عِبرةٌ من التاريخ... ما بين كوستاف لوبون وشيعة العراق.....

                                                    

                            جابر الخيراللّه

عِبرةٌ من التاريخ... ما بين كوستاف لوبون وشيعة العراق...

كوستاف لوبون مستشرق فرنسي يحترم الحضارة العربية وينظر لها بعين الإكبار والتقدير في كتابه الشهير حضارة العرب، ويعزو سبب سقوط الدولة العربية وانحطاط حضارتها لسبب متأصل في ثقافة العرب، كان نافعاً في دور فتوحاتهم الأولى، ولكنه سيغدوا بعد حين المعول الهدّام في إنهيارهم وتخلفهم الحضاري.

((يعزو لوبون سقوط الدولة العربية وانحطاط العرب إلى صفات العرب الحربية المتأصلة التي كانت نافعة في دور فتوحهم، فالعرب بعد إن تمَّت فتوحهم أخذ ميلهم إلى الإنقسام يبدو، وصارت دولتهم تتجزأ، وقوَّضوا كيانهم بسلاحهم أكثر مما قُوّض بسلاح الأمم الأخرى، ويعزو سبباً أخر لما حدث، هو قبض إناس من ذوي العقول المتوسطة على زمام دولتهم....)
كلماته رحمه اللّه مصداق حقيقي لواقع حال العراق الآن وشيعته وقبائله، شيعته الذين تسلموا السلطة بعد (الفتح الأمريكي) لبلادهم، وبدلاً عن بناء دولة حضارية وجيش وطني إنشغلوا ببناء جيوش ميلاشوية تتناكف حول كل أمر، إبتداء من الولاء للوطن مروراً بمرجعياتهم إدارياً أو تنظيمياً أو عقائدياً، فالخصومات مستعرة بينهم، والساذج من لا يعرف إن معظم النار من مستصغر الشرر، ولو وقع أمر مما نخشاه فإن سعير الحرب الأهلية ستبدو معها جهنم التي سمعنا عنها نزهة صيفية، لإن نزعة أجدادهم التي أشار لها المرحوم كوستاف لوبون لازلت تجري في عروقهم، وبدلاً عَمّا كان في أيدي أجدادهم من سيوف ورماح فإن الأحفاد يصنّعون صورايخاً وطائرات مسيّرة وربمّا تسمعون قريباً إنهم خبراء في الأسلحة الكيماوية أيضاً، والويل الويل لشعب العراق اذا كانوا يمثلون رؤية دول تحيط بالعراق......
هذا الأمر انسحب على قبائله التي تتفاخر بإجنحتها العسكرية حتى أضحى خبراً عادياً ان نسمع عن معارك القبائل والعشائر على أمور تافهة حدّ السذاجة، ولا أخفيكم ان الأمر يسير نحو الأسوء حينما نعرف ان في العشيرة الواحدة هناك أجنحة عسكرية عديدة تملك من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ما لا تصدقه العقول!!
تتفاخر بأجنحتها العسكرية عبر مواقع التواصل بلا أدنى خجل وكإنهم أضافوا للإنسانية والعلم مخترعات حديثة ومنجزات تخدم وجودهم وحياتهم وأمنهم وأستقرارهم......
من بديهيات التاريخ وسنن الأمم إن التطور أو الإنهيار لا يأتي بطرفة عين إنما تكون له مقدمات موضوعية، وأن الحضارات لا تبنيها البنادق وإنما تحمي منجزاتها، ومن لا يدرك فرص النجاح فلن يجد لفشله تبريراً سوى تأجيج الصراعات الداخلية تحت دعاوي فارغة.....
النقطة الثانية التي أشار لها المرحوم كوستاف لوبان هو قبض أناس من أصحاب العقول المتوسطة على زمام السلطة في دولة العرب .... وهنا، وللّه الحمد، فإن عراقنا وفير بمن أشار لهم المرحوم غوستاف لوبان، ولكم ان تتصورا الحال لو أعلمناه إننا نعاني وفرة من أصحاب العقول المتوسطة ووفرة بالغة من أصحاب العقول الخفيفة......
حفظ اللّه العراق وأهله ورحم اللّه كوستاف لوبون.

جابر الخيراللّه
الدانمارك ٢٠٢١/١٢/٥

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

874 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع