د. ندى جواد الورد
مسيرة قارب.. وصدفة خير من ميعاد
مسيرة القارب هي رحلة حياة بدأها طبيب عراقي في بغداد الأربعينات.. وتنقل فيها بين محافظات عراقية، يوم كانت المحافظة ما تزال تسمى (لواء)، ليعمل في مستشفياتها.. أو ليكون نزيلا في سجونها بسبب ميوله السياسية التي لم تكن متوافقة مع توجهات الحكومات..
وفي سبعينات القرن العشرين أبحر القارب إلى بريطانيا للحصول على الإختصاص في حقل كان يومها جديداً على العلوم الطبية في العراق.. وهو الطب المهني.. فعاد بأعلى شهادة في ذلك الإختصاص وهي الدكتوراه، ليحملها مع شهادات أخرى ويعود بها إلى بلده الأم، ويحمل معها الأمل بأن العراق سيكون مُرحِباً بالكفاءات العلمية، وسينسى حاكموه أن فلاناً من الناس كان يحمل قبل عقدين من السنين إنتماءً سياسياً لا يتوافق مع الحزب الحاكم، وأنه كان قد تخلى عن هذا الإنتماء، مع أنه قد دفع ثمناً له سنين من شبابه قضاها في السجون..
عاد الطبيب يحمل الدكتوراه ليدرِّس إختصاصه في كلية الطب / جامعة بغداد لطلبة الدراسات الأولية والعليا، وليمتد في تقديم خدماته وإستشاراته العلمية إلى الوزارات والكليات الأخرى، وليستحدث الدراسات العليا في إختصاصه لأول مرة في العراق..
للأسف.. بقيت لعنة إنتمائه السياسي القديم تلاحقه، واستغلها بعض "الزملاء" للتضييق عليه والوشاية به، حتى اضطر، وهو بمرتبة الأستاذية، وقد تعدى الستين من العمر، إلى إحالة نفسه على التقاعد لأسباب صحية، وترك العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين..
شرع الأستاذ الطبيب.. المغترب حديثاً.. في العمل، ليبني تاريخه من جديد، ويؤسس لموقعه العلمي في بلده الثاني، بهمة شاب حديث التخرج.. وسرعان ما أدرك المجتمع العلمي في ميشيغين حيث ألقى القارب رحاله، أنَّ القادم الجديد يحمل في حقائبه الكثير من العلم والخبرة التي يمكن استثمارها والإستفادة منها.. فمنحه الفرصة للعمل.. فأبدع فيها لعقدين من الزمن حتى طلب الإحالة على التقاعد وهو قد تعدى الثمانين من عمره وبمرتبة أستاذ متمرس..
حين أرسى الأستاذ الطبيب مرساته في الوطن الجديد، لم ينسَ دجلة.. فبدأ بمد الجسور العلمية بين الجامعات الأمريكية، والجامعات والمؤسسات الصحية في العراق.. فيعقد المؤتمرات، ويكرر الزيارات، ويقدم المشاريع المشتركة، ويحاول أن يربط بين الأطباء والعلماء العراقيين في داخل العراق وخارجه لإدامة التواصل والتعاون بينهما..
هذه المقدمة تختصر ما ضمه الكتاب الذي طُرِح بين أيادي القراء قبل أيام بعنوان "مسيرة قارب من دجلة إلى ديترويت" بقلم الأستاذ الدكتور حكمت جميل عن سيرة حياته وعمله..
أما الصدفة التي هي خير من ميعاد.. فهي ما يخصني أنا كاتبة هذا المقال (د. ندى الورد) في هذا الموضوع..
عدت من خارج العراق بعد الحصول على شهادات الإختصاص في الصحة العامة / طب المجتمع، والتحقت للعمل في فرع طب المجتمع في كلية الطب / جامعة بغداد في صيف 1985.. أحسست بالغربة الشديدة خلال الأيام الأولى لإلتحاقي بالفرع.. لكن الدكتور حكمت سرعان ما دخل إلى غرفتي مرحباً بي وجلس ليعرفني بنفسه ويتحدث معي في مواضيع عامة بكل بساطة.. وكم كان هذا التصرف مؤثِّراً ومهذَّباً.. ولا أزال أذكره بكل إمتنان.. بدأت عندها علاقة زمالة وعمل وصداقة إمتدت إلى يومنا هذا.. مع أن مغادرته العراق في التسعينات وعدم توفر وسائل الإتصال لمن هم في العراق حينها قد أدت إلى تعثر تواصلنا.. لكن بفضل الله تعالى أصبحنا قادرين على إعادة التواصل مع الأصدقاء والأقرباء خارج الوطن بعد 2003 ودخول الإنترنت إلى حياتنا.. ثم غادرنا الوطن نحن أيضا..
في بداية عام 2021، وهذه هي الصدفة، وأنا أتابع أخبار أصدقائي على الفيسبوك وجدت منشورا للأستاذ الدكتور حكمت جميل يخبر الأصدقاء فيه عن نشر مذكراته على صفحته الألكترونية مع الرابط لتحميل المذكرات.. فقمت بتحميل الكتاب وبدأت مباشرة بقراءته لأكمله في أقل من يوم واحد.. ثم كتبت للأستاذ الدكتور حكمت لأخبره أن كتابه يحتاج إلى مراجعة لغوية.. وأنني مستعدة للقيام بهذه المهمة.. فأجابني مباشرة بأنه مسرور لهذا العرض وموافق عليه.. وبدأنا العمل في مراجعة فصول الجزء الأول ثم فصول الجزء الثاني.. وكان هذا للنسخة العربية من الكتاب..
كان الأستاذ الدكتور حكمت مهتما بأن يقرأ كتابه من هم من أصول عراقية وعربية من الذين يعيشون في المهاجر، وبالأخص الذين لا يقرأون العربية من الأولاد والأحفاد والأجيال الجديدة، الذين نشأوا في الغربة، لكي يطلعوا على تاريخ بلدهم الأم ويفهموا الأسباب التي دفعت آباءهم وأجدادهم إلى الهجرة.. فطلب مني أن أتولى ترجمة الكتاب إلى اللغة الإنكليزية، كون لغتي الإنكليزية متينة كما هي العربية.. فوافقت بكل سرور وفخر.. وقمت بهذا العمل وأنا هاوية للترجمة ولست محترفة لها.. وانتهينا بحمد الله من الترجمة والمراجعة والتصحيح في شهر أيلول / سبتمبر 2021..
نُشِر الكتاب بجزئيه الأول والثاني باللغتين العربية والإنكليزية على موقع أمازون وكما يلي:
- مسيرة قارب من دجلة إلى ديترويت
الجزء الأول - ما قبل الإغتراب عن العراق 1941 - 1996
حكمت جميل
- مسيرة قارب من دجلة إلى ديترويت
الجزء الثاني - ما بعد الإغتراب عن العراق إلى أمريكا 1997-2021
حكمت جميل
- A Voyage from the Tigris to Detroit
Part One - Pre-Expatriation from Iraq 1941- 1996
Hikmet Jamil
Adapted Translation: Dr. Nada Jawad Al Ward
- A Voyage from the Tigris to Detroit
Part Two - Post-Expatriation from Iraq to the USA 1997-2021
Hikmet Jamil
Adapted Translation: Dr. Nada Jawad Al Ward
كما تم نشر هذين الجزئين باللغة العربية بطبعة ورقية من قبل المكتبة العصرية في بغداد لصاحبها الدكتور أياد صادق القاموسي..
هذا الكتاب توثيق لسيرة حياة، كما هو توثيق لسنوات حاسمة في تاريخ الوطن الحبيب سياسياً واجتماعياً.. سنوات أدت أحداثها إلى ما نحن فيه اليوم من تشتت في أرجاء الأرض وإلى ما يعانيه بلدنا الأم، بسبب ما واجهه من إنقلابات وحروب ومغامرات طائشة.. وأجد أن من المفيد أن يقرأه الكبار من الذين عاصروا أحداثه، والشباب الذين لم يعاصروها..
أملنا أن ينهض البلد من كبوته بهمة الشباب الواعي المتطلع إلى مستقبل أفضل..
بقيت كلمة أخيرة.. فقد تبرع المؤلف والمترجمة بأرباح الكتاب إلى الجهات الخيرية في العراق..
759 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع