.
زهير : ولا تترددا في ان تطلبا منا اي شيء تريدانه.
غمراني : والله لا نعلم كيف نشكركما سيدي فقد انقذتمانا من كارثة كبيرة. كنا نعيشها كالمتسولين.
بن يحيى : بل كنا متسولين فعلاً. كنا نعيش على ما يرميه السواح على الارض واسوأ ما مر بي هو انني التقطت نصف شطيرة هامبورغر بعد ان رماها احد السواح الاجانب في سلة المهملات. وعندما رفعتها لفمي ورحت اكلها سمعت السائح يتكلم مع صاحبته بالعبرية فشعرت بالطعام وكأنه ينزل كالسم باحشائي.
احمد : اجل انا اقدر هذا الشعور اخواني الاعزاء. ولكن الرجاء انسوا هذه المواقف المؤلمة وسوف تحل مشكلتكما إن شاء الله.
وعندما نخرج انا والسيد زهير للسهر بالليل سوف تستمتعون انتم بمشاهدة التلفاز بالغرفة حتى نلتقي على طاولة الافطار لنفطر سوياً باليوم التالي.
غمراني : يكفينا انكم ستأوونا وستطعمونا وتجعلونا نذهب للمطار كي نعود للوطن.
زهير : والآن دعنا نذهب الى مكتب الاستعلامات كي نحصل لكما على غرفة كي يتسنى لكما أخذ حمام ساخن.
غمراني : نحن نعلم ان رائحتنا (سا ڨا پا) ولكن الله غالب، ماذا نعمل؟ كنا ننام بالشارع والخدمات هناك لم تكن بالمستوى اللائق.
ضحكوا جميعاً وغادروا المقهى، تمكنوا من ايجاد غرفة مزدوجة لبن يحيى وغمراني فدفع ثمنها زهير. صعد الشابان المصعد متوجهين الى غرفتهما بينما تحدث احمد مع زهير وقال،
احمد : كم دفعت يا زهير فاننا يجب ان نتناصف بكل شيء.
زهير : اسمع يا احمد. افضل شيء نعمله هو ان يقوم واحد منا بصرف المال عن هؤلاء الشباب المساكين ثم نلتقي بالليل ونتناصف المبلغ.
احمد : كلام جميل. والآن اخبرني ما هو مخططنا لهذه الليلة؟
زهير : ساخذك الى نادي ليلي اسمه (كانگارو بار) اي حانة الكنغر. تقع هذه الحانة بشارع اسمه پات پونگ رود.
احمد : يا سلام، واخيراً ساتذوق البلح التايلندي. متى سنخرج؟
زهير : اريدك ان تكون جاهزاً بكامل قيافتك على الساعة الثامنة ليلاً. لا تدعني انتظرك كما حصل اليوم؟
احمد : اجل سيدي. تأكد انني سوف لن انسى هذه المرة.
بالموعد المحدد التقى الصديقان وركبا التوگتوگ الذي اخذهما الى شارع الترفيه (پات پونگ رود). وراحا يتمشيان بذلك الشارع فانبهر احمد للكم الهائل من فتياة الليل الواقفات على جانبي الطريق يبعن اجسادهن للذي لديه المال. اقتربت حسناء من احمد وقالت له هل تريد ان تسطحبني للبار؟ فاعجب بها احمد واراد ان يسير معها الا ان صاحبه زهير سحبه من ياقته وقال،
زهير : تعال معي يا احمد، هذا ليدي بوي ليس الا.
احمد : وماذا تقصد بليدي بوي؟
زهير : الليدي بوي يا حبيبي هو انسانٌ يكون بالاعلى انثى ومن الاسفل ذكر. ونحن نسميه بالسوري "مخنث".
احمد : حمداً لله انني بصحبة خبير ستراتيجي. شكراً لانك انقذتني بالوقت المناسب. والآن ساطبّق كل ارشاداتك وتعليماتك. دعنا نذهب لبار الكنغر الذي حدثتني عنه.
دخل الرجلان مدخل بار الكنغر فقابلهما سلم يصعد للاعلى ليوصلهما الى بار صغير خافت الاضواء يعج بالفتيات الجميلات اللابسات البكيني الرفيع والذي بالكاد يغطي عورتهن. بآخره كان هناك مسرح صغير يبلغ ارتفاعة متراً واحداً راحت احداهن ترقص فوقه رقصاً مثيرة على انغام موسيقى حديثة. نظر احمد لهذا المكان وقال،
احمد : الآن علمت اننا بالمكان الصحيح. شكراً اخي زهير. ولكن كيف تتم العملية هنا؟
زهير : ستجلس انت على الاريكة فيأتي النادل وتطلب منه كأس جعة. ولكن اياك ان تشربها؟
احمد : لماذا؟ هل هي مسمومة؟
زهير : بالعكس انها جعة لذيذة لكن سرعان ما تنتهي من شربها فيحضر لك النادل غيرها وهكذا دواليك. لذا بامكانك ان تبقيها امامك طوال الليل وتستمتع بالعرض.
احمد : وهل سيكون سعرها مرتفع جداً؟
زهير : بالعكس، كأس الجعة هنا يبلغ 30 بات اي ما يعادل الدولار الواحد لكننا لم نأتي الى هنا كي ننتشي، اليس كذلك؟
احمد : انت حقاً خبير يا زهير. والآن كيف نبدأ؟
زهير : اختر لك واحدة او اثنتان من هذه الحسناوات واجلسها بجانبك او على حجرك إن شئت ودعنا نستمتع بمتابعة العرض على المسرح. فبعد ان تنتهي هذه الراقصة سوف ترى عروضاً مثيرة جداً لم ترها من قبل.
احمد : وانت، ماذا ستعمل؟
زهير : سانتظر روزا فهي صديقتي الدائمة. سأستدعيها لتجالسني.
احمد : ولماذا روزا بالتحديد؟ اهي بهذا الجمال؟
زهير : كلا، ان جمالها اعتيادي جداً ولكني اخترتها لانها مسيحية ومهما كان فانها تعرف الله. اما الباقيات فكلهن بوذيات وهذا يعني انهن كفرة.
احمد : اتقي الله يا رجل. لماذا تدخل الدين معك بمثل هذا الاماكن؟ فبنظر الدين نحن نقترف الخطيئة اليس كذلك؟
زهير : مع ذلك. فانك تنكح مؤمنة خير من ان تنكح كافرة.
جاء النادل فتحدث زهير معه وذهب ثم عاد بعد قليل ومعه فتاة بالعشرينات من العمر. وقف زهير وقبلها واجلسها بجانبه. اما احمد فبقي يراقب الاجواء ويحاول ان يختار له فتاة من تلك الحسناوات. وكلما اعجبته احداهن تأتي اخرى فيعجب بها اكثر ويترك الاولى حتى دخلت الصالة فتاة جميلة جداً قال لزهير،
احمد : اريد هذه يا عمو.
زهير : عمو بعينك. انا لم ابلغ الخمسين بعد. حسناً تعالي هنا.
ذهبت الفتاة صوب زهير فاشار لها بيده كي تأتي وتجلس مع احمد فقربت منه وحيته قائلة،
الفتاة : مساء الخير، انا اسمي نوي.
احمد : مساء الخير لك يا نوي، انا اسمي احمد.
جلست نوي بجانب احمد فوضع يده على كتفها فانحنت بكتفها واسندته على صدر احمد فشعر بالدفئ فوراً. كما يشعر الذي عنده صداع بحبة البانادول. سألها،
احمد : كم يبلغ عمرك؟
نوي : انا 20 سنة.
احمد : تبدين اصغر من ذلك بكثير. هل انت من العاصمة بانكوك؟
نوي : كلا انا اصلي من شانغ ماي.
احمد : هل تقصدين شانغ هاي بالصين؟
نوي : كلا شانغ ماي هي مقاطعة بشمال تايلندا.
احمد : انا سعيد بمعرفتك يا نوي.
نوي : هل تريدني ان ابقى جالسة معك ام لا. إذا لا فيجب علي ان اصعد المسرح واقدم وصلتي.
احمد : كلا يا نوي. لقد اعجبتيني كثيراً. اريدك ان تبقي معي.
نوي : هل ستأخذني معك للفندق فيما بعد؟
احمد : اجل، بالضبط هذا ما اريد.
نوي : حسناً انا ملك لك. متى تريد ان نذهب؟
احمد : بعد ساعتين او ثلاثة من الآن.
نوي : إذاً سابقى معك. هل تريد تقبيلي؟
احمد : تعالي هنا.
امسك بها وراح يقبلها فتجاوبت معه فشعر شعوراً غريباً. هذه الفتاة تقبله بحرارة وكأنها تعبر عن حنان بداخلها وليست فتاة ليل تريد منه المال فقط. كانت لطيفة المعشر تتحدث معه بكل شيء. كانت تكلمه بالانكليزية بالرغم من صعوبة نطقها السليم، الا انه كان يفهم ما تقول وكان يحاول جاهداً ان يفهمها ما كان تقصده، لانها لم تكن تعرف جميع الكلامات التي كان يقولها فصار يحاول تبسيطها ويتحدث معها بنفس طريقتها فاصبحت تفهمه بشكل جيد. نظر الى صاحبه زهير فرآه منهمكاً بتقبيل صاحبته روزا وقد دخل معها بعالم آخر. ابتسم احمد وقال بسريرته، "تمتع يا صاحبي".
بعد مرور ساعتين او اكثر بقليل قال زهير،
زهير : هل تريد البقاء وقتاً اطول هنا، ام تريد الرحيل؟
احمد : دعنا نرحل فان اموري قد تأزمت.
زهير : هل ستأخذ صاحبتك معك؟
احمد : بالطبع.
نوي : إذاً دعني احذرك من شيء مهم. إذا قلت لها تعالي معي الى الفندق فانها ستقول لك اطلبني من المدير. المدير الذي يقف هناك سيطلب منك 80 بات لكنك إن اخذتها معك على هذا الشرط فانها بعد ان تمارس معك مرة واحدة سترغب الرحيل لانك لم تتفق مع المدير على ان تبيت معك طوال الليل. اما إذا طلبت من المدير ان يبقيها معك حتى الصباح فانه سيطلب منك 120 بات. لذلك انصحك بان تبقيها حتى نهار الغد.
احمد : شكراً على هذه النصيحة. لان هذا هو ما اريده فعلاً.
ذهب احمد وزهير الى المدير واخبراه انهما يريدان نوي وروزا كي يبيتا معهما بالفندق فوافق وامر الفتاتان كي تصاحبهما. خرج الاربعة خارج بار الكنغر وتمشوا بشارع پات پونگ رود حتى وصلوا الى نهايته فعثروا على تكتك لينقلهم الى فندق ابيس. فور وصولهما الفندق سأل زهير صاحبته،
زهير : هل تشعران بالجوع؟
روزا : اجل.
نوي : اجل.
زهير : حسناً يا احمد دعنا ندخل المقهى التابع للفندق ونطعمهما.
دخل الاربعة المقهى وجلسوا على طاولة واحدة فسأل احمد،
احمد : ماذا تريدين يا نوي؟
نوي : اي شيء طالما انه سوف لن يكلفك مبلغاً كبيراً.
احمد : لا، لا يا نوي خذي اي شيء تريدينه حتى لو كلف 1000 بات.
هنا علقت صاحبتها،
روزا : الا يكفي انكما دفعتما 120 بات لكل واحدة منا. انه مبلغ كبير.
زهير : اسمعي مني يا روزا، انت تعرفيني جيداً وهذه ليست المرة الاولى التي تخرجين فيها معي. انا اصر انكما تأكلان كل ما تريدان وكل ما تشتهيه انفسكما. صدقانا سنكون سعداء لو انكما اكلتما كثيراً.
نوي : حسناً ساطلب حساء الدجاج وشطائر اللحم البقري.
زهير : وانت يا روزا؟
روزا : ساخذ نفس الشيء يا زهير.
اوصى احمد على الطعام الذي اختارته الفتيات وطلب لنفسه ولصاحبه بعض الشاي. وبعد ان فرغت الفتيات من الطعام خرجوا من المقهى وذهبوا الى غرف النوم. دخل احمد مع نوي فابتسم بوجهها وقال،
احمد : انا سعيد لانك جئت معي. دعينا نذهب للسرير.
نوي : اولاً اريد ان آخذ حماماً.
احمد : حسناً الحمام هناك. سادخل معك لاعطيك المناشف والصابون.
دخل معها واعطاها كل اللوازم ثم خرج وراح ينتظرها بكل شوق حتى تكتمل من حمامها. واخيراً عندما خرجت له وقد لفت الفوطة حول جذعها قال،
احمد : هيا دعنا ننام تعالي الى هنا.
نوي : كلا، كلا، انت ايضاً يجب ان تأخذ حماماً.
احمد : حسناً سأخذ حماماً.
دخل احمد الحمام واخذ دوشاً سريعاً وهو في غاية الحماس يريد ان يضاجعها باسرع وقت. خرج من الحمام فوجدها واقفةً امامه تستوزر المنشفة البيضاء وتبتسم له بوسط الغرفة. سحبها اليه وراح يقبلها قبلاً حارةً ثم ادخلها السرير وذاب بين احضانها. بعد ان انتهوا من مهمتهم الممتعة جلسا على السرير وصارا يدردشان،
احمد : انت فتاة جميلة وذكية يا نوي، انا اشعر انك لست من النوع الذي يبيع جسده لكل من يدفع الثمن. فلماذا اخترت هذه المهنة؟
نوي : انا لم اخترها يا احمد. لكن ظروفي هي التي دفعتني اليها.
احمد : هل لك ان تحكي عن تلك الظروف؟
نوي : اجل. انا اخبرتك انني من مقاطعة شانغ ماي ووالدي مزارع شعير ولدي 12 فرداً من اخواني وخواتي بالاضافة الى امي وجدتي في المنزل. كان الحصاد رديئاً جداً قبل عامين فاضطر والدي بيعي لاحد القوادين ببانكوك. القواد دفع لابي مبلغ 3000 بات اي ما يعادل 100 دولار كي يمتلكني لمدة 3 سنوات. يقوم بتلك الفترة بتحويلي الى فتاة ليل كي يجني الارباح مني. وبعد السنوات الثلاثة هذه بامكاني ان اعود الى منزلي بشانغ ماي.
احمد : وماذا سيحصل بعدها؟
نوي : سوف لن يتزوجني احد بشانغ ماي لانني كنت فتاة ليل لذلك اضطر لارجع الى بانكوك من جديد وابحث عن سمسار جديد يستطيع ان يوفر لي الطعام والمأوى.
احمد : وهل يعطيك مالاً؟
نوي : يعطيني ما يعادل دولاراً واحداً بالشهر. اقوم بارساله الى عائلتي. ولكن هذا كله لاني جميلة. اما الفتيات اللواتي ليست بجمالي او الفتيات اللواتي يهرمن بالعمر اي فوق 25 سنة. فانهن يتحولن الى فتيات مساج. تقوم بتقديم المساج للزبائن.
احمد : يا الهي انها قصة محزنة جداً. وماذا لو اعطيتك مبلغاً من المال غداً صباحاً؟
نوي : سوف يأخذه مني السمسار حين عودتي. لذا ارجوك لا تعطيني المزيد فانت اطعمتني ودفعت اجوري كي اتي معك. الآن اريدك ان تستمتع بي اكثر. تعال هنا وقبلني. ضاجعها احمد للمرة الثانية ثم نامت على صدره وبقوا على هذه الشاكلة حتى صباح اليوم التالي حين سمع طرقاً على الباب. فتحه ليجد غمراني واقفاً امامه يقول،
متى ستستيقظ يا سي احمد؟ اليوم هناك طائرة جزائرية بعد الظهر.
احمد : حسناً، حسناً لا تقلق، ساستعد انا والفتاة التي معي وسنقابلكما في مقهى المطعم كي نتناول الافطار سوياً.
عاد احمد واتصل بزهير بالهاتف فايقظه واخبره بالنزول الى المقهى. وبعد ربع ساعة دخل الزوجان المطعم والتقوا باصحابهم الجزائريين لكن موظف الاستعلامات اوقفهم وقال لاحمد،
موظف الاستعلامات : لقد جاء الخياط اليوم وسلمني بدلتك بداخل هذا الكيس الاسود.
احمد : شكراً جزيلاً. دعهم يضعوه بغرفتي.
سار مع الباقين ودخلوا المقهى ثم جلسوا على مائدة الطعام وراحوا يفطرون. سأل غمراني،
غمراني : هل ستأتي الفتياة معنا الى المطار؟
نوي : كلا، نحن علينا الرجوع الى بيتنا شكراً.
احمد : إذاً سنعطيكما ثمن المواصلات.
وقف احمد وسحب نوي من يدها وقال،
احمد : خذي يا نوي هذا مبلغ بسيط لك انه هدية مني.
نوي : قلت لك يا احمد بالامس سوف يفتشني السمسار وسيأخذه مني لذا إن كنت تريدني حقاً فتعال اليوم بالمساء واطلبني ثانيةً.
احمد : سافعل ذلك. إذاً امسكِ هذا المبلغ البسيط للمواصلات.
خرج الزوجان الى خارج الفندق وودعوا فتياتهم وعادوا الى الجزائريين فسأل احمد،
احمد : متى تقلع الطائرة؟
بن يحيى : الساعة الواحدة و14 دقيقة.
احمد : إذا استعدوا للرحيل وسنأخذ سيارة اجرة الى المطار. هل انتَ آتٍ معنا يا زهير.
زهير : اجل بالتأكيد.
التقى الرجال الاربعة في بهو الفندق الساعة الحادية عشر وخرجوا جميعاً الى الشارع. اوقفوا سيارة اجرة فوضع الشباب حقائبهم في الصندوق الخلفي للسيارة وانطلقت بهم الى المطار. في الطريق قال زهير،
زهير : لدي شعور بداخلي انكما ستسافران اليوم. دعونا نقرأ الفاتحة جميعاً ونطلب من الله ان ييسر امركما وترجعا الى الجزائر. فقرأ الجميع الفاتحة وبقوا يتأملون حتى وصلوا الى المطار. وقفوا بالمطار خلف الركاب الجزائريين الذين يريدون العودة لبلدهم لكنهم عندما وصلوا الى المكتب اصيبوا بخيبة امل جديدة. اخبرهم الموظف ان الطائرة ملئى وليس هناك كراسي شاغرة. رجع الرجال الاربعة بسيارة اجرة. فور وصولهم الى الفندق، صعد الشباب الى غرفتهم بينما وقف احمد خارج الفندق يتحدث مع زهير قال،
احمد : اشعر بالحزن الكبير على هذين الشابين الذين علقوا هنا ولم يتمكنوا العودة الى وطنهم.
زهير : اننا جئنا الى هنا لغرض السياحة وجلبنا معنا مبلغاً محدداً من المال، لذا فنحن لا نستطيع ان نبقيهما فترة اطول يا احمد.
احمد : وانا اايدك تماماً. لذا يجب علينا ان نجد لهما حلاً يا زهير.
زهير : سنفكر بحلول لاحقاً، الآن اشعر بالجوع هيا نخرج لتناول وجبة الغداء.
احمد : دعني استدعيك لتناول السمك المشوي. تعال معي.
خرج احمد وزهير خارج الفندق ومشوا على الرصيف حتى وقف احمد امام عربة شوي السمك وطلب من البائع ان يشوي سمكتان. فاخرج البائع سمكتان ووضعهما على الفحم. نظر زهير الى السمك وقال،
زهير : ما هذا يا احمد؟ انه ليس سمك. انه فأر. اتريد ان تطعمني فأراً؟
احمد : مستحيل، انه يبدو لي وكانه سمك.
زهير : انظر الى الاطرف. هل رأيت سمكاً لديه اطراف؟ حبيبي هذا فأر.
احمد : اعوذ بالله. دعني ادفع له ثمن الفأرين الذين وضعهما على الفحم ودعنا نهرب من هنا. ما رأيك بمكدونالد؟
زهير : اجل، انه أامن خيار ولكن ماذا عن الشباب؟ كيف سيأكلون؟
احمد : لقد تركت معهم بعض النقود سيتدبرون امرهم فيما بعد.
مشيا في الشارع حتى وصلا الى مطعم مكدونالد فاخذا طلبهما وجلسا يتحدثان.
زهير : قلت لي انك تريد ان تجد للشباب حلاً جذرياً فانا سارحل الى تايوان بعد 3 ايام واعتقد انك سوف لن تتمكن من اعالتهما وحدك.
احمد : هذا صحيح. اردت ان اذهب معهما الى شركات الخطوط كي نحاول ان نجد لهما مخرجاً من هذه الورطة. دعنا نذهب للخطوط السعودية اولاً ربما سوف يتعاطفون معهم ويساعدونهم.
زهير : هذه فكرة طيبة. دعنا نكمل طعامنا ثم نذهب لاحظار الشباب ونأخذهما الى الخطوط السعودية.
سار الرجال الاربعة سوية ودخلوا الخطوط السعودية فقابلتهم موظفة بلهجة فلسطينية سألتهم عن طلبهم فقال احمد،
احمد : نريد ان نقابل السيد المدير.
دخلت الموظفة على المدير ثم عادت وسألتهم ثانية،
الموظفة : يقول المدير ما هو السبب الذي جئتم من اجله؟
زهير : قولي له اننا نريد التحدث معه بامر في غاية الاهمية يا ابنتي.
دخلت على المدير ثانيةً ثم خرجت وقالت تفضلوا.
دخلوا المكتب فوجدوا رجلاً اسمراً قصير القامة بالكاد يتمكن من وضع يديه فوق طاولته. يرتدي الزي الخليجي فحيوه وذهبوا لكي يجلسوا على الاريكة التي امامه لكنه قال،
المدير : هل اذنت لكم بالجلوس؟ قولوا ما لديكم وتيسروا.
احمد : اخي نحن اردنا ان نفاتحك بامر مهم جداً. هؤلاء الشباب هم موظفون بشركة طيران الجزائرية وقد جائوا الى بانكوك لغرض السياحة لمدة اسبوع. وكما تعلم فإن الموظفين يحق لهم تخفيضاً يصل الى 90%. ولكن ركوبهم بالطائرة مشروط بوجود اماكن شاغرة. فإن لم تتوفر تلك الاماكن فإنهم يمنعون من ركوب الطائرة. المهم، انتهى الاسبوع واراودا العودة الى وطنهم لكن الطائرة الجزائرية كانت ملئى ولم يتمكنوا من الرجوع. وبالرحلة الموالية تكرر نفس الموقف حتى نفذت نقودهم وصاروا كالمتشردين ينامون في الشوارع يعانون من الجوع حتى عثرنا عليهم انا وصديقي وقمنا بايوائهم بانفسنا. لكن زميلي سوف يسافر بعد 3 ايام وسابقى انا وحدي، لذا سوف لن اتمكن من اعالتهما وحدي.
المدير : وما هو المطلوب؟ هل تريدون مالاً؟
زهير : نحن لن نأتي كي نشحذ منك يا سيادة المدير. نحن نريد منك ان تقترح علينا حلاً. لا تنسى انهم موظفون بالخطوط وهذا يجعلهم زملائك فنحن مستعدون لسماع اي اقتراح تتفضل به سيدي.
المدير : ليس لدي حلول. هيا اخرجوا من مكتبي، انا رجلٌ لدي اشغال كثيرة. لا تنسوا ان تغلقوا الباب ورائكم.
شعر احمد باهانة من هذا الصعلوك فصرخ بوجهه.
احمد : كم انت حقير وسافل، إن لم تكن تتمكن من مساعدتهم فلماذا تهين بنا؟
المدير : هل تتطاول عليّ بمكتبي ايها السافل ابن الزانية؟
هنا شعر احمد ان المسألة قد زادت عن حدها فسار نحو المدير وسحبه من كرسيه وجعله ينبطح على الطاولة وقال
احمد : ساريك كيف تسيئ الادب معنا. يبدو انك قد تعودت على اهانة الهنود والبتان ببلدك يا كلب. لكني اليوم سالقنك درساً بالاخلاق لن تنساه ابداً.
رفع يده واراد ان يلطمه الا ان زهير امسك بيده وسحبه لعنده وقال،
زهير : اترك هذا الكلب. جئنا هنا لنجد حلول، لا لان نخلق مشاكل. هيا دعنا نذهب من هنا.
نظر احمد لاصحابه الجزائريين ثم ترك المدير وهو منبطح على مكتبه وخرج مع زملائه الثلاثة. ساروا بالطريق حتى وصلوا الى مكتب الخطوط الجوية المصرية قال،
احمد : دعنا نحاول مع المصريين ربما يكونوا افضل من السعوديين.
زهير : قد يكونوا اسوأ يا احمد.
احمد : اجل ولكن على الاقل سوف يكونوا اقل بذائة وعنجهية. تعال معي.
دخلوا المكتب وطلبوا من الموظف الذي بالاستعلامات كي يتحدثوا مع المدير فادخلهم فوراً اليه. دخلوا الى المكتب فرأوا رجلاً خمسينياً بديناً يجلس خلف مكتبه قال،
المدير : اهلاً وسهلاً بكم تفضلوا.
هنا بدأ احمد يقص عليه قصة الشابين الجزائريين وكيف قام هو وزهير باعالتهما وعندما فرغ من الحديث سأل،
احمد : هل لديك حل لهذين الشابين سيدي؟
سكت الرجل قليلاً وهو ينظر الى الارض ثم رفع رأسه وقال،
المدير : لا حول ولا قوة الا بالله. اسمع يا اخي، انا جداً معجب بموقفكما الشهم وكيف قمتما بعملكما الانساني النبيل وتصرفكما الاخلاقي. جزاكم الله كل خير. والآن اريد ان اطرح عليكم بعض الحلول.
احمد : نحن نستمع اليك سيدي.
المدير : الخطوط الجزائرية لديها رحلات من القاهرة الى الجزائر. لذا لو اوصلناهما من هنا الى القاهرة على حسابنا على الخطوط المصرية فانهم سيتمكنون من ان يحصلوا على رحلة مجانية على خطوطهم من القاهرة الى الجزائر.
احمد : ماذا تقصد بكلمة (على حسابنا)؟
المدير : ساقوم باصدار تذكرتين مخفضتين لهما على خطوطنا المصرية من بانكوك الى القاهرة ونقوم انا وانتما بالتقاسم بثمن التذكرة. التذكرتين المخفضة ثمنها 120 دولار للراكب الواحد اي 240 لكليهما. فأذا تقاسمناها نحن الثلاثة ستدفعون 80 دولاراً لكل واحد منكما واقاوم انا بدفع الحصة الثالثة من جيبي الخاص.
زهير : هذا حقاً جود منك سيدي. لم نكن نتخيل انك ستكون بهذه الاصالة وهذه النبل والاخلاق الرفيعة.
المدير : هذا اقل ما استطيع فعله. يجب ان نتكاتف كي نكسب حسنة عند الله. اليس كذلك؟
غمراني : نحن نشكرك كثيراً سيدي.
بن يحيى : بارك الله فيك سيدي.
خرج المدير واخذ الشابين الجزائريين معه ثم عادوا بعد قليل وهم يمسكون بتذكرتين قال،
المدير : ستقلع الطائرة غداً الساعة السابعة صباحاً وستصل بعد سبع ساعات بمطار القاهرة الدولي.
خرج الجميع فرحين وقد حلت مشكلة الشابين الجزائريين فقال احمد،
احمد : دعني ادعوكم جميعاً لاكل السمك المشوي.
زهير : الله اكبر، الله اكبر، كلا ارجوك لا نريد فيران مشوية. هيا بنا الى بركر كنغ.
باليوم التالي ركب احمد وزهير مع الشابين الجزائريين بسيارة اجرة وتوجهوا الى مطار (سوفيرنابومي). كان الموقف مؤثراً جداً وكان الشابان يكثران من الشكر والثناء لزهير واحمد ويعدان بان يرجعا المبلغ اليهما بعد الوصول لكن احمد قال بانه لا يريد منهما سوى الرجوع الى وطنهما سالمين. تبادلا العناوين وودعوهما فسارا من خلال بوابة المغادرة. نظر الى زهير وقال،
احمد : بالرغم من ان حملاً كبيراً قد انزاح عن ظهرنا لكنني ساشعر بالشوق اليهما.
زهير : وانا كذلك. ولعلمك فانا ساسافر غداً كذلك الى تايوان وستبقى انت وحيداً ببانكوك.
باليوم التالي وقف احمد في بهو الفندق ينتظر صاحبه كي يودعه الوداع الاخير. ولما اكمل زهير حزم جميع امتعته نزل الى الاسفل فوجد احمد ينتظره هناك. احتظنه وقال،
احمد : لماذا تودعني الآن يا زهير فانا آتِ معك للمطار.
زهير : لا يا ابو حميد. لقد كفيت ووفيت. استمتع بوقتك واكمل الفترة المتبقية لك ببانكوك ثم ارجع الى ابوظبي بحفظ الله ورعايته.
احمد : وكيف ساقضي اوقاتي وحيداً من دونك. لقد كُنتَ لي افضل صديق وعون وقد حميتني من اكل الفئران.
ضحك الصديقان وتصافحا بعد ان تبادلا العناوين. سحب زهير حقيبته وخرج خارج الفندق ليستأجر سيارة وينطلق بها الى مطار سوفيرنابومي.
رجع احمد الى غرفته بالفندق ينتابه شعور بالوحدة المفاجئة بعد رحيل اصدقائه جميعاً وبقائه بمفرده وسط هذه العاصمة العجيبة. بقى جالساً على سريره حتى طغى عليه شعور بالنعاس فاستلقى على ظهره وغلبته غفوة مفاجئة. فجأة استيقظ على صوت طرق على الباب. انتفظ وفتح الباب واذا بزهير واقفاً امامه يمسك بحقيبته قال،
احمد : ما هذا يا زهير، لماذا عدت الى الفندق؟ الم تسافر الى تايوان؟ الم تقل ان لديك اشغال هناك لشراء العجلات الهوائية؟
زهير : لقد اشتقت اليك كثيراً يا صديقي وقررت ان ارجع لابقى معك هنا ثم اعود معك الى ابوظبي.
احمد : اجل لكن جوازك سوري والامارات سوف لن تمنحك سمة الدخول بهذه السهولة.
زهير : ساخبرهم انني ساتاجر بالعجلات الهوائية بابوظبي.
فجأة فتح عينيه فعلم انه كان يحلم. بقي بالسرير يراجع ذلك الحلم الجميل فسمع طرقاً على الباب ثم فُتِحَ الباب بالمفتاح ودخلت عليه منظفة الغرفة. وقف احمد ونظر اليها فتفاجأت بوجوده بالغرفة قالت،
المنظفة : انا آسفة سيدي جئت لانظف الغرفة وتوقعتك ان تكون بالخارج. سارجع بعد ان تخرج منها.
احمد : لا، لا، تعالي وادي عملك فانا سوف لن اخرج من الغرفة اليوم لان اصحابي سافروا وبقيت وحدي.
المنظفة : هل انت من السعودية؟
احمد : كلا انا من العراق.
هنا فاجأته وتحدثت معه بالعربية وقالت،
المنظفة : انا اسمي وانپين انا كان يشتغل سعوديا. انا يعرف اربي شويا شويا.
احمد : واين كنت تعملين؟
وانپين : انا كان يشتغل مصطفى في دمام.
احمد : هل مصطفى هو مديرك؟
وانپين : لا مصطفى، مصطفى، في دكتور، في مريز في سرير في ريحة ديتول. انت ما يعرف مصطفى؟
احمد : اها، كنت تعملين بمستشفى.
وانپين : نأأم، نأأم مصطفى.
احمد : ولماذا تركت عملك ورجعت الى هنا.
وانپين : (بالانكليزية) قام احد المرضى باغتصابي فاشتكيت عليه لدى ادارة المشفى ولدى الشرطة لكنه كان رجلاً ذو نفوذ كبير فسجل المحضر ضدي واتهموني بممارسة الدعارة بالمشفى وسجنوني ثلاثة اشهر ثم رحلوني الى بلدي.
احمد : ولماذا لم تعملي كممرضة ببلدك بعد عودتك؟
وانپين : لانني لم اتمكن من ايجاد فرصة عمل. بحثت بجميع المشافي فلم افلح حتى اصبحت الحياة تضيق علي وعلى والدتي المريضة مما اضطرني للبحث عن اي عمل. وقتها علمت ان الحظ حالفني لاجد عمل بهذا الفندق وانا اعمل هنا منذ اكثر من سنتين. لقد ازداد مرتبي الى الضعف.
احمد : وكم هو مرتبك الآن.
وانپين : 200 دولار سيدي.
احمد : بالشهر؟
وانپين : كلا، 200 دولار بالعام.
احمد : انه قليل جداً. كيف تتمكنين العيش بمثل هذا المرتب؟
وانپين : انا احسن بكثير من زملائي وزميلاتي. فالفقر هنا بتايلندا متفشي كالجائحة.
احمد : اسمعي يا وانپين، انا معجب بك واريد ان اقبلك، تعالي الى عندي.
تقدم نحوها كي يقبلها لكنها دفعته للخلف وقالت،
وانپين : هل تعتقد اننا جميعاً عاهرات هنا بتايلندا؟
احمد : انا آسف، لم اكن اقصد ذلك، ارجوك سامحيني.
وانپين : بل انت تريد ان تعمل بي مثلما عمل ذلك الرجل بالسعودية. تريد ان تغتصبني.
احمد : اقسم لك يا وانپين، لم يكن هذا هدفي. انا فقط كنت حزيناً على حالتك واردت ان اواسيكِ.
وانپين : وهل تواسي كل النساء بتقبيلهن وانت لم يسبق لك ان التقيتهن؟
احمد : صدقيني انا آسف. انت تعلمين الاجواء هنا في تايلندا وانا جئت اساساً هنا كي... كي... اقصد انني تطلقت من زوجتي حديثاً واردت ان...
وانپين : اجل افهمتك سيدي. لكنك مخطئ بتصورك انني منهم.
احمد : طيب ما رأيك ان ننزل الى مقهى الفندق لنتناول القهوة سوياً؟
وانپين : وسأطرد من عملي فوراً، لانني غير مخولة ان اتعرف على الزبائن.
احمد : حسناً بامكاننا ان نلتقي خارجاً في مكان بعيد بامكانك ان تدليني عليه.
وانپين : حسناً دعنا نتقابل بكافيتيريا تروكاديرو. انها بمنطقة تدعى لوي ماي. تذهب بالتوك توك وسوف يأخذك الى هناك. تعال الساعة الرابعة بعد الظهر.
احمد : حسناً سنلتقي هناك.
صافحها بكل احترام ثم راحت تفرغ صفيحة القمامة من غرفته وتغير الشراشف على سريره والمناشف بالحمام ثم ودعته وخرجت.
بذلك اليوم تناول احمد وجبة غدائه مع الساعة الواحدة ظهراً ثم ذهب الى وسط المدينة يتجول بالمحال التجارية حتى قرب موعده مع وانبين. ركب توك توك وطلب منه ان يأخذه الى مقهى تروكاديرو. ولما وصل المقهى وجد وانپين واقفة على الرصيف تنتظره فصافحها ودخلا المقهى. جائهم النادل فطلب احمد فنجان قهوة بينما طلبت وانپين كأساً من الماء فاستغرب وسألها،
احمد : لماذا لم تطلبي شاي او قهوة او بعض المعجنات؟
وانپين : هل تعلم ان ثمن الشاي هنا يعادل مرتبي لشهر؟
احمد : اجل ولكن انا الذي ادعيك يا وانپين وبامكانك ان تتناولي اي شيء تريدينه.
وانپين : لا، لا اريد. ببيتي استطيع صنع الشاي او القهوة. ولكن قل لي، هل انت مسلم؟
احمد : اجل انا مسلم. اليس ذلك واضحاً من الاسم؟ هل يضايقك كوني مسلماً؟
دنت وانپين من اذنه وهمست بصوت خافت،
وانپين : انا مسلمة ايضاً. اسمي الحقيقي هو عائشة لكن السلطات هنا تمنعنا من استعمال اسمائنا الاسلامية لذلك استعمل اسمي البوذي بالخارج. اما بالبيت فالجميع يناديني باسمي الاصلي عائشة.
احمد : ما هي نسبة المسلمين هنا؟
وانپين : تبلغ نسمة تايلندا حوالي 60 مليون. المسلمين هم فقط 3.5 مليون اي حوالي 5 %. لذلك فالمسلم لا يحق له ان يطلق على اولاده اسماء المسلمين كمحمد واحمد وفاطمة وعائشة. المسلم لا يحق له ان يضع اسمه على لوحة محله التجاري. لذا فان بطاقاتنا الوطنية تحمل اسمائنا البوذية. غالبية تايلندا تتبع البوذية (الترفادية) وليس كباقي مذاهب البوذية كالبوذية الصينية او النيبالية مثلاً.
احمد : إذاً الاغلبية هم من الشيعة هنا.
ضحكت وانپين على ما قاله وواصل الاستماع اليها.
احمد : وانت يا عائشة عفواً اقصد وانپين هل سبق لك ان تزوجتِ؟
وانپين : اجل تزوجني رجل يكبرني 45 سنة وعندما علم انني لست باكراً طلقني فوراً ولم يدم زواجي سوى يوماً واحداً فقط. والسبب انت تعرفه.
احمد : اجل، اجل اخبرتيني عن الاغتصاب بالسعودية. والآن هل تسكنين مع اهلك؟
وانپين : اجل اسكن مع والدتي ووالدي ببيت بمنطقة بانغ كين. انها بعيدة من عملي وتتطلب السير اكثر من ساعتين كل يوم.
احمد : ولماذا لا تركبين الحافلة؟
وانپين : الحافلة مكلفة جداً فهي تبلغ 3 بات اي 10 سنت لذلك اوفر على نفسي ثمنها واسير على قدمي. انا لست الوحيدة بهذه الحالة فاغلب الناس هنا يذهبون الى اعمالهم سيراً على الاقدام.
احمد : اقسم بالله انكم شعب مناضل.
وانپين : هل تريد ان تلتقي باهلي؟
احمد : سيكون لي الشرف. متى ترغبين ان نذهب؟
وانپين : اليوم إن اردت.
احمد : الن يمانعوا من مرافقتي لك؟
وانپين : طالما انت مسلم فسيكونوا سعداء لان تزورهم.
احمد : دعنا ندخل المجمع التجاري هناك.
وانپين : هيا.
دفع احمد فاتورة المقهى ثم سار مع وانبين الى المجمع التجاري (مول) فصعدوا الى الطابق الثاني وراحوا يتمشون به ويتحدثون سألها،
احمد : الجو كثير الحرارة ببانكوك. اما بداخل المجمع فهو بارد وجيد. هل لديكم مكيف هواء بالبيت؟
وانپين : حتى لو كان لدينا مكيف فكيف سندفع ثمن الكهرباء؟ كلا نحن نستعمل المراوح فقط.
احمد : المراوح الكهربائية؟
وانپين : كلا، المراوح اليدوية.
احمد : إذاً دعيني اخذ مروحة كهربائية كهدية لعائلتك. ما رأيك؟
وانپين : هذا ليس ضرورياً. سوف يفرحون لزيارتك دون ان تعطيهم اي هدية.
احمد : لكنني لا اريد ان ادخل عليهم بايدي خاوية.
وانپين : إذاً افعل ما شئت.
دخل احمد الى عدة محال تجارية تبيع الاجهزة الكهربائية حتى اختار مروحة منضدية انيقة فقام البائع بلفها باوراق الهدايا. خرج احمد وصديقته الجديدة وانپين من المجمع التجاري وركبا مركبة التكتك ليتوجها الى مسكن وانپين. وبعد حوالي نصف ساعة وصلا امام منزل متواضع جداً لا تزيد مساحته عن 30 متراً. وعندما دخلا فيه وجده احمد في غاية النظافة والاناقة بالرغم من بساطة اثاثه.
احمد : انه منزل جميل حقاً. اين هم اهلك؟
وانپين : تعال لاعرفك عليهم.
رأى رجلاً مسناً في السبعين من العمر، نحيف البنية، قصير القامة له ابتسامة عريضة تملاً وجهه سأل،
احمد : اهذا والدك؟
وانپين : اجل هذا والدي اسمه عبد الودود. لكنه لا يتكلم الانكليزية. يشكرك والدي على مجيئك ويقول انك مرحب بك ببيته.
احمد : اشكريه وقولي له انه لشرف عظيم لي ان ازوره ببيته.
وانپين : وهذه والدتي. هي ايضاً لا تتكلم الانكليزية.
بعد ان انتهوا من الترحيب قدّم احمد هديتة فرأى الفرحة تملأ قلوبهم بهذا الشيء الكبير الذي لم يكونوا يحلمون به. وكيف يحلمون بمروحة وجميع جيرانهم لا يملكونها؟ جائت والدة عائشة وتحدثت معه بالتايلندية فترجمت له قالت،
عائشة : انت ادخلت الفرحة الى قلوبنا والهواء العذب الى وجوهنا، شكراً لك يا ولدي.
احمد : انا جداً سعيد لان هديتي المتواضعة قد اعجبتكم يا امي.
عائشة : تقول امي، يجب عليك ان تأكل الزاد معنا.
احمد : سيكون لي الشرف.
وضعت وانپين المروحة على الطاولة ووجهتها نحو احمد ثم ضغطت على زر التشغيل فبدأ الهواء العذب ينطلق منها فشعر احمد بالانتعاش وسمع والديها يصفقان للمروحة. بعد ان انتهت مراسيم افتتاح المروحة ذهبت امها الى المطبخ كي تعد الطعام بينما جلس احمد مع والد وانبين وكان يحاول ان يجري محادثة معه لكن الامر لم يكن بهذه السهولة لان لغة مشتركة واحدة كانت مفقودة. اكتفى الرجلان بالايمائات والابتسامات. وعندما حضر الطعام دعته وانپين كي يبدأ بتناول طعامه فنظر احمد اليهم وقال هيا دعنا نأكل سوياً. لكنهم عزفوا عن تناول الطعام قبل ان يأكل ضيفهم ويشبع ثم يبدأون بعده. شعر احمد باحراج كبير وحاول ان يشرح لعائشة ان هذا امر لا يود عمله لكنها اخبرته انها تلك هي تقاليدهم وعاداتهم وسوف لن يضعوا لقمة واحدة بفمهم قبل ان ينتهي الضيف من تناول طعامه. ارتضخ مؤخراً لمطلبهم وراح يأكل الطعام اللذيذ الذي اعدته والدة وانپين ولما فرغ منه وشبع بدأت العائلة كلها تأكل ما خلفه احمد من طعام. ولما فرغ الجميع من وجبة الغداء، استأذن والدها كي يذهب للمسجد لاداء الصلاة بينما اتكأت والدتها على الارض كي تنام قليلاً. وضعت عائشة مخدة على الارض كي ينام عليها احمد. بالواقع لم يكن معتاداً على النوم بتلك الساعة لكنه اراد ان يجاملهم ويفعل ما يفعلون. فاتكأ على الارض واتكأت معه وانبين وسط شخير والدتها. اراد احمد ان يطلق العنان لغرائزه لكنه خجل من ذلك خشية ان يفهم تصرفه هذا بانه استغلالٌ للفرص. لذا اكتفى بان ادار ظهره اليها ونام لبضع دقائق بعدها خرج من بيت عائشة او وانبين وعاد الى فندقه وهو بغاية السعادة لانه تعرف على جانب آخر من هذه المدينة التي وصفت بالماجنة. فقد وجد اناس طيبون محافضون يتبعون تقاليداً ورثوها عن اجدادهم ويفتخرون بها. بتلك الليلة بقي بالفندق يتابع برامج التلفزيون الذي كان يذيع الاخبار بالانكليزية.
كانت باقي الايام مملة عليه لانه ابى ان يذهب الى بار الكنغر وحده لعدم وجود صاحبه زهير معه. بقي يتسكع بالمدينة كل يوم ثم يعود الى الفندق وينام نوماً عميقاً.
في آخر ليلة ببانكوك قرر ان يسهر سهرة راقية فنزل الى مكتب الاستعلامات بالفندق وسألهم عن مكان محترم يمكنه الذهاب اليه فاقترحوا عليه مطعم (جيت پوݘانا Jitpochana). قالت له ان السبيل الوحيد للوصول الى ذلك المطعم هو الذهاب الى فندق شانگرلا ومن هناك سينقل بالقارب الى المطعم. قالت ان بامكانه الذهاب مبكراً والبقاء بالبار الرائع الذي امام حوض السباحة. وافقها الرأي وطلب منها ان تحجز له فيه كي يسهر بتلك الليلة الاخيرة. بالمساء دخل الحمام ليحلق ذقنه ويستحم ثم يخرج ليرتدي بدلته الجديدة مع قميص حريري جديد وربطة عنق ملائمة. نظر الى نفسه بالمرآة فرأى نفسه شاباً وسيماً ذو هندام جميل فابتسم وقال، "تبدو كبراد پيت". خرج الى خارج الفندق واستقل سيارة اجرة لتأخذه الى فندق شانگرلا. نزل من السيارة ونظر الى مبنى الفندق فرآه واحد من القلة القلائل بالعالم ممن يحملون 6 نجوم. رفع رأسه للاعلى كي يرى مدى ارتفاع الفندق فلم يبلغ القمة لان ارتفاعه كان اعلى بكثير من اي فندق صادفه بحياته. دخل باحة الفندق فاصيب بالدهشة المفرطة. الباحة كانت اكبر من ملعب لكرة القدم. تنتشر مكاتب الاستعلامات على شكل دائري لتحيط بباحة الفندق. سار الى احدى هذه المكاتب وسأل،
احمد : مساء الخير، اين هو الطريق الى مطعم جيت پوݘانا؟
الموظف : مساء الخير سيدي، هل لديك حجز بالمطعم؟
احمد : اجل حجزت من فندقي. انا اسمي احمد الكيلاني.
الموظف : اجل سيدي، عثرت على اسمك بالقائمة. لديك حجز على الساعة الثامنة. سيأخذك القارب من الحديقة الخلفية الى المطعم الساعة الثامنة تماماً.
نظر الى ساعته فوجدها تشير الى السابعة والربع فعلم ان عليه الانتظار.
احمد : شكراً ساكون هناك بالوقت المحدد.
فتش احمد عن مكان يجلس فيه فوجد الكثير من المقاعد منتشرة بكل مكان بشكل انيق ومنسق. ذهب الى اقرب واحدة وجلس هناك وصار يتابع الناس وهي تدخل وتخرج. تذكر نصيحة موظفة الاستعلامات بفندقه فقرر الذهاب للبار. رجع الى موظف الاستعلامات وسأله،
احمد : هل لك ان تدلني على بار الفندق؟
الموظف : اي بار منهم؟ لدينا الكثير من البارات بالفندق.
احمد : اريد البار الذي امام بركة السباحة.
الموظف : لدينا اربع برك سباحة هنا. الاولى بالطابق الارضي، الثاني بالطابق الاول، الثالثة بالطابق الرابع، والرابع بالطابق العاشر. وكل تلك البرك لديها بارات.
اراد احمد ان يختار واحدة بشكل عشوائي فقال،
احمد : البركة بالطابق العاشر.
الموظف : إذاً عليك ان تسير من هذا الاتجاه ثم تحيد الى يمينك فتصل الى المصاعد الكهربائية الثمانية. اركب اي واحدة منها وستنقلك الى الطابق العاشر. وعندما تصل هناك ستسير باتجاه الشرق حتى آخر الممر ثم تحيد الى اليمين فترى المخرج لبركة السباحة. خذ هذا الدليل الذي رسم عليه مخطط للوصول للبركة.
يا الهي، ما هذا؟ احتاج لخارطة طريق كي اصل لبركة السباحة؟ هذا الفندق العملاق مدهش حقاً ساخبر جميع اصحابي عنه عندما اعود. صعد احمد للطابق العاشر وبقي يبحث عن بركة السباحة حتى وجدها بعد شق الانفس وإذا بها مسبح كبير مطابق للمواصفات الاولومبية والاضواء كانت مخبأة تحت مستوى سطح الماء مما اضفت عليه منظراً ساحراً. كانت هناك عائلة واحدة فقط تسبح بالمسبح. سار احمد للبار وطلب كأساً من الجعة وصار يستمتع بالاجواء المثيرة التي صممت كي تبعث بالسعادة لدى سكان هذا الفندق. وبعد قليل تفحص ساعته فوجد الوقت قد قارب من الثامنة فنزل الى الطابق الارضي ثانية وتوجه نحو البوابة التي تأخذه الى الحديقة الخلفية للفندق فجلب انتباهه الكثير من السواح الاوروبيين يرتدون ملابس السهرة الراقية. النساء لابسات الفساتين السوداء الطويلة ذات الاكتاف والظهور العارية وشعورهم مصففة تقول عنهم عارضات ازياء او ممثلات هوليود. كانوا يسيرون معه باتجاه الحديقة. وما هي الى دقائق وجائهم رجل قصير القامة وقال، "مطعم جيت پوݘانا" فاستجاب لندائه الجميع وكان احمد من بينهم. وصلوا الى قارب صغير لا يزيد طوله عن 6 امتار. ليس هناك مقاعد بذلك القارب مجرد عواميد خشبية يتمسك بها الراكبون للحفاظ على توازنهم. سار بهم القارب بداخل النهر لما يقرب من 10 دقائق ثم توقف لدى احدى الجزر النهرية فهم الركاب بالنزول. ساروا نحو مبنىً راقٍ جداً تحيطه الشبابيك الزجاجية من كل الجهات والتي تشع منها الاضواء الملونة البديعة. دخل احمد معهم للاستعلامات فراح الموظف يتأكد من الاسماء. اعطاه احمد اسمه فرحب به وطلب منه تسليم حذائه. خلع احمد حذائه وسلمه للرجل ثم دخل قاعة المطعم الكبيرة. رأي في القاعة اناس جالسون على طاولات مستطيلة موزعة بشكل هندسي رائع. جلس احمد على احداها مع عدة ازواج اوروبيون. كانت الموسيقى الهادئة تصل الى مسامعه فتزيده اعجاباً بالمكان. وكان بعض الراقصين يؤدون رقصاً من بعيد بالطريقة التايلندية التقليدية. كان رقصهم بطيئاً وكان يتعذر عليه ان يتفهم ذلك اللون من الفن لانه اعتاد على طريقة الرقص الاوروبية السريعة (روك اند رول).
فور جلوسه على الطاولة جائته نادلة جميلة فهمس باذهنا وقال،
احمد : هل لك ان تحذريني إذا كان هناك طعام به لحم الخنزير؟
النادلة : جميع اطعمتنا خالية من لحم الخنزير.
وضع المنديل على حجره وراح ينتظر الطعام. وبعد قليل جائت نادلة اخرى تحمل صحوناً لتضعها على الطاولة فراح الجميع يأخذ منها فتبعهم احمد. نظر الى الطعام فوجده عبارة عن قطح طعام ملفوفة ومشوية. لم يعرف ما هي لكنه لم يكن ليعترض على اي شيء. طعن ذلك الشيء الذي على صحنه بالشوكة وقصه بالسكين ثم وضعه بفمع فالتذ كثيراً بطعمه لانه طعم الدجاج المشوي والغلاف الذي حوله مقرمش لذيذ جداً. صار يأكله بكل شهية. وعندما اكمل قطعته الاولى عاد واخذ قطعة ثانية، قطع منها قطعة صغيرة ووضعها بفمه فصار يتلذذ بطعمها فجائته النادلة وهمست باذنه وهي تحرص على ان لا يسمعها احد آخر من الجالسين على الطاولة قالت له،
النادلة : الطعام الذي تأكله هو قطع من صدر الدجاج المشوي. اما الغلاف فهو قشرة الموز. وهو لايؤكل بل يقشر قبل الاكل.
خجل صاحبنا من جهله واومأ برأسه معبراً عن شكره لها. بعد ان اكمل تلك الوجبة عادت النادلة وجائت بصحون اخرى وصارت تضعها على الطاولة. وكلما حكم عليها وقال انها الذ وجبة، يكتشف ان هناك ما هو الذ منها. فجميعها كانت من صميم المطبخ التايلندي العامر بالطعام الشهي. بقي الراقصون والراقصات يؤدون الوصلات الفنية الراقصة وكان الجمهور يصفق لهم لكن احمد لم يكن ليتذوق ذلك الرقص ابداً. بآخر الليل وقف احمد وتوجه نحو الاستعلامات ليستعيد حذائه ويخرج خارجاً فيجد قارباً ينتظره كي يرجعه الى الفندق. كانت افضل 300 بات (10 دولارات) صرفها على سهرة جميلة اكمل بها زيارته لتايلندا. باليوم التالي دفع احمد فاتورة الفندق وصارت فتيات الاستعلامات يودعنه ويبكين لفراقه. وما هي الا ساعات ليجد احمد نفسه جالساً بالطائرة خطوط الامارات محملاً بقصص كثيرة يتحرق كي يحكيها لصاحبه رائد عن تجربة بانكوك.
4782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع