وائل القيسي
منظـــومــة الــولـــي الفقيـــه .. حقيقتهـا واهـدافهــا
بعد قيام الثورة الإيرانية في نوفمبر عام 1979، حاصرت اعداد كبيرة من الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران واخذوا اكثر من خمسين دبلوماسيا أميركيا من السفارة كرهائن، وهي أزمة عُرِفت حينها بأزمة الرهائن الاميركان.
وبعد ( ٤٤٤ ) يوما أفرجت الحكومة الايرانية عن الرهائن، بوقت غريب يدعو للريبة والشك ، فقد حدث هذا قُبَيل تولي الرئيس الأميركي رونالد ريغان للرئاسة الأميركية انذاك، بعد أن اطاح بمنافسه جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية الأميركية .
فما وجه العلاقة في ذلك؟
في عام ٢٠٢٠ قامت صحيفة ال ( نيويورك تايمز ) الأميركية بنشر وثائق سرية تم رفع غطاء السرية عنها، تؤكد ان هنالك اتفاقا قد حصل بين ادارة حملة ريغان الإنتخابية وبين الحكومة الايرانية ينص على تأخير إطلاق سراح الرهائن الاميركان من قبل ايران لحين فوز رونالد ريغان من اجل ان تحسب عملية تحرير الرهائن كأنجاز ومكسب للرئيس ريغان ..
لكن ما هو المقابل؟!.
المقابل هو تزويد ايران بالأسلحة ليس بشكل مباشر وعلني إنما عن طريق اسرائيل ( الكيان الصهيوني ) عدو ايران الأول كما يدّعي ملالي طهران وعلى لسان الخميني آنذاك .
اذن هنا تكمن اللعبة، فمن جانب تعادي إيران الكيان الصهيوني ظاهرا ، وتدعي رغبتها بمحوه من الوجود ، ومن جانب آخر تتعاون معه سرّا للحصول على السلاح والدعم في محاربة العراق عام ١٩٨٠.
منذ بداية نشأة او قيام دولة الخميني في عام ١٩٧٩ أصبح لدى ايران آيديولوجية دينية خاصة، بدأت الترويج لها في المنطقة العربية، وخصوصا العراق ودول الخليج العربي، وفي ذات الوقت تتبنى حسب زعمها خط العداء العالمي للغرب وخصوصا أميركا والكيان الصهيوني ،كما عبر عن ذلك الخميني بقوله [ مادامت أميركا باقية كما هي، ومادامت اسرائيل في الوجود، فأننا لا يمكن أن نعيش معهم].
ربما يجد البعض غرابة في هذا الموقف، فكيف لدولة لديها آيديولوجية دينية، تسعى لنشرها ، وتظهر العداء لأميركا وإسرائيل؟!
فما علاقة ذلك التداخل وكيف يمكن فكّ الرموز واستجلاء الحقيقة ..
لتبسيط الموضوع اكثر من اجل حلّ الشفرة، نقول ان ايران دولة دينية كما تزعم هي، ولديها آيديولوجية دينية تريد نشرها، وحتما هذا يستوجب توسيع النفوذ والسيطرة وزيادة الرقعة الجغرافية لها ، ولا يمكنها تحقيق ذلك إلّا من خلال خلق عدو وهمي، تكسب من خلاله الدعم والتأييد.
ولابد من التأكيد ، ان ايران دولة دينية نشأت من رحم الإسلام السياسي، وهي كأي تيار يسعى لكسب التأييد الشعبي او الرسمي ( وربما كليهما ) خارج حدوده الجغرافية، لابدّ له من الترويج لفكرة خلق عدو، يضمن له وقوف الناس معه أو وراءه، بحجة ان هذا العدو يريد القضاء عليه وان آيديولوجيته هي المستهدفة من قبل ذلك العدو المصطنع، ومن خلال هذه اللعبة الخبيثة سيحضى بتأييد ودعم الناس الذين يصدقونه ويكنّون العداء للغرب.
إن هذه الالاعيب ليست جديدة ،فقد فعلها الخوارج في تمردهم على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن بعده على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما ادعوا انهم، اي الخوارج، أكثر اسلاما من الخلفاء الراشدين.
وكذلك عملها اليهودي الصهيوني ثيودور هرتزل عند تأسيسه للحركة الصهيونية لتوحيد يهود العالم مع فكرته، من خلال استغلال افكار وادعاءات اضطهاد اليهود والمحارق وافران الغاز وغير ذلك، بشكل كسب به تعاطف ودعم يهود العالم.
وكذلك فعلها لينين في الترويج للشيوعية ضد الغرب الرأسمالي ،وفعلها هتلر بترويجه للنازية، وغيرهم الكثير على مدار التأريخ البعيد والقريب.
أما ايران الخمينية، فقد اختارت فزّاعة أميركا والكيان الصهيوني ،وانها تحتاج للدعم والمساندة، باعتبار أن حربها المقدسة هي ضد العدو الأميركي_الصهيوني، بالرغم ان من الثابت تأريخيا، لم يضرب عمق تل أبيب إلّا القائد الشهيد صدام حسين ( رحمه الله ).
وتدعي إيران ذلك العداء المزعوم وهي تحتل ثلاثة جزر عربية من الإمارات العربية المتحدة وهي ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى ).
وتدعي ايران ذلك العداء الموهوم وتقوم بضرب أرامكو السعودية للنفط، بدلا من أن تضرب القواعد الأميركية الكثيرة والمنتشرة حولها وبالقرب منها.
وايران لديها فيلق كبير يسمى بفيلق القدس، الذي من المفترض أن يعمل ضد اسرائيل، بينما نجد ان ساحة عملياته محصورة في العراق ولبنان واليمن وسوريا والبحرين والبحر الأحمر وغيرها، ماعدا فلسطين ، بمعنى انها تقول الشئ وتفعل نقيضه على أرض الواقع.
وهي بهذا الشكل لا تعادي أميركا والكيان الصهيوني فعليا بل تستثمر هذه البروبوغاندا لكسب الدعم والتأييد حتى تنشر آيديولوجيتها التوسعية والعدوانية ضد الامتين العربية والإسلامية، وما موقفها من أذربيجان المسلمة وانحيازها لأرمينيا المسيحية في حربهما ببعيد.
إن مشروع ايران التوسعي في الشرق الأوسط يعتمد على جانبين :
الأول : هو تصدير فكرة الثورة الخمينية ( الأسلامية ).
الثاني : سعيها لنشر المذهب الشيعي الذي يتلائم مع توجهاته ومصالحها.
وهذا واضح جدا، حيث إنها لا تستطيع التوسع والسيطرة من خلال الاحتلال العسكري المباشر ، لكنها تسعى لتحقيقه من خلال دعم وتمكين موالين وعملاء لها من شعوب تلك الدول، وتمكينهم من حكم تلك الدول التي تستهدفها، وهي ( ايران ) لم تجد افضل من تيارات الإسلام السياسي، سُنّة او شيعة، لا فرق لديها، المهم هو أن تكون غطاء لتحقيق أهدافها التوسعية، كما حصل في دعمها لداعش والقاعدة من جهة والميليشيات الولائية المنتشرة في أكثر من بلد من جهة أخرى.
والقاعدة الذهبية المعروفة للجميع أن استغلال الدين في تحقيق المصالح ليس من الإسلام في شئ مطلقا.
وبالتالي وجدت ايران في مساندة وتأييد تيارات الإسلام السياسي وحركات التمرد في المنطقة افضل فصيل تدعمه بالأموال والسلاح والإعلام للقيام بثورات على الانظمة في بلدانها.
ومن البديهي ان هذه التيارات والحركات عندما تتمكن من الوصول للحكم في دولها فستكون نتائجه للداعم وليس لها، وهذا ليس سرّا بل هو موثق في نظرية ( ام القرى ) الايرانية.
وهذه النظرية تفترض ان ايران هي قطب الرحى او مركز العالم الإسلامي، سياسيا ومذهبيا وهي التي تمتلك مقاليد القيادة والوصاية على مسلمي العالم.
وهذا يفسر لنا دعم وترحيب ايران لما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي ، والتي دعمت بعضا منها بشكل مباشر ولم تزل، كما حصل في السعودية لنمر النمر وفي دعمها لاحتجاجات البحرين عام ٢٠١١ من خلال استغلالها للكارت الطائفي ،والذي أوشك على إسقاط حكومة دولة البحرين لولا تدخل قوات درع الجزيرة التابع لمجلس التعاون الخليجي لفض الاحتجاجات المصحوبة بأعمال تخريبية مسلحة، ولو كانت تلك الاحتجاجات قد نجحت انذاك لكانت بمثابة قطعة الشطرنج التي بسقوطها ستسقط كل أنظمة الخليج العربي بيد المد الايراني.
و الانقلاب الحوثي شاهد آخر على ذراع ايران في اليمن وكيف مكنت الحوثة من السيطرة عليه لصالحها.
وكذلك حزب الله في لبنان وهيمنته على مقدرات لبنان وارتهان القرار اللبناني لصالح ايران، والقائمة تطول ...
ولا ننسى زيارة الرئيس الايراني الأسبق احمدي نجاد إلى مصر ، بعد قطيعة دامت عقودا من الزمن، ولم تتم هذه الزيارة الا في عهد حكم الاخوان المسلمين لمصر بعد إسقاط حكم مبارك.
أعلنت ايران نفسها بعد الثورة الايرانية عام ١٩٧٩ والتي هيمن عليها الخميني ، وحضيت بدعم غربي وحتى من قبل بعض الانظمة العربية، وروجت لنفسها على انها قبلة الشيعة في العالم، وبالتبعية، تعتبر بقية الدول التي فيها وجود مذهبي انها مجرد مقاطعات تدين بالولاء والسمع والطاعة لولي الأمر وهو ( الولي الفقيه ).
وبعد كل هذه الجهود الحثيثة تمكنت ايران من إيجاد ما يسمى بالهلال الشيعي الذي يمتد من العراق فسوريا فلبنان فاليمن وحتى غزة الحمساوية المدعومة ايرانيا ، بالإضافة إلى استمرار سعيها للتمدد في دول الخليج العربي وشمال أفريقيا .
نجحت ايران ، للأسف في إيجاد ما يسمى ب ( الحرب بالوكالة ) ، بمعنى انها تزرع وتنشئ كيانات في كل مكان يمكنها ذلك فيه، في كافة أنحاء الشرق الأوسط بل وحتى شمال أفريقيا، ويكون ولاء هذه الكيانات الوحيد لأيران ويمكنها تحريكها لتحقيق أهدافها التوسعية.
إن هذه الاذرع تمكن ايران من فرض نفوذها وابتزاز وتخويف الانظمة التي تعارض توجهاتها.
وقد بات واضحا للعيان ان ايران تريد السيطرة على المنطقة من اجل الترويج لآيديولوجيتها واحلامها الإمبراطورية من خلال استخدام تيارات الإسلام السياسي.
تمكنت ايران ذات الفكر الخميني إلى حد كبير من فرض ( الثيوقراطية ) وهو حكم رجال الدين، الذين يستغلون فكرة قدسية الدين لدفع اتباعهم على تنفيذ مخططاتهم باعتبارهم وكلاء الله في الأرض.
ولابد من التساؤل كيف حصل هذا؟!
من خلال استجلاء الذاكرة وتقليب صفحات التأريخ القريب ، نجد ان الثورة الايرانية عندما قامت عام ١٩٧٩ قد شارك فيها غالبية الشعب الايراني من ليبراليين وعلمانيين وشيوعيين وكذلك اسلاميين وغيرهم ..
وقد وجد التيار الإسلامي في هذه الثورة الشعبية ضالته لتحقيق أهدافه وهذا هو الذي حصل.
وعندما عاد الخميني من فرنسا ، على متن طائرة فرنسية ومباركة أمريكية، أصبح قائدا للثورة التي لم يشارك بها اصلا ، وقام بتسميتها بالثورة الأسلامية على الرغم من أن الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين كانوا هم المحرك الأساس والداينمو لهذه الثورة.
عندها بدأ التيار الإسلامي يفرض نفسه وسيطرته على مجريات الأمور في ايران، مستغلا ستار الدين ، ورفع شعار ( من ليس معنا فهو ضدنا ).
وبدأ عمليات اعتقال وتعذيب واعدامات ضد كل أصحاب الأفكار والايديولوجيات المختلفة التي تتعارض مع مشروع الخميني، وتم استبعاد كل من هو ليس اسلاميا من اي منصب او وظيفة مهما كانت صغيرة، وصولا إلى أعلى المناصب وهو منصب ( المرشد الأعلى ) او ( الولي الفقيه ) الذي يمتلك السلطة العليا لقيادة كل ايران وهو حسب تشريعهم يستمد صلاحياته المطلقة من منصبه الذي يجعله غير خاضع لأي قانون او محاسبة، فقدسيته تتأتى من قدسية الدين نفسه. أن مفهوم (ولاية الفقيه) له جذور تأريخية في المذهب المؤدلج، وإن الولي الفقيه هو الوحيد الذي لديه الحق في حكم وقيادة الأمة لحين عودة الأمام المهدي المنتظر كما يزعمون، وطاعته واجبة على كل شيعي، وإن اي خروج عليه هو خروج عن الملّة، مما يستوجب القتل والتخلص من كل خارج عنه.
بل ان هذا الولي الفقيه او المرشد الأعلى لديه جيش متكامل ليس له علاقة بالدولة ، وهو ما يسمى بالحرس الثوري الايراني ،الذي يخضع ويدين بالولاء المطلق للولي الفقيه وليس للدولة، باعتبار أن فكرة الولي الفقيه اكبر بكثير من فكرة الدولة.
الخلاصة ان هذا الولي الفقيه ، هو السلطة ، وهو الحاكم بأمر الله وهو صاحب الحق المطلق.
هذا هو مشروع ايران وثورتها المزعومة التي لا تختلف عن الماسونية وربما يكمل بعضهم بعضا ... بل اكاد أجزم.
814 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع