د .عامر الدليمي
نظره نحو الحداثة والتجديد في الفكر العروبي
عرفت الامة العربية برسالتها الانسانية فكانت زاخرة بالعلم والثقافة والأدب وتمتلك مقومات القوة المادية والمعنوية في محيطها العالمي وكان المفكرون العرب رواد نهضتها بالفلسفة والطب والرياضيات والكيمياء، واليوم من مشكلات العصر التي يواجها الانسان العربي في ثقافتنا الحديثة التداخل في المفاهيم والافكار للكتاب المفكرين والمثقفين العرب وعدم تطابق مدلولاتها ومعانيها والتعارض فيها وانعكاس ذلك على الفهم والادراك. فالاتفاق على آلية ومنهج معين وبالذات مايتعلق بالأمة ومصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لخدمة الانسانية وتحديا لأعدائها وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني وحلفائه، ان تحديد فكر جمعي يختص بمفهوم السلام والحرب والعدالة والوحدة وغرس افكار تقف على مسافة واحدة من حياتنا دون استقلالية او حيادية ومتلازمة مع ظروف الأمة وتبنيها صك عروبي لحل المشاكل المستعصية وفق تنظيم العلاقات بمفهوم شامل يواجه التحديات ليكون الفكر واضحا مفيدا. فالمعارك كثيرة ومتشعبة وخاصة بين تيارات الفكر في عصرنا الحديث، وكأولولية حتمية ايجاد حوار فكري عروبي حقيقي في حياتنا، إذ ليست المشكلة في طرف واحد او نظرة معينة فهناك اختلافات قد تكون متباعدة بين الفرقاء في اجتهاداتهم الفكرية والمفاهيمية والتي قد توسع الافكار وتنوعها، فالأمة تحتاج الى نهضتها القيام بمهام صعبة تستند لوعي عال وايمان عميق وتجرد عن الذات يؤسس لمفاهيم شاملة تقنع الجميع علما ومعرفة وثقافة عقائدية مستنيرة وتجربة فعلية لتعبئة شعبنا العربي وامتنا بها تعبئة سليمة في ميادين الجهاد الفكري على ارض العرب مستمدة روح الأداء من قضايانا العادلة فهي المحرك والمرتكز في تفاصيلها. فالمعركة في العصر الحديث هي معركة مصيرية لاتتمثل في جيلنا الحاضر بل جيل المستقبل ايضا لحمل راية الأمة و مواصلة طريق الحرية والتحرر والديمقراطية والأنسانية بكل مفاهيمها اساسها التحاور في الأفكار والأتفاق مع القوى الخيرة فيها دون تجاوز او تهميش كحالة جديدة تسمو على التقوقعات والارتدادات لتجديد الفكر العروبي وقيمه ومنظومته العقائدية لتتلائم مع تطور الحياة.
إن جهاد المفكرين الحقيقي للتجديد ليس له مقياس او حدود عند تمنطقهم بالأخلاص والأداء العالي مع اليقين بطرد اليأس من ساحة النضال الفكري العربي والشعور العميق بقانونية قضايانا الأنسانية في الحداثة والتجديد نحو التحرر الشامل.
فالحداثة والتجديد في الفكر القومي تتطلب نظرة واقعية تفحصية الموقف من الامور التالية :
1_ الحداثة والتجديد والديمقراطية
من الصعوبة اجراء عملية تجديد في الفكر العربي مع تعدد المنظمات التي تتبنى هذا الفكر لأختلاف مناهجها الفكرية والايديولوجية والسياسية التي اوصلت الشارع والجماهير العربية الى احتراب فكري وسياسي في فترات من الزمن ادت الى ضعف الحركة القومية العربية وتشتت قواها الشعبية، اما تغييب العمل الديمقراطي قسرا من الانظمة الاستبدادية التي لا تؤمن بها او التجديد الفكري ستكون حائلا دون التطلع نحوهما واعلانها حربا من خلال ما تمتلكه من امكانيات لمصادرة الوعي الجمعي التجديدي الديمقراطي.
2_ توحد الفكر الجمعي
إن انغلاق الفكر الجمعي لمدرسة فكرية او حركة سياسية تحتاج الى انفتاح حقيقي على الأفكار وألاراء التحديثية التجديدية في محيطنا العربي للتلاقي في المنهاج و الاجماع وغيرهما تحقيقا لوحدة فكرية عروبية اساسها العمل الديمقراطي وقاعدتها جماهير امتنا العربية.
3_ دور الايديولوجيات العربية
الايديولوجيات ومن يتبناها بحاجة الى مراجعة فكرية عامة ومحاولة ارتقاء فيها الى قاعدة تفاهمات للخروج بها لعالم فكري اوسع تتوائم وضروريات الحالة العامة التي تمر بها الأمة لتبني وتعميق الايجابيات فيها وتخطي السلبيات والعثرات وتجاوزها نحو فكر عروبي شامل يسع مساحة الأمة ارضا وشعبا ومصالح قومية.
4_ ازمة المفكرون والمثقفون العرب
المثقفون والمفكرون و الوطنيون يتحملون جزءا من المسؤولية التأريخية لأنهم مؤهلين من خلال فهمهم للأحداث التي تعصف بها الأمة مع دعوتهم تبني افكار وثقافات تغادر مشاكل المجتمع العربي مما يعانيه وكضرورة للبحث فيها من خلال رؤيا لمستقبل عروبي موحد للخروج من ازمته الحالية، ويتحمل المثقف العربي جهد انساني وتأريخي لقراءة وضع الأمة العام من كل الجوانب وتنشيط حركته لتجديد الخطاب العربي و رسم الطريق لتكون امتنا قادرة على الحياة واستمراريتها بفاعلية وثقة عالية و مستقبل افضل ومن اللازم ان لا يجهد نفسه للتفكير ضمن اطر اقليمية ضيقة حتى وان حقق نجاحات في مساحة او مسألة معينة ومن انجح الأعمال انطلاقه في فضاءات عربية واسعة تحقق انسانية المجتمع العربي توافقا وتاريخ الامة وتتداخل و تتكامل فيها المصالح لخدمة مشروع عربي يساهم بتطويرها نحو الحداثة والتجديد، فالمثقفون هم قادة الفكر فيها ويرسمون طريق نهضتها لتتساوق مع الأمم الاخرى في مجالات الحياة.
5_ ازمة المسار الديمقراطي
الديمقراطية ممارسة حرية التعبير في الرأي و الفكر والمعتقد والأنتماء ايا كان سياسي اجتماعي او ديني.. ولاتعني دون ضوابط او محددات وإلا ستكون ديمقراطية عبثية لم يفهم مضمونها او مفهومها سوى الأسم فقط، فالتثقيف جزء من العمل الديمقراطي بألاتجاه السليم لخدمة المجتمع وليس تثقيفا مغلقا يولد انكفاء في المسار الديمقراطي لعملية الحداثة والتجديد او تثقيفا لمحاربة الآخرين في افكارهم وطروحاتهم وبرامجهم، ف اعتماد الحوار الموضوعي وفقا لرؤيا واضحة للأزمات إن وجدت وحلها حسب الأولويات الضرورية هي تجاوز لأزمة المسار الديمقراطي.
6_ الحداثة والتجديد ومؤسسات المجتمع العربي
تحتاج الحداثة والتجديد الى جهد كبير ومتواصل يبدأ من المؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية والمنظمات الشبابية كبناء من الاسفل الى الاعلى وليس العكس لتأسيس قاعدة اجتماعية واسعة لمفاهيم جديدة في الفكر العربي الديمقراطي كممارسة لعمل ضمن اطار القانون الانساني وحقوق الانسان للتعبير عن الافكار والآراء تحقق سلوك جمعي ومشاركة حقيقية في التطبيق والتنفيذ والعمل ضمن اطر حديثة متجددة.
7_ التحديث والتجديد والعدالة الاجتماعية
لانعتقد ان التحديث والتجديد بعيد عن العدالة الاجتماعية و كما يفهم منها عدم تحجيم او تقزيم اية فكرة ايجابية يطلقها انسان او يؤمن بها ... فالعدالة من اسس الدعوة للتحديث والتجديد فكلاهما العدالة والتحديث مصطلحين او مفهومين كل منهما يكمل الاخر ويقصد به صعوبة امكانية التحديث إلا بوجود العدالة الاجتماعية التي يجب ان يتمتع ويتسلح بها المفكرين والمثقفين في عالم الثقافة والوعي وهي من مقومات العدل والانصاف.
فممثلين الامة العربية من النخب القيادية و مفكريها وعلمائها وكبار مثقفيها تحشيد الطاقات للنفير والتغيير الموصل الى نهضة حقيقية رائدها العقل والقوة الذاتية المؤمنة برسالة الامة ووجودها كأمة حية ومن لزومياتها القفز فوق السطحيات والأنانيات وألاخطاء لتعود لمنظومتها الفكرية العربية التي هي اساس نهضتها الحقيقية في انقلاب جذري في الحياة لمراجعة تراثها من مختلف جوانبه الفكرية والعقائدية تجسدها نخبة مستنيرة مخلصة واعية وحركة تغييرية جماهيرية شاملة للخلاص من مظاهر الظلم والاستبداد والرجعية والخيانة والعمالة والفساد .
د . عامر الدليمي
قانون دولي عام.
861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع