عبد يونس لافي
جميل صدقي الزهاوي والشمس – ٩ –
نتعرض هنا لما قاله الزهاوي،
في حرارة الشمس (ونورها) على حد تعبيره،
في (المُجْمَل مما أرى).
ونحن كما في الحلقات السابقة،
لا نبتغي إلاّ الوقوفَ على النزعة المتمكنة
في هذا الرجل الموسوعي،
الى اقتحام ميدان العلم حسب ما كان يراه،
وما توفر لديه من مصادر.
فاذا ما جاء تحليلٌ او نظرةٌ
مخالفةٌ لما نعرفه في عالم اليوم،
فليس اننا نُقِرُّ ما رآه او نحطَّ من قدره،
فهو في الحالين يستحق الدراسة
من حيث أنَّه أثرى الجانبَ المعرفيَّ السائدَ آنذاك،
اذ كانت بعض النظريات الحديثة في بداياتها،
ولا يتكلم فيها الا المختصون مع اختلاف الآراء.
وفي البداية أُعلِّق على اسْتعمال الزهاوي
كلمة النور مع الشمس فربما نقول:
على الاقل، انها تفتقر الى الدقة.
ومردُّ ذلك أنَّ هناك فرقًا بين النور والضوء.
فصحيحٌ أنَّ المعاجمَ الاجنبيةَ لا تفرق بينهما،
ولكن العربيةَ تطلق الضوء
على ما يأتي من مصدره الأصلي،
فضوء الشمس مثلا هو ما يصدر عن الشمس،
وضوء الشمعة ما يصدر عنها،
اما النور فهو ما يعكسه مصدرٌ ثانٍ
لا يكون مصدر ذلك الضوءِ،
كما هو الحال في نور القمر.
مصدر نور القمر هو الضوء الآتي
من الشمس منعكسًا عن القمر،
لذلك جاءت الآية الكريمةُ لتثبت بدقةٍ هذه الحقيقة في:
(هو الذي جعل الشمسَ ضياءً والقمر نورًا).
بعد هذه المقدمة،
ننقل نصَّ كلام الزهاوي حيث يقول:
(وما حرارة الشمس ونورها
سوى الالكترونات المتطايرة بكثرة هائلة منها،
لكثرة ما يجري اليها من الأثير المحيط،
بسبب كبر جرمها العظيم.
فهذا الأثير بعد ان يجري اليها بقوة،
يرتد على اعقابه من اعماقها،
بعد ان يفقد قسمًا كبيرًا منه بدخوله في تركيبها،
ويتطاير في شكل حرارةٍ ونور).
هنا نقول ما لم يقلْه الزهاويُّ،
فأصل الشمس انما يعود الى ذلك السَّديمِ
او السحب الغازية الهائلة،
التي تكونت عند نشوء الكون.
هذه السحب احتوت على الهيدروجين والهليوم،
بالاضافة الى جزيئات الغبار وذراتٍ اخرى،
كانت جزءًا من مكونات نجوم اخرى،
تكونت قبل الشمس.
وبسبب الاضطرابات التي عاناها هذا السديمُ
جرّاء الانفجارات الكونية التي حدثت آنذاك،
حدث انهيارٌ تدريجيٌّ له، فتقلص حجمه،
وانضغطت المادة في مركزه،
مما قاد الى تشكيل قرص ملتهب في ذلك المركز،
أدّى الى تبخر الغبار، لتتشكلَ نواةُ الشمس.
اما بشأن الطاقة الحرارية والضوئية المنبعثة عن الشمس،
فانما هي نتيجة الاندماجات النووية المتسلسلة في مركزها
تحت درجات حرارة تقدر بالملايين،
حيث تندمج اربع نوى من الهيدروجين
لِتُكَوِّنَ نواةً واحدةً من الهيليوم،
والفرق بين كتلة الهيليوم المتكوِّن وكتلة الهيدروجين المُكَوِّن،
يُترجَم الى طاقة حرارية وضوئية هائلة،
حسب المعادلة الشهيرة لأنشتين
التي تربط بين الطاقة والكتلة.
هذه الطاقة الحرارية الضوئية
تنقل عبر الفوتونات الى الارض،
وهذه الفوتونات انما هي كَمّاتٌ
كهرومغناطيسية لا كتلة لها،
تنتقل بسرعة الضوء.
يمضي الزهاويُّ في تكهُّناته قائلًا:
ان الارض سيكبر حجمها،
وتزداد حرارة باطنها، بما تبتلعه من الاثير،
وما يقع عليها من الغبار الجوي والشهب والنيازك،
حتى تؤول في النهاية الى شمسٍ،
وعندها سيدخل الاثير اليها بكميات اكبر،
ويرتد من باطنها (حرارةً ونورًا) كما حصل للشمس.
يقول ولقد بدأ باطن الارض
يصير شمسًا منذ وقت طويل،
فاذا عظُم اكثر مما هو عليه اليوم اي ازداد حجمه،
ازدادت حرارته وانبثقت فاذابت سطحها.
ثم يقول ان هذا التوقع يصدق مبدئيا
على المشتري وزحل.
كما قلنا ان الزهاوي في تنظيراته،
لم يستند الى أدلة قطعية،
وهو مسكون بفكرة الاثير، مأخوذ بها،
ولذا قلنا انها تكهناتٌ من البساطة ردها.
ان الباحث ليجد نظريات عديدة على مدى التاريخ،
حول تمدد الأرض ونموها
وكيفية هذا التمدد والنمو،
وعن طبيعة ما تحتويه في داخلها،
وليس من البساطة البتُّ في مثل هذه الامور،
ما لم تكن هناك ادلةٌ مدعومةٌ بتجاربَ مختبريةٍ،
حُلِّلت نتائجها تحليلًا علميًّا،
وكانت مشفوعة بالملاحظة والمراقبة المستمرة.
نكرر ان هدفنا ابراز ما لهذا الرجل
من باعٍ في مجالٍ
ربما اسْتعصى على ذوي الاختصاص،
ولهم فيه آراءٌ متباينة،
لنعترف بتميزه مُقدِّرين.
1249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع