د.حازم الشيخ الراوي
الأمة العربية ومقومات وجودها
مقدمة
تحديات شديدة، ومؤامرات عديدة، تعتري مسيرة امتنا، عبر خطط دهاليز الظلام، وخلف كواليس الشر، التي لا يهدأ لها بال حتى ترى امتنا بهذا الحال.
ثقافة مفروضة، وعادات مرفوضة، تستهدف شخصية شبابنا، عبر الإعلام المهيمن والمبرمج، من خلال الشبكات الفضائية والعنكبوتية، لتدخل إلى بيوتاتنا دون استئذان، فتتدخل بحياتهم في محاولة لتبديل تقاليد الأسرة العربية إلى الثقافة المستوردة اللعينة والوصول إلى المزيد من الاندحار والانحدار لامتنا التي تدحرجت اليوم وللأسف الشديد إلى أخطر مراحل انتكاستها فتصبح في أسوأ مكانة بين شعوب المعمورة بعد ان سقطت، بل أسقطت نفسها في عمق هوة التفرق والتمزق.
وبالرغم من حجم التحديات وتأثيرها الانعكاسي السلبي الكبير، وبالرغم مما نحن فيه من واقع صعب، بل خطير، فلعل أول ما يطمئننا على امتنا، أن العناية الإلهية التي تحف بها، ومقومات وجودها كفيلتان بان تنهض بها الى مصافي سماتها وجمال خصائصها.
فأمة العرب، هي امة الحضارة، امة العلم، امة التاريخ المجيد، وهي امة الوحدة، وهي امة العقيدة الحقة، وهي امة الوسطية والاعتدال، وهي امة التكافل الاجتماعي، وهي امة الفتوحات والتحرير، وهي امة الصبر والمطاولة والتواصل، كما أنها امة الترابط القومي.
وهي الأمة التي تتمتع ببناء معنوي رصين مرتكز على أسس ومقومات متنوعة، حتى جاء الإسلام الحنيف فاعزها الله به وأوكل لها مهمة رفع رايته في ربوع الأرض. فتمكن أجدادنا العظام من اجتياز الصحاري والجبال والوديان، وركبوا البحر، وقهروا الحديد والصعاب، بعزم لا يلين وبحزم لا يستكين، حتى نشروا الإسلام في اغلب بقاع هذه المعمورة عبر ثمانين عاما من الفتوحات الإسلامية وحركات التحرير المتواصلة لينقذوا الإنسان من عبادة الأوثان، ويحرروا الأوطان من العبودية والطغيان من سيبريا شمالا حتى المحيط الهندي جنوبا، ومن الصين شرقا حتى فرنسا غربا.
وقد حظيت الأمة العربية بتكريم الله عز وجل عندما أشاد بها من خلال نزول القران الكريم بلغتنا العربية الجميلة على النبي العربي صلى الله عليه وسلم. كما ورد العديد من النصوص القرآنية الكريمة لدعم العرب كما في قوله تعالى في الآية 2 من سورة يوسف (إنا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون) وقوله سبحانه في الآية 37 الرعد (وكذلك أنزلناه حكما عربيا)، وقوله عز وجل في الآية 103 النحل (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)، وقوله تعالى في الآية 113 طه (وكذلك أنزلناه قرانا عربيا)، والآية 28 الزمر (قرانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)، والآية 3 فصلت (كتاب فصلت آياته قرانا عربيا لقوم يعلمون) ، والآية 7 الشورى (وكذلك أوحينا إليك قرانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير)، والآية 3 الزخرف (إنا جعلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون)، والآية 12 الاحقاف (وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين).
أهمية البحث
في ضوء ما وصلت اليه الأمة في العصر الراهن من خلل وزلل، تحلل وتفكك، تشرذم وتشظي، ان لم نقل تشتت وتفتت، تكمن أهمية هذا البحث من خلال الاجابة على السؤال التالي: هل ان القومية العربية هي نظرية ايدولوجية فلسفية عامة وعائمة ليس إلا كما يراها بعض المفكرين والفلاسفة، أم أنها ظاهرة تاريخية حية وحقيقة واقعة ومتواصلة؟ وهل أن مقومات النهوض والوحدة أو التوحد أو التوافق أو الاقتراب بين الدول العربية قد انقرضت أو في طريقها إلى الانقراض؟
ومن هنا سننطلق ببحثنا هذا لنطرق أبواب الحقيقة التاريخية للقومية العربية بعيدا عن الأفكار والنظريات الفكرية والفلسفية.
مفهوم الأمة
ان المفهوم العام للأمة يأتي بمعنى الجماعة في الغالب، وكما ورد في القران الكريم بقوله تعالى في الآية 23 القصص (ولما ورد مدين وجد عليه امة من الناس يسقون) إلا إنها وردت في القران الكريم أيضا بمعان أخرى، ومنها بمعنى الدين أو العقيدة كما في قوله عز وجل في الآية 23 الزخرف (إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون) وكذلك جاءت بمعنى الزمان كما في قوله سبحانه بالآية 8 هود (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة).
ولو أخذنا المعاني انفة الذكر لوجدناها تشكل عناصر أساسية لمقومات الأمة. عناصر تتفاعل وتترابط وتتحد فيما بينها، وتتأجج في نفوس أبناء الأمة بالرغم من كل التحديات والتهديدات والمؤامرات التي تعتريها. ففي الجماعة قوة، وفي الدين قيم، وفي الزمان تطور.
وبالطبع فان كل هذه المعاني تدخل في المعنى العام للقدرة الشاملة. فالقوة والقيم والتطور هي أعمدة القدرة الشاملة والمستمرة. نجد ذلك جليا في القوة التي تعنيها الجماعة كما جاء في الأمر الإلهي بقوله تعالى في الآية 46 الانفال (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، والريح هنا هي القوة.
كما نجدها جلية بمعنى الدين كما في قوله عز وجل في الآية 103 آل عمران (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . فالالتزام بالدين الحنيف وقيمه العظيمة ومبادئه السامية يفضي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة، وبالطبع فإن في الاتحاد قوة. وتلك هي القصة المعروفة التي تشير إلى أن العصا الواحدة سرعان ما تكسر بيسر وسهولة وبسرعة على العكس من العصي المتراصة والمترابطة مع بعضها فيصعب كسرها.
أما الزمان فيعني القوة المتنوعة والمتطورة والمتوافقة مع التطور الحاصل في الأزمنة المتلاحقة.
ولذا نجد ان الله سبحانه يأمرنا بتبني كل أنواع القوة للأمة كما في قوله تعالى في الآية 60 الانفال (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). والقوة الواردة في هذه الآية الكريمة جاءت مطلقة وغير مقيدة بنوع محدد من أنواع القوة. فقد تكون قوة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو نووية أو غيرها أو كلها مجتمعة مع بعضها البعض تفرضها معطيات ومتطلبات التطور الحاصل في الأزمنة المختلفة. وكما هو معروف فان الرهبة الواردة في هذه الآية القرآنية الكريمة(ترهبون) تعني الردع، أي الوصول إلى القدرة اللازمة لمنع العدو من تنفيذ نواياه. وهي أعلى مستويات القدرة. وعند الوصول إلى هذا المستوى فذلك يعني الوصول إلى أهم مرتكز من مقومات وجود الأمة.
العرب قبل وفي صدر الإسلام
كان العرب قبل الإسلام يتسمون بالأخلاق التي تمثلت بالشجاعة والكرم والصبر والكرامة والعزة والنخوة والعاطفة وقوة الذاكرة والحس المرهف.
وبالرغم من عدم توفر البعد الوحدوي الشامل للعرب آنذاك، إلا أن هناك العديد من السجايا والظروف التي كانت سائدة في المجتمع، والتي شكلت أسس مقومات الأمة وتوحدها. ومن هنا لا بد من قراءة التاريخ قراءة متمعنة وحية للتعرف على المكنونات النفسية والاجتماعية (ناصيف نصار، 222) والسياسية والاقتصادية. ومن خلال الوصف الموجز والسريع لتلك الظروف يمكننا التعرف على بذور هذه المقومات.
فعلى المستوى السياسي كانت جزيرة العرب عند ظهور الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحت خطر الغزو الأجنبي. فكان الأحباش قد استولوا عام 525م على اليمن التي لم تكن لغير ملوك العرب قبل ذلك التاريخ. وحين تمكن الفرس من طرد الأحباش من اليمن عام 597ميلادية أي قبل ظهور الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقليل، أضحى للفرس مرازبة في اليمن وحضرموت وعمان. (الطبري، 373).
وكانت الظروف السياسية الدولية عند ظهور الإسلام تتمثل بنشوب الحروب بين البيزنطيين والساسانيين، والتي تمكن الساسانيون فيها من دخول بلاد الشام واحتلالهم عام 614ميلادية مدينة القدس. ثم أصيبت الإمبراطورية البيزنطية بانتكاسة كبيرة أخرى بعد ان استولى الساسانيون على مصر، وبلوغ جيوشهم الساحل المقابل للقسطنطينية (إسطنبول اليوم) عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. (هيكل، 98) ثم عادت الكرة بعد حين للروم كما في قوله تعالى في سورة الروم (ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم). ومما يذكر ان مكة في خضم تلك الأحداث كانت تحرص على الحياد، فلا نجد ما يشير إلى أنها أدت أتاوة إلى أحد، ولم يتسلط عليها ملك. (ابن الفقيه، 18)
ومما ورد آنفا فان وجود القوتين الكبيرتين في ذلك الزمن، الفرس والروم، وتهديدهما للدولة العربية الإسلامية حديثة النشأة، تطلب تبني عقيدة دفاعية تعتمد على الأمة المقاتلة والنفير العام لمجابهة تلك التهديدات والتحديات، بنفس الوقت الذي يتم فيه تأمين مستلزمات المقدرة الكافية لنشر الدين الإسلامي الحنيف في ربوع الأرض.
ولتحقيق هذا الهدف لجأ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى العديد من السبل والأساليب. فعلى المستوى السياسي المحلي تبنى صلوات الله عليه نظاما سياسيا جديدا يرتكز على فرض الولاء الديني محل الولاء القبلي الذي كان سائدا في المجتمع العربي قبل الإسلام. فجمعت قبائل العرب تحت لواء الإسلام بعد ان ألف الله بين قلوبهم، وتم القضاء على العصبية القبلية (حسن، 194). وكما قال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم (ليس منا من دعا الى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) (السيوطي، 40) وبذلك زالت الفرقة القديمة وخضع الجميع للنظام السياسي الجديد القائم على الوحدة كأهم مقومات الأمة.
اما الجانب الاقتصادي الذي يشكل أحد دعائم ومقومات الأمة، فقد تم تبني اقتصادا قويا ومتينا منذ فجر الرسالة الإسلامية السمحة. فقد كان أهل مكة يحترفون التجارة. (ابن هشام، 188) حيث كانت مكة تفتقر إلى الماء بسبب عدم توفر الأمطار (ابن حوقل، 45) فافتقرت الى الزراعة وكما قال تعالى في الآية 37 ابراهيم (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع). بينما كان أهل المدينة يحترفون الزراعة (عون، 73) حيث ساعدت خصوبة التربة على النمو الزراعي، الأمر الذي جعلها من المراكز الزراعية آنذاك. (الأصطرخي، 53) فضلا عن كثرة نخيلها. (ابن حوقل، 25)
وتعتبر كل من التجارة والزراعة من أهم ركائز القوة الاقتصادية آنذاك. كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم قام حال هجرته إلى المدينة المنورة بإجراء المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بما يضمن تحقيق أعلى وأسمى درجات التكافل الاجتماعي. ومن ثم الاعتماد على نظام الزكاة كفرض وركن أساسي من أركان الإسلام يضمن توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء. وفي ذلك يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم (ان الله فرض على الأغنياء ما يكفي الفقراء. فان جاع الفقراء كان حقيقا على الله ان يحاسب أغنيائهم ويكبهم في نار جهنم على وجوههم) (اليعقوبي، 91)
وبالمقارنة بين ذلك العهد المجيد في استثمار الثروة وتوزيعها وتوظيفها لدعم الأمة بأسرها وبين الحياة الاقتصادية العربية اليوم نجد الفارق الكبير بعد ان بددت امتنا التي تطفو على بحار من البترول، فضلا عن الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، وتركتها لعبث العابثين من أعداء الأمة لتنتشر البطالة ويعم الفقر والجهل والمرض بين صفوف الأمة بعد ان هدم الأعداء كل مقومات هذه القوة الاقتصادية.
وفي المجال الاجتماعي فان الطبيعة الصحراوية التي عاش فيها العرب قبل الإسلام لم تكن تتقبل المجتمعات الكبيرة بل اعتمدت على التجمعات الصغيرة المتناثرة. فصارت الأحياء فيها متباعدة منتشرة هنا وهناك، كل حي مسئول عن حماية نفسه وعن وقاية أفراده من أذى الإنسان والطبيعة، لأنه إن لم يفعل ذلك، لم يجد من يدافع عنه أيام الشدة والعناء. ومن اجل ذلك أصبحت الشجاعة مقترنة بالقتال سمتين في البدوي نشأ عليهما وترعرع في كنفهما.
وقد ساد النظام القبلي حياة العرب قبل الإسلام نتيجة" العوامل الطبيعية والظروف القاهرة لتلك البيئة. وعاش العرب على شكل وحدات اجتماعية متعددة سبيلا إلى تجاوز ظروفهم الصعبة وتلبية احتياجاتهم الحياتية، أطلق على كل وحدة منها اسم (القبيلة) والتي عدت عماد الحياة في البادية، بها يحتمي الإعرابي في الدفاع عن نفسه وعن ماله.
وإذا تأملنا موقع بلاد العرب، بين ثلاث قوى متمثلة بالساسانية والبيزنطية والحبشية، ومحاولة كل منها إذكاء الفرقة والتشتت بين العرب، فان ذلك يكشف عن واحد من أسباب بقاء النظام القبلي حيا محفوظا بتقاليدهم وعاداتهم وأعرافهم ردحا من الزمن، فقد ساد هذا النظام مجتمعات البداوة والقرى والمدن، وسبب ذلك يكمن في ان "هؤلاء الناس وان تحضروا واستقروا وتركوا حياة البادية إلا أنهم بقوا برغم ذلك متمسكين بالانتساب إلى جد أعلى نسبت إليه القبيلة " (جواد علي، 313 ـ315).
والقبيلة هي الرابطة، الموحدة لأبنائها. وما كان الفرد يعرف إلا من خلال هويته القبلية، فلان الغطفاني، والشيباني، نسبة إلى قبائل غطفان وشيبان. فبقي النظام القبلي المبني على النسب معززا لوحدة الدم والارتباط العائلي، فكانت تقاليدهم وأعرافهم لا تسير خارج توجيهات النسب، إذ أعزوه وفخروا به لأنه، كبرياؤهم وشموخهم، وبلا شك، ان أول علم لديهم كان علم النسب فدونوا به مناقبهم وأخبارهم (الصاحبي،78)، وهو حبل الربط بالفرد ثم الأب والجد الأعلى، دلالة انتسابهم. وان أحد أسباب تمسك العرب بالنظام القبلي آنذاك يعود إلى كونه أحد أسباب الألفة والتماسك، فهم أحوج إلى ذلك، حيث كانوا قبائل متفرقة، فحفظوا أنسابهم ليكونوا متضافرين به ضد أعدائهم. (جرجي زيدان، 525).
واعتمد النظام القبلي بدرجة أساسية على رئيس القبيلة وهو أحد أبنائها الأقوياء الذي يتمتع عادة برجاحة العقل وحسن الخلق والشجاعة والكرم، وفي معظم الأحيان كان رئيس القبيلة قائدها في الحرب والسلم، ولعله يجمع خصالا تؤهله للسيادة على قومه، منها أصالة النسب والسخاء والنجدة، والصبر، والحلم، والتواضع. وعلى سيد القبيلة تقع واجبات غير قليلة. فعليه أن يفض النزاعات، ويحكم في الخلافات إذا لجأ إليه المتخاصمون، ويقسم الغنائم بين المحاربين.
ونظرا للحاجة إلى العدد. فقد رجح المجتمع القبلي الذكور على الإناث. ونجد في ولادة الذكر غبطة وأفراحا ونحرا للجزور ودعوة إلى الطعام بمناسبة أنجاب رجل المستقبل، وهنا تبرز دوافع القوة آنذاك في مجتمع لم يكن يقبل بالضعف والهوان.
وعمليا فان حالة الإنسان البدوي الخَلقية والخُلقية كانت تؤهله لأن يتمتع بروح معنوية عالية، فهو على العموم نحيف الجسم، متوسط القامة، ذو قدرة كبيرة على الصبر وتحمل المشاق الجسيمة من مشي طويل وغذاء يسير، وهو عصبي المزاج، مرهف الحس، سريع التهيـج يحب الحرية والمساواة ويكره الظلم، ويتميز بالنظرة الواقعية ودقة النظر وقوة الذاكرة. (العلي، 27)
وقد كان للصحراء، موطنه أثر واضح في تكوين هذه البنية الجسدية، وهذا التكوين العقلي والنفسي، فلا يتعدى طعامه اليومي قليلا من التمر وشيئا من الدقيق او الذرة ممزوجة بالماء أو الحليب فأمدته بالصبر والجلد واللذين يمكنانه من العيش حيث يكاد يهلك كل شيء. (فيليب حتى، 30)
وكانت أيام العرب ومعاركها قد ألهبت عواطف الشاعر العربي قبل الإسلام، والشاعر كان بمثابة مؤرخ القبيلة. وكانت (أيام العرب) تعد مفاخر القبائل، فكان الرواة والشعراء يتعصبون لقبائلهم في عرض هذه الأيام يرفعون من مستوى الروح المعنوية في نفوس أبناء قومهم.
وقد تم تعديل أو توظيف السجايا والظروف بعد بزوغ فجر الإسلام. فجاءت العقيدة الإسلامية لترسم ملامح الحياة الجديدة بكل ميادينها وأبعادها. فانبثقت مقومات الأمة من هذه العقيدة الجديدة في المجتمع بدلا من العصبية القبلية والولاء القبلي. فاعتمدت معايير جديدة تقوم على أساس المساواة والتقوى بغض النظر عن الأصل وتمثلت البداية في اعتبار المؤمنين إخوة كما جاء في الآية 10 الحجرات بقوله تعالى" إنما المؤمنون إخوة " . وبذلك تم القضاء على العلاقات والتقاليد التي كانت تسود مجتمع ما قبل الإسلام والمتضمنة نصرة الأخ وابن العم ظالما أو مظلوما لمجرد الانتماء القبلي وأخذت تستند إلى الانتماء الديني. وبهذا فقد وحد الإسلام فرقة العرب، وهذب نفوسهم وأعطى مقومات بنائهم مفهوما جديدا من خلال الدفق الجديد من الدعم.
وجاءت العقيدة الإسلامية كعقد بين القلب والضمير من ناحية وبينها والإسلام الحنيف من ناحية أخرى وارتكزت هذه العقيدة على مرتكز الإيمان بشكل أساسي والذي يعبر عن الصلة بين الإنسان وبين الله عز وجل. بأركانه الستة: إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره.
والإيمان لغة يعني التصديق (الرازي، 46) وهو نقيض الكفر، وبدون الإيمان لا وجود للعقيدة، والعقيدة مقصودة في القلب الذي هو أشرف ما في الإنسان، وان أشرف ما في هذا القلب هو الإيمان (السيد سابق، 79) الذي هو التصديق بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر. (الغزالي، 109)
والإيمان يعزز من شجاعة المسلم للتغلب على عامل الخوف من الموت مستلهما قوله تعالى في الآية 49 من سورة يونس" إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". وقوله عز وجل في الآية 78 النساء " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "، وقوله تعالى في الآية 145 من آل عمران " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ".
ومن ناحية أخرى فان الإيمان هو المصدر الأول للإرادة الصلبة، فلا إرادة لمن لا أيمان له، ولا إيمان لمن لا ثقة له بنفسه، فعندما تتكامل هذه الصفات في الذات البشرية، تنتج الصبر، فيصبح الإنسان ذا طاقة هائلة تتحدى المحال. وقد ركز الإسلام على الصبر بوصفه نصف الإيمان. (الراوي، 39) وهكذا يتبين لنا سر قوة الإيمان في صدر الإسلام. فالاعتقاد بأن الله عز وجل أعظم من كل عظيم وأكبر من كل كبير وهو الرازق والناصر يفضي إلى مد الأمة بالقوة وبمقومات وجودها.
أما الجهاد الذي نسمع اليوم تشويها وتزييفا وتغليفا له ولمعناه الحقيقي وأهدافه السامية فقد كان هو الآخر من مقومات الأمة. وهو يأتي بمعاني عديدة منها جهاد بالمال وجهاد بالنفس وجهاد باللسان وغيرها فضلا عن الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس ضد مغريات الحياة الدنيا من أجل الحفاظ على القيم النبيلة.
وقبل الحديث عن الجهاد بمعنى القتال، لابد من إيضاح الصورة الحقيقية له، والتي تؤكد على سماحة شريعتنا الإسلامية التي تنطلق أساسا من الحكمة والشفافية والإقناع والاعتدال. فالجهاد بمعنى القتال لا يعني الاعتداء على الآخرين كما في قوله تعالى في الآية 190 من سورة البقرة " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ". ولذلك فالجهاد بمعنى القتال يصح فقط عندما يعتدي الأعداء ويغتصبوا ارض الإسلام، ولا يحتمل معنى الاعتداء على الآخرين أيا تكن دياناتهم وعقائدهم، بل إن الحكمة والحوار والإقناع هي السبيل الأول الصحيح في منهج الإسلام لنشر الدين الإسلامي والقيم العظيمة والمثل السامية بدلا من العنف والغلو والتطرف بحكم قولـه تعالى في الآية 125 من سورة النحل" أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". والحكمة هي ثمرة العلم المعزز بالتجربة، وبالتالي فان مصدرها العقل، والعقل أعظم نعمة من نعم الله على هذا الإنسان الذي خلقه سبحانه في أحسن تقويم" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "(التين، 4)
هذا العقل البشري الذي وضعه الله عز وجل في أعلى سمة الرأس ليكون أولا موقعا للسجود استجابة لأمر الله تعالى وحبا وطمعا وخوفا، بنفس الوقت الذي يعبر فيه هذا الموقع من الجسم عن عزة وكرامة هذا الإنسان بهذا الوسام الإلهي. والعقل هو الحكم الذي يميز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، بين الخطأ والصواب، فيميز بين المتناقضات على طريق اتخاذ الإنسان لقراره..
ولما كان العقل هو الحكم، فهو إذن مصدر للحكمة ومن يتمتع بحكمة العقل فهو العاقل الذي يجني الخير الكثير بحكم قوله تعالى في الآية 269 من سورة البقرة" ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا". والحكمة هي مركز ثقل التوازن، والتوازن من الميزان، فهو لا ينحاز إلى طرف دون آخر إلا بعد التدقيق والتحقيق والتمحيص، أي أنه لا يتطرف ولا يتصرف إلا بالحكمة. والميزان هو العدل، والعدل مصدرا للاعتدال، والحكمة والميزان والعدل ترتكز بثقلها دائما على الوسط وليس على الأطراف. إذن فالوسطية والاعتدال من الحكمة والعدل، وهي منهج من مناهج الإسلام الحنيف. ولعل السنة النبوية الشريفة أخذت على هذا المنهج منذ أن بدأت رسائل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ترسل إلى زعماء الروم والفرس والحبشة والأقباط وغيرهم تدعوهم إلى الإسلام، وحتى انتهاء عمليات التحرير عبر ثمانين عاما متواصلة من الفتوحات الإسلامية. فكان المنهج يدعو أولا إلى دخول الإسلام بالإقناع والموعظة الحسنة وبحسن التعبير والتصرف، وفي حالة الرفض تفرض الجزية، ولعل آخر دواء كان القتال.
الصراع بين المقومات والتحديات
يبرز الصراع واضحا وكبيرا بين إرادتين متناقضتين لا يمكن التوفيق بينهما. إرادة دفاعية تتمثل في الركائز والأسس التي شكلت مقومات الأمة، وبين قوة هجومية تمثلت في التحديات التي تستهدف تهديم هذه الركائز وتهشيم هوية الأمة وتحطيم كل أواصر الارتباط الضامنة للبقاء ضمن المنظومة العربية الواحدة.
وتتسارع التحديات ضد الأمة بشتى الوسائل والأساليب. فالعدو الصهيوني ينتهج إستراتيجية شد وبتر الأطراف. أي بإقامة علاقات إستراتيجية مع الدول المجاورة للوطن العربي لاستخدامها في الضغط عند الحاجة بإستراتيجية الشد. أما إستراتيجية البتر فتزرع من خلالها بؤر داخل كل الأقطار العربية من اجل إيقاف نهضتها وتشتيت قدراتها. ومشروع الشرق الأوسط يهدف إلى طمس الهوية العربية. والغزو الثقافي والفضائي والعنكبوتي يستهدف تخريب النفوس وتدمير القيم والتقاليد.
ولكننا وبالرغم من هول هذا الصراع وحجمه ونمطه، وطبيعة وخطورة التحديات والتهديدات، وبعودتنا إلى القراءة الصحيحة لمقومات الأمة، نرى القدرة تتجلى في العديد من عناصرها. ومنها وحدة الدم واللغة ووحدة الأرض ووحدة التاريخ والأصالة والثقافة ووحدة الدين ووحدة المصير المشترك ووحدة الآمال والآلام بل حتى في وحدة المشاعر تجاه الأمة.
كما ان من مقومات الأمة أنها امة القيم النبيلة والمثل العظيمة قال تعالى في الآية 110 من آل عمران (كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). وهي امة الوسطية والاعتدال قال تعالى في الآية 143 من سورة البقرة (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) . كما أنها امة التكافل الاجتماعي بإقرار نظام الزكاة، كأسمى نظام اقتصادي على الإطلاق.
وهي امة الصحابة الكرام والقادة العظام. فذاك هو سيدنا الصديق أبو بكر والفاروق عمر وذو النورين عثمان والكرار علي رضوان الله عليهم. وذاك هو خالد بن الوليد الذي لم يخسر أي معركة وهد كيان إمبراطورية الروم، وسعد بن أبي وقاص الذي كسر شوكة الإمبراطورية الفارسية، وأبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة، وعمرو بن العاص داهية العرب، والقعقاع بن عمرو رجل المهمات الصعبة، والنعمان بن مقرن فاتح الشرق في نهاوند، ومحمد بن القاسم الثقفي محرر الهند والباكستان، وعقبة بن نافع فاتح المغرب العربي، وطارق بن زياد الذي ركب البحر إلى اسبانيا، وعبد الرحمن الغافقي الذي فتح فرنسا، وموسى بن نصير الذي كان يركب الفرس بدون ركاب وهو في الثانية والثمانين من عمره ويتنقل به من أواسط أفريقيا إلى أوربا. وذاك هو صلاح الدين الأيوبي محرر القدس وسيف الدين قطز الذي دحر حملات التتار ضد الأمة وغيرهم الكثير والكثير.
وأمة العرب هي امة الحضارة والعلم فتلك هي حضارة اليمن ووادي الرافدين ووادي النيل التي تعتبر من أقدم الحضارات الإنسانية في العالم على الإطلاق. ومنها انطلقت القوانين البشرية والعلوم والعلاقات الدولية وأنظمة الحياة المختلفة. واستمرت امة العرب بتألقها ونهوضها الحضاري. فاثبت العرب بعد الإسلام أنهم أصحاب الخطوات الأولى في العلوم الرياضية والفيزيائية والطب والفلك. فذاك هو الخوارزمي وعلوم الرياضيات والحاسوب، وذاك هو الفارابي وعلوم الفلسفة، والرازي وعلوم الطب، وذاك هو الإدريسي وعلوم الفلك، وغيرهم الكثير.
ولعل الانتماء القومي والديني لدى المواطن العربي بشكل عام وفي شتى أقطار الوطن العربي يشكلان مرتكز أساسي آخر من مقومات الأمة. فالقومية العربية والحس الإسلامي الشمولي يتخطيان حدود الدولة القطرية (إيليا حريق، 28).
وإذا كان ابن منظور قد وصف الوطن في كتابه (لسان العرب) بأنه المنزل الذي نقيم فيه، وهو موطن الإنسان ومحله (ابن منظور، 451)، فان الوطن العربي هو موطن العرب بأسرهم. وهذه أيضا واحدة من أهم مقومات وجود الأمة.
هذا الوطن الكبير الذي تعرض عبر حقبات التاريخ المختلفة والمتلاحقة إلى تحديات متواصلة تنطوي على أسباب متنوعة منها تاريخية، جغرافية، واقتصادية. وتكمن الأسباب التاريخية في تلك المهمة العظمى التي أوكلها الله تعالى لأمة العرب في رفع راية الإسلام وحمل رسالته السامية إلى عموم بني البشر. وهذا ما أدى إلى خلق الحقد الدفين في نفوس بعض هؤلاء المستهدفين وأجيالهم اللاحقة ضد امتنا. أما الأسباب الجغرافية فلعلها تكمن في الموقع الاستراتيجي للوطن العربي الكائن بين آسيا وأوربا. وتكمن الأسباب الاقتصادية فيما تكتنزه ارض العرب من موارد طبيعية وفيرة وخاصة الطاقة منها، فأصبحت نقمة عليها بتكالب القوى العظمى والكبرى للاستحواذ عليها من خلال تسخير كل سبل الإضعاف والتمزيق لصفوف الأمة.
وقد أدى هذا الحال إلى نشوء تحالف وحشي خطير بين كل القوى الشريرة التي تتربص بأمتنا لتحقق هذا الهدف وإبقاء الأمة العربية في هذا الحال الذي نحن فيه الآن، حال الألم والقساوة والمرارة والشدة والضغط والمعاناة.
وإذا ما تمعنا في طبيعة وحجم ونمط المؤامرات المتواصلة التي تعرضت لها امتنا العربية من أعدائها لوجدناها عديدة ومتواصلة، حادة ومتنوعة، بل وخبيثة أيضا. ولعل ما نسمعه اليوم من نغمة جديدة في إشاعة المقولة التي تقول: (إن نظرية المؤامرة هي نظرية عقيمة وغير موجودة إلا في فكر من يعلقون مشاكلهم وعوقهم على شماعة هذه النظرية)، تمثل أخطر أنماط التآمر لإحباط أبناء الأمة وجعلهم ينساقون وراء مخططات الأعداء دون الوقوف بوجههم او اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية ضدهم.
وفي الوقت الراهن الذي نجد فيه أغلب دول العالم تسعى للتكاتف والتالف والاندماج والتوحد فان امة العرب تسير في خط التفرق والتنازع والتشرذم. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تتربع على عرش القطبية الدولية الواحدة اليوم هي في الأصل ولايات متفرقة اتحدت لتشكل هذه الدولة العظمى وتاريخ توحدها لا يزيد عن قرنين من الزمن.
أما الدول الأوربية المختلفة فيما بين شعوبها؛ لغة ودما وتاريخا وعملة وأعلاما، فإنها توحدت بكل شيء لتكون قوة سياسية واقتصادية وعسكرية عظمى. وحتى روسيا التي بقيت وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فإنها تسمى اليوم روسيا الاتحادية لاشتمالها على إحدى وعشرين جمهورية اتحدت مع بعضها.
فهل هذا يعني أن مقومات النهوض والوحدة أو التوحد أو التوافق أو الاقتراب قد انقرضت أو في طريقها إلى الانقراض؟
علينا ألا نبتئس ولا نقنط، فمقومات الأمة ومعطيات نهوضها قائمة ومدعمة من الله عز وجل. وإذا كانت المرحلة الراهنة تسجل كبوة لخيال ماهر فان القادم من الزمن سيؤشر العود المحمود لامتنا الخالدة لترتفع رايتها عالية خفاقة. ولعل ما تعرضت له امتنا عبر حقبات التاريخ القديم والحديث يؤشر إلى القدرة التي تمتعت بها في بقائها وانحلال واندثار أعدائها. هذه القدرة التي تكمن أحيانا فتضمر، وتنتفض أحيانا أخرى فتظهر.
وللتاريخ لسان يحدثنا عن اندحار، بل انحدار إمبراطورية فارس، مثلما يحدثنا عن اختفاء إمبراطورية الروم، وهكذا التتار والمغول فلم يعد لهم أثر. أما امتنا الخالدة فستبقى كذلك، دائمة، شامخة، كما أراد الله تعالى لها ان تكون.
ورحم الله الشاعر العربي المتفائل فخري البارودي الذي كتب تلك الكلمات العروبية الخالدة عام 1934م فقال:
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ دهاة الإنسِ والجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ
وغنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني
الخاتمة
القومية العربية ظاهرة تاريخية وحقيقة فطرية لازمت العرب منذ قبل الإسلام. إلا أنها لم تنطوي على الوحدة حتى جاء فجر الرسالة الإسلامية السمحة لتوحد امة العرب وتجعلهم سادة العالم بعد ان أعزهم الله بالإسلام وبالقران وبالقيم النبيلة والأخلاق القويمة.
وقد دعت وأكدت كل الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية على أهمية الوحدة ومقوماتها وفضائلها على مستوى الفرد والمجتمع. فالوحدة تحقق الأمن والازدهار والنمو، وتقوي أواصر المجتمع وتبعث في نفوس أبنائه المزيد من عوامل القدرة والإبداع للنهوض الحضاري.
والوحدة هي مصدر قوة للفرد والمجتمع، فبالوحدة تتحقق القدرة على النمو والتطور ومجابهة التحديات. وبالوحدة ينجز الدعم الإلهي للمجتمع فيد الله مع الجماعة. وفي الوحدة يسمو المجتمع فوق التعصب والتشرذم والتناحر ويتجاوز الفروقات الطبقية والديانات والأعراق.
وهكذا نجد إن الإسلام الحنيف قد حقق هذه الوحدة في أول دولة في المدينة المنورة التي أسس الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المجتمع على قواعد العدالة الاجتماعية. ومن فضائل الوحدة أنها تحقق رضا الله تعالى والحصول على نعمائه. فهي استجابة لله عز وجل في التعاون بين أبناء الشعب العربي الواحد وفق قوله تعالى في الآية 2 من المائدة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وإذا كانت الدول غير المتماثلة باللغة ونسب الدم والتقاليد والتاريخ المشترك، بل الدول التي سبق وان تحاربت فيما بينها قد توحدت، كما هو حال الاتحاد الأوربي فانضوت تحت علم واحد وحددت عملة واحدة، وفتحت حدودها مع بعضها واندمجت شعوبها في بوتقة واحدة وأضحت قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة. فان مجتمعنا العربي يشترك بكل مقومات الوحدة العربية الشاملة أو على اقل تقدير نقل الوحدة من ضمير الشعب العربي إلى الواقع العربي الرسمي بأية صيغة تدريجية وتراكمية ضمن محتوى مقومات وجود الأمة ونهوضها وقدرتها على مجابهة التحديات التي تستهدف كيانها وروحها وجسدها. وهو الهدف المنبثق من روح الإسلام الحنيف حيث إن السمة الأساسية للأمة هو التوحيد والوحدة. وقد جاءت العديد من الآيات القرآنية الكريمة لتؤكد هذه الحقيقة كما في قوله تعالى في الآية 52 المؤمنون (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
المراجع
1. القرآن الكريم
2. الاصطرخي، أبو اسحق إبراهيم بن محمد، المعروف بالكرخي، المسالك والممالك، تحقيق د. محمد جابر العال، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة, 1961م،
3. إيليا حريق، نشوء نظام الدولة في الوطن العربي، دراسة ضمن مجلد الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي، ج1, تحرير الدكتور غسان سلامة وآخرون، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989م.
4. البخاري (ت:256 هـ)، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، صحيح البخاري، مطابع الشعب، القاهرة، 1378 هـ.
5. أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ)، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، مسند الامام احمد، تحقيق شعيب الارناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، 2001
6. ابن حوقل، أبو القاسم النصيبي، صورة الأرض، مكتبة الحياة، بيروت، 1979م.
7. ابن الفقيه، أبو بكر احمد الهمداني، مختصر كتاب البلدان، مطبعة ليدن، 1302 هـ
8. ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، ج13، دار هادر، بيروت، 1968
9. ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، دار القلم، بيروت، (ب. ت)
10. جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، مطبعة الهلال، ج3، 1962م.
11. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، ط2، ج4, بيروت, 1977م.
12. حازم عبد القهار الراوي، الصبر والإقدام عند العرب، مطبعة الراية، بغداد، 1987م.
13. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، مكتبة النهضة المصرية، ج1، ط7، 1964م.
14. الرازي، أبو عبد الله الإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن، أسرار التنزيل وأنوار التأويل، تحقيق محمود احمد محمود وآخرون، بغداد، 1990.
15. السيد سابق، العقائد الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت، (ب. ت).
16. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن ابو بكر، تفسير الجلالين، تقديم وتعليق محمد كريم بن سعيد راجح، مكتبة النهضة، بغداد، (ب.ت).
17. الصاحبي، في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق مصطفى الشهويهي، مؤسسة بدران للطباعة والنشر، القاهرة، 1963م.
18. صالح احمد العلي، محاضرات في تاريخ العرب، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، ج3، 1981م.
19. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، مؤسسة عز الدين، ج2, ط2,
20. عبد الرؤوف عون، الفن الحربي في صدر الإسلام، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1961م,
21. الغزالي، الإمام أبو حامد محمد، إحياء علوم الدين، دار القلم، ط3, بيروت، (ب.ت).
22. فيليب حتى، تاريخ العرب، ط4, دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع، (ب.ت).
23. ناصيف نصار، الفلسفة في معركة الأيدلوجية، دار الطليعة، بيروت، 1989م
24. نوري حمودي القيسي، الفروسية في الشعر الجاهلي، مطابع دار التضامن، بغداد, 1964م,
25. هيكل، محمد حسين، حياة محمد صلى الله عليه وسلم، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1968م
26. اليعقوبي، احمد بن أبي يعقوب بن جعفر، تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت، ج2، 1960م.
706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع