أ.د.عبدالسلام الطائي
الامين العام للمنظمة العربية لحقوق الانسان
في الدول الاسكندنافية
الحيل الانتخابية المقننة والمشرعنة
تساؤولات للتامل والحوار
1. اوليس ازدواجية السلاح والديمقراطية خطان متوازيان لا يلتقيان؟
2. ما سر التناشز الاجتماعي بين المجتمع الانتخابي والمجتمع النيابي ؟
3. لم اصبح المجتمع البرلماني، مجتمعا " نهابا وهابا" لشعب حائر؟
4. ما دور الحراك الوطني التشريني في تحويل شعبنا الحائر الى شعب ثائر؟
منذ ان تزعم العراق مدرسة السياسة المذهبية العصابية بعد الغزو الأميركي "فما حاولته أميركا بعد الغزو هو بناء عراق جديد باحجار مذهبية قديمة، تجيد إيران هندستها أكثر من واشنطن، بموجبها اضطرت واشنطن تسليم العراق لايران اكراما لها. من المعروف في كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، انها ترفض اجراء انتخابات تحت اسنة الحراب لانها لن تكون شفافة، وبهذا الخصوص ( كوندليزا رايس ) وزير خارجية امريكا عام 2007 دعت الرئيس اللبناني عدم اجراءات انتخابات مرتبطة بالماضي السوري). في حين يغض النظر عن اجرائها في العراق، رغم انه مازال مرتبطا بالماضي الاسود للاحتلال الايراني .
معلوم لدى الجميع، ان الانتخابات لكي تكون شفافة وجب ان تجرى بدون بنظارات شمسية، وبلا – تقية- حتى لا يكون باطنها غير ظاهرها لتمرير الحيل الانتخابية على الشعب .كما ان من المتعارف عليه، للديمقراطية مبادئ وحيثيات ومفاهيم متفق عليها منها:
القدرة على تحقيق الأمن والسلم ، مبدأ تداول السلطات سلمياً، مبدأ حكم الأكثرية الانتخابية لا المذهبية او العرقية ، مبدأ فصل السلطات ، مبدأ التمثيل والأنتخاب، مفهوم المعارضة االبرلمانية،
مفهوم سيادة القانون ومفهوم اللامركزية. ان جميع هذه الحيثيات لا تنطبق على العراق لكي تجرى انتخابات شرعية فيه!! بهذا الصدد، يفيدنا الواقع لوقائع الاحداث في العراق بان معضلة الديمقراطية في العراق تكمن بالحيل الديموقراطية، بما فيها الحيل الانتخابية المستخدمة في جميع مراحل حيثيات ومضامين الديمقراطية التي اشرنا اليها سابقا، ومن عمليات خداع وتدليس من خلال تشكيل عشرات الاحزاب لكي تعود مخرجاتها الى ملكية مدخلاتها ايديولوجيا ، اي الى نفس الاحزاب الحاكمة التي رفضها اكثر من 80% من المجتمع الانتخابي للشعب العراق في انتخابات عام 2018- والتي تمخض عنها انطلاق الحراك الثوري التشريني 2019 واسقاط حكومة عادل عبدالمهدي.
ونتيجة لتلك المخاوف والاسباب فان الانتخابات المبكرة ستجرى من قبل المجتمع النيابي العاجز والفاشل، وفق نظرية الاحاطة في القيادة من اجل إيجاد نهاية دالة لفوز الفاشلين ، ولتقريب نظرية الاحاطة اكثر الى ذهن القارئ، فهي تسمى بالعرف العسكري- قواعد التحوط والامان لتجنيب الجندي مخاطر الهزيمة او الموت. ان الغاية من استخدام عمليات الاحاطة، هي ان يحمي المرشح نفسه من مخاطر الفشل، ولكي يصبح المجتمع الانتخابي يدور في فلك الحيل الانتخابية، ولا سبيل امامه الا باختيار هذا المرشح او ذاك! ومن الحيل الانتخابية المعتمدة من قبل المجتمع النيابي للكتل السياسة، هو تشكيل احزاب باسماء اخرى لتمويه وتضليل الناخب، كي تصب لصالح نفس الحزب السابق، ولجعل الناخب يدور في حلقة مغلقة، على غرار المثل الاحتيالي القائل:، تريد غزال اخذ ارنب تريد ارنب اخذ ارنب. ان هكذا نمط احتيالي من الانتخابات لا يقوم على الاختيار الديمقراطي الشرعي بل على اجبار الناخب لاختيار المرشح السئ الصيت بطرق ملتوية، وان هذا السلوك السياسي ما هو الا تعبيرا عن حالة الانحلال المعياري للمجتمع النيابي للمرشحين.!
لكن السؤوال الذي يطرح نفسه، لماذا اعتمد المجتمع النيابي للاحزاب اجراء الانتخابات وفق نظرية الاحاطة، لقد سبق وان اشرنا، ان العراق تصدر مدرسة السياسة المذهبية التجنيسية للشيعة المستعرقين الغرباء الذين تسللوا عبر الحدود الايرانية اثناء الزيارات الشيعية وغيرها، وكذلك من خلال منح الجنسيات للمستعرقين والمستوطنين، لذلك فان تركيبة تشكيل الاحزاب والدولة بعد 2003، يمكن وصفها :بانها دولة ولدت من ام ايرانية عجوز عاجزة، ومن قابلة امريكية غير ماذونة، فالمولود الجديد (الدولةوبرلمانها) لايربطهم اي شئ بالشعب والوطن سوى تربية الام الايرانية العجوز للوليد الجديد بالشكل الذي يجعله خادما وذيلا ذليلا.
وان هذه الولادة السياسية للدولة خلقت حالة تناشز ما بيين المجتمع واحزاب الدولة, بين المجتمع العراقي والمجتمع السياسي.كما خلقت حالة تناشز ما بيين النسق الديموغرافي العام للمجتمع العراقي الاصيل والنسق السياسي الدخيل لاحزاب الدولة, كان من مخرجات تلك المدخلات البنائية لتركيبة الدولة والاحزاب السياسية شيوع الفوضى والفساد والقتل والنهب، لذلك لا خيار امام الشعب، الا التغير الشامل والكامل للنظام السياسي الذي ينادي به شباب الحراك الوطني الثوري .
ولعل من الضروري بيانه ، ان الانتخابات، ليست العملية الوحيدة في العملية الديمقراطية، يخطأ من يتصور ان الانتخابات هي بداية ونهاية العملية الديمقراطية، لان الديموقراطية تؤسس قواعدها ومبانيها من دستور الدولة وقانون الانتخابات والمفوضية والقضاء العادل، المفقود في العراق، منذ تسلط المجتمع النيابي المحتال عام 2003. ذلك الامر، يدعوني لان اقوم بتصنيف الحيل الانتخابية المعتمدة وفق نظرية الاحاطة وبحسب الجهات االفنية المعنية، ليطلع عليها الشارع العراقي والعربي والدولي: وهي كما ياتي.
اولا: الحيل الدستورية: لقد سن المحاصصون الحصريون، دستور الاقلية والاغلبية، ببدعة او فتنة المحاصصة، ليجعلوا من انفسهم بهذه البدعة، وكانهم "اصحاب الامتياز الحصري في العراق،
فهم من يقرر مصير العباد والبلاد، كما لو إنها مما ملكت أيمانهم، يعطون منها لمن يشاؤون ، ويقصون كل من لا يتماشى أو يتمشّى مع نزواتهم "
ثانيا: حيل قانون الانتخابات: القانون الجديد للانتخابات لا يُلزم الناخب باستخدام البطاقة البايومترية فقط التي تحدّ من التزوير وتمنع التصويت بالإنابة، لذلك فان" فئات واسعة من الناخبين ستصوّت من خلال البطاقة الإلكترونيّة، والتي "كانت سبباً رئيسياً في عمليّات التزوير" خلال انتخابات عام 2018.
ثالثا: حيل المحاكم القضائية : كما هو معروف، الديمقراطية تسيرها القوانين لا الفتاوى، بينما نجد ان القضاء العراقي تتحكم فيه الميليشيات ، وتسيره الفتاوى ، اخذين بالاعتبار ان الفتوى تمتلك قوة الزام اكثر من قوة القانون، وان الفتوى الفقهية تصنف ك"قرار خاص" والخاص يقيد العام ،من الناحية القانونية. مثال، اياد علاوي لما فاز وفشل المالكي، القضاء حكم لصالح المالكي، وهكذا اصبح الخاسر رابحا والفائز خاسرا ، بحيل قضائية!.
رابعا: حيل مفوضية الانتخابات : والتي تتجسد بمبادئ نظام اعتماد مراقبي النتخابات الدوليين رقم(1 )لسنة / 2020 ، فعلى صعيد فرق المراقبة الدولية، يتم اختيارها من قبل المفوضية، حيث توجب المادة (3) من القسم الثاني للنظام، موافقة الجهات الامنية والسياسية على تسجيل واعتماد المراقبين الدوليين، وبصدد شروط والتزامات المراقبين الدوليين، فان المادة 9: تؤكد بان للمفوضية حق سحب او تسجيل اعتماد فريق مراقبي الانتخابات، وهذا يعني ان من سيعترض من المراقبين الدولين على التزورير سيتم سحب الفريق بحجة خرقه لقواعد السلوك و اخلاله بالالتزامات، وبناءا على هذه الضوابط فان المفوضية، اصبحت هي من تشرف على فريق المراقبين الدولين وليس االعكس، وهو خلل انتخابي قانوني واضح البيان!
خامسا: الحيل المالية المتحركة، التي غايتها شراء اصوات الناخبين بالبطانيات والدجاج وتوزيع االاراضي والتوظيف الفضائي وما لغيرها من حيل لا يحسن اجادتها الا المحتالون.
خامسا: الحيل المذهبية : وتتمثل باصدار الفتاوى التسطيحية، اكانت من قبل المجمع الفقهي (السني) او المرجعية الشيعية، كفتوى المجرب لا يجرب 2018، تلتها فتوى او توجيه صدر عام 2021 من نفس المرجعية، تدعو لانتخاب المجرب، رغم ان معظم المجربين رشاة ومرتشين، لعنهم الله ورسوله! ولعل ذلك، يوحي ان لم يكن قاعدة مذهبية مسيسة، بان الانتخابات، هي تكليف شرعي لانتخاب هذا الفاسد او ذاك المجرم !
ولعل الادهى من ذلك، ان المجربين من قادة الاحزاب ورؤوساء وزراء اعترفوا انفسهم بفشلهم، على الفضائيات، وبتلك الفتاوى- تحول القتل والفساد من حالة شاذة في السياسة والدين الى واجب ديني والهي. اما عن مسوغات جعل المجتمع البرلماني "نهابا وهابا" للمجتمع الانتخابي، يعود ذلك الى {نظرية المالك المجهول لاموال الدولة} التي تبيح نهب المال العام واستخدامه من قبل المجتمع النيابي حيثما يشاء، نظرا لكونه مشرعن بنظرية المالك المجهول في الفقه الخميني ، الذي يؤكد ب"أن الدَّولة، في عصر الغيبة، كلّ ما تملكه يُعد امرا مغتصباً، ، وكل من يستولى عليه من قبل الاخرين لا يُعد فساداً، هذا وقد
اجازت نظرية المباني الفقهية ايظا، حق تخويل فقيه الحزب السياسي او الميليشيات المسلحة
"تفويضا شرعيا مفتوحا للتصرف باموال الدولة كما يشاؤون، كاخذ الكومشنات" والاستيلاء على اموال النفط وعقارات الدولة والمواطنين وغيرها. وبموجب ذلك ولاسباب ومارب اخرى، اعتبرالعراق غنيمة حرب في فقه وعرف المحتل الامريكي والايراني
نافلة القول، نستقرء وبجلاء، ان الانتخابات "مشرعنة" بالزام فقهي، فهي تكليف شرعي، معزز بالفتاوى، انها "بيعة" بالانتخابات، جاعلة من نفسها، لا هي بيعة شرعية ولا هي ديمقراطية حقوقية، ومن لم يلتزم بها فان الميليشيات الولائية لايران لهم بالمرصاد، قتلا وتقطيعا، وفقا لما يشتهيه السيد المشرع.
انها انتخابات مقننة، لكن تقنينها يتناشز مع مبادئ وحيثيات الديمقراطية، كما فصلناه في احكام الدستور، وقانون الانتخابات الجديد، والقضاء المسيس. وقد ظهر لنا ايظا ان بطاقة الناخب البايومترية والالكترونية كلاهمها قابل للتزوير والتهكير عبر جهاز الحاسوب، على حد قول اياد علاوي، رئيس حركة الوفاق. انتخابات يسيرها المال العام للمجتمع النيابي لاغراء المجتمع الانتخابي للتصويت لهم، دعانا لوصف المرشح الى المجتمع النيابي، بانه نهابا وهابا !!!
انتخابات تجرى بسلاح الميليشيات. عملية (دم قراطية) لانتخاب عناصر ارهابية من حزب الله وال PKK التي تتوعد، اهالي سنجار اما بانتخابهم وائلا سيكون مصيرهم كمصير اهالي جرف الصخر، . احزاب مسلحة مصنفة على قوائم الارهاب ستننافس، محصلتها ايصال الميليشيات والارهابين الى قبة البرلمان، لعمري ما شاهدت ولا سمعت بها يوما الا في عراق المحتلين الامريكيي والايراني.
ظاهرة انتخابية عراقية شاذة عالميا. ونموذج انتخابي فريد، باتت تسيطر و تحكم فيه الاقلية الاكثرية، وسينتخب فيه لامحال نظاما سياسيا لا يمتلك عنصر تعايش داخلي لا مع شعبه ولا توازن خارجي مع المجتمع الدولي، محصلة ذلك مزيدا من التناشز والازدواجية ما بين المجتمع العراقي والمجتمع السياسي للدولة. تناشزا ولد جيلا استمد من يأسه قوة بأسه الشديد، تجسد بالحراك الوطني الثوري التشريني ، الذي حول الشعب الحائر الى شعب ثائر. فقلب موازين القوى التي كانت تعتقد بان التغير لا يمر الا عن طريق العميلية السياسة وامريكا وايران، لنصبح اليوم نردد، ان التغير لا يمر الا عبر ثوار تشرين البواسل. وهكذا يرسم لنا الجيل الذي ولد من معاناة الاحتلال، ستراتيجية الخروج العملية من العملية السياسية المنتهية الصلاحية.
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع