بقلم.. عصام العينه چي/ بريطانيا
ذاكرة امرأة بريطانية عمرها ٩٧ سنة عن البصرة
كنت متجهاً إلى مكتب البريد لإرسال بعض الرسائل، وكعادتي التي أنا عليها دائماً كنت أتحدث عبر الهاتف إلى أحد الأصدقاء العراقيين، ما إن انتهيت من مكالمتي حتى فوجئت بامرأة كبيرة في السن بريطانية الملامح تقول لي بلسان عراقي فصيح ( اشلونك ابني )، اخذتني الدهشة للوهلة الاولى فأنا من حيث المبدأ لا أعرف أحداً في هذه المنطقة، ثم أن محدثتي لا يبدو عليها أنها عربية أو عراقية.
أجبت المرأة واقتربت منها فقالت لي ( إنت منين من العراق؟) فقلت لها ( من البصرة)، فقالت ( آه ، أحيا وأموت عالبصرة) . في هذه اللحظة شعرت أنني ربما أكون قد وقعت ضحية برنامج الكاميرا الخفية ، لكن المرأة قالت لي ( لا تستغرب فأنا قضيت من عمري كثيراً في العراق وفي البصرة خصوصاً) .
بدأت المرأة تسرد لي كيف انها ابنة أخت ( المس بيل ) مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق ، وكيف انها زارت العراق عام ١٩٢٨ وكان عمرها ١٠ سنوات ، ثم عادت الى العراق عام ١٩٤٢ هي وزوجها الذي الحق بالجيش البريطاني في الشعيبة وعاشت في تلك الفترة متنقلة بين برمنغهام والبصرة ، ثم عادت ( سيدة الأجيال ) الى العراق مع ولدها عام ١٩٧٩ عندما جاء محاضراً في جامعة البصرة وبقي فيها نحو ٩ شهور..
تتذكر (مسز نورثوود) الكثير عن البصرة ربما اكثر مما يعرفه الجيل الجديد، روت لي كيف أنها كانت تحب الجلوس على ضفاف شط العرب وتستمتع بالنظر الى المراكب السارية ذهاباً وعودة وسألتني هل ما تزال هذه المراكب تسري في الشط، قلت لها من حيث المبدأ هي تزال لكن اذا سمح لها العبور.
حدثتني عن البورت كلوب والسينما الصيفية وحفلات رأس السنة فقلت لها أن هناك بورت لكنه لم يعد ( كلوب) وان سنواتنا فقدت رؤوسها منذ زمن.
ذكرت بأنها كانت حاضرة عندما شيد نصب (اسد بابل ) في العشار، قلت لها بكل فخر بأنني ايضاً كنت حاضراً عندما افتتح نصب ( قنينة الغاز ) في المفتية.
سألتني عن البصرة القديمة وبيوتها، احسست بمرارة وانا اقول لها ان جميع البصرة اصبحت قديمة وان المدينة الحديثة ليست الا نخلة مزروعة في الصحراء يحتفلون بها قبل كل انتخابات.
استغرقت مع السيدة (نورثوود) حوالي ال٢٠ دقيقة قالت لي خلالها انها تريد الرجوع الى العراق مع حفيدها.! فنصحتها بتأجيل ذلك في الوقت الحاضر لكي لا تنسى الذكريات الجميلة وتستبدلها بشيء مختلف تماماً.
ودعتها ومضيت في طريقي فخوراً بما وصلت اليه البصرة فنادت علي وقالت ( لم تحدثني عن جزيرة السندباد) فقلت لها ( لقد رحل السندباد وترك الجزيرة لأربعين علي بابا وحرامي)
1056 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع