نزار جاف
عندما کنت ضيفا عند الامام الخميني"١ ـ ٣"
الاعوام الثمانية المريرة والقاسية التي قضيتها في أسر نظام الملالي والتي کان يجب علي وعلى کل أسير عراقي أن يعتبر نفسه بأنه "ضيف عند الامام الخميني"، لم تکن مجرد أعوام عادية وتقليدية بل إنها کانت أعواما لايمکن أبدا محو آثارها العميقة من العقل والنفس والوجدان، خصوصا بعد أن بذل هذا النظام أساليب ووسائل غير عادية من أجل حفر آثار تلك الضيافة في أعماق کل أسير.
إستخدام التجويع والارهاب بمختلف صوره وغسل الأدمغة، ثلاثة أرکان للمثلث الذي قام هذا النظام بحصر الاسرى العراقيين في داخله، وأتذکر جيدا أيام کنت أسيرا في القسم الاول من کمب نامجو بمعسکر برندك القريب من مدينة شهريار، عندما رأى الاسرى فأرا في الحساء وأعلنوا الاضراب عن الطعام إحتجاجا على ذلك، ولکن ماقد قامت به سلطات معسکر برندك المکونة من آمر المعسکر ورجل دين يعتبر مسٶول ماکان يسمى في حينه ب"عقيدتي سياسي" أي التوجيه السياسي في الجيش ومسٶول الاستخبارات، قد فاق کل التصورات التي بنوا الاسرى على أساسها مواقفهم، إذ وعلى حين غرة قامت سلطات المعسکر بحملة تفتيش دقيقة داخل أخذت خلالها کل ماکان في حوزة الاسرى من مواد غذائية، والاهم من ذلك إن سلطات المعسکر لم تقم بإجراء أية مفاوضات مع الاسرى بشأن إضرابهم بل قامت بقطع کل ماله علاقة بالغذاء عنهم وإستمر هذا الحال لأکثر من ثلاثة أيام!
في تلك الايام التي أجد من الصعب جدا نسيانها، أتذکر جيدا کيف إن سلطات المعسکر کانت تتغلغل بين الاسرى وتقوم بإستغلال نقاط ضعفهم وتبادر الى تجنيدهم ضد أقرانهم، حيث کان لآمر المعسکر ولضابط الاستخبارات ولمسٶول"عقيدتي سياسي" أعينهم بين الاسرى، الى جانب إنه کان هناك أيضا مکتبة تعج بمختلف أنواع کتب"الاسلام السياسي" وکانت إختيار هذه الکتب کما يبدو دقيقا لأنه کان فيها مايلائم المنتمين للمذهب السني والشيعي.
کتب يوسف القرضاوي، ولاسيما کتابي "الحلول المستوردة وکيف جنت على أمتنا" و"الحل الاسلامي فريضة وضرورة" الى جانب کتاب"ثم إهتديت" للتيجاني السماوي، وهو تونسي قام بتغيير مذهبه من سني الى شيعي(وقد إهتدى الى طريق الحق والصواب على أثر ذلك کما شرحه في کتابه هذا)، هذه الکتب التي کانت تٶدي دورها المشبوه في غسل أدمغة الاسرى فإنه کان هناك الى جانبها زيارات مبرمجة لرجال دين وعناصر أغلبهم من التبعية الايرانية الذي تم تسفيرهم من العراق أيام حکم حزب البعث، حيث کانت مهمة هٶلاء الحديث عن کل مايمهد للتمهيد لغسل أدمغة الاسرى وحشوها بأسس ومبادئ الاسلام السياسي وخصوصا من حيث الترکيز على جعل الاسير يقوم بالتشکيك بماضيه وبرفض کل ماقد تلقاه عن الاسلام وإعتبار ذلك إسلام غير حقيقي.
في تلك الايام العجاف من حياتي وحياة من عاشها من أقراني الاسرى العراقيين، أتذکر جيدا کيف إن أسرى من أديان أخرى وخوفا من البطش بهم من جانب النظام الايراني، إذ کان هناك مسيحيون وصابئة وإيزديون قد أظهروا أنفسهم کمسلمين والانکى من ذلك إنهم کانوا يقومون بتأدية الصلاة، والمصيبة إنه وفي ظل تلك الاجواء المليئة بالرعب والتوتر والقلق، کان المحاضرون الذين کانوا يأتون لإلقاء محاضراتهم"المشبوهة" في عز الظهر حيث کان الاسرى يجلسون القرفصاء على الارض والشمس تحرق بشرتهم ببطون خاوية على الاغلب ليستمعوا الى الثناء والتمجيد والاطراء بشأن نظام ولاية الفقيه ومن إنه أفضل نظام على وجه الارض لأن"وهنا المصيبة" إن الانسان مسلما کان أو غير مسلم، يشعر في ظله بالامان والاطمئنان!
في تلك الايام، حيث کان لکل أسير أو"ضيف"رغما عن أنفه للجمهورية الاسلامية الايرانية في اليوم الواحد، نصف رغيف خبز، ثلاثة قطع سکر مکعبات، ثلاثة سيکاير"أشنو ويزە" الرديئة جدا ومن دون فلتر ، وقطعة جبن بحجم نصف البنصر"أحد أصابع اليد" لفطور الصباح وکان أغلب الايام قطعة الجبن هذه فيما کان أحيانا بيضة مسلوقة أو حساء عدس لکن الاخير لم يکن على الدوام، کما کان کل أسير يتقاضى شهريا 100 ريال، کانت السيکارة وقطع السکر بمثابة العملة المتعامل بها بين الاسرى، ولاسيما إذا ماعلمنا بأن السيکارة الواحدة کان الاسير يقوم بتقطيعها وجعلها ثلاثة أقسام أو حتى أربعة أقسام، في تلك الايام، لم يکن أمام الاسير من وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي سوى جهاز تلفزيون ناطق بالفارسية لکل 300 أسير وراديو موجه من قبل سلطات المعسکر يتم بث الاخبار من القسم العربي للإذاعة الايرانية، الى جانب المحاضرين الذين أشرنا لهم آنفا، لکن لابد هنا من الإشارة الى إنه کان بعض الاسرى من الذين تمکنوا من المحافظة على محابسهم الذهبية أو ساعاتهم اليدوية أو حتى مبالغ بالدينار العراقي"الذي کان له قوته وإعتباره في ذلك الوقت"، وبواسطة ذلك إستطاعوا من خلال الاتفاق مع جنود حراسة إيرانيين أن يشتروا سرا أجهزة راديو، علما بأن الراديو کان المحرمات وکان من يکتشف أمره بحيازته، يتعرض لأقسى العقوبات، وللحديث صلة.
613 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع