قصة قصيرة كاملة الثعبان الاسود

                                               

                           بقلم أحمد فخري

       

              قصة قصيرة كاملة - الثعبان الاسود

مدينة اودون تاني / تايلندا :دخل الثعبان الاسود داخل مراب السيارات بحثاً عن مأوىً آمن لتضع فيه صغيرها. بقيت تتجول بين السيارات المعفرة الجاثمة في المراب حتى وقع اختيارها اخيراً على واحدة بيضاء اللون والتي كانت من نوع هاونداي. دخلت بداخل المحرك من الاسفل متجولةً فيه بين الاسلاك حتى وصلت الى فتحة كبيرة تسللت من خلالها الى القمرة. صعدت فوق المرآة المثبتة على السقف تبحث عن ملجأ ملائم لوضع صغيرها. بقيت تتجول بداخل القمرة حتى وصلت الى فتحة اخرى بين المقعدين الخلفيين لتنفذ منها وتدخل الصندوق الخلفي فاطمأنت هناك ونامت فيه كي تريح جسدها الواهن استعداداً لتفقيس بيضها واخراج صغيرها من بطنها. بفجر اليوم التالي بدأ الفرخ الصغير يخرج منها حتى استقر بين احظانها. علمت الام ان عليها اطعامه لذلك خرجت من مخبأها ليلاً بنفس الطريق الذي دخلته وراحت تتجول في المراب بحثاً عن فيران أو ضفادع أوما شابه لتصطادها وترجعها لفرخها الجائع. خلال تلك الفترة خرج حارس السيارات السيد سومساك يؤدي دوريته الروتينية بتفقد السيارات بالمراب تحسباً من وجود لصوص يبتغون سرقة اكسسوارات السيارات. قرب كثيراً من الثعبان الام لكنها تجمدت في مكانها كي لا تجذب انتباه الحارس، وبحكم لونها الاسود الداكن تخفت بظلمة الليل ولم يشعر بوجودها بتاتاً. ولما اصبح بعيداً عنها واصلت بحثها عن الطعام حتى عثرت على حفرة تجمعت فيها مياه الامطار لتصبح مرتعاً لفراخ الضفادع. التقطت واحدة منها وعادت بها الى حيث تركت الفرخ بداخل صندوق السيارة البيضاء وراحت تطعمه.
<<<<<<<<<<
مقاطعة نون بوا الواقعة 70 كلم عن اودون تاني بتايلندا
اوى وليد الى الفراش لترحب به حبيبته نيشا التي سبقته فصارت تدعك رقبته التي كانت تؤلمه كثيراً محاولة ازالةً الصداع عنه.
نيشا : كيف تشعر الآن يا حبيبي؟
وليد : افضل بقليل ولكن ما هذه الرائحة النفاذة؟
نيشا : انه المرهم الذي اشتريته لك خصيصاً من السوق الشعبي هذا الصباح، انه يحتوي على زيوت طبيعية مستخلصة من اشجار اليوكالبتوز، انها قطعاً ستريح رقبتك وتزيل عنك الصداع.
وليد : انتم بارعون في استخدام العلاجات الطبيعية. اليس كذلك؟
نيشا : اجل، هذه ثقافتنا القديمة بتايلندا فقد تعمق اسلافنا بها منذ مئات السنين.
وليد : انا جداً سعيد لانني قررت الاستقرار عندك هنا بتايلندا حتى آخر يوم بحياتي.
نيشا : انت لا زلت لم تستقر بشكل ثابت ودائم بعد، فقد مضى على مجيئك 6 شهور فقط. سوف تتأقلم اكثر كلما طالت المدة وتعلمت المزيد من لغتنا التايلندية.
وليد : هذا يذكرني بموضوع الاقامة. يجب الذهاب الى العاصمة بانكوك كي يدمغوا لي الاقامة الدائمية على جواز سفري ثم عليّ المرور بالسفارة الكندية كي يقيدوني بسجلاتهم ككندي مقيم بتايلندا حتى اتمكن من استلام مرتبي التقاعدي هنا.
نيشا : متى تريد الذهاب إذاً؟
وليد : غداً او بعد غد.
نيشا : وكيف ستذهب الى هناك؟
وليد : ساستقل الطائرة او اقوم باستئجار سيارة لاقودها الى العاصمة.
نيشا : إذا كنت ستستأجر سيارة فلماذا لا اسافر معك الى بانكوك فانا لا احب السفر بالطائرة. ستقوم انت بانهاء جميع اجرائاتك. وبدلاً من العودة مباشرة الى هنا، بامكاننا الذهاب الى مدينة بتايا القريبة من العاصمة لنقضي فيها بضعة ايام على الساحل. الم تعدني بذلك وقلت انك ستعلمني السباحة؟
وليد : انها فكرة رائعة لكن سيارات التأجير هنا بمقاطعة (نون بوا) قليلة لذلك سوف لن نحصل على خيارات كثيرة.
نيشا : اسمع حبيبي، لدي فكرة رائعة. دعنا نذهب بالحافلة الى مدينة اودون تاني ومن هناك نستأجر سيارة على مزاجنا. فمدينة اودون تاني لا تبعد سوى 70 كلم عنا.
وليد : حسناً، إذا شفيت من الصداع القاتل فسوف تبدأ رحلتنا غداً.
نيشا : اطمئن حبيبي، سيزول بعد قليل. ولكن قل لي، هل يمكنك استئجار سيارة فيها مكيف هواء؟ فالجو هذه الايام ساخن جداً.
وليد : جميع السيارات الحديثة تكون مزودة بمكيفات اطمئني، سوف تكون رحلة مريحة.
نيشا : كم من الوقت سيستغرق الطريق؟ اقصد مابين اودون تاني وبانكوك؟
وليد : ربما 7 ساعات. واصلي دعك رقبتي وجبهتي ارجوكِ.
بعد مضي نصف ساعة من التدليك الحثيث المتواصل سألته،
نيشا : الا زلت تشعر بالصداع؟
الا انها لم تسمع منه جواباً. نظرت الى وجهه فوجدته نائم. ابتسمت وقبلته من جبينه ثم سكنت الى جانبه لتضع ذراعها فوق كتفه وتنام هي الاخرى. باليوم التالي استيقضت تمام الساعة السادسة فجراً لتترك السرير وتبدأ بالاستعدادات. فتح وليد عيناه وقال،
وليد : لماذا استيقظت مبكراً بهذا الشكل؟ ولماذا تستعملين هاتفك ليصدر طنطنات مزعجة؟
نيشا : الم تقل باننا سنسافر الى بانكوك اليوم؟ وهذا يعني ان علينا المغادرة باسرع وقت ممكن فلدينا رحلة قصيرة الى اودون تاني ثم تليها رحلة طويلة الى بانكوك.
وليد : حسناً، سادخل الحمام اولاً كي استحم واستعد للمغادرة.
نيشا : تأكد من ان جميع اوراقك جاهزة.
وليد : عن اي اوراق تتحدثين؟
نيشا : الم تقل انك تريد زيارة سفارتكم ودائرة الاقامة بعدها؟
وليد : اجل، اجل، انت محقة. ساجلب جواز سفري وباقي المستمسكات.
نيشا : هيا اسرع لو سمحت فالوقت يداهمنا.
بعد مرور ساعة كاملة خرج الحبيبان سيراً على الاقدام يحملان معهما حقيبتين صغيرتين على الاكتاف حتى بلغا محطة الحافلات التي تبعد بضع مئات من الامتار عن المنزل. رأوا الكثير من المسافرين ينتظرون الحافلة فوقفا الى جانبهم وراحوا يؤدون التحية بالطريقة التقليدية وذلك بضم الكفين معاً وخفض الرأس قليلاً الى الامام والتي تدعى (واي) ليقولوا معاً (سوادي كاﭖ). كان الامر شاقاً لان الاعراف هناك تقتضي ان تحيي جميع الواقفين فرداً فرداً. ليس كما اعتاد وليد بمسقط رأسه العراق حيث يقول الفرد للمجموعة (السلام عليكم). وبما ان مقاطعة نون بوا صغيرة فإن الكل يعرف الكل هناك لذلك سيكون من غير اللائق ومن قلة الادب ان تنسى احداً دون ان تحييه.
وصلت الحافلة فاختار وليد وحبيبته نيشا موقعاً ليجلسا به وسط الحافلة ينتظران بدأ الرحلة. وبعد بضع دقائق تحركت الحافلة بين الطرقات الفرعية بالبداية حتى وصلت الى الخط السريع الذي قادها سائقها ليأخذهم برحلتهم الى مدينة اودون تاني. وفي الطريق سألت نيشا،
نيشا : هل تعرف ثمن استئجار السيارة؟
وليد : اعتقد انه لا يزيد عن 150 بات باليوم الواحد لقد بحثت عنه بالانترنيت.
نيشا : يا الهي، انه مبلغ كبير جداً.
وليد : بالعكس يا حبيبتي. لو اردنا استئجار سيارة بكندا فسيكون الثمن عشرة اضعاف هذا المبلغ.
نيشا : اجل لكنك هنا بتايلندا وهذا المبلغ يعتبر كبيراً.
وليد : لا تقلقي حبيبتي فالايجار اليومي يوازي 5 دولارات باليوم.
نيشا : سوف لن اناقشك بالامر، فانت اعلم بذلك. لكنني مُصِرّة على انه مبلغ كبير.
بعد مرور ما يقل عن ساعة بقليل، وصلت الحافلة فنزل منها وليد ونيشا ليسيرا في الشارع الرئيسي لمدينة اودون تاني حتى وصلا الى وكالة تأجير السيارات. دخلا الباب الزجاجي فوجداً شاباً وشابة في اوائل العشرينات من العمر يبدو عليهما من السواح. كانوا يتحدثون مع الموظف بالانجليزية. جلس وليد ونيشا على الكراسي ينتظران دورهما. ولما فرغ الموظف من تسليم السيارة للسائحين، نظر الى وليد وقال،
الموظف : (سوادي كاﭖ)، كيف استطيع خدمتكما؟
وليد : (سوادي كاﭖ)، اريد استئجار سيارة صغيرة.
الموظف : لدينا مجموعة كبيرة من السيارات الصغيرة، بامكانك النظر الى هذه اللائحة التي تحتوي على جميع سياراتنا واسعارها.
استلم وليد اللائحة وراح يتفحصها بتمعن ثم قال،
وليد : اريد سيارة تويوتا يارس.
الموظف : السيارة غير متاحة بهذه اللحظة، ستحضر بعد ساعة من الآن بامكانك اختيار واحدة غيرها او الانتظار حتى يقوم الزبون بتسليمها.
وليد : لا اريد الانتظار.ماذا عن الهايونداي؟
الموظف : لدي هايونداي جاهزة في المراب.
نيشا : ما لونها؟
الموظف : انها بيضاء اللون.
نيشا : هل تحتوي على مكيف هواء؟
الموظف : جميع سياراتنا تحتوي على مكيفات هواء يا سيدتي. انها موديل هذا العام 2022.
وليد : حسناً سنأخذها.
الموظف : سأخبر العامل كي يحظرها لكما بينما تقوم انت بملئ القسيمة كي اهيئ اوراق التأمين وتتم باقي الاجرائات. كيف سيكون الدفع؟
وليد : بالبطاقة الائتمانية.
اتصل الموظف بالهاتف وتحدث باللغة المحلية كي يطلب من العامل جلب السيارة بينما راح وليد يملأ جميع الحقول ثم اعطى الموظف بطاقته الائتمانية فتمت الصفقة. نظر الموظف الى وليد وقال،
الموظف : الخزان مليئ بالوقود، لذلك عليك ان تملأه عند تسليم السيارة.
وليد : سافعل ذلك بالتأكيد.
الموظف : السيارة اصبحت بالخارج. اتمنى لكما رحلة موفقة.
ركب وليد السيارة، تبعته نيشا لتجلس الى جانبه فسألها،
وليد : هل تريدين ان تضعي امتعتك في الصندوق الخلفي؟
نيشا : انك تمزح بالتاكيد. لم اجلب معي سوى فستانين قصيرين وبعض الملابس الداخلية وضعتهما بهذه الحقيبة الصغيرة وسارميها على الكرسي الخلفي.
وليد : هل جلبت ملابسي؟
نيشا : وهل ستحتاج الى ملابس؟ نحن ذاهبان الى الساحل بعد ان تكمل جميع معاملاتك ببانكوك. وعندما نكون بالفندق سوف لن نحتاج الى ملابس.
قالتها وهي تغمز له بعينها كي توصل له رسالة مشفرة.
وليد : حسناً، دعنا ننطلق الآن إذاً.
نيشا : انظر حبيبي الى كراسي السيارة وباقي الفرش انه جميل جداً. اما المكيف فهو رائع سيتجمد وجهي من الهوء البارد المنعش الذي يصدر من الفتحة.
وليد : الم اقل لك ان كل السيارات مكيفة؟
نيشا : اجل حبيبي قلت ذلك لكنني كنت قلقة وحسب فالحرارة اليوم 37 درجة وتشعر وكأنها 42. ولكن برأيك، متى سنصل الى بانكوك؟
وليد : سنصل مساءاً ونتوجه مباشرةً الى فندق الهوليداي إن كي نقضي فيه ليلة واحدة حتى ننهي الاجرائات بالغد ثم نغادره متوجهين الى مدينة بتايا الساحلية.
نيشا : اكاد لا اتحمل من شدة الحماس فنحن لم نذهب الى الساحل سوية منذ ان جئتني واوقعتني بمخالب حبك قبل 6 شهور.
وليد : سألبي جميع طلباتك حبيبتي وانا لم اشعر بالسعادة التامة بحياتي الا بصحبتك.
نيشا : سنهرم سوياً حبيبي وساقوم بالاعتناء بك كما ينبغي.
وليد : النساء الذين على شاكلتك لا تهرم ابداً، بل تزداد جمالاً ونضارة.
ادار وليد محرك السيارة وصار يدفع الكرسي الى الخلف كي يناسب طول ساقيه حتى استقر على موقع مناسب ثم عدل المرآة كي يرى فيها مؤخرة السيارة. وضع معشق التروس الآلي الى علامة (D). فارتجت السيارة الى الامام لتبدأ رحلتهما الى بانكوك. لكن ذلك الارتجاج كان بمثابة هزة ارضية للثعبان الاسود وفرخها الذين كانا نائمين بالصندوق الخلفي الا ان الام تفقدت الامر ودارت بداخل الصندوق فلم تجد اي خطر يحدق بصغيرها فعادت ونامت على العجلة الاحتياطية.
في الطريق سألته،
نيشا : هل تعودت على السياقة لمسافات طويلة؟
وليد : كلا، انا اكرهها مع ان جميع الرحلات التي نقوم بها بكندا هي رحلات طويلة جداً. فمساحة كندا اكبر من مساحة امريكا. لكنني تعودت على قيادة المسافات القصيرة.
نيشا : إذا تعبت من القيادة، فبامكاني ان اقودها عنك.
وليد : لكنك اخبرتني انك لا تملكين اجازة سوق. اليس كذلك؟
نيشا : اجل لكنني اقود بشكل جيد. وسوف لن تشعر الشرطة بانني لا املك رخصة.
وليد : هل كان لديك سيارة في السابق؟
نيشا : كلا، كنت اقود التراكتور الذي كان يملكه والدي رحمه الله في مزرعته.
وليد : حبيبتي قيادة التراكتور ليست كقيادة السيارة.
نيشا : بالعكس، قيادة التراكتور اصعب بكثير. اما هذه السيارة فلديها متراس اوتوماتيكي مما يجعلها اسهل.
وليد : كم انا غبي. فانا اناقش امرأة.
نيشا : لماذا تقول ذلك؟ هل انا انسانة عنيدة؟
وليد : كلا ابداً. وهل يعقل ان تكون المرأة عنيدة.
قهقه صاحبنا والتفت الى القيادة معطياً جل انتباهه الى نظام تحديد المواقع GPS الذي يدله على الطريق السريع.
وبعد مرور اكثر من اربع ساعات سألته،
نيشا : هل تشعر بالجوع؟
وليد : اجل، وانتِ؟
نيشا : بامكاني ان اكلك.
وليد : يا ساتر، لدي امرأة من آكلة لحوم البشر. ساقف في نقطة الخدمات القادمة كي نتناول وجبة الغداء حفاظاً على سلامتي.
صار وليد يركز على يافطات الشارع التي كانت اغلبها مكتوبة باللغة التايلندية والتي يجهلها تماماً في امل ان يجد اي علامة تشير الى قرب قدوم نقطة الخدمات. فجأة سمعها تقول،
نيشا : انها قادمة، هيا اسرع، ادخل بالفتحة التالية.
وليد : حسناً سافعل ذلك، كان الاجدر بهم ان يكتبوا العلامة باللغة الانكليزية كي يفهمها السواح الذين يملأون البلد.
دخلت السيارة نقطة الخدمات لتستقر بموقف السيارات فشعرت الافعى بتوقف السيارة. خرج وليد ونيشا من السيارة بينما دخلت الافعى قمرة السيارة وتسللت من الفتحة كي تخرج من غرفة المحرك متجنبةً الاماكن الساخنة التي تشع حرارة عالية. بقيت تتجول بالاماكن الابرد بداخل المحرك حتى تمكنت بالنهاية من النزول الى السطح وراحت تتنقل بين المركبات الجاثمة بالمراب لتوصلها حاستها الى صفيحة قمامة. تسلقت من على العجلة ثم العمود ودخلتها لتجد فيها الكثير من الاطعمة الملقاة بداخلها فقامت بتناول بعض منها والبعض الآخر قررت الرجوع به الى فرخها الذي ينتظرها بصندوق السيارة.
جلست نيشا على احدى الطاولات تنتظر حبيبها وليد الذي امسك بصينية خشبية وراح يملأها بالاطعمة والفواكه والمثلجات ثم رجع الى الطاولة فسألته،
نيشا : لماذا تأخرت؟ لقد لاحظت انك تنظر الى احدى السائحات الشقراوات الجميلات.
وليد : لا تقولي ذلك. تأخرت لانني انتظرت حتى جاء احد العاملين من الذين يتكلمون الانكليزية فسألته عن لحم الخنزير.
نيشا : إذاً انت لم تنتبه الى تلك الفتاة الشقراء التي كانت واقفة في الصف خلفك!
وليد : إذا كانت خلفي فكيف اراها؟ انا لا املك عيوناً في ظهر رأسي. علاوة على ذلك فانت تعلمين انني لا ارى بهذه الدنيا سواك يا عمري.
نيشا : هذا جيد. وانا احبك حباً جماً ولا اريد ان تستحوذ عليك امرأة اخرى. اما بخصوص الخنزير، فانت تعلم انني امتنعت تماماً عن تناول لحم الخنزير منذ ان اقترنت بك.
وليد : وانا اقدر فيك قرارك هذا. فما فعلت ذلك الا احتراماً لي. انا اشكرك.
نيشا : انا لا اتناول لحم الخنزير حتى عندما لا تكون معي. فانا اعلم انك لا تريدني ان آكله.
وليد : شكراً حبيبتي. انظري، لقد احضرت شطائر الدجاج والبطاطة المقلية وجئت لك بالفانتا لانك لا تحبين الكولا. وجلبت كذلك بعض المثلجات.
نيشا : كم انا سعيدة بدخولك حياتي. فالمرحوم زوجي لم يكن يعاملني بكل هذا اللطف لانه كان يعتبر مسك يدي امام مرأى من الناس امراً مخجلاً.
وليد : انا ليس لدي مشكلة حتى في مضاجعتك امام الناس.
نيشا : ها ها ها. كم احب مزحك يا حبيبي.
<<<<<<<<<<
رجعت الافعى الكبيرة الى السيارة البيضاء ودخلتها بنفس الطريقة التي خرجت منها متلافيةً المحرك الساخن. رجعت الى صغيرها بالصندوق الخلفي وصارت تطعمه. بينما بقي وليد ونيشا بداخل المطعم حتى اكملا وجبتهما الدسمة ثم نظر اليها وقال،
وليد : دعنا نكمل الرحلة فامامنا المزيد من الطريق علينا تغطيته.
نيشا : هيا حبيبي، انا جاهزة لكنني اريد الدخول الى دورة المياه.
وليد : إذاً سانتظرك هنا حتى تعودين.
نيشا : لا تراقب الفتيات اثناء غيابي مفهوم؟
ذهبت نيشا الى دورة المياه وقضت حاجتها ثم عدّلت من مكياجها كي يكون شكلها لائق لحبيبها وليد وخرجت فوجدته مازال جالساً على طاولة الطعام. قالت له، "هيا دعنا نكمل الرحلة" فوقف وسار معها الى خارج المبنى ثم الى مراب السيارات. عثرا على سيارتهما بعد عناء بسيط ثم جلس كلٌ بمقعده لتنطلق بهما السيارة من جديد وتكمل الرحلة الى العاصمة بانكوك. لم تتوقف بعدها في الطريق حتى دخلوا مشارف العاصمة بعدما عسعس عليهم الليل وصارت اضوية المباني تنبئهم بوصولهم الى هدفهم المنشود. صار نظام تحديد المواقع يقودهم بداخل المدينة المزدحمة حتى اوصلهم الى فندق الهوليداي إن بمنطقة سيام. ادخل وليد السيارة بالموقف الصغير ليوقفها بالمكان الشاغر الوحيد ونزلا منها كي يدخلا الفندق. وقف وليد وحبيبته امام مكتب الاستعلامات فقال،
وليد : السلام عليكم، انا اسمي وليد الطائي لقد حجزت غرفة لليلة واحدة عبر الانترنيت من موقع بوكينغ كوم.
الموظف : وعليك السلام سيدي. اجل وجدت حجزك. خصصنا لك غرفة رقم 809 في الطابق الثامن. كيف ستدفع الاجرة؟
وليد : ببطاقة الائتمان.
الموظف : حسناً، تفضل بطاقتين الكترونيتين لفتح الباب.
اخذ وليد البطاقات ودخل المصعد فتبعته نيشا وانغلق باب المصعد. لكنه عندما ضغط على الرقم (8) لم يتحرك المصعد. خرجا من المصعد فوجدا الحاجب امامهما ليقول لهما،
الحاجب : عذراً سيدي، يجب عليك استعمال البطاقة الالكترونية بداخل المصعد كي يتسنى للمصعد الاستجابة لك.
رجع وليد ونيشا المصعد ثانية. لكنهما هذه المرة ادخلا البطاقة بداخل الفتحة ثم ضغطا على الرقم (8) فبدأ المصعد بالصعود. علم وليد وحبيبته وقتها ان ذلك هو اجراء امني يمنع استعمال المصعد على من هو ليس ساكناً بالفندق.
دخل الحبيبان الغرفة ففتحت نيشا التكييف على اعلى درجاته بينما استغل وليد الفرصة ليدخل الحمام كي يستحم اولاً. ولما خرج من الحمام صدمه الهواء البارد الصادر من المكيف فاغتنم فرصة دخول نيشا الى الحمام بعده كي تستحم هي الاخرى ليطفئ التكييف. وراح يجفف شعره ثم دخل السرير. وما هي الا دقائق وخرجت نيشا فعلمت ان حبيبها قد اطفأ التكييف قالت،
نيشا : الجو ساخن يا وليد. لماذا اطفأت التكييف؟
وليد : لقد خرجنا من الحمام للتو واجسادنا لازالت رطبة. سنشعله بعد قليل. دعينا نجف تماماً.
دخلت السرير الى جانبه ووضعت ذراعها فوق كتفه ليغطا بنوم عميق من شدة الارهاق.
باليوم التالي نزل الحبيبان الى الطابق السابع ليتناولا افطارهما فجلسا على احدى الطاولات المحاذية للشباك فذهبت نيشا تحضر الاطعمة التي يحبها وليد فهي تعرف ان افطارهما مختلف تماماً. وليد يفطر بقطعة خبز محمصة مدهونة بالزبدة والمربى مع قدح من الشاي بالحليب بينما تحضر نيشاً صحناً مليئاً بالاطعمة الاسيوية كالنودلز وسجق الدجاج وشوربة الارز الساخنة. بعد الانتهاء من تلك الوجبة قال،
وليد : دعينا نعود للغرفة الآن كي استعد ثم اتوجه الى السفارة ودائرة الهجرة. وانتِ حبيبتي، ماذا ستفعلين؟
نيشا : نا ساغير ملابسي ثم اتوجه الى مجمع الـ MBK سيراً على الاقدام لانه يبعد بضعة مئات من الامتار عن هنا. اريد ان اشتري بعض العطور واتجول كي امضي الوقت فيه.
وليد : إذاً هيا دعينا نكسب اليوم باكمله ولا نضيع المزيد من الوقت.
<<<<<<<<<<
خرجت الافعى السوداء من صندوق السيارة الخلفي تبحث عن الغذاء لها ولفرخها. لكنها عندما غادرت السيارة لمحتها احدى السيدات البدينات ممن انيطت بهن مهمة حراسة السيارات خارج الفندق فاتصلت فوراً بالشرطة الا انها عندما ادارت رأسها نحوها ادركت انها اختفت عن الانظار. وما هي الا دقائق ووقفت سيارة الشرطة اثر بلاغها لكن السيدة اخبرتهم ان الافعى قد اختفت فسألها الشرطي عن نوع الافعى فاجابته بانها من النوع السام جداً وان طولها يبلغ ثلاثة امتار.
جاء مدير الفندق وطلب من حارسة السيارات التكتم على الحادث خوفاً على زوار الفندق من القلق خصوصاً وإن الافعى قد رحلت بعيداً وسوف لن تعود.
<<<<<<<<<<
خرجت نيشا من الفندق فصادفت الحارسة البدينة لتحييها بضم الكفين معاً وقالت، "سوادي كا". فردت لها التحية ولم تخبرها عن الافعى السوداء كما طلب منها المدير. سارت نيشا على قدميها بشوارع بانكوك بمنطقة سيام مارة بسيدة تبيع بطاقة اللوتو او اليانصيب فاشترت منها واحدة ثم واصلت سيرها حتى وصلت الى المركز الثقافي فدخلته وصعدت الى الطابق الثاني منه مستعملة السلم الكهربائي كي تصل الى الجسر الذي يعبر من فوق المركبات والسيارات الى مجمع MBK. دخلت البوابة الرئيسية فيه مارة بمخزن باتا للاحذية وراحت تتجول بداخل المجمع. عثرت على متجر لبيع القمصان فصارت تتفحص القمصان الرجالية فيه. وعندما عثرت على قميص ازرق فاقع اشترته لحبيبها وليد. ثم واصلت سيرها تتبضع منه ما يلزمها حتى وصلت الى متجر متخصص ببيع ملابس السباحة النسائية. بقيت تمعن النظر ببدلات السباحة الواحدة تلو الآخرى حتى وقع اختيارها على واحد باللون الاحمر يربط من الجانبين على الخصر فابتسمت وقالت بسريرتها، "سوف تتحفز جميع غرائز حبيبي عندما يراني لابسة هذه البدلة". ذهبت للفتاة الجالسة بالقرب من الباب كي تدفع ثمنه وتخرج. بعدها دخلت محلاً آخر يبيع العطور الرجالية فاقتنت عطر ما بعد الحلاقة لوليد. استمرت بالتجوال بداخل المجمع حتى شعرت بالجوع فاخرجت هاتفها النقال من حقيبتها للاتصال بوليد. سمعت الهاتف يرن بالطرف الثاني حتى اجابها قائلاً،
وليد : اجل حبيبتي، اين انت؟
نيشا : انا ما زلت في مركز التسوق لكنني اشعر بالجوع المميت. متى ستأتي كي نتناول الغداء معاً؟
وليد : لدي امور كثيرة يجب ان افرغ منها. ساتناول وجبة الغداء من احد الباعة بالشارع فيما بعد. لذلك تناولي انت غدائك وسوف نلتقي بالمساء.
نيشا : طيب حبيبي لا تتأخر ارجوك.
اغلقت الخط معه وبدأت تتفحص المطاعم المنتشرة بكل مكان حتى مرت من امام KFC لبيع الدجاج ثم مطعم مكدونالدز لكنها بالآخر عثرت على واحد يقدم الاطعمة التايلندية فدخلته وجلست على احدى الطاولات لتضع الاكياس الحاوية لمقتنياتها على الكرسي الذي بجانبها فجائتها النادلة حاملة قائمة الطعام وقالت،
النادلة : لدينا اليوم شرائح لحم الخنزير المطبوخة بالبخار مع مرق صافي ورز. ما رأيك؟
نيشا : كلا انا لا اكل لحم الخنزير.
النادلة : انا آسفة، لم اظن انك مسلمة.
نيشا : كلا انا بوذية لكن حبيبي مسلم وانا وعدته انني لا اتناول لحم الخنزير سواءاً كنت معه او كنت وحدي.
النادلة : انا احترم فيك وعدك هذا سيدتي، ما اجمل الحب. إذاً تفحصي قائمة الطعام لان فيها الكثير من الاطعمة الخالية من لحم الخنزير.
نيشا : سافعل ذلك. شكراً لك.
حدثت نيشا نفسها وقالت، "سوف افعل ما في وسعي كي اسعد حبيبي وليد. وإذا كان ذلك يعني الامتناع عن تناول لحم الخنزير الذي احبه كثيراً فسوف افعلها كي اجلب السعادة الى قلبه. حتى وإن اضطررت ان اتضور جوعاً فسوف لن اتناوله مهما حييت. اريده ان يحبني مثلما احبه وامنحه قلبي بكل حنان".
بعد قليل اشارت للنادلة كي تعود وطلبت منها يخني الدجاج مع شوربة القريدس بالشعرية ورز ابيض الذي اختارته من القائمة.
عند الانتهاء من وجبتها حملت المقتنيات معها وواصلت جولتها بالمجمع التجاري. ولما بلغت الساعة الرابعة مساءاً قررت العودة الى الفندق لاتخاذ قسط من الراحة لانها تعودت ان تأخذ قيلولتها بذلك الوقت. الا انها بعد دخولها الغرفة بدقائق سمعت حبيبها يفتح الباب ويدخل فركضت اليه كي تستقبله بالاحضان. كان التعب بادياً عليه ووجهه متجهم يصعب تفسيره فسألته،
نيشا : ماذا بك حبيبي؟ هل كانت هناك اي معوقات؟ لماذا انت غاضب؟
وليد : كلا انا لست غاضباً. لقد حصلت على المرتب لهذا الشهر من السفارة وسوف يبعثوه مستقبلاً الى حسابي المصرفي بمقاطعة (نون بوا) بشكل آلي بداية كل شهر ابتداءاً من الشهر المقبل. كذلك حصلت على الاقامة الدائمة من الحكومة المركزية. لكنني اشعر بالتعب الكبير. يجب علي قبل كل شيء ان احجز فندقاً في مدينة بتايا.
جلس على السرير واخرج هاتفه من جيبه وصار يضغط عليه ويعالجه حتى اعلن،
وليد : لقد حجزت غرفة في فندق اربعة نجوم يدعى (ادلفي) فيه حمام سباحة وصالة رياضة وامور اخرى.
نيشا : هذا رائع.
وليد : لقد تعبت كثيراً اليوم يا نيشا.
نيشا : لا عليك حبيبي. اجلس انت هنا وسوف اخلع حذائك واقوم بتدليك قدميك واكتافك. ما عليك سوى الاسترخاء.
وليد : لا اعلم ماذا اصنع من دونك يا عمري. انت تفعلين كما كانت تفعله زوجتي السابقة عندما كنت اعود من الخارج. ولكن بدلاً من التدليك كانت تمطرني بشريط طويل من النق والعتاب والمنغصات المزعجة.
نيشا : لا عليك حبيبي، سوف انسيك كل ما عانيت من تلك السيدة.
وليد : بل قولي تلك الغولة. لم تمنحني طليقتي السعادة يوماً واحداً كما تفعلين انتِ.
خلعت نيشا حذائه وصارت تدعك قدميه ثم ازالت ملابسه قطعة قطعة حتى تعرى تماماً ربي كما خلقتني، فقفزت خلف ظهره وبدأت تدعك اكتافه ثم سحبته الى الخلف كي يستلقي على ظهره وراحت تدعك جسده كاملاً حتى وصلت الى نقاطه الحساسة. هنا نكتفي بهذا القدر من السرد ونفسح المجال امام مقص الرقابة.
باليوم التالي استيقظ وليد على شلال من القبل فوق جبينه ووجنتيه امطرته بها نيشا ففتح عينيه وقال،
وليد : ما الذي يجري؟
نيشا : لقد زرتني بالمنام يا وليد. كنت معي كل الوقت.
وليد : كم انا محظوظ بك يا نيشا. والآن دعيني اخذ حمامي بينما نستعد لوجبة الافطار ثم نتوجه الى الساحل ونقضي اجازتنا بمدينة بتايا.
نيشا : كم تبعد بتايا عن العاصمة بانكوك؟
وليد : حوالي ساعة كاملة بالسيارة كما رأيتها بالخارطة.
نيشا : لقد أحضرت بعض الفواكه كي اطعمك اياها اثناء قيادتك السيارة.
وليد : انت تدلعيني كما لو كنتِ امي. هذا كثير عليّ يا نيشا.
نيشا : ابداً حبيبي، انا اشعر انني مقصرة بحقك يا عمري لانني احبك كثيراً واريد ان افديك بحياتي.
خرج من الحمام فوجد صاحبته تُجَهّز كل شيء استعداداً لمغادرة الفندق والتوجه الى الساحل. بعد ان انهى وليد اجرائات المغادرة من الفندق لدى مكتب الاستعلامات توجه الحبيبان الى سيارتهما البيضاء لتبدأ الرحلة الجديدة الى بتايا. وبالطريق صارت نيشا تقشر الموز والتفاح وتقطعها الى قطع صغيرة ثم تضعها بفم وليد اثناء القيادة ولـــــــــــــكن... كانت رائحة الفواكه تصل الى انوف الركاب الغير مرغوب فيهم بصندوق السيارة اي الافعى السوداء وفرخها الحديث الولادة. ومن دون علم الام تسلل فرخ الافعى الصغير ودخل قمرة السيارة ليسير بهدوء حتى اصبح تحت قدمي نيشاً دون ان تشعر به. كانت نيشا تركز على اطعام حبيبها وتتمتع بالمناظر الخلابة التي يمرون بها في الطريق. وباحدى المرات لمس قدمها جسد فرخ الافعى ففزعت وصرخت باعلى صوتها. نظرت الى الاسفل فرأت الفرخ جاثمٌ بالقرب من حذائها فدعست على رأسه عدة مرات لتقتله. اوقف وليد السيارة وسأل،
وليد : ماذا هناك؟ ما الذي يجري؟ هل انت بخير؟
نيشا : انه فرخ افعى يا وليد. لقد قمت بقتله لا تقلق.
وليد : لا تمسيه يا نيشا قد يكون ساماً.
نيشا : اجل انه من النوع السام جداً لكنه نفق الآن ولم يعد يشكل خطراً علينا. سوف ارميه خارج السيارة واعود ثانية.
وليد : حسناً حبيبتي، كوني حذرة جداً.
خرجت نيشا الى خارج السيارة ورمت فرخ الثعبان النافق على حافة الطريق ثم عادت الى مقعدها وربطت الحزام ثم قالت،
نيشا : يبدو انه تسلل الى داخل السيارة لانك نسيت الشباك مفتوحاً بالأمس.
وليد : دفع الله ما كان اعظم. انا اخاف من الافاعي كثيراً.
نيشا : انا لا اخافها بتاتاً. فقد تعودت عليها بمقاطعتنا لانها تخرج عندما يهطل المطر.
واصل وليد القيادة حتى بدأت علامات مدينة بتايا تظهر لهم فاستبشرا خيراً. كان الحبيبان غافلين عن الثعبان الام فهي لا تزال معهما بصندوق السيارة. اوقف وليد السيارة امام فندق (ادلفي) ونزل منها لتبقى صاحبته جالسة وحدها تنتظره بداخل السيارة. ما هي الا ربع ساعة وعاد وليد ليخبرها،
وليد : لقد استأجرت غرفة مطلة على حمام السباحة وقد منحوني موقفاً خاصاً لسيارتي رقم 17 في المراب.
نيشا : هيا دعنا نترك امتعتنا في الغرفة وننزل الى البلاج فانا مشتاقة للبحر كثيراً.
وليد : حسناً كما تشائين.

       

دخل الحبيبان غرفتهما وغيرا ملابسهما وخرجا ثانية كي يستمتعا باوقاتهما على البلاج بينما خرجت الافعى تبحث عن طعام. اصبح خروجها ودخولها روتينيا من خلال فتحات السيارة وفي قمرة المحرك متحاشية حرارته بعد ان كان يعمل لفترة طويلة. بقيت تتجول بداخل مراب السيارات حتى عثرت على صفيحة قمامة امتلأت بالاطعمة فتناولت وجبة دسمة ثم عادت الى مكمنها بداخل صندوق السيارة. وفي مساء ذلك اليوم خرج وليد ونيشا الى مدينة بتايا سيراً على الاقدام وتجولا في احدى اكبر المجمعات والذي يدعى (ترمينال 21) لانه كان الاقرب الى الفندق الذي يقطنان به. بعد التجوال بذلك المجمع رجعا الى الفندق كي يناما هناك بينما كانت رفيقة طريقهما لا تزال بداخل السيارة. بقي هذا الحال لمدة ستة ايام حتى قررا باليوم السابع العودة الى بيتهما بمقاطعة (نون بوا) بالشمال. اشترى وليد بعض الاطعمة والعصائر وعلب الكولا ووضع اكياسها على المقعد الخلفي للسيارة لتبدأ رحلة العودة التي كان اتخاذ قرارها صعباً لانهما قضيا اوقاتاً ممتعة بتلك المدينة الساحلية الجميلة. وفي الطريق كانت نيشا تتحدث كثيراً عن عائلتها وكيف كانوا يستدعونها للاحتفالات بكل صغيرة وكبيرة. فهم مرحون ولا يعيرون للهموم او المشاكل كثيراً لعلمهم التام ان الحياة قصيرة ولا تستوجب الكثير من الاحزان والمشاكل. كان وليد يستمع اليها باهتمام كبير ويقارن مجتمعها بمجتمعه العراقي المبني اساساً على الحزن. فهو يعلم الكثير من الاشخاص ممن يبنون حياتهم كلها على الحقد والحسد والحزن واولهم طليقته التي عاشت معه 24 سنة ذاق من ورائها سم الحياة. اما هذه الانسانة الطيبة البسيطة التي تجالسه وتشاركه حياته فهي هدية وجائزة كبرى اراد ان يكافئه الله بها على صبره وتحمله لزوجته الاولى.
وبعد مرور 8 ساعات وصلت سيارتهما الى مقاطعة (نون بوا) فسألته وقتها،
نيشا : متى ستُرجِع السيارة الى مدينة اودون تاني؟
وليد : ليس اليوم بطبيعة الحال لان الوقت متأخر ونحن موهنون. سوف نذهب الى بيتنا اليوم وسوف اعيد السيارة غداً صباحاً.
نيشا : ولكن ذلك يعني انك ستدفع ايجار يوم اضافي على السيارة.
وليد : لا يهم حبيبتي، فالمبلغ تافه جداً ازاء التعب الذي اشعر به الآن.
وقفت اخيراً السيارة امام منزل نيشا ونزل منها الحبيبين وراحا يخرجان بقايا الطعام والقمامة التي تراكمت من جراء الاطعمة اثناء الرحلة. دخلا المنزل الذي كان يشع حرارة فقالت نيشا انها ستفتح مكيف الهواء كي تبرّد البيت. وبينما هم يعدون المنزل بشكل لائق خرجت الافعى من صندوق السيارة وراحت تتجول خارجها حتى قررت الدخول الى المنزل ورائهم لانها بدأت تستشعر ببرودة الاجواء بداخله. في الداخل كان وليد يخلع ملابسه استعداداً لدخول الحمام بينما اصرت نيشا ان تلحق به فيما بعد لتدخل الحمام معه وتدعك له ظهره وتستحم هي الاخرى. وما ان بدأ رذاذ الدوش البارد يسقط على جسد وليد حتى صارت نسبة الارتياح تصعد عنده مع ملامسة الماء البارد جسده المتعب. مد يده الى الكوة الصغير بجانبه اين يضع عادة الصابون والشامبو فوجدها خالية. نادى باعلى صوته لحبيبته كي تحضر له المزيد من الشامبو فلم تسمع ندائه. خرج من الدوش والماء يقطر من جسده ودخل غرفة النوم كي يتحدث معها فلم يجدها بغرفة النوم قال، "اين ذهبت هذه المرأة، لقد قالت انها ستلتحق بي بالدوش". ربما ذهبت لغرفة المخزن كي تحضر الشامبو، ساذهب واحضره بنفسي". خرج من غرفة النوم فوجد حبيبته متسمرة بالممر فابتسم وقال، "انها كعادتها تريدني ان اقبلها لانها تقول دائماً ان قبلي هي بمثابة الوقود الذي يجعلها تعمل واذا نفذ الوقود فانها تتعطل عن العمل". تقدم نحوها من الخلف وقبلها من رقبتها فسمعها تقول بصوت خافت جداً،
نيشا : وليـــــــــــــــد، انظر انظر انظر.
وليد : ماذا هنالك يا زهرة الاقحوان؟
نيشا : انظر الى الامام وليد انه ثعبان كبير جداً.
نظر الى حيث كانت تشير فرأى اكبر ثعبان شاهده بحياته فصار يرتعش من شدة الخوف وبدأ العرق يتصبب من جبينه. قال بصوت خافت متهدج،
وليد : ماذا نفعل يا نيشا. هل لديك اي فكرة؟
نيشا : الثعبان رافع رأسه الى الاعلى ومتأهب للهجوم علينا.
وليد : من اين اتى هذا الثعبان يا ترى؟ هل كان معنا بالسيارة؟ فنحن سنموت لا محال.
نيشا : وليد حبيبي، سر الى الخلف رجوعاً ببطئ شديد وسوف اتبعك كي ندخل غرفة النوم.
وليد : حسناً سافعل ذلك.
بدأا يسيران بخطوات بطيئة جداً الى الخلف بينما كانت الافعى متسمرة بمكانها تنظر اليهما. دخل وليد غرفة النوم وتبعته نيشا ببطئ كبير حتى صارا بداخل الغرفة تماماً فاغلقا الباب ورائهما.
وليد : والآن ماذا سنفعل؟ كيف سنقتله؟ هل لديك سلاح هنا بغرفة النوم؟
نيشا : كلا، والشبابيك محكمة بقضبان من فولاذ لا تسمح لنا بمغادرة غرفة النوم.
وليد : هل هذا يعني اننا سنبقى سجناء بداخل الغرفة مدى الحياة؟
نيشا : اين هاتفي؟ لحظة واحدة انتظر يا وليد.
وليد : هل ستطلبين الشرطة؟
نيشا : الشرطة لا تستجيب لندائات مثل هذه بمقاطعتنا. انا ساستدعي والدتي.
وليد : والدتـــــــــك؟ هل جننت يا نيشا؟ انها سيدة بالسبعين من عمرها. ماذا تستطيع ان تفعل لثعبان غليظ طوله ثلاثة امتار؟
نيشا : انها بارعة في هذه الامور. لا تقلق ساتصل بها الآن.
فتحت هاتفها النقال وضغطت على الازرار ثم تحدثت مع امها بلغة كان يجهلها وليد ثم اغلقت الخط وقالت،
نيشا : انها في الطريق.
وليد : لا استطيع ان اتخيل كيف ستقتل امك ذلك الثعبان المخيف.
نيشا : سوف ترى يا وليد، انتظر حتى تصل امي.
بعد مرور ربع ساعة سمع وليد ونيشا صوت الباب الخارجي وهو ينفتح فقالت،
نيشا : ها قد حضرت امي، دعنا نفتح الباب ونرى كيف ستتصرف مع الثعبان.
فتحت نيشا الباب قليلاً بالرغم من اعتراض وليد خوفاً من ان يثب الثعبان عليهما ويلدغهما. لكنهما شاهدا منظراً عجيباً اغرب من الخيال. كان الثعبان رافعاً رأسه لما يزيد على متر فوق الارض وام نيشا ركعت على ركبتيها امامه جامعة كفيها وتدمدم بكلمات غير مفهومة كما لو كانت تصلي. كان منظراً يثير الدهشة فالسيدة المسنة كانت تتحدث مع الثعبان وكأنها تتحدث مع بشر آخر وكان الثعبان يستمع اليها يبدو وكأنه جندي يقف بحالة استعداد امام قائده. بقيت تدمدم لاكثر من نصف ساعة حتى خر الثعبان وانزل رأسه للارض وكأنه يخنع لاوامرها ثم زحف متجهاً الى الباب الخارجي وتوارى عن الانظار. ركضت نيشا صوب امها واحتظنتها ثم قالت،
نيشا : كيف تمكنت من فعل ذلك يا امي؟
لكن امها لم تجبها بشيء انما استدارت نحوها وصفعتها على وجنتها. استغربت نيشا لما فعلته والدتها وسألت،
نيشا : لماذا فعلت ذلك يا امي؟
فصرخت امها بها قائلة،
الام : لمـــــــــــــاذا قتلت فرخ الافعى الصغير يا نيشا؟ الا تعرفين تعاليم بوذا وكيف امرنا برحمة كل ما يعيش على الارض؟
نيشا : وكيف عرفت ذلك يا امي؟
الام : لقد اخبرتني الافعى بنفسها. لكنني اقنعتها انك غبية ولا تعي ما تفعلين وانك خفت على حبيبك من الخطر. قلت لها انني احبك كثيراً وإذا متِ فسوف احزن عليك لانك تعيليني في عملي. قلت لها اننا نطبخ الطعام سوياً ونبيعه للفقراء باسعار زهيدة لاننا لا نرمو الى الثراء. فسامحتك وتفهمت الامر ورحلت.
وليد : هل هناك امل بعودتها يا خالتي؟
الام : كلا يا ولدي، لقد رحلت ولن تعد ابداً فالحيوانات لا تتحلى بالغدر والخداع كما يفعل البشر. ستترككما بسلام وامان.
وليد : شكراً لك سيدتي.
نيشا : شكراً لك يا امي. اعذريني، لقد تعلمت منك درساً اليوم.
--- تمت ---

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع