فارس حامد عبد الكريم
من حكايات الأزمنة العراقية
كنت في مهمة رسمية جالساً في صالة كبار الضيوف في أحد المطارات، وبالنظر لإمتلاء الصالة بالضيوف، جلس قبالتي على طاولتي ،بعد الإستئذان، رجل سبعيني ذو سحنة أوربية، وبعد مكالمة اجريتها، قال جليسي متحدثاً بالانكليزية؛
- عذراً، سمعت اسم بغداد اثناء حديثك، فهل انت من بغداد؟
- نعم انا من العراق.
- هز برأسه مع ابتسامة، ثم اردف قائلاً؛
- انا زرت العراق في زمن الزعيم الثوري قاسم سنة 59، وكانت هناك احتفالات بمناسبة انتصار الثورة ...
- قلت، كيف وجدت بغداد والعراق حينئذ؟
فأجابني مع إبتسامة قائلاً؛
- عندما تمت دعوتي لزيارة بغداد في ذلك الوقت، تبادرت الى ذهني اجواء هارون الرشيد وسحر الف ليلة وليلة، وكنت مهتماً جداً.
- قلت مع ترقب وتوقع للإجابة؛
- نعم وكيف وجدتهما!
- قال؛ وجدت بغداد مدينة خربة، وعندما ابديت استغرابي لمُضيفي لطيف المعشر وهو من اتحاد الأدباء العراقيين، وكان قد تشكل حديثاً، قال لي؛
- ( ان بغداد مدينة متعبة وليست خربة وقد انهكتها الحروب والإحتلالات لقرون طويلة، وكان العراق قد أنجب حضارات عظيمة ....)
- يقول جليسي فأجبته نعم، لقد ذقت شيئاً من طعم حضارتكم، فالمطبخ العراقي متنوع جداً وطعمه ونكهته رائعة وهذا يشي بحضارات عظيمة سابقة انتجت هذا النوع من الفن...
- يقول فقال لي مضيفي؛
- واين تذوقت طعامنا،
فأجبته ان الزعيم قاسم قد دعانا الى وليمة كبيرة وكانت متنوعة رز عليه لحوم ولوز (يقصد قوزي اللحم)وخضروات محشوة بالرز واللحم (يقصد دولمة) وخبز محشي باللحم واللوز والعنب (يقصد كبة الموصل باللوز والكشمش) وسمك مشوي ذو نكهة خاصة (يقصد سمك مسكوف) ... وخيار محشي بالمرفس والثوم وطعمه حامض حلو (يقصد طرشي النجف) واشياء كثيرة ...
- يقول؛ فقال لي مضيفي وانت اليوم مدعو الى وليمة اتحاد الادباء أرجو ان تبين لي الفرق بين الوليمتين وبعد الابتسامة من كلانا قال مضيفي؛
- يشهد العراق حملة اعمار شاملة وعندما تزورنا مرة اخرى ستجد فرقاً كبيراً في الاعمار كما ستجد الآن فرقاً بين وليمة العسكر ووليمة الأدباء.
- مر بخاطري الجواهري لكنه لم يذكر أسماً ...
- بعد لحظات صمت قلت؛
- هل كنت تشغل منصباً ما في دولتك في ذلك الوقت؟
- قال؛ لا ابداً انا شاعر وإعلامي محظوظ ومؤلفاتي ذات شهرة واسعة.
- قلت عذراً تصورت انك كنت تشغل منصباً بإعتبار انك كنت مدعوا لزيارة العراق في عهد قاسم وتجلس الآن في صالة كبار الضيوف.
- اجاب؛ ها؛ لا في دولتي تُعامل الشخصيات الوطنية كالمسؤولين السابقين وكبار الادباء والفنانين والإعلاميين .... معاملة الدبلوماسيين عند اصدار جوازاتهم، وهذا التقليد في أغلب دول العالم المتحضر،
- ثم تساءل الايطبق مثل هذا التقليد في العراق؟
- قلت لا طبعاً، ولكن كان لدينا شاعر كبير يلقب بشاعر العرب الأكبر هو الجواهري ....
- والجماعة كانوا قد اسقطوا عنه الجنسية العراقية.
بدا الوجوم على جليسي وكأنه تذكر ان الجواهري كان رئيس اتحاد الأدباء في العراق عند زيارته لبغداد.
اراد ان يقول شيئاً وهو يهم بالوقوف؛
وربما ان ما منعه من التعليق هو المناداة على طائرته، فاستأذن وغادر على عجل وقد حملت تعابير وجهه انزعاجاً اوربياً مميزاً.
1024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع