سحبان فيصل محجوب - مهندس استشاري
الكهرباء والسلسلة الحديد للعمري
في بداية عشرينيات القرن الماضي، عندما تقلد الملك فيصل الأول الحكم في العراق وردت إليه معلومات تفيد بتلكؤ بلدية بغداد بتقديم خدماتها وأن روائح الفساد قد فاحت منها.. طلب الملك، حينها، أن يختار رجل متعلم ومتمكن.. فوقع الاختيار على المرحوم أرشد العمري الذي كان قد عاد من إسطنبول، بعد تلقيه علوم الهندسة فيها، فأوكلت إليه مهمات إدارة البلدية لكنه اشترط أن يُمنح كامل الصلاحيات وأن لا يتدخل أحد في عمله فكان له ما أراد.. ذهب أرشد، مرة، الى مبنى بلدية بغداد ومعه سلسلة حديد وأقفال وأغلقه وأمر الموظفين الموجودين فيه بالمغادرة والذهاب الى بيوتهم، بعد ذلك سافر إلى الموصل، إثر هذا حدث لغط وكثرت الأحاديث بين الناس عن إقفال البلدية وهي المؤسسة الخدمية الأولى في أهميتها لتأمين حيز واسع من متطلبات الحياة لسكان العاصمة ووصل الأمر الى الملك فيصل، فاستدعى أرشد ليستفسر منه عن حقيقة ما حدث فما كان منه الا أن يذكره بالشروط المتفق عليها عند قبوله بإسناد المهمة اليه.. عندها قال له الملك: وللمرة الثانية لك ما تريد ..بعدها بأيام عاد المرحوم أرشد ومعه كابينة عمل كاملة جديدة ذات اختصاصات مختلفة أوكل إليها إدارة البلدية وتم تغيير اسمها الى أمانة العاصمة حيث أبدعت هذه الكابينة ومديرها في إنجاز الكثير من المشروعات الناجحة بأدواتها التنفيذية النزيهة…. فهل يا ترى أن معالجة أزمة الكهرباء المتفاقمة في العراق تستدعي حلًا مثل الذي جاء به أمين بغداد قبل مائة عام؟
على وفق الاداء العام للقائمين على خدمة الكهرباء في العراق اليوم ومنذ سنة الاحتلال ٢٠٠٣ وانعكاس ذلك على حالة المنظومة الوطنية للكهرباء وما نتج عنها من تردٍ وانهيار واضح في جوانبها كافة وما رافق ذلك من شبهات فساد كثيرة طالت ٢٦٥٤ موظفاً متهماً فيها منهم ٧ وزراء و٥ وكلاء وزارة و١٢٧ مديراً عاماً و٢٤٢٢ موظفاً دون درجة مدير عام - الأرقام آنفاً كانت قد ثبتت في الجدول رقم (٩) ضمن التقرير الخاص الذي أعدته اللجنة البرلمانية المشكلة مؤخراً والتي تولت تدقيق عقود وعمل وزارة الكهرباء.
قد يكون تصرف أمين العاصمة أرشد العمري المعين بإرادة ملكية، آنذاك، لا يخلو من إجراءات حادة بهدف الاصلاح المطلوب ولكن التعميم في قرار تسريح الموظفين كافة من دون استثناء لإبعاد الفاسد والمتلكئ منهم قد شمل أيضاً الموظفين الآخرين من أصحاب الخبرات والذين يتصفون بالحرص والنزاهة والمهنية والسيرة الحسنة.
وهذا يعد حكمًا مسبقًا بعيداً عن شروط العدالة وكان من الاجدر بصاحب القفل والسلسلة الحديد أن يذهب الى مقر عمله الجديد ومعه غربال له القدرة على عزل السيئين عن الخيرين معززاً العمل بقدرات وظيفية جديدة مضافة لتسيير شؤون دائرة البلدية كما يجب، نعم تحتاج دوائر قطاع الكهرباء وسائر المؤسسات العاملة ضمن الدولة (الرخوة) في العراق اليوم الى إجراء تدقيق محايد لسلوك العاملين فيها وإبعاد من كان سبباً في انهيار واقع الاداء وإحلال أصحاب الكفاءات الوطنية النزيهة الذين يتمتعون بمهارات مهنية عالية تمكنهم من النهوض بواقع هذه الدوائر بوتيرة عمل تحكمها الضوابط المعروفة للوظيفة العامة.
3150 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع