لانه جلال چرمگا
خبز جدتي
العبير المتميز يرتبط بالأشياء المميزة لكل منا ، وقد ترتبط في ذاكرتنا الأماكن بعبير نشمهُ و ينتاب قلوبنا حنين الى هذا المكان و كذلك الأشخاص !
و دائماً يحملنا هذا العبير لنسافر بقلوبنا الى ذكريات و تفاصيل قد نظن إننا نسيناها ، و لكنها جزء منا لانراهُ من زحمة الأيام و الحياة .
حيث تكون بمثابة رحلة زمنية الى ايامٍ عشناها و ذهبت مع رياح الزمن ، و لكن بقيت احداثها محفورة في زوايا ذاكرتنا و تخرج من زجاجتها كمارد و يستعرضها كشريطٍ سينمائي .
إنَ حاسة الشَم من اجمل و أروع الحواس التي لدى الإنسان ، ليس فقط لفائدتها على الجسم و لإستنشاق الروائح و تميزها ، و إنما تعتبر جواز سفر ينقلك الى الماضي و انت في مكانك ! لإننا نسافر بالتذوق و الشَم ! نسافر برائحة الكتب ، المطر ، القهوة و أزهار الياسمين.
و من أجمل تلك الروائح المميزة هي رائحة الخبز الطازج.
حيث لايوجد أشهى من رائحة الخبز الطازج في الصباح و هي تحمل معها رائحة ذكريات شهية تشبه رائحة الأوطان على ثياب المسافرين !
أذكر رائحة خبز جدتي من آخر الطريق و أنا عائدة الى البيت ، فقد كان هذا اليوم الذي تقرر فيه جدتي إعداد الخبز مميزاً بكل تفاصيلهِ ، و لهذا عندما أشمُ رائحة الخبز الساخن يمتلئ قلبي حنيناً لتفاصيل تلك الأيام الرائعة.
أن للخبزِ مفعولاً سحرياً عليّ ، لطالما توجهتُ و دون وعي كامل نحو اي مخبز في كل مدينة او قرية أزورها ، تصطادني رائحة الخبز! فأمشي بإتجاهه معتذرة ممن يشاركوني المشوار ! لا اقاوم هذا الإنجذاب و لو كلفني بضع دقائق إضافية.
علاقتي مع الخبز مركبة و متكاملة فيما تحمل من قصص ! لا رائحة في الدنيا تعادل عندي رائحة الخبز الطازج بما تحمله من دفئ و ذكريات .
إلى يومنا هذا لازلت لا اعرف لماذا تنتابني الفرحة حين أُشاهد ارغفة الخبز و هي تخرج من الفرن . و مازلت أسعد و إن تذكرت ذلك ! و لكنني أدركتُ إن هذا المنظر كان يستحق الشعور بالفرحة ! فرائحة الخبز تعني الشعور بالآمان و ان جدتي بصحتها و عافيتها لتصنع الخبز ، حيث كنت أسعدُ بمشاهدتها و هي تجهز العجينة بحُب و تسرد الأحاديث و القصص و كيف تعلمت اعدادهُ من والدتها ، كنتُ أجلسُ بجانبها لأحظى برغيفٍ مميز بالعسل و الجبن و هو ساخن .
اليوم ..! كُلما أشتاقُ الى جدتي التي رحلت او اشتاق الى الأيام الجميلة في بغداد و ذكريات الطفولة ، أذهبُ الى اي مخبزٍ في مدينتي الصغيرة أو أينما اكون و اطلبُ خبزاً او كعكاً و تغمرني السعادة ، حين يطلب مني البائع ان انتظر كي يخرج الخبز من الفرنِ و يبرُد ! اهزُ برأسي بفرح و انتظر كي اتنفس ملئ روحي رائحة الخبز ، رائحة البيت و الموقد و رائحة جدتي ، خبزها أحاديثها ،دفئ تفاصيلها و حكاياتها التي كانت تسردها بحُب .
انتظرُ بشغفٍ و بصبر أن احظى بقطعةٍ من الخبز المصنوع بحُب ، كيف اُفسرُ ان قطعة الخبز تلك من يد البائع تحتضن قلبي و تغلف روحي !
حينها ادركتُ انتي تقمصتُ روح جدتي و ورثتُ عنها حبها للخبزِ ، رائحتهِ و ذكرياتهِ .
سيظلُ عبيرُ الخبز مميزاً عندي ، و لحسن حظي الجميل إني اعيشُ في مدينة الخبز و الحبِ معاً ، فرنسا !
الگاردينيا: نفس المقالة بالفرنسية نشرت في احدى الصحف الفرنسية:
670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع