١٤ تموز ١٩٥٨ في مذكرات يونس بحري

                                                

                      سيف الدين الدوري

                 


14 تموز 1958 في مذكرات يونس بحري

سوف لن أتحدث كتقليد تعودنا عليه وهي الكلام ثورة 14 تموزوعن الضباط الاحرار وكيف قاد العقيد الركن عبد السلام عارف اللواء العشرين وفاجأ العراقيين والعالم بانقلابه العسكري واطاحته بالنظام الملكي ولا اريد ان اتحدث كالعادة على مصرع العائلة المالكة في قصر الرحاب على يد النقيب عبد الستار سبع العبوسي.

وهنا اريد ان اتناول حالة السجون وخاصة سجن (ابو غريب)و( الموقف العام ) في الباب المعظم اللذين ضاقا بالمعتقلين من رجالات العهد الملكي والذين اعبرتهم الثورة من المؤيدين له او من الذين طاردوا الشيوعيين من العسكريين والمدنيين باعتبارهم من المعادين للشيوعيين والوطنيين والقوميين.
وكان اختياري في هذه الحالة ما جاء في مذكرات الشخصية العراقية النادرة الرحالة يونس بحري الذي كان اوائل المعتقلين وسجل ملاحظاته على رجالات العهد الملكي الذين زج بهم في السجن المركزي صبيحة اليوم الثاني للثورة فيقول:
فهو من ابناء الموصل الرحالة يونس بحري هو يونس صالح الجبوري سمي بالبحري لأنه كثيرالسفر. والتجوال حول العالم، اصدر جريدة العقاب في منتصف ثلاثينات القرن الماضي. قام بتأسيس إذاعة برلين العربية كند لاذاعة البي بي سي البيرطانية واخرج منها بقرار من مفتي فلسطين الحاج امين الحسيني لانه لم يكن يلتزم بنصوص البيانات والتعليقات التي كان يعدها المكتب العربي في القدس ثم عاد الى مسقط رأسه ليقضي ما تبقى من عمره في بيت أحد اقربائه الصحفي والزميل محمد زكي الجبوري( ابو لينا) الذي عمل في وكالة الانباء العراقية بمكتب الموصل ومراسلا لها في بيروت لفترة من الزمن. فقد كان بحري يتمتع بقدرة عجيبة على تحويل المواقف لصالحه حتى داخل السجن. حيث يعرض تجربته داخل السجن بعد سقوط الملكية في العراق وما وقع عليه من تعذيب نفسي وكان حسه الفكاهي مع زملائه في السجن وهو الذي خفف عنه واقع هذه التجربة المريرة.وقد توفي البحري في بغداد ودفن في مقبرة الغزالي في آذار/مارس من عام 1979 رحمه الله.
عودة بحري الى العراق
عاد الى العراق قبل ليلة واحدة من ثورة 14 تموز 1958 أي في 13 تموز بيوم واحد وقابل نوري السعيد الذي كان بينه وبين عبد الناصر خلافا كبيرا فطلب اليه السعيد أن يذيع مقالاته ضد عبد الناصر ففعل فإعتبر بعد الثورة كأحد أنصار نوري السعيد في حين انه حارب الاستعمار والسياسة البريطانية والوجود الاجنبي في العراق سنين طويلة . وإعتقل بعد الثورة لفترة تقارب السبعة اشهر في سجن ابو غريب واطلق سراحه دون محاكمة لعدم كفاية الادلة وعدم وجود قضية اصلاً وذلك بعد مقابلة حامية مع الزعيم عبد الكريم قاسم . وكان من حسن حظي ان الزعيم عبد الكريم قاسم قد أمر بإطلاق سراحي بكفالة أنا والزميل عادل عوني .
تعرف يونس بحري اثناء إعتقاله الى رئيس عرفاء في السجن فقال له مرة: لماذا لا تقوم بإنقلاب وتستولي على السلطة؟ فاجاب : كيف وأنا رئيس عرفاء؟ فقال بحري : وكيف استطاع رئيس عرفاء في كوبا ويدعى ( باتيستا) من القيام بانقلاب واستلام الحكم. وحين سمع عبد الكريم قاسم هذه المحادثة ارسل في طلبه وقال له : أتريد أن تفسد عليّ جنودي؟ وبعد اطلاق سراحه افتتح مطعما في منطقة الكرادة ببغداد ، اخذ يرتاده كبار الشخصيات السياسية والفكرية والسفراء فكان أشبه بمنتدى . لم تحبذ اجهزة أمن عبد الكريم قاسم هذه المسألة فسمحوا له بالسفر بعد ان اخذ الزعيم منه وعدا بعدم مهاجمة نظامه وتم تخصيص راتب له بعد سفره الى لبنان قدره مائة دينار يستلمه من السفارة العراقية في بيروت ، فاصدر هناك كتابه الذي يشرح فيه وضعه في سجن ابو غريب والموقف العام في باب المعظم.
ومن النوادر التي حدثت له في الموقف العام انه وتوفيق السويدي – رئيس وزراء سابق - كانا في قاعة واحدة في السجن وكان كلاهما يكنى بـ( ابي لؤي) وفي يوم جاء ضابط السجن صائحاً مَن ( ابو لؤي) فخاف السويدي أن يرد عليه لأنه توقع أن يكون وراءه شرا ولم يجب. وأجابه يونس بحري وكانت المفاجأة أن الضابط احضر مضروفاً يحوي مائد دينار فوقّع بحري واستلمها . وبعد فترة جاءت رسالة الى توفيق السويدي تقول (هل استلمت المائة دينار؟)
ومن طريف حديثه قبل وفاته بفترة قصيرة أن جاء أحد الزوار وكان يتحدث بشكل بطولي عن مقدرته حيث خدع احد افراد شرطة الحدود وهرًب بعض المواد حين دخوله العراق من الحدود التركية.. وبعد مفادرة هذا الرجل قال بحري : ضحكنا على ذقون ملوك ورؤساء سنين طويلة وهذا يتفاخر بأنه خدع شرطياً.
عن اعتقال يونس بحري صبيحة يوم 14 تموز 1958 يقول : إستيقظت في الساعة السادسة من صباح يوم 14 تموز 1958 على اصوات كانت تتعالى من الطابق الارضي في منزل ابن اخي العقيد الركن وحيد صادق الجبوري وهو مساعد رئيس استخبارات الجيش العراقي الزعيم عبد المجيد حسن الذي عيّن أمينا للعاصمة يوم 14 تموز.
وبعد ربع ساعة طرق باب غرفتي طرقا عنيفاً وقبل أن ارد على الطارق فتح الباب وأطل أبن اخي وقال وهو يحملق في وجهي بعصبية ظاهرة : عماه لقد قام الجيش بانقلاب عسكري. وقال أنني ذاهب الى الى وزارة الدفاع فابق انت هنا لترى جلية الامر واستمع الى اذاعة بغداد. إن صديقي العقيد عبد السلام عارف قد خاطبني تلفونيا وطلب اليّ باسم مجلس الثورة ان اذهب الى الوزارة لارابط في مقر ادارة الاستخبارات لتلقي الاوامر وتنفيذها. وكانت الصحف صبيحة يوم 14 تموز قد نشرت خبر وصولي الى بغداد معددة الولائم والحفلات التي سيقيمها لي فلان وفلان وذكرت انني حللت في فندق ( ريجنت بالاس) وبالفعل لو لم انتقل عصر يوم 13 تموز من الفندق الى دار ابن اخي لكنت اليوم في عداد المسحولين . فقد القي القبض على جميع السادة الذين كانوا سيقيمون لي الحفلات ولكنهم لم يجدوني. لكن احد اصدقائي نقل الى شرطة بغداد بأنني موجود في دار العقيد الركن وحيد صادق الجبوري فقام هؤلاء السادة النجباء بابلاغ الخبر الى انضباط الجيش فبعثوا لي الرئيس – الرائد- سعيد مطر فتقلني الى وزارة الدفاع وساعة دخولي كانت ساعة وصول جثة نوري السعيد محمولا على سيارة جيب وكانت الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 15 تموز 1958 .

بقيتُ في مكتب عريف الخفر التابع للانضباط العسكري حيث مرّ من أمام باب المكتب ضابط برتبة ملازم كنتُ اعرفه من مدينة الموصل وهو شيوعي قديم قد ارخى شاربيه ، وكان شبه صديق لي اقضي له بعض حاجاته عندما يمر ببيروت ، وما أن رآني حتى جمد بمكانه واقترب مني حتى صار على بعد مترين وبسرعة البرق الخاطف إنهال عليّ ضربا وشتماً وأبصق بعد ذلك بصاقاً إنهمر على وجهي ورأسي وملابس ثم حاول سحب مسدسه فتصدى له العريف وقال له انا مسؤول عن حياة هذا الرجل وانا عريف الخفر فاذا لم تذهب فانني سالقي القبض عليك. فذهب الضابط واسمه ( مصباح الخيرو) وقد رأى بعض الجنود الضابط الخيرو وهو يضربني ويشتمني في مكتب العريف فتجمهروا حول باب المكتب وراحوا يصرخون باعلى اصواتهم : هذا خائن متآمر .. رجعي من العهد البائد.. إقتلوه .. اسلحلوه!!!. وتشاء الصدف أن يكون آمر الانضباط العسكري العقيد عبد الكريم الجدة في مكتبه الذي يبعد عنا اربعة أمتار فقط فخرج ليرى مصدر هذه الضجة فلما رآهم يحاولون الهجوم عليّ صاح بهم بلهجة الآمر : إستعدوا. فوقفوا وقفة الاستعداد ثم صاح مرة ثانية : الى الوراء در. واردف : الى الامام سر. فساروا لا يلوون على شيء. فلقد انقذني الجدة من موت أكيد. وقلت للعقيد الجدة : الى متى سأبقى هنا؟ قال الى ان تخلوا الشوارع من الناس، فنحن لا نملك القوات الكافية للهيمنة على هؤلاء الذين ثارت اعصابهم من مدنيين وعسكريين . وقد اصدر الحاكم العسكري العام أمراً بمنع التجول إعتباراً من الساعة الثامنة اي بعد نصف ساعة فقط فاصبر.
في سجن ابو غريب
كانت الساعة العاشرة من مساء 15 تموز ، لما دخلتُ المعتقل في المستشفى القديم فلم أر فيه إلا رجلاً واحداً هو المرحوم سعيد قزاز وزير الداخلية فحياني قائلا : الحمد لله على السلامة. ثم سألني أين بقية الاخوان ؟ فقلتُ :أن قسماً منهم بوزارة الدفاع وقسم آخر في معسكر الوشاش والباقون في الطريق الى هنا...
عند منتصف الليل أضيئت انوار الغرف الاخرى ، وجاء آمر المعتقل المقدم نوري حسين ، وكان مرحاً يحب إطلاق النكات ، فلما رآني وأنا ارتدي بيجاما سوداء ، صاح مهللا : والله يا يونس هو اللباس المناسب للمشنقة.
فأجبته على الفور : يشنق عدوك يا سيادة المقدم.
فضحك مقهقهاً ثم قال : ذولة ربعك جبناهم.
وفتح باب السجن على مصراعيه فكان اول الداخلين الشيخ محمد العريبي الرجل الذي كان نوري السعيد يقصده للاختفاء في بيته في حي البتاوين ببغداد، ثم تبعه نائل سلطان مساعد مدير الأمن العام ، ففخري الفخري أمين العاصمة ، فعلي حيدر الركابي مدير نادي المنصور، فعادل عوني صاحب جريدة( الحوادث) البغدادية ، فبرهان الدين باش أعيان وزير الدولة والارشاد . وكان كل منهم يحمل على كتفه فراشه ويحمل بيده حقيبة فيها بعض الملابس والادوات الخاصة بالحلاقة.
وزعونا على الغرف ، فكان نصيبي الغرفة رقم (2) المتاخمة لغرفة سعيد قزاز وبرهان الدين باش اعيان . وفي الغرفة المقابلة وضع الشيخ محمد العريبي ونائل السلطان ، وكانا مريضين ، فقد أصيب العريبي بإسهال حاد ، في حين أصيب نائل بامساك حاد. هذا يولول من كثرة الذهاب والاياب الى بيت الخلاء وذلك يصيح من عسر هضمه فلم ينم لحظة واحدة ولم يتركنا ننام.
كان الجميع في المعتقل ينامون على الفرشات التي جاءوا بها إلا أنا فقد كان فراشي الوحيد نسخة من جريدة (الحياة ) اصطحبتها معي من بيروت ووضعت حذائي تحت رأسي كمخدة.
وفي الصباح الباكر كثر الهرج والمرج في المعسكر وكان لغرفتنا نافذة تطل على المدخل الرئيس للسجن ، فشاهدنا فوجاً جديداً من المعتقلين وهم يرسفون بالسلاسل والاغلال ودخلوا الواحد تلو الاخر كقطيع من الغنم يساق الى المجزرة.
إن جل هؤلاء لم يكن قد سمع طوال حياته كلمة بذيئة تقال له في حضرته ،أما الان فقد أخذ الضباط والجنود يصبون علينا شتائمهم صباً وكلها من العيار الثقيل الذي تعافه النفس ويمجه الذوق..
لقد أذاقونا الأمرين في خلال الاسبوع الاول من توقيفنا في سجن أبي غريب ، ولكنني كنتُ أهديء من روع الرفاق وأمنيهم بالخلاص قريبا ، مؤكداً لهم بأن هذه مرحلة سنجتازها بسلام وستكون قصة نرويها لاولادنا ليتخذوا منها دروساً وعبرة.
ورحنا نحصي الداخلين ، وكنتُ أسجل أسماءهم على ورقة زرقاء ما زلتُ محتفظاً بها ، وكان اول الداخلين الاستاذ كاظم الحيدري مدير إذاعة بغداد الملكية والمعلق السياسي فيها ، وكان يمشي وهو يتكيء على كتفي جنديين ، بينما حمل جندي ثالث فراشه ومتاعه، ثم اعقبه السيد احمد مختار بابان آخر رئيس وزراء في العهد الملكي ، وقد إستحال هذا الرجل الذي كان ما قبل يومين بهي الطلعة الى شيخ طاعن في السن لا يكاد يسير إلا بمشقة.
وتبعه السيد بهجت العطية مدير الامن العام ، وكان هادئا يسير وسيكارة( ثري فايف) لاتفارق شفتيه، وكلما إنتهت سيكارة أتبعها بثانية يشعلها من عقب سابقتها ، وكان كلما بصق قي وجهه جندي يبتسم له وكأنه يشكره مشجعاً.
ودخل خليل كنه وزير المالية العراقية وهو يتمخطر في مشيته مرفوع الرأس ، وكأنه داخل الى حفلة إستقبال في بهو العاصمة لم يلتفت الى أحد ، ولم يعر الشتائم التي إستقبل بها أدنى أهمية. ولعل منظره أخجل الضباط والجنود فكفوا عن شتمه، والتفتوا الى السيد خليل ابراهيم مدير عام عام مجلس وزراء الاتحاد العربي فاغرقوه بسيل من الشتائم وجعلوا يرجمونه بالحصى والحجارة ولكنه كان بمعزل عما يدور حوله ، فلقد عض بأسنانه على غليونه التقليدي متحملاً ألم الضرب غير عابيء بتلك الشتائم.
وبعد لحظة دخل عبد الجبار فهمي متصرف بغداد ، وقد حمل على رأسه فراشه ليتقي به الحصى والحجارة .أما الشتائم فقد كان بحكم ماضيه ، في الشرطة معتاداً على سماعها ، فكان يبتسم للضباط والجنود .
وعندما أدخل السيد محمود عبد الكريم مراسل وكالة ( رويتر ) البريطانية في العراق ،إستقبل بالحملة المعهودة من الشتائم والضربات ولكنه كان يضحك بصوت سمعناه وهو يردد متسائلاً:
- - يا جماعة أريد أعرف وين موجود الملعون يونس بحري
- - فناديته قائلاً : هنا يا أعوج
فصاح والحجارة تدغدغ جسمه ، وهو يقفز من شدة الالم هيء لي محلاً في غرفتك..
فصحتُ به : حاضر
وجاء دور الدكتور محمد حسن سلمان وزير الصحة العراقي الاسبق، فكان كلما شتموه يرفع يده بالتحية شاكراً والمسبحة بيده وهو يمشي بتؤدة وهدوء وكأنه يسير في تشييع جنازة شخصية محترمة.
أما سامي فتاح وزير الداخلية الاسبق وزير الداخلية الاسبق وهو أمير لواء سابق في الجيش فقد عرفه الضباط والجنود ومع أنهم لم يتعرضوا له بسوء فلقد كان وجلاً ، وما أن وصل الى غرفتنا حتى تهاوى على الارض.
ثم دخل الدكتور نديم الباجه جي وزير الاقتصاد العراقي السابق والخبير العالمي بشؤون النفط ، وكان يسير وراءه صديقه المرح يحيى قاسم صاحب جريدة الشعب البغدادية ، وقد شاء القدر أن يقيدا بسبسلة واحدة حتى في المعتقل ، فهما صديقان حميمان قلّ أن يفترقا.
وإنقضى اليوم الثاني من حياة السجن بإستعراض الشخصيات التي حكمت العراق ردحا طويلاً من الزمن، فكانت النتيجة بالنسبة اليهم شيئاً واحداً : السجن أو الموت.
ويضيف يونس بحري في ذكرياته عن سجن ابو غريب فيقول: عندما علموا أن سعيد قزاز – عدو الشيوعية اللدود – هو في الغرفة المجاورة لنا ،إنهالوا عليه بالشتائم وبالتهديد بالموت رمياً بالرصاص وصاحوا به ، لقد نبشنا اليوم قبر سيدك نوري السعيد الذي كان مدفونا هنا في ابو غريب وسلمنا جثته الى الشعب ليسحلها ببغداد وسنسلمك أنت أيضاً يا ايها المجرم الخائن. وتطلع سعيد قزاز في وجوه الضباط فعرف احدهم وكان برتبة رئيس – رائد – فصاح به قائلاً : هذا أنت شيوعي ..أنت عباس الدجيلي .. هل هذا جزائي منك؟ ألم أنقذك من السجن . ألم اعطك عملاً عندما أحالوك على التقاعد؟
فاجابه الضابط عباس الدجيلي بقوله : لقد لعبت دورك القذر في مكافحة الشيوعية بدون هوادة أو لين .. والان فإننا سنلعب أدوارنا بنفس الروح التي كنتم تعاملوننا بها وأكثر.
صار عددنا في الغرفة رقم (2) في اليوم الثالث من اعتقالنا (27) شخصاً ،إذ وصل الى المعتقل ضيوف جدد كالمحامي ناظم بطرس مذيع التلفزة والاذاعة الاول، وكانوا يلقبونه بمذيع حلف بغداد فضموه الينا في غرفتنا.
وأدخلوا علينا السيد ملك سيف الصابئي من قدامى مؤسسي الحزب الشيوعي في بغداد وأكثر اعضاء ذلك الحزب إطلاعاً ومعرفة عقائدية بالمباديء اللينينية والستالينية ، ولكنه إرتد عن الشيوعية بعد شنق زعيم الحزب الشيوعي العراقي( فهد) ورفاقه عام 1948، وأصبح وكيلاً مستشاراً في إدارة الأمن العام العراقي ، وكان له النصيب الاوفر في وضع ( الموسوعة) الرسمية عن الشيوعية والشيوعيين في العراق والبلاد العربية وايران.
واشترك مالك سيف ايضاً في وضع ( الملف الاحمر) عن الشيوعيين العراقيين وعن الموالين والمؤيدين للحزب الشيوعي وإن لم يكونوا اعضاء في الحزب.
وقد القي القبض على مالك سيف بسرعة حتى أن انضباط الجيش لم يسمح له بارتداء ملابسه فجاءنا وهو يلبس البيجاما وليس معه فراش أو متاع.
وما أن دقت الساعة التاسعة صباحاً في ذلك اليوم حتى ساد الهرج والمرج فناء المعسكر وسمعناهم يقولون هذا توفيق السويدي .. لقد قبضنا عليه في مزرعته وهو مختف في أكوام من التبن في حظيرة. ولما دخل علينا كانت آثار الضرب على وجهه ورأسه الاشقر بادية للعيان.
ثم جاءوا بآخر والقوه عليّ ومددت يدي مصافحاً أهلا بك أبا ليث. فقال الدكتور فاضل الجمالي بلهجته الساخرة حتى في ذلك الموقف الحرج .. انظروا الى هذه الجروح في جسمي والى الكدمات في رأسي .. لقد استمروا في ضربي بأخمص البنادق والمسدسات منذ الساعة الخامسة حتى قبل ربع ساعة.
ثم نودي مرة اخرى على الجمالي واخذوه وبعد نصف ساعة عاد الجمالي الينا وآثار ضربات جديدة بادية على وجهه.
وما ان إنتهى الجمالي من كلامه حتى تعالت الاصوات في الخارج وسمعنا اصواتاً تنادي من داخل الغرفة لقد مات .. مات نائل سلطان امام رفاقه في الغرفة ولم يتقدم لاسعافه طبيب او مضمد او جندي بل تركوه يموت إختناقاً بعسر الهضم اذ بقي اربعة ايام مهملا بدون علاج . ثم تقدم اربعة جنود فحملوا جثة نائل سلطان الضخمة المنتفخة والقوا بها على منضدة. ولما ابصر احمد مختار بابان هذا المنظر المؤلم حتى اغمي عليه فهرعنا اليه نرش على وجهه الماء ونفرك رأسه ويديه الى أن فاق. وكانت درجة الحرة تحت اشعة الشمس المحرقة 46 درجة أما عندنا داخل السجن فكانت 49 ونحن في الظل.
وكان السيد عصام مريود نجل الزعيم السوري الشهيد احمد مريود ، قد اعتقل ووضع معنا في غرفتنا وهو من اعز أصدقاء الأمير عبد الاله ولي العهد السابق، وقد كان ضابطً سابقاً في الجيش العراقي .
وجاء مدير السجن المقدم نوري وقال سابعث لكم الملازم ضياء فيعطه كل منكم رقم تلفونه لنتصل باهلكم وذويكم ليأتوا لكم بما تريدون من أكل وشراب وسكائر وملابس وفراش .
ولاول مرة يتكلم توفيق السويدي فقال : يا سعادة المقدم العدل اساس الملك.
فأجاب المقدم نوري : هذا صحيح ولكنكم لو حكمتم بالعدل لما قمنا بهذه الثورة ولما اعتقلناكم. فقال السويدي اننا تحت تصرفكم وستقول العدالة كلمتها فينا وسيحكم التاريخ.
وعندها تدخل المرحوم سعيد قزاز في الموضوع فقال بلهجته الكردية : تكلم عن نفسك وحدك يا استاذ سويدي .أما أنا فإنني مسؤول عن أعمالي كلها.
فاجاب السويدي :أنت تدري يا سعيد بك أن الحكم كان يديره عبد الاله ونوري السعيد ،أما نحن وبقية الرؤساء والوزراء فلم نكن سوى احجار شطرنج ينقلانها حيث ومتى يريدان.
وعندها احتد سعيد قزاز وهبّ واقفاً وهو ينظر الى توفيق السويدي ونسي انه معتقل وقال بحدة وإصرار : هذا كذب وإفتراء بالنسبة لي ولبعض الوزراء الذين اعرفهم وتعرفهم أنت جيدا مثلي . فأنا عندما اضطلع بالمسؤولية لا اعرف عبد الاله ونوري بل اعرف واجبي ومسؤوليتي ، والان وأنا معتقل أقول امام الله والناس ان هؤلاء جميعاً ليسوا بمسؤولين بل المسؤول انا وحدي عنهم على الاقل.
واشار بيده الى متصرف بغداد عبد الجبار فهمي والى بهجة العطية والى بقية الموظفين التابعين لوزارة الداخلية من متصرفي الالوية ومدراء الشرطة وأمانة العاصمة والبلديات
ولما رأى المقدم نوري بأن النقاش احتدم نادى على الملازم ضياء وقال له : هيا اكتب ارقام تلفونات (الجماعة) ومطالبهم.
بالمناسبة عن شجاعة وصراحة المرحوم سعيد قزاز يتحدث نقيب الصحفيين العراقيين الاسبق فيصل حسون الذي اعتقل هو الاخر في الايام الاولى للثورة فيقول في مذكراته( شهادات في هوامش التاريخ) في الساعة الثانية عشرة ليلاً من يوم 29 تموز 1958 بعد أن مضى اسبوعان على قيام الثورة وعبر جهاز التلفون تناهى الى سمعي صوت شخص يسأل عني ويرجو أن انتظره ليوافيني بخبر يريد نشره في الجريدة. وكنتُ استعد لمغادرة مكتبي بعد أن اوشك عملي على الانتهاء . وبعد المكالمة بنحو ربع ساعة دخل مكتبي ضابط برتبة رئيس اول ( رائد) عرفت فيما بعد انه من الشيوعيين واسمه ( سعيد مطر) يرافقه شخص يرتدي ملابس مدنية عرفت فيما بعد انه الصحفي يونس الطائي المقرب للزعيم قاسم والذي اصدر صحيفة الثورة الناطقة باسم الزعيم قاسم. وصعدت معهم الى سيارة للاندروفر عسكرية واتجهت بنا الى الموقف العام بباب المعظم حيث سلمني الى آمر المعتقل النقيب انور عبد القادر الحديثي الذي احضر لي فراشاً استلقيت عليه وكانت الساعة قد جاوزت الواحدة صباحا. ولمحت من بعيد احمد مختار بابان.وكذلك فاضل الجمالي، الذي لم يتم دهشته وحسب أني جئتُ ازور المعتقل بمهمة صحفية وانا لا اعرف سبب اعتقالي وذهب بي الظن انني لست سوى الضحية الخطأ غير مقصود.وقد تجمعوا حولي يسألونني عن آخر الاخبار. وكان اول من تعرفت عليهم من المعتقلين الذين تحلقوا في الصباح حول فراشي يسألونني عن احوال البلد وتطورات الثورة السيد سعيد قزاز آخر وزير للداخلية قبل اندلاع الثورة – وقد بادرني قائلا على الفور من التقائي به : حاولت قبل الثورة بثلاثة ايام أن اتحدث اليك تلفونياً .. لكنني اخفقت في الاتصال بك على الرغم من تكرار المحاولة ثلاث مرات.
قلت له : ولكن احدا لم يبلغني أنك إتصلت بي تلفونياً
قال : وهل أنا مجنون لاقول لمن رد على إتصالي التلفوني بمكتبك أني وزير الداخلية ، وليست بيننا معرفة شخصية لاتسبب في ازعاجك وقلاق راحتك وجعلك تضرب اخماساً باسداس عما يريده منك وزير الداخلية؟
وادركت – في تلك اللحظة – اي نوع من الجال كان سعيد قزاز الذي ظلمناه حين تصورنا انه واحد من جلاوزة الحكم. .. متجاوزين عن الصفات الانسانية التي كان يتحلى بها.
واضاف سعيد قزاز :أنه قرأ سلسلة مقالاتي عن زيارتي الاولى للسليمانية والمناطق المحيطة بها من شمال العراق. وكانت له ملاحظات على تلك المقالات التي نشرت قبل الثورة باسبوع.
ويضيف الاستاذ حسون: لقد سمعت باذني ورأيت بعيني سعيد قزاز يدور على رجال الادارة والامن التابعين لوزارة الداخلية من المعتقلين ويقول لهم فرادى او مجتمعين ان عليهم حين يسألون – خلال مواجهاتهم مع لجان وهيئات التحقيق عن اية قضية تتصل بعملهم ووظائفهم الا يترددوا في القاء المسؤولية على عاتق وزيرهم وزير الداخلية كأن يقولوا :أن سعيد قزاز هو الذي أمر بذلك وأنهم نفذوا التعليمات والاوامر التي أصدرها اليهم وسمعته ذات مرة يقول: لقد كنتُ وزيراً ولم أكن طرطوراً وأنني مستعد لتحمل مسؤولية الوزير بعد أن ذهب عني النفوذ والسلطان ولن اقول ما يقوله غيري .. لن اقول كنت انفذ عن غير قناعة – اوامر عبد الاله ونوري السعيد – فقد مات عبد الاله ونوري السعيد وبوسعي ان احملهما المسؤولية بعد ان غابا عن الوجود.لكنني أقر بمحض إختياري واعلن تحملي مسؤولية كوني وزيرا نفذتُ السياسة التي آمنت بها والتي أعتبرها سياستي ولست مستعدا للتنصل منها طلبا للخلاص من العقاب مهما كانت النتائج والتبعات.
نعود الى يونس بحري وذكرياته عن سجن ابي غريب فيقول: كان السيد عصام مريود نجل الزعيم السوري الشهيد احمد مريود قد اعتقل ووضع معنا في غرفتنا وهو من اعز اصدقاء الامير عبد الاله ولي العهد السابق ، وقد كان ضابطاً سابقاً في الجيش العراقي ولما اعتزل صار متعهدا للوازم الجيش .
دخل علينا ضابط يتقدم مجموعة من ضباط ارقى منه رتبة لانه كان برتبة رئيس ( نقيب)وهو فاضل الساقي، والباقون كان اقلهم رتبة يحمل تاج على كتفه اي رئيس اول . وقال الضابط : أين كاظم الحيدري ؟
فرد عليه السيد الحيدري بكلمة : داعيكم.
فصب عليه الضابط وابلاً من الشتائم والمسبات ، كل هذا والضباط الملتفون حوله سكوت لا يبدون حراكاً.
كان عدد المعتقلين في إزدياد ، وما إن مر اليوم الخامس على اعتقالنا حتى اصبح مجموعنا (104) اشخاص كلنا مدنيون ، وهذا العدد هو ما تضمنته القائمة الاولى التي نشرت باسماء كبار المعتقلين من رؤساء وزارات ووزراء واعيان ونواب وساسة ، لم يكن بينهم من الصحفيين سوى عادل عوني صاحب جريدة ( الحوادث) ويحيى قاسم صاحب جريدة ( الشعب) البغداديتين وكاتب هذه السطور.
فقد اصدرت حكومة الثورة الاولى والاخيرة باسماء المعتقلين المئة والاربعة وعلى رأسهم اسم المرحوم سعيد قزاز وزير الداخلية الاخير في العهد الملكي وهو يحمل الرقم (1). اما الاسم الذي تلاه فكان إسمي أنا ( يونس بحري) أي أنني الرقم الثاني في الجريمة والخيانة والتآمر.
دخل علينا المقدم نوري حسين والتفت اليّ وهو يقول أن زوجتك بالباب قد احضرت لك ملابس وفراشاً وأمتعة فلا تخاطبها أنت دعها تتكلم ولا تجب الا بنعم او لا. ومشيتُ مع المقدم نوري الى الباب ولاول مرة رأيتُ فيها زوجتي منذ إعتقالي قبل إسبوع وكانت هذه الزيارة اول زيارة تقوم بها إمرأة للسجن. وبعد ان اخبرتني بالذي تريد قلت لها يجب ان تعودي الى لبنان بدون ابطاء إنني لاحق بك إن شاء الله قريباً.
وإنصرفت زوجتي وما ان عدتُ وأنا احمل فراشي وامتعتي وحقيبة ملابسي حتى دوى صوت المقدم نوري حسين ينادي من وراء الباب الداخلي : يونس بحري ،إلبس كاملاً. قال ذلك وبعث اليّ رئيس العرفاء رسن ليفك القيد من يدي لكي استطيع ارتداء ملابسي وقادني رسن الى مكتب مدير السجن حيث كان سعيد مطر من هيئة الانضباط العسكري وهو الذي إعتقلني يوم 15 تموز 1958 ومعه ضابط آخر وأربعة جنود.
قال المقدم نوري أن وزير الداخلية ونائب القائد العام – يقصد العقيد عبد السلام عارف - قد طلبك وسيأخذك الرئيس مطر الى هناك.
وما ان وصلنا الوزارة واصبحنا على باب وزير الداخلية حتى فتح الباب على مصراعيه قبل ان يطرق الرئيس مطر الباب وصاح بنا صوت مرافق الوزير : إدخلوا.
كان العقيد عبد السلام عارف وراء المنضدة الكبيرة التي أمر بصنعها السيد رشيد عالي الكيلاني لما كان وزيرا للداخلية بوزارة المرحوم ياسين الهاشمي في سنة 1935. وقد تعاقب عليها وزراء الداخلية منذ ذلك الوقت حتى جاء دور اول وزير في العهد الجمهوري ليجلس أمامها.
دخلتُ وانا اتطلع الى المنضدة كالمسعور .. فسألني الوزير وهو ينظر اليّ بدهشة :
لماذا تنظر الى هذه المنضدة هكذا؟
قلتُ: ليسمح لي سيادتك أن اقول بصراحة ان هذه المنضدة مشؤومة .
قال: لماذا؟
فرويت له قصتها بإيجاز فإمتقع لونه .. وفغر فاه وشهدتُ شفته العليا ترتعش بوضوح وراح بدوره يتطلع الى المنضدة تطلع الرجل الذي صدقت أذناه ما سمع. فما كان منه إلا أن جلس على مقعد أمام المنضدة واشار الى المقدم المتاخم له وقال لي بصوت مرتجف :إجلس. فجلستُ وانا انظر اليه كمنوم مغناطيسي يحاول ان ينوم وسيطاً عنيداً. بيد أن محاولتي كانت اسهل مما كنت قد تصورت من قبل. لقد تناسى العقيد عارف الموضوع الذي استقدمني من أجله والذي كنتُ اجهله بالطبع . ولكن شعوراً داخلياً أوحى لي بأن أمثل معه ذلك الدور لاخفف من حدته واحول تركيز تفكيره على ناحية تضعف اعصابه وتدخل الشك الى نفسه، خاصة بعدما سمعتُ من كثيرين يعرفونه من وزراء العراق المعتقلين معنا عن كثرة وساوسه وشكوكه وتردده وسرعة تصديقه لما يسمع.
وبقدرة قادر تحول هذا الضابط المتحفز المشاكس الى حمل وديع . جلس الى جانبي كتلميذ مهذب يوجه الى استاذه اسئلة غير منتظمة عن مختلف وزراء العهد الملكي الذين سبقوه في هذا المكان وعملوا على تلك المنضدة المشؤومة المائلة امامنا.
وقد ركز اسئلته على وزيرين سابقين للداخلية اولهما رشيد عالي الكيلاني والثاني أمير اللواء المتقاعد سامي فتاح. واتضح لي من شكل اسئلته انه كان شغوفا برشيد عالي الكيلاني ويحبه حباً جماً يقرب من العبادة ، في حين انه كان يكره سامي فتاح كرهاً شديداً مفعماً بالمقت والازدراء.
وصفتُ له أعمال الرجلين ومراحل أدوارهما في الداخلية زهاء ساعة كاملة ، وهو ينصت اليّ بإمعان مطالباً بالمزيد. ولو لم يدخل المرافق لينبه العقيد عارف وزير الداخلية الى ان السفير البريطاني قد حضر لما سمح لي بالذهاب.
اعادوني الى السجن ثانية وما ان دخلت حتى إحتاطني رفاق السجن وأمطروني بمختلف الاسئلة عما حدث لي : لما طلبوك؟ وماذا جرى؟
لقد كنتُ اول معتقل يستدعى الى خارج السجن بعد أن إستدعي الحاج محمود الاستربادي واولاده الثلاثة الذين إختفى عندهم نوري السعيد ليلة 15 تموز، ولكن الاستربادي لم يعد الى السجن هو واولاده بعد ان حكمت عليهم المحكمة العرفية العسكرية بالسجن ثلاث سنوات.
وبينما كنا نتحدث ونستمع الى آراء مالك سيف في الشيوعية ومشاكلها العقائدية المتناقضة ونحن نمتع الطرف بمشاهدة العمل الجاري حولنا دوى صوت المقدم نوري حسين مناديا: تفتيش. خرجنا من الغرف واصطف اصحاب كل غرفة امام غرفتهم في صفين مزدوجين ودخل علينا زهاء عشرين ضابطاً يحمل كل منهم مدفعاً رشاشاً يتقدمهم ضابط برتبة رئيس يظهر من تصرفاته بأنه كان صاحب الامر في هذه المجموعة من الضباط ، حتى ان المقدم نوري حسين كان يقف امامه وقفة الاستعداد والاحترام.
وقف الرئيس في منتصف القاعة ووجه كلامه الى المقدم نوري قائلاً: المجموع؟ فاجاب (104) معتقلين. ثم قدم له قائمة مرقمة باسمائنا فتناولها وراح يقرأ الاسماء بصوت مرتفع وكان كل واحد منا يجيب بكلمة موجود ولما إنتهى من مطابقة الاسماء الموجودين قال لنا : البسوا كاملا واحزموا امتعتكم واستعدوا جميعاً.
وراح الرئيس المجهول ينادينا باسمائنا ليشد كل إثنين بسلسلة واحدة بأرجلنا ويقيد ايدينا بأيدي رفاقنا ثم توزعنا كل عشرة في سيارة شحن. وبعد ساعة انزلونا امام المدخل الجانبي لسجن الاحداث المتفرع من سجن بغداد الكبير الواقع في الباب المعظم مقابل وزارة الخارجية العراقية. وما ان تم توزيعنا كل 35 شخصا على قاووش حتى ناداني الرئيس المجهول باسمي قائلاً : احمل فراشك وامتعتك وإتبعني. فامتثلتُ للامر فاقتادني الى غرفة صغيرة تقع عند مدخل سجن الاحداث يبلغ طولها ثلاثة امتار وعرضها متر ونصف. وامرني بدخولها واقفل الباب المؤلف من قضبان من الحديد المتقاطع وبعد ساعة عاد الرئيس المجهول وفتح باب غرفتي ودفع بزميلي الشيوعي السابق مالك سيف الى داخل الغرفة ثم اقفلها علينا نحن الاثنين. ثم وفد علينا ضيف ثالث هو كاظم الحيدري مدير اذاعة بغداد.وسألنا الحيدري من هو هذا الرئيس المجهول ؟ اجاب: عبد الستار سبع العبوسي الضابط الذي قتل الملك فيصل وعبد الاله وبقية اعضاء العائلة الهاشمية الملكة بيده وبمدفعه الرشاش. وهو اليوم نائب رئيس معتقلنا او سجننا هذا انور عبد القادر الحديثي. وبالرغم من أن الرئيس انور الحديثي هو رئيس السجن فإن الرئيس عبد الستار سبع هو الكل في الكل .
وبعد يومين جاءنا رئيس العرفاء( لفتة) وهو يصيح جذلاً مسروراً : يا يونس لقد عفونا عنك. ثم فتح الباب وقال احملوا فراشكم وامتعتكم وإتبعوني ، لقد أمر الرئيس عبد الستار سبع باعفائكم من السجن في هذه الغرفة وستبقون مع المجموعة. ووضعني رئيس العرافاء ( لفتة) في القاووش رقم(2) وكان يقيم فيه عبد الوهاب مرجان واحمد مختار بابان وفاضل الجمالي وتوفيق السويدي وخليل كنه وخليل ابراهيم وبهجت العطية وعبد الجبار فهمي وسعيد قزاز وعصام مريود واحمد نامق ( حفيد السلطان عبد المجيد الخليفة العثماني ) والمطلوب من الجمهورية العربية المتحدة وسعيد لطفي المذيع المصري اللاجيء الى العراق في لعهد الملكي ومحمود هندي الضابط السوري اللاجيء للعراق وجمال المفتي نائب الموصل السابق وشقيقه حازم المفتي المحامي والشيخ الرومي من مشايخ الطرق في الموصل وهو شيخ طاعن في السن اعتقلوه لانه اقام الفاتحة في داره لمدة ثلاثة ايام على روح الملك فيصل الثاني.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

578 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع