هيفاء زنكنة
من المسؤول عن صبغ العراق بالغبار الأحمر؟
سببت عاصفة ترابية، غطت سبع محافظات عراقية، من بينها بغداد، أكثر من 5 آلاف حالة اختناق ووفاة شخص واحد. تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورا مذهلة، عن الغبار الأحمر الذي غّلف الجو والناس والأماكن، للمرة السابعة، خلال شهر. رافقت الصور، تحليلات ونظريات، جمعت ما بين العلمي والتهويلي والرسمي الدعائي المُطّعم بالتبريرات بدرجات مختلفة.
ركزت التصريحات الرسمية على التغير المناخي وقلة الأمطار والتصحر، وهي أسباب حقيقية على مستوى العالم، إذ لم يعد الدمار الذي ألحقه الإنسان بالبيئة خافيا على أحد، ومن أعراضه المتزايدة، الأعاصير والفيضانات وإرتفاع درجات الحرارة، والتصحر، وجفاف الأراضي الزراعية، والحرائق المهددة للغابات، وتزايد الغازات وتلوث الهواء. وهي ظواهر طالما حذر علماء البيئة من حدوثها ووجوب إيجاد حلول جذرية لها. حلول أكد العلماء ونشطاء البيئة على ضرورة أن تُلزم جميع الدول بلا إستثناء بشكل عام وأن نبهوا، في الوقت نفسه، إلى مراعاة خصوصية كل بلد على حدة، أيضا، تسريعا لإصلاح الأضرار.
عند النظر إلى الوضع البيئي في العراق بالاضافة إلى قبولنا بحقيقة الضرر العالمي العام، سنجد تميزه بخصوصية تميزه عن أمريكا و أوروبا وحتى عديد البلدان الإقليمية، مثلا، مهما حاولت التصريحات الرسمية العراقية والدولية تعليبه في ذات العلبة، مع إضافة بعض التحذيرات، على غرار تصنيف العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم خصوصا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام من فصل الصيف خمسين درجة مئوية. وتحذير البنك الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من انخفاض بنسبة 20 في المئة في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.
نلاحظ، عند متابعة التصريحات الرسمية المحلية وقراءة التقارير الدولية والتحذيرات من مستقبل قريب مظلم، خاصة بعد إرتفاع عدد الأيام المغبرة إلى 272 يوماً في السنة، في العقدين الأخيرين، أنها، باستثناء النادر منها، لا يمس جذور الكارثة البيئية بالعراق ومسؤولية السياسة الغربية الاستعمارية بل يكتفي بخدش السطح، وإقتراح تشكيل لجان، لا يعرف أحد مصيرها بعد غياب الضجة الإعلامية، مما يعيق إيجاد حلول حقيقية تساعد على إيقاف التدهور أولا وتحسين الوضع ثانيا.
إن خصوصية الوضع الكارثي نابعة من كون الكارثة البيئية، بالإضافة إلى الخراب العام، ناتجة عن صناعة الحرب والاحتلال والسياسات الاستعمارية الجديدة، الدولية والإقليمية المستقوية بنظام اللادولة بالعراق، المؤدية إلى تقويض الأساس الاقتصادي للحياة في المنطقة. تظهر آثار هذه الحروب والسياسة الاستعمارية فضلا عن تجاهل النظام الكلي لمسؤوليته الوطنية في تغير المناخ المدمر، واستنفاد الموارد الطبيعية، وندرة المياه، وتلوث الهواء والتربة جراء استخدام الذخيرة الحديثة، كاليورانيوم المنضب.
وتشير التقديرات إلى أن الحرب ضد العراق سببت إطلاق 141 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، بين عامي 2003 و2007، أي أكثر من 60 بالمئة من جميع دول العالم. وكانت العالمة العراقية د. سعاد العزاوي والدكتورة المصرية بياتريس بقطر قد وثقتا في عديد بحوثهما انتهاك الولايات المتحدة للقوانين الدولية أثناء حرب الخليج، وفي وقت مبكر، عن طريق إستخدام أسلحة ذات قابلية للتأثير على المدى البعيد مما يسبب تدميرا دائما للبيئة الطبيعية حتى بعد إنتفاء الحاجة العسكرية لها، وهو ما أثبتت الأيام صحته، خاصة بعد أن واصلت أمريكا خرقها لقوانين الحروب والقوانين الإنسانية في السنوات التالية وحتى غزوها العراق عام 2003.
ومن بين الأسباب المدمرة للبيئة العراقية، المسكوت عنها بشكل متعمد، هو كيفية تخلص القوات الأمريكية من النفايات العسكرية، وذلك عن طريق حرقها في حفر كبيرة في الأرض.
احتوت النفايات، باعتراف الجنود، الإمدادات الطبية المستعملة، والطلاء، وزجاجات المياه البلاستيكية، والبطاريات، وحتى عربات همفي بأكملها. أدى الحرق إلى إصابة الجنود بأمراض خطيرة. يقول الضابط المتقاعد بروير «كان الدخان سامًا، إنه قاتل صامت، وقد لا يقتلك في ساحة المعركة غدًا، إلا أنه سيتسبب في أضرار صحية طويلة المدى. ونحن نرى ذلك الآن، نرى ذلك كثيرًا». وقد أدى تزايد ظهور الأعراض المرضية على الجنود إلى تأسيس جمعية للمطالبة بالرعاية الخاصة وتعويض المصابين من الجنود، بينما لم يحدث إطلاقا أن طالب أحد سواء من الساسة العراقيين أو الأجانب أو حتى أعضاء منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بالتحقيق في الأعراض المرضية التي تعرض لها المواطن العراقي جراء حرق النفايات السامة، ناهيك عن المطالبة بالتعويضات. لتبقى إزدواجية المعايير هي اللغة السائدة خاصة مع غياب المطالبة بالحقوق.
وفي الوقت الذي لا يختلف فيه إثنان حول تعقيد الوضع البيئي العراقي وكونه حصيلة عقود من التخريب، إلا أن التغاضي عن تحميل الغرب المسؤولية الاولى وطرح حلول لا تحيد عن صراط ذات الأنظمة التي سببت الخراب لن يؤدي إلى تنظيف البلد وإيقاف التدهور نحو الحضيض. وتشكل قلة المياه في نهري دجلة والفرات، جراء بناء إيران وتركيا السدود، خلافا للاتفاقيات الدولية، مشكلة جسيمة، تناولتها د. سعاد العزاوي في بحث أخير لها منبهة إلى حتمية جفاف النهرين. هذه الكارثة، لن توقف ما دام النظام الحاكم عبارة عن أحزاب وميليشيات، تتنازع إلى حد الاقتتال فيما بينها، مما جرد الدولة من أية قوة وسلطة مركزية. وبقيت الحلول، حتى البسيطة منها، على غرار تشريع قانون يمنع عمليات الحفر غير المنظمة، وتجريف البساتين وتحويلها إلى مبان، ومنع قلع الأشجار، بل العمل على تشجيع زراعة الأشجار الكثيفة وعودة المزارعين إلى أراضيهم التي تركوها بسبب موجات الجفاف والعواصف، معلقا بلا تنفيذ. ليبقى العلاج الحقيقي مرتبطا بتوفر الإرادة السياسية الصادقة، النابعة من صميم المجتمع والممثلة لمصالحه والمفروضة فرضا من قبل أبناء الشعب أنفسهم.
630 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع