الدكتور المهندس عبد يونس لافي
الزهاوي وحالاتُ المادةِ الخمس – ٥ –
سأتَعَرَّضُ في هذه المقالةِ الى موضوعةِ (ما تكون عليه المادةُ من حالاتٍ)، كما تناولها شاعرُنا المُمَيَّزُ جميل صدقي الزهاوي في ما خطَّه يراعُهُ في المُجْمَلِ ممّا رآه. حين يحدِّثُك الرجلُ عن حالات المادة، يقول لك أنَّ المادةَ تكون على حالاتٍ خمسٍ، بدل الشائع المعروف على أنَّها ثلاثٌ: غازيةٌ او سائلةٌ او جامدة، حيث يضيف حالتين اخرَيَيْن هما:
١. الحالة الإفلاتية.
٢. الحالة الإلكترونية.
يقول اما الحالةُ الإفلاتيةُ، كما سمّاها هو، فهي الحالةُ التي تتوسَّطُ الحالتين الغازيةَ والالكترونيةَ كما أنَّ الغازيةَ تتوسَّط الحالتين الافلاتيةَ والسائلةَ، كذلك السائلة تتوسط الحالتين الغازية والجامدة.
ثم يقول ان جميع هذه الحالات الخمسِ تقع تحت تأثير دفع الاثير (لاحظ انه يستعمل عبارة دفع الاثير، حيث يؤمن كما قلنا في المقالات السابقة أنَّ الاثير يملأ الكونَ وأنَّ هناك دفعًا للمادة بواسطة هذا الاثير وليس جذبًا لها)، ويقول ان تاثيرَ الدفعِ هذا يختلف حسب الحالة، حيث يكون اقلُّهُ في الحالة الالكترونية مقارنةً ببقيةِ الحالات.
ثم يضربُ مثلًا على دفع الاثير فيقول: (وقد ثبت اخيرًا أنَّ النورَ المارَّ فوق الشمس ينحرف اليها قليلًا، وهذا الانحراف مهما كان طفيفًا فهو موجودٌ قد تولَّدَ من دفع الاثير له الى مادة الشمس). لم يحدد مصدر النور فيما إذا كان ذلك الناتج عن انعكاس ضوء الشمس عن الكواكب التي لا تشع ضوءًا بذاتها ام ماذا!
ثم يقول ان المادةَ في حالتها الإفلاتية انما هي ما يَتَصَعَّدُ من الأجسام غير الشفافة متطايرًا في كل وقت، ولذلك دعاها بهذا الاسم وهي اسرع من الغازات في تطايُرها، تفلت من المادة في زمن البرد والحر على السواء. ويقول واني مشاهدٌ، بعد السَّدَفَةِ من الليل على ضوء النجوم، صعودَها المتموِّجَ بسرعة فائقة، من كل جسم الارض وما عليها، الا الأجسام الشفاقة.
ومن خلال التجربة البسيطة والمراقبة، يقول كنت اشاهد المتصعدات بعيني بعد إنعام ودقة. واعتقد أن لهذه المتصعدات شأنًا مع النور، فانها اقسامٌ: منها ما يمتص النور بتمامه، ومنها ما بعكسه برمته، ومنها ما يمتص بعض الالوان ويطلق بعضا. وما ظهور الالوان في الأجسام الا مسبَّبًا عنه.
لم يذهبْ بعيدًا في وصف الحالة الالكترونية وإنَّما قال انها الحالةُ الخامسةُ التي تكون عليها المادة، ولا ادري هل كان يقصد أنَّ المادةَ هي الكتروناتٌ فقط وما مصدرُ هذه الالكترونات، وهل هي الكتروناتٌ حرةٌ قد فلتت من مداراتها؟
أزعُمُ أنّي لوكنت معه لصدَّعْتُ رأسَه مثلما صدَّع رأسي وهو في عالمه الاخر ينتظر ان يتولَّدَ من جديدٍ كما نظَّر في الناموس الدوري الأعظم!
هنا تجدر الاشارة الى ان العلماء كانوا قد صنفوا الحالات الى اربع. فبالاضافة الى الحالات الثلاث المعروفة، اكتشفت حالة البلازما عام 1879 وكان العلماء يسمونها آنذاك المادة الاشعاعية ولم تحدد طبيعتها الا في عام 1897. وفي عام 1928 سميت الحالة رسميًّا بحالة البلازما (Plasma) لدى المجتمع العلمي (Scientific Community).
أُعيدُ للاذهان أنَّ الزهاوي ولد في (1863) وتوفي في (1936) إلّا أنَّه لم يذكرالبلازما بالاسم في مخطوطته، فإمّا انه لم يكن قد سمع بها او على الارجح لم يأخذ الا بما توحي اليه تنظيراته المشوبة احيانًا بالخلطِ والتعميم وعدم الوضوح. انه المتمردُ والماردُ، وهذا ما يهمنا في ابراز شخصيته الفريدة التي نحترم.
ان البلازما لا تتعدى ان تكون حالة من الغاز المتأيِّن وليس اي غاز، وهنا ينبغى التمييز، اما كيف يحصل التأبن فانما يكون ذلك حين يحصل فقدان الالكترونات او كسبها من او الى الذرة.
لا وجود لحالة البلازما على الارض كالوجود الطبيعي للحالات الثلاث الاخرى، لكنها تملأ الفضاء المترامي الأبعاد، وما الشمس والنجوم المنبثة في هذا الكون السحيق الا كُرات او كتل بلازمية خالصة.
ومن الممكن الحصول على البلازما في المختبرات عن طريق تسخين الغازات الى درجات عالية من الحرارة او تعريضها لمجالات كهرومغناطيسية قوية الى الدرجة التي تصبح فيها الغازات المتأينة موصلة للكهرباء.
بقي ان نذكر أنَّ للبلازما مسميّات متعددة حين تُحضَّر تحت ظروف مختلفة. كلمة اخيرة ان هناك احتمالًا كبيرًا لوجود حالات للمادة غير ما ذكرنا في هذا الكون الواسع اذ لم يستطع الانسان ولا ادواته ان يسبر غور هذا الكون المستمر في التوسع، واستمرارية توسع الكون حقيقة قرآنية دامغة (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
407 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع