د.الهام الجواهري
الريشة وعصير العنب
سلكنا طريق النهر من البيت الى المقهى التي يرتادها يوميا بعد الرجوع من الدوام في دائرة الطابو العامة ومن ثم قيلولته بعد الغداء .
احببت ذلك الطريق الترابي المتعرج .
.. سعف النخيل واغصان اشجار البرتقال والنارنج تطل علينا من أطواف البساتين التي تمتد على جانبي الطريق الترابي بمحاذاة النهر الصغير .
مشينا الطريق صامتين .
يشدّ على كفي الصغيرة بقوة .
يمشي بخطوات كبيرة، فاتبعه راكضة .
يحني راسه لينظر اليّ مبتسما ..يخفف من سيره .. ارد عليه بابتسامة صغيرة .
يطول سيرنا ، فيشدّ اكثر على كفي الصغيرة بكفه الكبيرة القوية ويحني رأسه صوبي من جديد مبتسما .
افهم سؤاله دون ان يتكلم " هل تعبتِ يا صغيرتي ؟- سنصل قريبا ! " .
ارفع رأسي وارد ابتسامته .
يشدّ على كفي اكثر !
كنت انتظر هذه المسكة القوية المؤلمة نسبيا، كل اماسي الصيف الطويلة، فاحس بدفء حبه وحنانه .
تعاودني هذه الذكريات كنسمة عذبة جميلة كلما سرت بذلك الطريق جانب النهر .
.. نصل المقهى .
المقهى صغير ببضعة كراسٍ من جريد السعف وتخوت خشبية يتربع فوقها اناس، البعض منهم يدخن السجائر، آخرون يتكلمون و يضحكون او يتشاجرون بصوتٍ عالٍ .
اصدقائه كانوا بانتظاره .
.. الطويل النحيل ذو الرأس الغريب، بقوس من الشعرالجعد الذي يحوط صلعته وكانها ارض جرداء محاطة بالشوك ..سمعت من رفاقه، انه كان لا يسقي ارض رأسه بانتظام فاصبحت جرداء.
.. القصير السمين والذي كانت ازرار سترته المفتوحة دائما والتي تتهدل حول بطنه التي تشبه كرة كبيرة ، فلأنه لا يكف عن شرب الشاي اثناء وجوده في المقهى .
..أما الثالث ، فلماذا يضحك هكذا باستمرار ؟!! ..ألأنه يربح دائما في لعبة ( الطاولي ) بينهم، ام لأنه لا يدفع سعر الشاي بل يدفعه الاخرون ؟!
سالتُ :
- لماذا لا يدفع ؟!
اجاب الاخرون :
- على رأسه ريشة !
بقيت افتش عن الريشة دون جدوى، فلم استطع ايجادها فوق رأسه .
_ الشاي وعصير العنب رجاء . طلبَ من عامل المقهى .
انحنى عامل المقهى قائلا:
_ الشاي لك يا استاذ والعصير لك يا صغيرتي .
" عصير العنب الاسود يزيد من الذكاء ..اشرب قدح عصير العنب الاسود كل مساء ولم أر الريشة على رأسه ولا اين يخبأها ! ! ".
_ بابا !.. هل صحيح ان عصير العنب الاسود يزيد من الذكاء ؟
_ نعم يا بنيتي .
_ انا اشربه يوميا لكني لم اكتشف بعد مكان الريشة .
_ انهم يغشونه في المقهى فيخلطون عصير العنب بالشاي .
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع