جابر الخيراللّه
أدلة تحريم الغناء ..... وفقهاء النَّكد...
ما إن تناهى إلى أسماعهم إن شيئاً من البهجة والفرح والغناء ستعلوا في بابل التاريخ حتى تحامى رجال الدين منتفخة أوداجهم بدعوى القداسة وحرمة الغناء في ديار نبوخذنصر وحمورابي وكإنهم كانوا أنبياء صالحين يعرفونهم ولا نعرفهم نحن!!!
من أين هذه القداسة التي تزعمونها ؟
ونبوخذنصر وحمورابي كانوا ملوكاً وثنيين!!!
ولماذا لا يطيب لكم غير حديث الموت وعذاب القبر وصب الرصاص في الآذان لكل من يستمع لقصيدة مغنّاة بصوت رقيق يدخل شغاف القلوب فينشغل قليلاً عن هموم الدنيا وعنكم؟
والسؤال ما حجية دليلكم ان الغناء من لَهْو الحديث؟
وما هو لَهْو الحديث أصلاً ؟
وهل يلزمنا ما قاله أبن عباس قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام عن تفسيره لمعنى لَهْو الحديث؟
لا بأس أن نتحدث قليلاً عن الغناء الذي يقول عنه فقهاء النَّكد إنه من لَهْو الحديث.....
أبرز دليل يسوقه فقهاء السنة والشيعة، الآية القرآنية الكريمة ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) لقمان ٦.
لَهّو الحديث لغة( هو ما يشغلك عمّا يهّمك، ولهو الحديث هو ما يلهي عن الحق، كالتغني بالشعر والملاهي والمزامير وكالحكايات الخرافية والقصص الداعية إلى الفسق ......، كل ذلك يشمله لهو الحديث.
إذاً ليس الغناء وأدوات الموسيقى فقط، بل والطرائف ( النكات) وما يتبعها من ضحك وسرور، والشعر، والحكايات الخرافية وحتى افلام الكارتون توم وجيري.....
للآية الكريمة المشار إليها سبب نزول، من المهم أن نعرفه، وما المقصود (عن سبيل اللّه) في الآية المباركة؟
سماحتهم يقولون: المقصود( عن سبيل اللّه ) في الآية الكريمة، إنها تعني ( القرآن الكريم ).
وعليه سيكون كل حديث لا يدور في هذا الفلك، فهو من مصاديق اللهو.......
أما سبب النزول فإليكم تفصيله، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، كان يشتري القينات - المغنيات - وكان لا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها : أطعميه وإسقيه وغنيه، ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وكان يشتري كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول : حديثي خير من حديث محمد، وكان يستهزىء بالقرآن وبمن آمن به.
النضر بن الحارث من أخبار الماضي السحيق، والإسلام اليوم ثاني أكبر ديانة في الكون والأسرع انتشاراً رغم كل الحيف الذي لحق به ولازال بسبب الحركات السلفية والتراثيين الذين يضيّقون على الناس حياتهم تحت دعاوى شتى .....ومع ذلك لا تقلقوا على اللّه، لأن اللّه لاينهزم، كل ما عليكم بسّطوا خطابكم ولا تبتكروا كل يوم موّالاً جديداً عن عقد الذنب الكامنة في قلوبكم وعقولكم.
اللّه عز وجل حدد طبيعة الحياة حينما ذكرها بقوله المبارك، ( أعلموا إنما الحياة الدنيا لهو ولعب وتفاخر .....)
هكذا هي الحياة، وكل ما مطلوب منا، أن نعيشها بتقوى، نستمتع بمباهجها دون إبتذال متجنبين الوقوع في المحرّمات التي حدّدها اللّه في كتابه الكريم (١٤ محرماً)، لا التي تخترعونها كل يوم حتى أضحت الحياة بسببكم جحيماً، فالشعور بالذنب يطرق ذهن أغلب الناس بسبب ما يسمعونه منكم كل يوم..... فالحياة جنة الكافر كما تقولون.....
كتب ذات يوم الدكتور المفكّر عبد الجبار الرفاعي حفظه اللّه ورعاه كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب يقول فيها (إن الحياة لا تطاق من دون مقدّس، كذلك لا تطاق حينما تتسع حدود المقدّس فتبتلع كل ما هو دنيوي وتخلع على كل ما هو دنيوي لباسا دينياً).
ومن الكلمات الرائعات للكاتب الكبير حُبّ اللّه المختار
أخلقوا البهجة والفرح والجمال
فهي اقوى الأسلحة
ضد التشدد الديني
والتخلف الذكوري
واقوى من كل مقالات التنويريين
وكل الفلسفة والأفكار
انها تغير مزاج الإنسان من داخله
والمزاج هو الذي يحدد نوع الأفكار المنتقاة.
في الختام أطرح هذا السؤال الذي أبحث عن جواب له.
يقول الفقهاء إن الإستماع للغناء حرام، وهذه الحرمة عامة تشمل الجميع، ولكنهم يقولون بجواز رقص الزوجة لزوجها......
فهل سترقص له رقصة الصُمْ والبُكمْ ؟
جابر الخيراللّه
الدانمارك ٢٠٢١/١٠/٢٨
933 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع