عائشة سلطان
من الغرفة الضيقة إلى العالم
من الغرفة الضيقة إلى العالم، من السرية الصارمة إلى العلنية الواضحة، ومن التكتم والحذر والخوف، الذي يقبع في داخل كل إنسان يكلف بحراسة أوراق سرية، إلى عالم الإعلام القائم على الإشهار والتعبير العلني عن الرأي والإبداع، هكذا يمكن اختصار الطريق الطويل والشائك، الذي قطعته رحلة الكتابة، التي امتدت بي لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، بدأت بذلك المقال في غرفة الامتحانات الضيقة، في أحد نهارات ديسمبر من عام 1995.إن أرض الكتابة هذه، تحتاج إلى أن نحرثها بالأسئلة، ونحفرها بإمعان وصبر، لنعرف إلى ماذا ستنتهي، وإلى أين سيقودنا ذلك النفق تحت هذه الأرض، أعني به نفق الزمن المتشعب: الزمن المباشر، الذي قطعته الرحلة، باعتبارها تخص الشخص وحده، والزمن الكلي الذي يتصل بالزمن الإنساني العظيم، فهل هناك علاقة؟
أظن أن تلك البداية من تلك الغرفة الضيقة، لم تكن بداية اعتباطية، لكنها تتشابك جيداً، لتنتهي عند ذلك الأعرابي الفج، الذي يحفر لابنته الوليدة قبراً، يدسها فيه وهي حية، خجلاً منها، مفضلاً أن يئدها، على أن يفسح لها حرية الحياة، فتجلب له العار لاحقاً، بشكل من الأشكال، إنه الوأد نفسه، الذي منع النساء من أن يكتبن بأسمائهن الحقيقية، فيلجأن لأسماء مستعارة، أو أسماء ذكورية، حرصاً على أنفسهن من أن يُعرفن فيؤذين، ويتم اتهامهن بالتمرد والخروج على التقاليد، وإنها الفكرة نفسها التي روّجت لمقولة، أن صوت المرأة عورة: صوتها الحسي، وصوتها كرأي وإبداع!
من وأد الجسد اللاإنساني، إلى وأد صوتها ومنعها من التعبير عن نفسها، رحلة إنسانية عميقة، جسّرتها الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف، التي طالبت للمرأة بغرفة مستقلة تكتب فيها، وحفنة مال تضمن استقلاليتها، ضد القمع وضد المنع، وضد النبذ والإقصاء والسرية والكتمان، من هنا، اخترت أن أكتب في تلك الغرفة، أول مقال رأي، كان موضوعه عن الحوار والاختلاف والتسلّط!
789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع