ادب ـ ترجمات - كوكتيل مجهول المؤلف اقاصيص غارسيا ماركيز المفضلة الخمس

                                                     

                       ترجمة : محمد سهيل احمد

        

 ادب ـ ترجمات - كوكتيل مجهول المؤلف اقاصيص غارسيا ماركيز المفضلة الخمس

لمناسبة المعرض المكرس لأعمال الروائي العالمي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز في كل من العاصمة الكولومبية بوغوتا والتشيلية سانتياغو ، تمكن الناقد الصحفي (سانتياغو ميوتس دوران ) ، وهو ابن واحد من أصدقاء الكاتب المقربين ، من جمع عدد من القصص المجهولة الانتساب والتي كان الكاتب الراحل يحرص على تدوينها او إعادة سردها للأصدقاء خلال المسار الأدبي لحياته . وفيما يلي نص المقال الذي قام (دوران )بنشره في إحدى الصحف اللاتينية عام 2001 لتقوم مجلة ( باريس ريفيو ) بنشره في احد أعدادها الأخيرة . أنجز الترجمة الشاعر الغواتيمالي ديفيد اونغر . عنوان المقالة الأصلي (مجهولة المؤلف ـ أقاصيص غارسيا ماركيز المفضلة الخمس ) :

سمعنا جميعا بذلك الصنف من القصص التي تتداول هنا وهناك والتي تتصف بكونها مجهولة المؤلف لكنها ماثلة في الحضور على الدوام . سمعت في يوم من الأيام ماركيز يروي واحدة من هذه النصوص لضيفه الشاعر المكسيكي ( ادولفو كاستانون ) . ونقرأ معا نص الأقصوصة :
" قرر زوج شاب وزوجته ، اثر ضيقهما بحياة المدينة ،النزوح الى الريف مع اثنين من كلاب الصيد . وفور استقرارهما في بيتهما الريفي الصغير ، تآلفا بسرعة مع جار وزوجته يمتلكان بستان فاكهة . وقد اعتادا تربية عدد من الأرانب . وذات صباح اخبر الزوجان الشابان جاريهما الجديدين عن رغبتهما بالذهاب الى المدينة حتى صبيحة الغد .تقضى الصباح في هدوء ، لكن في فترة العصر ، اقتحم كلبا الصيد المطبخ ومعهما أشلاء من ارانب كانت متدلية من بين الأسنان .فصدم الزوجان لذلك المنظر غير المتوقع وراحا يناقشان ما يعين عليه فعله كخطوة تالية .لقد أصيبا بالذعر غير انهما قضيا نهارهما وكأن شيئا لم يقع .وبعد أن أعادا الأرانب الى أقفاصها ، قفلا راجعين للبيت . وفي صبيحة اليوم التالي طرق الجاران الباب وكان كل منهما يحمل أرنبا ميتا في يده . وقبل أن يجد الجاران الجديدان ايما عذر يتذرعان به حول ما حدث من امر جعلهما يسهران الليل بطوله ، أعلن الجاران قائلين : " لقد عثرنا عليها ميتة في أقفاصها هذا الصباح لكننا اصبنا بالصدمة ذلك اننا ومنذ الأمس كنا قد قمنا بدفنها في الحديقة "
الحانة الأسعد
وأتذكر قصة أخرى كسابقتها رواها ابي (الفارو ميوتس) قبل بضع سنين ومن يومها وأصدقاء الكاتب الراحل يرددونها : " غالبا ما استمع نيوتن فرايتاس وهو برازيلي عرف كيف يستمتع بحياته ، الى اثنين من أصدقائه كانا يخططان لرحلة الى بروكسل ، وهي مدينة اعتاد هو زيارتها في كل شهر .وقد أوصى بارتياد حانة جيدة كانت في رأيه الحانة الأسعد في الدنيا . وقد اخذ اثنان من اصدقائه بذلك الانطباع فانتهيا الى ارتياد تلك الحانة ، وكانت في الحقيقة مكانا شحيح الإنارة اعتاد رواده التحادث فيما بينهم بطريقة الهمس . وفي الواقع لم يكن ثمة ما يوحي بالعيب حول أمر تلك الحانة بحيث حسبوا انهم دخلوا الحانة الخطأ وحين عادوا الى الفندق ، استدعوا نيوتن للتيقن من انهما دخلا المكان المقصود . إنها هي . قال نيوتن وسألتقيكما هناك يوم الجمعة دون ان يمنحهما فرصة النطق بأيما كلمة مضافة . وفي يوم الجمعة عاد صديقاه الى تلك الحانة التي كانت باعثة على الإحباط أكثر من أي يوم خلا ، كما لو ان الندل فيها كانوا يسكبون الرمل في ساعة رملية . فكر الاثنان انهما اذا ما تناولا بضعة كؤوس من الويسكي ، ستضحي الحانة مكانا مفعما بالحياة غير أن الاكتئاب عاد ليستولي على المكان .وحين قدم نيوتن ، ناداهما من عتبة الباب وبصوت لا يخلو من ابتهاج ، فالتفت الجالسون وراحوا ينظرونه بفضول اذ انهم فور دخوله ، سارعوا الى التلويح بأيديهم تعبيرا عن الابتهاج مرددين اسمه .وهكذا وكما لو ان الحانة تعرضت الى لمسة سحر خفية ، تحول المكان الى أجمل بقعة في الدنيا . "
اعتقد ان ماركيز عاش حياته مترقبا لقصص كهذه القصص ، كيما يملأ بها أيامه ودفاتره . وقد اطلعت على العديد من مقتطفاته الصحفية لأجده يهتف أنْ وجدتها Eureka تلك الصرخة التي هتف بها ارخميدس اثناء اكتشافه العلمي المثير . وقد توقف ماركيز عند خمس قصص عبر خمسة عقود من تحرير المواد . وبالتأكيد فأن هذه النصوص كتبت من قبل مؤلفين مجهولين لتنسل بين الأيدي والأسماع كما ينزلق السمك عائدا للماء .
وفيما يلي مقتطع من عمود كتبه ماركيز في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1950 في صحيفة الاسبكتادور : " روى لي دانيال ارانجو هذا النص القصصي المدهش والذي اعجز عن ابقائه طي الكتمان : " توجه صبي عمره لم يكن يتجاوز الخمسة اعوام الى مركز للشرطة ، بعد ان أضاع امه في الزحام ، وراح يسأل ضابط المركز : هل صادفت سيدة تتجول هنا وهناك من دون ابن مثلي ؟ ! "
في آذار 1951 كتب ماركيز في صحيفة (الهيرالدو) : " قرأت خبرا في احدى الصحف التي توزع أعدادا منها في الطائرات يذكر بأنني انسخ ما يعجبني من أفضل الأقاصيص في العالم كلمة كلمة : " ماري جو عمرها سنتان وكانت تلهو في العتمة بعد ان أرغم أبواها السيد والسيدة ( مي ) على واحد من خيارين إما انقاذ حياة ابنتها او تركها تفقد بصرها لمدى الحياة . لقد تم اقتلاع عيني ماري في عيادة الدكتور ( مايو ) بعد ان شخص ستة من الأخصائيين اصابتها بالورم الشبكي الخبيث .وبعد مرور أربعة ايام على العملية الجراحية ، هتفت الفتاة : أمي ، لا استطيع ان استيقظ ! لا استطيع ان استيقظ ! "
بعد ثلاثين عاما كتب ماركيز في الصحيفة عن " مئات القصص التي كتبت او رويت من النوع غير القابل للنسيان الى الأبد : " لعلها أرواح الأدب في المطهر . بعضها جواهر حقيقية بطابع سياسي التقطتها الأذن البشرية على الطاير من دون ان يتم ذكر اسم المؤلف ، ذلك لأننا سمعنا القصة من دون ان نكلف أنفسنا عناء البحث عمن رواها . وما أنْ تنصرم برهة حتى نفقد اليقين بكوننا حلمنا بها . انني اعرف قارئا متفضلا سيأتي ويذكرني بمن ألـّف القصتين التاليتين اللتين زعزعتا قناعاتي خلال فترة شبابي المحموم " . انها الحكاية الحزينة لشخص بائس قذف بنفسه من الطابق العاشر في عمارة باتجاه الشارع ، وفيما كان يهبط من حالق ، أبصر عبر النوافذ مشاهد تودد حميمة بين الجيران ، وتلك التراجيديات الأسرية الضئيلة الشأن والعشاق السريين ، وتلك اللحظات القصيرة من السعادة التي لم تنتشر اخبارها ابعد من سلالم العمارة فيما كان يهوي الى الأسفل باتجاه الرصيف ، وإذا بوجهة نظره تتبدل تماما بأن الحياة التي كان سيمنحها للأبدية ، عبر باب زائف إنما تستحق ان تعاش ، قبل أي امر عداه " .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع