فارس حامد عبد الكريم
التنمر وضحاياه
Bullying and its victims
التنمر مصطلح حديث لظاهرة قديمة رافقت الحياة البشرية بما تحويه من عوامل الخير والشر.
والمصطلح الأصلي في اللغة العربية يتوافق مع كلمات مثل الاستهزاء، السخرية، خدش الحياء، التعنيف، الاستعلاء،والتسلط، وهذه جميعها يحويها أو يضمها مصطلح التنمر.
وقد يكون للمصطلح مقابل لفظي مجازي متداول شعبياً مثل (النصب) كقول أحدهم شاهدنا فلان و(نصبنا عليه) أي سخرنا منه وتندرنا عليه. وعادة مايكون ذلك النوع من التنمر واقعاً على اشخاص حسني النية او البسطاء من الناس.
والتنمر حسب المفهوم العام الذي اوردناه محرم في الشريعة الإسلامية ووصف القرآن بنصوص واضحة المتنمرون بأنهم ظالمون كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ من قَوم)
الى قوله تعالى (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). الاية 11 الحجرات.
وقد يشكل التنمر من الناحية القانونية جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي في المواد الخاصة بالقذف والسب والإيذاء،فضلاً عما هو مقرر من تعويض في القانون المدني عن الضرر المادي والمعنوي.
وفي العصور الحديثة حظي مصطلح التنمر بإهتمام الباحثين في العلوم النفسية والإجتماعية، وأخذوا بتقييمهوتعريفه وتقسيم انواعه وبيان آثاره الخطيرة على الفرد والمجتمع من الناحية النفسية والإجتماعية على الأطفالوالصبيان خاصة في المراحل المدرسية، حيث من الممكن ان تكون المدرسة مكاناً خصباً للتنمر خاصة في تلك المدارس تضماعداد ضخمة من الطلاب وتعاني ضعفاً في الإدارة.
تعريف التنمر:
عرّف الباحث النرويجي دان أولويس التنمر على أنه تعرض شخص بشكل متكرر وعلى مدار الوقت إلى الأفعال السلبية من جانب واحد أو أكثر من الأشخاص الآخرين."
ويعرف الاستاذ طلال المشعل التنمر بأنه (ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوب بها تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم).
ونعرفه بأنه( ظاهرة اجتماعية تتعارض مع السلوك السوي والآداب العامة تفرزها الأمراض الإجتماعية والنفسية وتعززهاالاراء والمعتقدات المتطرفة في المحيط الأسري أو الإجتماعي).
تمييز التنمر عن غيره من ظواهر:
بناءاً على ماتقدم لايعد انتقاد ظاهرة إجتماعية سلبية أو شخصية عامة او تاريخية تنمراً بحال من الأحوال اذا كان ذلكبقصد التقويم العلمي أو الأخلاقي او الأدبي، لأن النقد وسيلة البشر والأديان وعموم المثقفين لإصلاح الأفراد والمجتمعات مادام الغرض منه قائماً على هذا الأساس.
أساس التنمر
وبموجب ماتقدم من توضيحات يَفتَرض أو يعتقد المتنمر واهماً ان هناك اختلالاً في ميزان القوى بينه وبين من يتنمرعليه، يتيح له ان يمارس دور السيد المتفوق على ضحيته، وهذا الإختلال المفترض المصطنع مستمد من بعض الأعرافوالتقاليد الفاسدة التي تميز بين البشر على اساس عرقي او ديني او طائفي، او في تلك المجتمعات التي ترى في نفسهاالتفوق على باقي الأعراق والأمم وتزرع في عقل وضمير ابنائها هذه التقاليد وذلك الشعور.
دوافع التنمر؛:
يعاني المتنمرون في الغالب من عقد وامراض نفسية وانعدام التوازن النفسي والشخصي لأسباب يرجع بعضها الى سوءالتربية والطباع الشخصية غير المهذبة، فالشخص السوي المثقف الواعي لايلجأ للتنمر لعدم حاجته لمحاولة اثبات تفوقه على الآخرين بهذه الطريقة المتخلفة.
وتشير العديد من البحوث إلى أن المتنمرين البالغين يكون لهم شخصيات استبدادية، جنبًا إلى جنب مع حاجة قويةللسيطرة أو الهيمنة وقد يكون الحسد والإستياء دافعين للتنمر ومع ذلك، يمكن أيضا أن يستخدم التنمر كمحاولة لإخفاءالعار أو القلق أو لتعزيز احترام الذات عن طريق إهانة الآخرين، حيث يشعر المسيء نفسه بالسلطة. والمتنمرون عادة مايكونون متكبرين ونرجسيين.
أشكال التنمر؛
للتنمر أشكال مباشرة وغير مباشرة تظهر للعالم الخارجي على صورة الفاظ وسلوكيات متنوعة ، منها مايأتي؛
1- التنمر اللفظي؛ أي استعمال الألفاظ غير المرغوبة إجتماعياً للنيل من شخص او اشخاص معينة والتقليل من شأنهم،كالسخرية من اسمائهم او اصولهم العرقية واطلاق النكات الساخرة عليهم وحعلهم محل سخرية الآخرين.
2- التنمر بالعنف؛ او التهديد بالعنف كضرب الضحية وايذائه جسدياً، والتنمر بهذه الطريقة يقع في الغالب علىاشخاص لايخشى المتنمر ردهم أو الدفاع عن نفسهم كالمصابين بالعاهات الجسدية او العقلية او متلازمة داون.
وهذا النوع من التنمر من أخبث انواع التنمر وصورة من صور الجُبن.
3- التنمر الجنسي الخفي؛ ويقوم على استدراج الضحية والحصول على صور او فديوهات مخلة بالحياء من ثم ابتزازالضحية وتهديده أو تهديدها بالفضحية، وغالباً مايقع هذا النوع من التنمر على الفتيات المراهقات قليلات التجربةالإجتماعية اللاتي لم يتلقن تربية وتحذيرات اسرية متكاملة فيندفعن وراء عواطفهن متأثرات بكثير من البرامج الإعلامية التجارية التي تروج للفساد.
4- التنمر الإلكتروني العلني؛ وهذا النوع من التنمر اصبح صفة ملازمة لعصرنا الحالي بالنظر لسرعة انتشاره وتداوله بين الالاف بل الملايين من البشر من خلال وسائل التواصل الإجتماعي المتنوعة. ومن مظاهره؛
خداع الآخرين من اجل كسب ثقتهم ومن ثم الحصول على اسرارهم وكشفها للعلن.
إثارة مواضيع خلافية ذات طبيعة دينية او سياسية تتضمن تعليقات مُسيئة أو شتائم بحق رموز تاريخية أوإجتماعية بقصد إستفزاز الآخرين لحملهم على الرد بنفس الطريقة المسيئة، مما يُشبع غرور المتنمر.
ومنها نشر الأكاذيب حول اشخاص معينين وإختلاق وقائع لاوجود لها بحقهم، او نشر مواضيع ذات طبيعة عنصرية بحقهم، ومنها نشر الصورة الخاصة او العائلية للأشخاص بهدف احراجهم.
وقد يستخدم هذا النوع من التنمر خلال الفترات الانتخابية بهدف تسقيط الخصوم السياسيين وإحراجهم بطرقغير مشروعة.
الدخول غير المشروع الى حسابات الآخرين وهو مايعرف بالهكر وانتحال صفتهم لنشر مواضيه مسيئة وسرقةمعلوماتهم ومتعلقاتهم وابتزازهم.
نشر مقاطع فديوهات مجتزئة تظهر جزءاً من كلام المتحدث لايمثل المقصود من كلامه عن أمر معين او التركيز على لقطة عرضية لصورة له بهدف تسقيطه ونشر الأكاذيب والفتن، هذا فضلاً عن المونتاج الإعلامي للحدث لإعطاءالجمهور فكرة مشوشة وغير حقيقية عن الحدث.
وقد تسبب مثل هذا التنمر بمشاكل خطيرة على صعيد الفرد، كالإنتحار او الإصابة بالكأبة وعلى صعيد المجتمع قد يؤدي الى ازمات ونزاعات خطيرة بين افراد المجتمع الواحد بل وحتى بين الدول عندما تصدر تصريحات من كبار المسؤولين فيالدولة فيها شيئاً من التنمر على دولة آخرى.
5- التنمر العنصري؛ التنمر العنصري ظاهرة تاريخية قديمة تشتعل جذوتها فترة وتخبو فترات، وقد تسبب هذا النوع منالتنمر بمآسي وألالام لمجموعات من البشر من خلال استعبادهم واعتبارهم سلع معدة للبيع والشراء او ادى الى ابادةشعوب كاملة في مواطنها الأصلية. ومن مظاهره السخرية من لون البشرة او العرق ورفض الإختلاط مع مجموعات معينةومنعهم من دخول أماكن معينة. وقد يدخل هذا النوع من التنمر تحت باب التنمر اللفظي او التنمر بالعنف.
6- التنمر في الوظيفة العامة والخاصة؛ عندما يكون الموظف ضعيف الشخصية أو فاسدا ويسند إليه منصب مهم لايملكمؤهلاته، وهو يتنمر على المراجعين من خلال إظهار انزعاجه منهم والصراخ بوجههم او اشعارهم بعدم المبالاة بوجودهمكتناوله الطعام اثناء العمل او استعمال الهاتف لفترة طويلة أو اظهار عدم موافقته على الطلبات وغيرها من أساليبالتنمر الملتوية وإذلال المراجعين بهدف ابتزازهم.
7- التنمر الإيديولوجي؛ غالباً ما تشكل الأفكار الأيدلوجية المتطرفة سواءاً كانت سياسية او دينية تنمراً عالي المستوى قديتسبب بأذى بالغ ومهانة وتحقير من لايؤمن بهذه الأفكار ويمكن وصف بعض المعتقدات الإيديولوجية والتصريحات السياسية بأنها (تنمر ايديولوجي) كالنازية والفاشية وماتبعهما من احزاب قومية متطرفة تزعم تفوق عرق معين منالبشر على باقي الأعراق، وهي افكار فندتها التجارب البشرية المعاصرة التي اشترك في ابداعها وتألقها جميع الاعراقالبشرية.
8- التنمر السياسي؛ وينتشر في ظل الانظمة الديكتاتورية والبوليسية عادة، ويتضمن التخلص من الخصومالسياسيين سواء كانوا من مجموعة حزبية واحدة او متفرقة بالتخوين والتأمر وإفتعال الازمات، ليظهر المتنمر نفسه أمامشعبه بمظهر القائد الوطني المنقذ وان من يحيط به من منافسين حقيقيين او متوقعين هم مجرد خونة ومتأمرينوجواسيس.
والتنمر السياسي هو الآخر ظاهرة قديمة متجددة في عالم السياسية ويبدع بها عادة من كان ضميره ميتاً ويملك القدرةعلى الثرثرة الخطابية ولو كانت فارغة ومن أكثر مظاهره انتشاراً هو الإغتيال السياسي.
9- التنمر كتقليد؛ قد يكون التنمر أيضا نوع من "التقليد" في الأماكن التي تشعر فيها الفئة العمرية الأكبر أو المرتبةالأعلى انها متفوقة عن المراتب الأقل، فغالباً مايتنمر طلبة المراحل المتقدمة في المدارس والجامعات على طلاب المرحلةالأولى.
أساليب علاج التنمر
يمكن معالجة التنمر والحد من آثاره السلبية على الفرد والمجتمع من خلال عدة أساليب منها؛
التربية الأسرية والمدرسية؛ لاشك ان اهتمام اولياء الامور وعنايتهم في تربية اولادهم على احترام ذاتهم وإحتراممشاعر الآخرين يعد من أهم وسائل القضاء على التنمر وذات الشيء يقال عن دور المدرسة والمعلمين في القضاء علىهذه الظاهرة والحد منها خاصة وإن المدرسة تعد من أشهر محال وقوع التنمر.،
يؤكد العديد من الباحثين على أن السلوك العدواني له أصل في الطفولة، فإذا لم يتم التصدي للسلوك العدواني فيالطفولة، فهناك خطر أن يصبح سلوكا اعتياديا. وفي الواقع، هناك أدلة بحثية، تشير إلى أن التنمر خلال مرحلةالطفولة تضع الأطفال في خطر السلوك الإجرامي في مرحلة البلوغ.
انشاء منظمات مجتمع مدني تعني بمعالجة ظاهرة التنمر والتوعية ضدها.
العقوبة القانونية؛ ان بعض اشكال التنمر تعد جرائم يعاقب عليها القانون وخاصة العلني منها والذي يمارس منخلال وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الإجتماعي، وينبغي تشجيع ضحايا التنمر على استعمالالحماية القانونية التي يوفرها لهم المشرع الجنائي من خلال اقامة الدعاوى على المتنمرين لردعهم ووردع غيرهم.
597 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع