بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة كاملة - المؤامرة
لندن صباح يوم الاثنين الرابع من نيسان 2022
دخل خالد مكتبه في تمام الساعة التاسعة صباحاً ليجلس خلف منضدته العريضة وراح يتفحصها بحثاً عن الرسائل الورقية المقتضبة التي قد تركتها له سكرتيرته مارلين. ولما تأكد من عدم وجودها، فتح حاسوبه النقال وراح يواصل العمل على الاحصائية التي طُلِبت منه والتي بدأها قبل عطلة نهاية الاسبوع. وبعد قليل دخلت عليه السكرتيرة بفنجان قهوة في اناء فخاري ابيض. حيته بكل احترام وقالت،
مارلين : السلام عليك سيد خالد، احضرت لك القهوة.
خالد : صباح الخير عزيزتي مار. وكأنك في قلبي. كيف حالك وكيف تجري الامور؟
مارلين : لقد طلبك المدير السيد هندرسون وقال ان عليك الذهاب الى مكتبه على جناح السرعة.
خالد : وماذا يريد ذلك الغراب المنحوس؟
مارلين : لا اعلم، لكنني سمعته يتحدث بالهاتف مع فرع KL في ماليزيا.
خالد : اووووووووه، مرة ثانية؟ لقد سئمت من هؤلاء البشر، انهم اناس جهلة ومزعجين حقاً.
مارلين : لا عليك يا خالد، اذهب واستقصي منه الامر. عسى ان يكون شيئاً ذو اهمية وبه خير للجميع، لا تغضب ارجوك.
خالد : ومن اين يأتي الخير من بوم النحس هندرسون؟ ساذهب اليه بعد ان اكمل شرب قهوتي.
مارلين : لا، لا، لقد لمحك وانت تدخل مكتبك قبل قليل فهو يريد التحدث اليك فوراً. خذ قهوتك معك واشربها بمكتبه.
خالد : حسناً مار. والله لولاك لاستقلت من هذه الشركة اللعينة. ساذهب الآن وامري الى الله.
انتصب وترك كرسيه ليغادر مكتبه، طرق باب المدير فسمعه يأذن له من ورائها فدخل. قال،
خالد : صباح الخير ديفد، اخبرتني السكرتيرة انك طلبتني على جناح السرعة. ما الامر؟ هل حصل زلزال بمكان ما في العالم؟
ديفد : اكثر من زلزال يا خالد، بل هو تسونامي كبير تقشعر له الابدان. هناك مشكلة كبيرة في فرعنا بـ KL. فالحكومة الماليزية قررت جرد كل حسابات ذلك الفرع بعد اسبوعين.
خالد : دعهم يجردوها يا ديفد، وما هي المشكلة؟ فكل الامور تجري على ما يرام هناك.
ديفد : ارجوك يا خالد، اجلس ودعني ارسم لك الصورة بشكلها اوضح. انت تعرف السيد حسن كرابات المدير العام في فرعنا بـ KL بماليزيا اليس كذلك؟
خالد : اجل تحدثت معه عبر الهاتف عدة مرات لكني لم التقيه وجها لوجه. يبدو لي انه انسان لطيف وخلوق. هو مدير فرعنا بالعاصمة كوالالمبور.
ديفد : كلا.
خالد : ماذا تقصد بكلا يا ديفد؟ اتقصد ان هناك حسن كرابات آخر غير الذي نعرفه؟
ديفد : لا انه حسن كرابات الذي تعرفه بعينه. ولكن هناك مشكلة، ومشكلة عويصة جداً.
خالد : اخبرني ما هي المشكلة؟ لقد أثرت فضولي ومخاوفي بآن واحد.
ديفد : حساباتهم السنوية لم تُجْرى بشكل اصولي وصحيح. بمعنى آخر قاموا بفبركتها.
خالد : وكيف عرفت ذلك؟
ديفد : ليس المهم كيف عرفت ولكن إذا قامت الحكومة بفحص مستندات ذلك الفرع بشكل دقيق فسوف تتدحرج رؤوس كثيرة واولها رأسي انا. سوف تترتب على شركتنا عقوبات كبيرة. وربما سندخل السجن جميعاً.
خالد : يا الهي، هل سنخسر من وراء ذلك آلاف الدولارات؟
ديفد : بل قل ملايين الدولارات يا خالد. وقد تفلس الشركة من جراء هذا التدقيق وسوف نتسول على قارعة الطريق.
خالد : إذاً، انت كنت على علم بكل ما يجري هناك وانت متورط معهم اليس كذلك؟
ديفد : اجل يا خالد اجل، رقابنا جميعها بيدك الآن.
صرخ خالد باعلى صوته وسأل،
خالد : بيدي انــــــــــا؟ وماذا بمقدوري ان افعل؟ انا مجرد مدقق حسابات قانوني هنا بلندن. علاوة على ذلك، فان فرع ماليزيا تابع لشركتنا الام وليس لي صلة مباشرة معهم.
ديفد : يجب عليك ان تذهب الى هناك فوراً وتحاول تنظيم الحسابات بشكل احترافي اكثر كي لا تنفضح امورنا. وسوف اعتني بك بشكل جيد.
خالد : كيف ستعتني بي بشكل جيد يا ديفد؟ هل ستزورني للسجن وتجلب لي اطعمتي المفضلة إذا ما انفضح امري؟
ديفد : كلا يا عزيزي، إن انت رتبت الامور بشكل احترافي فلن تنفضح الامور وسوف لن يشك بك احد ولن تدخل السجن ابداً. فانا اثق بقدراتك العالية. فوراً سوف نضع بحسابك في جزر الكيمان نصف مليون دولار.
سكت خالد وصار ينظر الى الارض يمعن النظر فيها ثم قال،
خالد : اهذا هو ثمن نزاهتي وعفتي وشرفي يا ديفد؟ أتريد ان ترشيني بنصف مليون دولار؟
ديفد : نصف مليون دولار مسبقاً ونصف مليون دولار بعد الانتهاء من المهمة.
خالد : وماذاعساي ان افعل بمليون دولار؟ كيف سانظر الى وجهي بالمرآة كل يوم بعد ان اصبح مختلس، حرامي، لص؟
ديفد : انت تسكن الآن بمنزل مرهون لدى المصرف العقاري. بامكانك ان تدفع باقي الدين بالمليون دولار الذي سنمنحك اياه وسيصبح المنزل ملكأ لك يا خالد. فكر بذلك ملياً.
خالد : كان المنزل حلماً كبيراً لزوجتي المرحومة سميرة يوم اشتريناه قبل خمسة اعوام. فقد كانت تنتظر اليوم الذي يصبح ملكاً لنا بالكامل. الا ان مرض السرطان لم يمهلها الفرصة كي تتنعم به لاكثر من سنة واحدة فقط. والآن انا اجلس فيه وحدي كالبوم الكئيب بعد ان تزوجت ابنتي رضاب وتركت البيت لتسكن مع زوجها المصري في يوركشاير. قل لي يا ديفد، كيف ساواجه خالقي في النهاية ها؟ اجبني رجاءاً؟ هل اذهب اليه ويداي ملطختان بالسحت؟ انت تحلم يا ديفد. انا لا ولن افعلها ابداً.
ديفد : اسمع مني يا خالد، انت صديقي المقرب وانا اخاف عليك من كل ضرر. انت مازلت بمنتصف عمرك والناس المعنيون بتلك الامور لديهم نفوذ كبير ويمتلكون اذرع طويلة قاسية لن يرحموك ابداً. لقد ذكروك بالاسم يا خالد. سيُعثَر على جثتك ملقات بـ (سوهو) ولن يفتقدك احد صدقّني. انها مجموعة قذرة وعندهم نهم كبير صوب المال.
خالد : لا يمكنني ذلك ابداً. حبي للحياة ليس له قيمة كبيرة عندي بقدر تمسكي بنزاهتي التي بقيت لدي بهذه الدنيا. هل تريدني ان اتخلى عنها الآن بعد ان بلغت عقدي السادس؟
ديفد : لا تكن ساذجاً يا خالد. انت لا تزال بمقتبل العمر وامامك الكثير من الحياة السعيدة. فانت جئت من العراق الى بريطانيا قبل خمسة وعشرين سنة وكنت لا تحتكم على قرش واحد في جيبك. اكملت دراستك هنا بلندن وتخرجت وحصلت على الجنسية البريطانية فيما بعد. والآن لديك وظيفة يحسدك عليها جميع اقرانك. زيادة على ذلك، فابنتك التي تعيش بسعادة مع زوجها وابنها بيوركشاير يحبونك كثيراً وهم على اتصال دائم بك، فكر بكل ذلك ولا تتسرع.
خالد : الجواب هو لا ولا ثم لا. لن اتخلى عن ضميري ابداً. هذا آخر ما لدي من كلام.
ديفد : إذاً انا لست مسؤولاً عما سيقع لك.
خالد : انت تهددني الآن اليس كذلك؟ وليحصل ما يحصل. نحن نقول (الخير فيما اختاره الله). وإذا قدر الله ان اكون ضحية من جراء نزاهتي فدعني اموت وستحسب لي الشهادة فانا لها.
ديفد : ستقتلني معك يا خالد. ايرضيك ذلك؟ ايرضيك ان يموت شخص آخر بسببك؟
خالد : انا آسف جداً يا ديفد، كان الاجدر بك التفكير بما اقترفته يداك قبل ان تقدم على الاختلاس. انا لن اسافر الى ماليزيا ولن اتلاعب بالحسابات ولن اذهب برجلي الى نار جهنم وهذا آخر كلام عندي.
غادر خالد من مكتب مديره وهو بغاية الغضب ثم صفع الباب ورائه بقوة شديدة كادت تتكسر. وفي مساء ذلك اليوم رجع الى منزله ودخل الحمام مباشرة كي يغتسل. ولما خرج منه سمع هاتفه المحمول يرن بالحاح. ركض نحوه بينما كان الماء يقطر من جسده فسمع صوت ابنته تقول،
رضاب : انجدني يا ابي. انا في ورطة كبيرة. لقد اختفى ابني محمد ولم يرجع الى البيت بعد المدرسة. لا اعلم ماذا افعل وكيف اتصرف. انه طفل صغير يا ابي.
خالد : اهدئي يا رضاب وتحدثي ببطئ حبيبتي. هل اتصلت بالشرطة؟
رضاب : اجل اتصل بهم زوجي حسن واخبرهم بذلك لكنهم يقولون انهم لن يتحركوا الا بعد مرور 72 ساعة على اختفائه.
خالد : لكنه لم يبلغ العاشرة من العمر بعد. اين سيذهب هذا الطفل؟ هذا جنون كبير، انه امر لا يصدق. كيف يقولون ذلك؟
رضاب : اجل يا ابي اجل، ارجوك يا حبيبي ساعدني.
خالد : حسناً ساتي الى يوركشاير فوراً. سيستغرق مني الطريق 4 ساعات تقريباً.
رضاب : انا بانتظارك يا ابي. لا تتأخر ارجوك.
خالد : لا تقلقِ حبيبتي انا قادم.
جفف بدنه وارتدى ملابسه ثم خرج مسرعاً ليركب سيارته الرينج روڤر ذات الدفع الرباعي متجهاً الى مدينة ليدز بيوركشاير. وبعد مرور اقل من خمس ساعات دخل المدينة وتوجه فوراً الى عنوان ابنته رضاب. اوقف السيارة امام البيت فخرج له زوجها حسن ليستقبله بالاحضان فسأله،
خالد : اين رضاب؟
حسن : انها بالداخل، تكاد تقطّع نفسها من شدة البكاء. حاولت ان اهدئها ولكن دون جدوى. تعال معي يا عمي.
دخل الرجلان الى المنزل وقاده حسن الى المطبخ اين جلست رضاب. نظر اليها ابوها ليجد وجهها مغطى بالدموع، والقلق باد عليه. وقفت، احتظنت اباها وصارت تجهش بالبكاء وبحرقة كبيرة قالت،
رضاب : لقد اختفى محمد يا ابي. اخشى ان يكونوا قد قتلوه.
خالد : من الذي قتله؟
رضاب : لا اعلم، ربما مجرمين سراق خاطفين قتلة وكيف لي ان اعرف؟ فقط لم يعد الى البيت.
خالد : سنبحث عنه انا وزوجك حسن ولكن اخبريني، متى رأيته آخر مرة؟
رضاب : هذا الصباح عندما تناول افطاره وذهب الى المدرسة.
خالد : هل لديه هاتف نقال؟
رضاب : كلا.
خالد : وماذا قالت الشرطة؟
رضاب : كما اخبرتك يا ابي. هم لا يستطيعون الاستجابة الا بعد مرور 72 ساعة على اختفائه.
نظر خالد الى حسن وسأله،
خالد : هل تعرف مكان المدرسة؟
حسن : اجل طبعاً.
خالد : إذاً خذني اليها ودعنا نستكشف الامر.
خرج خالد وجلس الى جانب نسيبه حسن بسيارته وتوجها مباشرةً الى مدرسة محمد. في الطريق سأله،
خالد : كيف تسير امور معك في العمل؟
حسن : العمل بخير وقد رفّعوني لرئيس مهندسين في الشركة التي اعمل بها. وبما ان قسمي هو قسم البرمجيات وهو اصغر قسم لدى الشركة فقد خصصوا لي مرتباً اعلى بـ 50% من اقراني بنفس الدرجة.
خالد : هل لديك خصوم او اعداء او اناس يكرهونك او يحسدونك بالعمل او اي شيء من هذا القبيل؟
حسن : بالعكس يا عمي. الجميع يحبني بالشركة لانني ابذل كل ما بوسعي لعملي واساعد باقي الموظفين بمهامهم ايضاً. انظر عمي هذه هي المدرسة، ساستدير الى اليمين بالشارع القادم واوقف السيارة بالمراب الى جانب بناية المدرسة.
خالد : هل تعتقد ان هناك احد من المدرسين او الادارة بالداخل الآن؟
حسن : كلا، الساعة هي الحادية عاشر ليلاً. سوف يأتون الى المدرسة غداً صباحاً.
نزل خالد ونسيبه حسن من السيارة وصارا يستكشفان المكان بداخل موقف السيارات المظلم حتى لمح خالد شيئاً يلمع. انحنى والتقطه من الارض ليتبين له انها ميدالية مفاتيح. صار يتفحصها فجائه حسن واقترب منه ليسأل،
حسن : ماذا وجدت يا عمي؟
خالد : عثرت على ميدالية مع مفتاح على الارض.
حسن : دعني اراها فالظلام حالك.
أخرج حسن هاتفه النقال وفتح الضوء ليتفحص الميدالية بنور الهاتف فصرخ.
حسن : هذه ميدالية ابني محمد.
خالد : هل انت متأكد يا حسن؟ كيف عرفت انها ميداليته؟
اخرج حسن مفتاح بيته ووضعه الى جانب الميدالية وقال،
حسن : اجل انا متأكد. انظر يا عمي ان المفتاح بالميدالية مطابق 100% لمفتاحي.
خالد : الا ترى ما معنى ذلك؟
حسن : ماذا يعني؟ اخبرني يا عمي؟
خالد : لقد اختطفوا حفيدي يا حسن.
حسن : وكيف استنتجت ذلك؟
خالد : دعني اشرح لك. هل لديك ورقة وقلم؟
اخرج حسن ورقة من سيارته واعطاها لخالد فراح خالد يرسم عليها مخططاً للمدرسة ومحيطها ثم عرضها على حسن وقال،
خالد : انظر يا حسن، هذا هو مخطط المدرسة ومراب السيارات. فلو ان محمد خرج من باب المرسة الوحيد واراد العودة الى البيت مشياً على الاقدام لاتخذ الطريق الى شماله باتجاه بيته. وبما ان موقف السيارت هذا الذي نحن نقف فيه الآن هو إلى اليمين. فانا اجزم بقيام الخاطفين باخذ حفيدي محمد الى موقف السيارات ليدخلوه بمركبتهم عنوة حيث سقطت منه ميداليته هناك.
حسن : كلام منطقي يا عمي. دعنا نذهب الى الشرطة الآن ونعطيهم هذه المعلومات. علها تحرك ساكناً لديهم.
ركب الرجلان سيارة حسن وانطلقا بها الى مركز الشرطة. دخلا المركز فقابلهما شرطي الاستعلامات. القى عليه حسن التحية وبدأ يشرح له على الورقة كيف عثرا على الميدالية فتفحص الشرطي الورقة والميدالية ثم قال،
الشرطي : اجل استطيع ان افهم وجهة نظركما. ابقوا هنا لو سمحتم وساتصل بالمحقق فوراً.
جلس خالد وحسن على الاريكة بقسم الاستعلامات بينما رفع الشرطي سماعة الهاتف وراح يتحدث من خلالها مع المحقق. وبعد ان اكمل المكلالمة قال لهم،
الشرطي : اقتنع المحقق بحجتكما لذلك هو الآن في طريقه الى هنا.
بقي الرجلان جالسين لاكثر من 45 دقيقة حين دخل المحقق وعرّف عن نفسه قائلاً،
المحقق : انا المحقق العريف بيتر براون. سررت بمعرفتكما.
حسن : انا حسن الشافعي والد الطفل المفقود وهذا جده السيد خالد الباشا.
اخرج حسن الميدالية من جيبه وعرضها على المحقق بيتر وصار يشرح له على الورقة التي رسمها عمه خالد. امسك المحقق بالورقة وراح يتفحصها بتأمل شديد ثم نظر اليهما وقال،
المحقق بيتر : استطيع ان ارى وجهة نظركما. اجل الولد مخطوف لا شك في ذلك. سوف احرك عجلة البحث الآن فوراً. ارجو منكما البقاء هنا للمزيد من الوقت حتى يأتي مديري كي اشرح له ما تفضلتما به، فقد يطلب ان يستفسر منكما معلومات اضافية.
حسن : هل هذا يعني انكما ستجدان ابني؟
المحقق بيتر : سنفعل ما بوسعنا سيدي. فالاربع وعشرين ساعة الاولى مهمة جداً في جرائم الخطف.
اخرج المحقق هاتفه النقال وتحدث به مع مديره ليسهب في الشرح ثم اغلق الهاتف وقال لهما،
المحقق بيتر : لقد وعدني ان يحضر الى هنا خلال فترة وجيزة. انه يعتقد ان استنتاجكما في محله وان الولد مختطف حقاً.
بقي خالد وحسن جالسان على الكراسي الموضوعة امام منضدة الاستعلامات لزمن ليس بقليل حتى خرج عليهما رجل خمسيني طويل ملتحي بلحية حمراء قال،
الرجل : انا الملازم اول كين فارثنغ رئيس مركز الشرطة. اشكركما على تقديم البلاغ واقدم لكما اعتذاري لاننا لم نأخذ الامر على محمل الجد بالوهلة الاولى. الا انني اؤكد لكما اننا الآن وضعنا قضية اختفاء محمد على رأس اولوياتنا وسوف اجند لها فريق كبير من محققي هذا المركز. كذلك ساتصل بسكوتلانديارد كي اقوم بالتنسيق معهم للاستفادة من خبراتهم وامكانياتهم في البحث عنه. وسوف يزوركم فريق من عندنا عاجلاً.
شكراه على اهتمامه وعادا الى البيت حيث كانت رضاب تنتظرهما بفارغ الصبر. نزل خالد من السيارة فامطرته ابنته بالاسئلة بنبرة متوترة. نظر الى وجهها المغطى بالحزن والدموع قال،
خالد : حبيبتي لقد حركنا الشرطة بشكل جدي وهم سيهتمون بالقضية من الآن فصاعداً.
اضاف حسن وقال،
حسن : سوف يتصلون بالشرطة المركزية بلندن وسيطلبون منهم المزيد من المساندة والدعم كي يعثروا على محمد. كوني مطمئنة يا حبيبتي.
رضاب : وكيف اكون مطمئنة؟ ماذا لو قتلوه؟ ماذا لو طلبوا مبلغاً كبيراً من المال يتعذر علينا تسديده؟ ماذا لو...
قاطعها خالد قائلاً،
خالد : دعنا لا نستبق الاحداث حبيبتي، فالخاطفون سوف يتصلون بنا بدون شك. والشرطة سوف تأتي الى هنا كي تراقب الموقف وستستمع لجميع المكالمات الواردة عن كثب. لذا يجب علينا ان نفسح لهم المجال كي يبقوا معنا لفترة غير محددة.
اكمل خالد جملته وسمع جرس الباب فذهب ليفتحه فوجد المحقق بيتر براون ومعه ستة رجال شرطة واقفين على عتبة الباب حاملين معهم معداتهم في حقائب سوداء كبيرة. ادخلهم الى غرفة الجلوس فراحوا ينصبون الاجهزة ويغلقون جميع النوافذ والستائر ثم تركوا ضوءاً واحداً فقط. نظر المحقق الى رضاب وقال،
المحقق بيتر: سيدتي إذا رن الهاتف فعليك ان تجيبي انت عليه. يجب ان تكوني هادئة وان تتبعي ما سنطلبه منك بالحرف الواحد. اولاً، ستطلبين من الخاطفين دليل على الحياة.
رضاب : يا الهي، هل هناك احتمال ان يكونوا قد قتلوه؟
المحقق بيتر: نحن لا نعرف ذلك. لكنه سوف يساعدنا بمعرفة نواياهم. ثانياً، سوف تسألينهم عن مطالبهم. وبعدها تطلبين منهم شرح طريقة تسليم الفدية.
رضاب : ماذا لو لم نستطع جمع المبلغ المطلوب؟
المحقق بيتر: كل شيء باوانه سيدتي. سنعبر ذلك الجسر عندما نبلغه، دعينا نتّبع الخطوات تلك وننظر كيف سنعالج الامور بناءاً على المحادثة الهاتفية. لكني اريد منك ان تطيلي الحديث معهم قدر المستطاع كي نتمكن من تحديد موقع اتصالهم.
رضاب : حسناً فهمت ذلك. اتمنى ان تعثروا على ابني سالماً.
دخلت رضاب الى المطبخ وبدأت تعد بعض شطائر اللحم البقري المشوي مع شاي ابيض لفريق الشرطة. رجعت للصالة حاملة معها صينية ملئى باكواب الشاي والشطائر وراحت توزعها على الجميع. قدمت واحدة لوالدها لكنه رفض، اما زوجها فاخذ واحدة وصار يلتهمها بسرعة كبيرة ثم اخذ شطيرة ثانية وهم باكلها. اتخذ الجميع مجالسهم لانهم يعلمون ان الامر سيطول وقد يستغرق اياماً واسابيع. بقي الحال على ما هو عليه حتى اليوم الموالي حين اعلنت رضاب للجميع،
رضاب : يجب علي الخروج الى السوبر ماركت للتسوق الآن.
وقف خالد فجأة واعترض عليها قائلاً،
خالد : كلا حبيبتي، ابقي انت بجانب الهاتف واكتبي كل ما يلزمك من مواد على قصاصة، وسوف احضرها لك بنفسي.
راحت رضاب تسجل كل ما يلزمها من مواد غذائية آخذة بعين الاعتبار الزوار الجدد الذين سيمكثون معهم لفترة غير محددة. ولما اكملت كتابة القائمة واعطتها لاباها، خرج بها على الفور. ركب سيارته وادار المحرك متجهاً الى مركز المدينة. واثناء سيره في الشوارع رن هاتفه النقال فنظر اليه ليجد اسم مديره ديفد هندرسون على الشاشة فاجاب عليه ليسمعه يقول،
ديفد : اين انت يا خالد؟ لماذا لم تأتي للعمل اليوم؟
خالد : انا بيوركشاير. حصلت بعض الامور العائلية مع ابنتي فاضطررت البقاء معها يا ديفد.
ديفد : تعال الى لندن الآن، يجب ان اتحدث معك.
خالد : انا آسف يا ديفد. قلت لك ان الامر معقد هنا بليدز. ويجب ان ابقى الى جانب ابنتي. انها مسألة حياة او موت.
ديفد : لكني اريد ان اتحدث معك بنفس الموضوع.
خالد : مــــــــــــــاذا؟ بنفس الموضوع؟ هل لديك يد في خطف محمد؟
ديفد : لا استطيع التحدث بالهاتف. تعال هنا فوراً وسوف اخبرك بكل شيء.
خالد : ساتسوق بعض المواد الغذائية لابنتي ثم اتي الى عندك.
ديفد : تذكر يا خالد، إذا تحدثت مع احد واقصد الشرطة بالتحديد فسوف لن ترى حفيدك ثانيةً.
خالد : اجل، اجل اعرف ذلك. ساعود الى لندن فور تسليم المواد الى ابنتي.
ديفد : اذاً هيا اسرع.
بعد مرور خمس ساعات وصل خالد الى لندن واوقف سيارته امام مبنى الشركة التي يعمل بها. دخل مسرعاً الى مكتب مديره فوجده جالساً خلف منضدته فسأله،
ديفد : لماذا تأخرت؟
خالد : لم اتأخر ابداً، سلمت المشتريات لابنتي وانطلقت بسيارتي كي اتحدث معك يا ابن الكلب. كيف تجرأت ان تخطف حفيدي؟
اشار المدير برأسه لرجل الامن الذي وقف الى جانبه كي يقوم بتفتيش خالد ويتأكد من انه لا يحمل اجهزة تنصت. وعندما اومأ رجل الامن بمعنى ان خالد نظيف قال،
ديفد : اهدأ يا خالد واجلس كي نتحدث برصانة. فالتوتر سوف لن يخدمك بشيء.
خالد : تفضل وتكلم، انا اسمعك.
ديفد : أولاً سادعك تتحدث مع حفيدك لتطمئن عليه.
اخرج هاتفاً من نوع (ثريا) يعمل عبر الاقمار الصناعية وضغط على ازراره ثم وضعه على اذنه وقال، "دعوني اتحدث مع الولد". اعطى الهاتف لخالد وقال له،
ديفد : لا تطيل الحديث مع حفيدك.
اخذ خالد الهاتف من يد مديره وقال،
خالد : الو حبيبي هل انت بخير؟
محمد : جدي، اهذا انت؟
خالد : اجل حبيبي حمادة انا جدك خالد. هل انت بخير؟ هل يعاملونك جيداً؟ هل انت خائف؟
محمد : وكيف اخاف وانت جدي؟ انهم يعاملونني جيداً لا تقلق علي. لقد وضعوا منديلاً فيه رائحة كريهة على انفي فنمت وقتها واخذوني بمركبتهم من المدرسة. لولا ذلك لقضيت عليهم بقوتي الخارقة.
خالد : الى اين اخذوك؟
هنا سحب ديفد الهاتف من يد خالد وقال،
ديفد : يكفي هذا القدر من الثرثرة. الآن انت مطمئن على حفيدك وبامكانك ان تتعاون معنا اليس كذلك؟
خالد : قلت لك انني سوف لن اخون الامانة مهما كلف الامر.
وضع ديفد الهاتف على اذنه وقال، "اقتلو الولد واقطعوا رأسه وابعثوه لامه بيوركشاير". لكن خالد قفز نحوه وقال،
خالد : توقف توقف ارجوك.
ديفد : لماذا اتوقف؟ هل غيرت رأيك؟
خالد : اجل. تأكد يا ديفد إذا مسستم شعرة واحدة من حفيدي فسوف اقطعك ارباً، هل تفهم ما اقول؟
ديفد : قلت لك اهدأ. نحن لا يهمنا الولد بقدر ما يهمنا عملك بـ KL مفهوم؟
خالد : اجل مفهوم، عليكم لعنة الله.
ديفد : والآن هيئ نفسك للمغادرة.
رجع خالد مكتبه فدخلت عليه سكرتيرته لتقول،
مارلين : لقد طبعت لك تذكرتك التي حجزتها من خلال الانترنيت، تفضل.
خالد : شكراً لك مار. متى موعد السفر؟
مارلين : بعد اربع ساعات من الآن.
خالد : حسناً، ساذهب الى مطار هيثرو بعد قليل.
سحب خالد حاسوبه النقال من خزانته ووضعها بداخل حقيبة صغيرة ووضع فيها الشاحن وبعض الاوراق التي سيحتاجها بماليزيا. قرر الذهاب الى بيته كي يعد بعض الملابس للسفر لكن مديره عارضه بالممر وسأل،
ديفد : اي اين؟
خالد : انا ذاهب لبيتي كي اجمع بعض الملابس التي ساحتاجها في KL .
ديفد : دعك من الملابس. خذ معك هذا المبلغ. انه 10000 جنيه استرليني بامكانك شراء ما تريد هناك.
خالد : هل جننت؟ سوف يوقفوني بالمطار إذا شاهدوا النقود معي.
ديفد : كلا سوف لن يقولوا شيئاً، انه الحد القانوني الاقصى، لا تخف. والآن اعطني هاتفك النقال.
خالد : لماذا؟
ديفد : لزيادة الاطمئنان. خذ بدلاً عنه هذا الهاتف الجديد.
وضع خالد رزمة النقود والهاتف الجديد بجيبه وخرج خارج مبنى الشركة ينتظر سيارة الاجرة التي ستقله الى المطار. لانه قرر ترك سيارته امام الشركة.
دخل خالد الطائرة حاملاً بطاقة الصعود فرحبت به مضيفة حسناء لتوصله الى ردهة الدرجة الاولى حيث اجلسته على كرسي وثير وسألته إن كان يحتاج الى اي شيء آخر. فشكرها وصار يهيء نفسه لرحلة طويلة امدها 13 ساعة ونيف. دخل المسافرون وتوزعوا على مقاعدهم فربطوا احزمة المقاعد لتبدأ الرحلة.
كان خالد يتفحص المسافرين وينظر بوجوههم في ردهة الدرجة الاولى لعلمه الراسخ ان هناك بعض من رجال المنظمة يسافرون معه ويراقبون جميع تحركاته لذلك قرر ان يتصرف بحذر كبير كي ينقذ حياة حفيده. لم يذهب سوى مرتين الى دورة المياه وحتى عندما كان بداخل المرحاض لم يقم باي حركات مريبة مخافة ان تكون هناك كامرات مراقبة وضعها الاشرار بداخلها. كانت رحلة الخطوط الماليزية سلسة ومريحة جداً فقد تمتع خالد بالطعام الخاص لركاب الدرجة الاولى لاول مرة بحياته. فجميع رحلاته في السابق كانت على الدرجة السياحية او درجة رجال الاعمال.
ولما وصلت الطائرة مطار كوالالمبور او المعروف عالمياً باسم (كليا). هبط خالد من الطائرة ودخل مبنى المطار الا انه لم يذهب الى مهبط حقائب السفر لان الحقيبة الوحيدة لديه كان يحملها بيده. وبعد اكمال اجرائات الجمارك والامن خرج الى قاعة الوصول فالتقاه رجل ذو ملامح اسيوية وقال له،
الرجل : سيد خالد الباشا، انا اسمي عبد الودود، تفضل معي.
لم ينبس خالد ببنت شفة لكنه اكتفى بتتبعه الى خارج مبنى المطار فوجد سيارة ليموزين سوداء طويلة في انتظارهما. ركب خالد السيارة ليجد فتاة حسناء ذات ملامح اسيوية جالسة الى جانبه. رحبت به وقالت،
الفتاة : انا اسمي زارا. ساكون معك في كل الاوقات سيد خالد.
خالد : طيب.
زارا : هل لديك اسئلة؟
خالد : قبل الذهاب الى الفندق اريد ان ازور احد مراكز التسوق كي اقتني بعض الملابس الضرورية.
زارا : الفندق الذي سننزل به هو بداخل اكبر مركز للتسوق بالعالم واسمه برجايا تايم سكوير berjaya times square .
خالد : هل قلتي ننزل؟
زارا : اجل سيدي، انا ساكون معك طوال الوقت. وسوف ننام سوياً بنفس الغرفة وعلى نفس السرير.
خالد : يبدو ان لديكم حس امني كبير.
زارا : تلك هي التعليمات من الادارة العليا سيدي.
خالد : وكيف ساتنفس إن كنت معي طول الوقت؟
زارا : ساحاول ان لا اجعلك تشعر بوجودي. لكنني ساقدم لك ما تطلبه مني متى ما شئت وكيفما شئت.
خالد : ماذا تقصدين؟
زارا : اي شيء من طعام واموال ومواصلات وعلاج واي شيء آخر.
خالد : حسناً. ومتى سنبدأ العمل؟
زارا : غداً صباحاً. اليوم عليك ان تأخذ قسطاً من الراحة وتلقي عنك عناء السفر بعد ان تقوم بالتسوق.
وصلت السيارة الفندق بعد ساعة كاملة فنزل خالد وزارا منها ليتوجها فوراً الى مدخل الفندق حيث تسلم غرفته في الطابق العاشر. وضع حقيبته وحاسوبه هناك وقال،
خالد : ابقي انت هنا، سانزل الى مركز التسوق.
زارا : كلا، سانزل معك سيدي. ليس مسموح لي ان اتركك وحدك ابداً.
خالد : طيب هيا تعالي ننزل سويةً.
خرج الثنائي خالد وزارا من الغرفة وتوجها الى المصاعد. ضغط خالد على الرقم (1) ليهبط بهما المصعد حتى وصلا بعد ثوان قليلة وانفتح الباب ثانية. نظر خالد حوله ليجد نفسه بداخل مجمع فسيح ضخم لم يعهده من قبل.
كان يحاول ان يقارنه بمجمعات اخرى مرت عليه في السابق فتذكر وقتها مجمع الگالاريا بهيوستون بولاية تكساس ومجمع جيرمان سيتي في ولاية ممفس تنسي ومجمع وستفيلد بلندن. لكنه كان متيقناً ان هذا المجمع اكبر منهم جميعاً. بدأ يتمشى بداخله بصحبة زارا التي فُرِضَت عليه كي تكون ملازمة له اينما ذهب. لكنه تقصد في احراجها حينما قال،
خالد : يجب علي ان اختار بعض الملابس الداخلية بهذا المتجر. سادخل وحدي.
زارا : ساتي معك، لا تقلق لقد شاهدت ملابس الرجال الداخلية سابقاً.
دخل المتجر فصارت زارا تعرض عليه القطع بنفسها. استغرب كثيراً لجرأتها وعدم مبالاتها لتلك الامور دون حياء. علم وقتها انه مهما فعل فانها سوف تلازمه مثل ظله. وبعد ان اكمل جميع مشترياته قال لها،
خالد : اشعر بالجوع. ما العمل؟
زارا : هناك باحة خاصة معدة للاطعمة بداخل المجمع في الطابق السفلي. الاطعمة المقدمة هناك من جميع مطابخ العالم وبامكانك ان تختار نوع الغذاء الذي تريده.
خالد : حسناً دعنا لا نضيع المزيد من الوقت. فانا اريد ان انام مبكراً كي ابدأ العمل غداً.
زارا : كما تشاء.
نزل الثنائي الى الطابق السفلي فرأوا كمّاً هائلاً من المطاعم التي توزعت بشكل دائري حول الطابق كله. راح يقرأ اليافطات فوقها ليجد قوائم للاطعمة الماليزية والصينية والهندية والغربية والمطاعم السريعة مثل KFC و MCDONALD و BURGER KING قال لها بانه يريد ان يجرب المطعم الماليزي لان لديهم بوفية مفتوحة ويستطيع اختيار الاطعمة كما يراها امام عينيه. دخلا المطعم فحمل صينية خشبية ووقف في الطابور لتقف زارا ورائه فصار يتطلع الى الاطعمة الشهية. وضع الرز الاصفر على صحنه ثم صب عليه بعض المرقة الحمراء باللحم الضاني وقطع من السمك المقلي على جانب الصحن. اختارت زارا الخضار ووضعتها في صحنها فسألها،
خالد : هل انت نباتية؟
زارا : اجل.
حمل صينيته واختار طاولة بوسط المطعم فتبعته زارا وجلست امامه ليسألها،
خالد : هل انت متزوجة؟
زارا : انا ارملة سيدي ولدي طفل واحد فقط اسمه عبد الله.
خالد : لكنني اعتقدتك غير مسلمة لان اسمك زارا.
زارا : اسمي هو فاتمة الزارا.
خالد : اجل اجل فهمت الآن. انت فاطمة الزهراء.
زارا : الجميع يناديني زارا فقط.
لم يستغرق تناول الطعام سوى 20 دقيقة حين انتصب فوقفت هي الاخرى معه، قال،
خالد : يجب علينا الذهب للغرفة الآن.
زارا : انا جاهزة، دعنا نذهب.
رجع الثنائي الى المصعد حاملين معهم اكياساً كثيرة فيها مشتريات خالد ليركبا المصعد فيصعد بهما الى الطابق العاشر. دخلا الغرفة فاراد ان يدخل الحمام فتبعته زارا وهمت بالدخول معه الى الحمام. الا انه نظر اليها وقال،
خالد : ارجوك يا زارا اريد القليل من الخصوصية.
زارا : حسناً ولكن لا تقم باي شيء احمق ارجوك. سوف لن يترددوا بقتلنا نحن الاثنين.
خالد : لا تقلقي، سوف اغتسل وافرش اسناني استعداداً للنوم.
زارا : لا تتأخر كثيراً ارجوك.
دخل الحمام واغلق الباب ورائه. وبعد نصف ساعة خرج من الحمام مستوزراً فوطة بيضاء حول خصره وتوجه مباشرة الى الاكياس التي كانت موضوعة على احدى الكراسي. اخرج منها سروالاً داخلياً ارتداه ثم ازال الفوطة ونظر اليها فوجدها تتابعه بناظريها سأل،
خالد : لماذا تنظرين الي بهذا الشكل؟
زارا : لا شيء. مهمتي هي مراقبة كل حركاتك.
خالد : لا يهم. سانام الآن.
زارا : انا سادخل الحمام ثم التحق بك بعد قليل.
دخلت زارا الحمام لبضع دقائق ثم خرجت ترتدي فستان نوم شفاف يظهر جميع مفاتنها. دخلت السرير بجانبه فاقتحمت انفه العطور الفواحة التي كانت قد وضعتها على جسدها. الا انه استدار الى الناحية الثانية غير مكترث بتلك الحسناء التي ترقد الى جانبه ونام نوماً عميقاً. باليوم التالي استيقظ على صوت زارا وهي تناديه وتقول،
زارا : الساعة الآن هي السابعة، استيقظ رجائاً ودعنا نفطر ثم نتوجه لمقر الشركة دون تاخير.
ترك خالد السرير وتوجه الى الحمام ليغتسل استعداداً لاستقبال يوم جديد في الشركة التي ارغم على العمل فيها. وعندما خرج من الحمام وجد زارا واقفة بوسط الغرفة تنتظره قالت،
زارا : هل انت مستعد يا خالد؟
خالد : أجل دعنا ننتهي من هذه المسرحية الهزلية.
خرج الثنائي الى موقف السيارات بعد تناول وجبة الافطار فشاهدوا سيارة ليموزين سوداء تنتظرهما، ركبوها فانطلقت بهم من منطقة برجايا حتى وصلت الى ضواحي العاصمة بمنطقة (چاينا تاون). دخلا بناية مقر الشركة وصعدا الى الطابق الاول حيث كان رجال الامن في استقبالهما قال،
رجل الامن : اخلع ملابسك سيد خالد الباشا لو سمحت؟
خالد : لكنني لا احمل سلاحاً ولم استعمله بحياتي.
رجل الامن : نحن لا نفتش عن اسلحة. قلت لك ملابسك لو سمحت؟
نظرت اليه زارا وقالت،
زارا : لا بأس، انه اجراء امني روتيني، اخلع ملابسك جميعها لو سمحت.
عرف خالد ان ذلك شراً لا بد منه وان عليه ان ينصاع لاوامرهم إن هو اراد انقاذ حفيده محمد من براثن الاوغاد القذرة. لذلك صار يخلع ملابسه الواحدة تلو الاخرى حتى اصبح عارياً تماماً. كان كلما خلع قطعة، اعطاها لرجل الامن فيقوم بتفتيشها تفتيشاً دقيقاً ولا يترك زاوية منها الا ويتفحصها بحثاً عن لاقطات الصوت او اجهزة التنصت او فلاشات للذاكرة. وعندما تأكد منها جميعاً ارجعها له فراح يرتديها من جديد ثم اقتادهما الى قاعة فسيحة ليجد السيد حسن كرابات المدير المالي لفرع ماليزيا. استقبله وقال،
حسن : انا اسمي حسن كرابات، اتمنى ان تكون اقامتك مريحة بالفندق؟
خالد : دعك من هذا النفاق. انا جئت الى هنا مكرهاً بمهمة محددة واريد ان اباشر بها فوراً. لا تبالغوا بالشكليات التي لا تقصدونها اساساً.
حسن : حسناً ستذهب الى قاعة مخصصة لك وللسيدة زارا التي ستبقى معك طوال فترة عملك. ستقدم لك كل المساعدة التي تطلبها منها.
خالد : انا لا احتاج لاي مساعدة من احد، فانا اعمل عملي منذ سنين طويلة ولم يساعدني اي انسان في السابق.
حسن : مع ذلك ستكون زارا الى جانبك كل الوقت.
دخل الاثنان قاعة مغلقة ليس فيها شبابيك وعليها منضدة واحدة فقط وكرسيان. وضع حاسوبه المتنقل من نوع HP على الطاولة، جلس على الكرسي ، فجلست زارا الى جانبه تراقب كل تحركاته وكل كبسة زر على لوحة المفاتيح.
بدأ خالد باستدعاء ملفات الحسابات التي قاموا بتزويرها وصار يتفحصها عن كثب ثم قال،
خالد : يبدو ان من قام بالتزوير هو انسان دقيق حقاً لكنها لاتستطيع ان تخدع من هو محترف في عمله، وإن اي مدقق حكومي سوف يلتقط التزوير فوراً دون اي عناء.
زارا : لهذا السبب اردناك ان تنظر اليها لانك خبير بهذه الامور ونحن شاكرين لافضالك.
خالد : يبدو انك تمزحين. ليس هناك افضال او ماشابه، لقد اختطفوا حفيدي من مدرسته واحضروني قسراً الى ماليزيا كي اقوم بهذه المهمة. كل هذا وانت تقولين افضال، اي افضال تتحدثين عنها؟ ما هذا الهراء؟ هل انت غبية؟
زارا : سيدي، انا امٌ وافهم ماذا يعني اختطاف من تحب واجبارك على عمل شيء لا ترغب في عمله. لقد اختطفوا مني ابني كذلك واجبروني على ان اقوم بما افعله الآن بمراقبتك. انا اقف في صفك وبامكانك الوثوق بي.
لم يعلق على كلامها لانه لم يصدق حرفاً واحداً مما قالته. بقي يعمل لاكثر من خمس ساعات حتى اقترحت عليه ان يستريح قليلاً ويتناول بعض الطعام فوافق. خرجا الى قاعة مجاورة حيث وضعت طاولة مستديرة عليها اباريق شاي وقهوة واوانٍ واكواب وشطائر. امسك بفنجان وصب فيه القهوة ثم امسك بشطيرة ونظر اليها ثم نظر الى زارا متسائلاً فابتسمت وقالت،
زارا : لا تقلق، انه لحم دجاج حلال.
تناول شطيرته وانهى شرب القهوة ثم قال،
خالد : اريد مواصلة العمل.
زارا : دعنا نرجع للقاعة إذاً.
رجع الاثنان الى اماكنهم وراح يدقق المستندات ويكتب على حاسوبه ليصححها. كانت زارا تراقب كل حركاته كالنسر الذي يتابع فريسته كي لا يخطأ بشيئ. ولما اشارت الساعة التي على الحائط الى السادسة مساءاً قال،
خالد : لقد تعبت اليوم. ساواصل العمل غداً.
زارا : وانا كذلك. دعنا نخرج الآن.
خرج الثنائي من القاعة واخبرا الحارس بانهما ينويان المغادرة فطلب من خالد ان يتقدم الى الامام للتفتيش الجسدي المعتاد فتعرى خالد تماماً كما فعل في الصباح الباكر ليقوم الحارس بتفتيش ملابسه تفتيشاً دقيقاً وشاملاً ولما تأكد منها ارجعها له فسألها،
خالد : إذا قاموا بتفتيشي في الصباح فلماذا يفتشوني الآن مرة ثانية؟
زارا : انهم يتاكدون من انك لا تحمل معك اي مستندات او اصابع فلاشا تكون قد حفظت فيها مستندات مهمة تخرجها معك من القاعة. والآن، دع عنك ذلك ولنذهب الى مطعم جيد فنتناول وجبة شهية.
خرج الاثنان من المكتب وهبطا الى الطابق السفلي ليركبا السيارة الليموزين التي كانت تنتظرهما فاعطت زارا تعليماتها ليأخذهما السائق الى منطقة قريبة من حافة النهر. قالت،
زارا : هذا المكان من اقدم الاماكن بـ KL، واسم مدينة كوالالومبور مأخوذ من الانهار.
خالد : كيف؟
زارا : الاسم (كوالا - لومبور) تعني المسجد على ملتقى النهرين بلغة الملاي. النهرين هما نهر گومباك ونهر كلانگ.
خالد : لم اكن اعرف تلك المعلومة. انه فعلاً منظر جميل.
زارا : انت اجمل يا عزيزي.
لم يعر لتلميحها اي اهتمام علماً منه انها قد تكون مدسوسة من قبل المنظمة كي تستدرجه في الحديث. جلسا على احدى الطاولات في المطعم فطلب وجبة بسيطة تناولها على جناح السرعة ثم وقف وقال،
خالد : اريد العودة الى الفندق فانا متعب وانوي النوم مبكراً.
تركت زارا طعامها دون ان تكمله ووقفت كي تغادر معه. ركب الاثنان السيارة التي كانت بانتظارهما ورجعا بها الى الفندق. دخلا الغرفة فامسكت زارا بقميص خالد وسحبته اليها كي تفتح له الازرار بلحظة رومانسية مثيرة لكنه امسك بمعصميها بقبضة محكمة وابعدها عنه وقال،
خالد : قلت لك انني متعب واريد ان انام.
زارا : اجل لكنك تستطيع ان تستمتع بوقتك معي، فنحن وحدنا هنا وبامكاننا ان نحضى باوقات جميلة.
لم يرد على اقتراحها وانما توجه مباشرة الى الحمام فدخل الدوش كي يغتسل. وبعد وقت قصير خرج مرتدياً البيجامة الحريرية التي اشتراها من المجمع التجاري ودخل السرير. دخلت زارا السرير خلفه وصارت تتحرش به بدعك صدره الا انه كنس يدها بعيداً وادار لها ظهره ليغرق بنوم عميق. عرفت زارا وقتها ان كل محاولاتها في التقرب منه بائت بالفشل فادارت له ظهرها هي الاخرى ونامت نوماً عميقاً.
وباليوم التالي استيقظت تمام الساعة السابعة لتيقظ خالد كي يبدأ يوم عمل جديد في الشركة. وصلا هناك الساعة الثامنة الا ربعاً. وكالعادة قام الحارس بالتفتيش الشامل حين طلب منه ان يتعرى من ملابسه كلها ثم يرتدى ملابسه بعدها من جديد. فدخل القاعة ليواصل عمله في تدليس المستندات كما طُلِبَ منه. كانت زارا كثيرة الحذر تراقب كل تصرفاته وكل زر يضغط عليه بلوحة المفاتيح على الحاسوب. بقيت لا تفارقه سوى لثوانٍ قليلة فقط عندما تحتاج للذهاب الى دورة المياه لكنها كانت تحفظ الموقع الذي تركته عليه على الانترنيت كي ترى إن كان يتجول بمواقع اخرى اثناء غيابها. الا انها لم تمسك عليه اي زلة لعلمها الراسخ انه يتعاون معهم بالكامل كي ينقذ حياة حفيده محمد.
<<<<<<<<<<
بقيت الامور على ما هي عليه لسبعة ايام كاملة، يمر الثنائي بنفس الروتين يومياً منذ اللحظة التي يستيقظان فيها والوصول الى فرع الشركة و التفتيش الجسدي الروتيني بالذهاب وبالاياب ثم العمل الحثيث لتعديل البيانات كي تبدو مقنعة لاي مفتش حذق لديه درجة محاسب قانوني. تخلل تلك الفترة تعطل نصف يوم فقط بسبب الم في الاسنان اصاب خالد فاخذته زارا الى طبيب الاسنان ليقوم بعلاجه وعاد بعدها ليواصل عمله بالشركة.
وفي اليوم الثامن اكمل خالد تحوير آخر مستند رسمي واعلن ان مهمته قد اكتملت. رفعت زارا الهاتف وتحدثت بلغة المالاي التي يجهلها خالد ثم نظرت اليه وقالت بعدها ان المدير سوف يأتي بنفسه لزيارتهم لاحقاً. بقي الثنائي ينتظر لاكثر من ساعتين يتناولان القهوة تلو الاخرى حتى سمعا باب الصالة ينفتح ويدخل منه السيد حسن كرابات مدير فرع كولالمبور ومعه اثنان من حراسه الشخصيين فوقف خالد امامه وقال،
خالد : اليوم انتهيت من تعديل آخر المستندات كي تكون مقنعة قانونياً ولن يستطيع اي مفتش حكومي العثور على ثغرات فيها لتمكنه من تبيان اي تدليس.
حسن كرابات : والاهم من هذا وذاك، ان لا نخسر المبالغ المالية الكبيرة التي كنا سنخسرها. احسنت يا سيد خالد الباشا سنكون كرماء جداً معك مقابل مساعدتك لنا.
خالد : اخبرني مديري ديفد هندرسون انكم ستكافئوني بمبلغ مليون دولار اليس كذلك؟
حسن كرابات : بصراحة انا شخصياً اقترحت على المنظمة ان تكون المكافئة 2 ملايين دولار الا انهم اكتفوا بمليون واحد فقط.
خالد : طبعاً لانهم اخذوا حفيدي رهينة. الم يخبروك بذلك؟
حسن كرابات : اجل لدي علم بذلك لكنني كنت افضل ان لا يختطفوا حفيدك ويكتفوا بمكافئة مالية دسمة فقط كي يخرج جميع الاطراف راضياً دون اي بغضاء او ضغينة.
خالد : لكنك وافقت بالنهاية على خطف محمد اليس كذلك؟
حسن كرابات : اجل، لقد كان قراراً جماعياً يا سيد الباشا وليس قراري انا وحدي. لذلك وافقت على الخطف.
خالد : في رأيك متى سيطلقون سراح حفيدي؟
حسن كرابات : فور اتصالي بهم واخبارهم بان جميع الامور سارت على ما يرام. والآن ساتصل امامك كي يطمئن قلبك.
اخرج هاتفه النقال واتصل بشخص ما ليخبره ان النصوص قد عُدّلت بصيغة قانونية وان النصوص القديمة قد تم اتلافها ولم يبقى اي دليل ضد المنظمة. اقفل الخط معه وقال،
حسن كرابات : سيطلقون سراح حفيدك محمد الآن فوراً وسيوصلونه الى بيته. بامكانك الاتصال بابنتك في بيتها ببريطانيا والتأكد منها بعد نصف ساعة من الآن.
خالد : حسناً سافعل ذلك.
هنا نظرت زارا الى خالد وعاتبته قائلة،
زارا : الا يجدر بك ان تشكر السيد كرابات على تعاونه معك يا سيد خالد؟
خالد : السيد كرابات كان طرفاً في المنظمة القذرة التي اختطفت حفيدي فلماذا اشكر اي واحد منها. علماً ان عملي المضني خلال ثمانية ايام هو الذي ساعد على اخلاء سبيله وليس كرم حسن كرابات او رئيس المنظمة الحقير الرذيل المنحط.
نظر حسن كرابات الى زارا وقال،
حسن كرابات : يؤسفني ان تسمعي ذلك يا سيدة زارا فانت لا تستحقين كل هذه الاهانات من السيد خالد. لكنه قلق على حفيده لذلك ارجو منك ان تغفري له ذلك التطاول الغير مبرر على شخصك الكريم.
كان ذلك الحديث مفاجئاً لخالد عندما سمع كيف ان المدير حسن كرابات يتكلم باحترام كبير مع موظفة بسيطة ارسلت لتصاحبه ليل نهار وتكون بمثابة عاهر مأجورة تلبي جميع رغباته. الا ان ذلك لا يهم الآن. فالمهم هنا هو عودة محمد سالماً الى احضان والديه.
بقي خالد يتفحص ساعته حتى مرت 30 دقيقة فسأل،
خالد : هل اقوم بالاتصال الهاتفي الآن؟
حسن كرابات : امنحهم 5 دقائق اخرى لانهم بعيدون عن منزل ابنتك.
خالد : حسنا 5 دقائق اخرى.
وبعد مرور 5 دقائق سأل،
خالد : ااتصل الآن؟
حسن كرابات : اجل، بامكانك الاتصال بابنتك الآن لتطمئن.
اخرج خالد الهاتف الذي اعطي اليه واتصل على رقم ابنته رضاب فسمع الهاتف يرن ثم اجابت لتقول،
رضاب : من الطالب؟
خالد : انا اباك يا حلوتي.
رضاب : ابي حبيبي، لدي بشرى كبيرة جداً. لقد عاد محمد الى البيت سالماً. اوصلوه قبل قليل بسيارتهم وتركوه بآخر الشارع ثم رحلوا.
خالد : هل هو بخير، هل قاموا بتعذيبه؟
رضاب : سألته نفس السؤال فاجاب بالسلب، يقول انهم عاملوه معاملة حسنة. اين انت الآن يا ابي؟ هل ستأتي لزيارتنا؟
خالد : انا مازلت بـ KL ماليزيا، ساعود غداً او بعد غد انتبهي على عائلتك يا حبيبتي.
اغلق الخط مع ابنته فسمع حسن يقول،
حسن كرابات : هل اطمئنيت على حفيدك الآن؟ الا يفترض بك ان تشكرنا؟
خالد : اجل ساشكركم جزيل الشكر الآن. لانكم جعلتموني اشعر وكأنني انا ضيف ملكي.
وبعد دقيقة فقط من جملته، انفتح باب القاعة ذات الردفتين بعنف شديد مصدراً صوتاً وكأنه قنبلة مدوية ليدخل منه عشرات من رجال السوات المسلحين حاملين بنادق آلية يصرخون على الجميع كي ينبطحوا على الارض. انبطح خالد مع الباقين فدخل قائد المجموعة وطلب من خالد ان يقف ليقول له،
القائد : سيد خالد الباشا، انا عبد العزيز عبد الرحمن قائد هذه الفرقة. نود ان نشكرك باسم شرطة KL وبالنيابة عن الشرطة الدولية الانتربول في التعاون معنا كي نلقي القبض على اكبر منظمة نصب واختلاس قامت بالاستحواذ على اموال طائلة حول العالم. ومن جراء نهمهم نحو المال ارتكبوا اعمال اجرامية كثيرة راح ضحيتها الكثير من الابرياء.
خالد : انا اشكركم ايضاً لانكم ساعدتموني باخلاء سبيل حفيدي محمد في بريطانيا.
هنا تدخلت زارا وقالت،
زارا : انتم لن تستطيعوا ان تثبتوا اي شيء على الشركة وليس لديكم اي دليل مادي. فنحن نقوم بعملنا بشكل قانوني بحت. ولم نرتكب اي تزوير ولا تدليس.
استغرب خالد من تدخل موظفة بسيطة تدافع عن الشركة وعن مديرها حسن كرابات وعن المنظمة بهذا الشكل العنيف فقال لها،
خالد : ما شأنك انتِ؟ لماذا انت مهمومة جداً يا زارا؟ الم تقولي انهم اختطفوا ابنك كي يجبروك على التعاون معهم؟
قهقه القائد عبد العزيز وصار يضحك على ما قاله خالد فتقرب من زارا المنبطحة على الارض وصار يدور حولها كما لو كانت قردة في حديقة الحيوان قال،
عبد العزيز : يا استاذ خالد، ان رئيس المنظمة باكملها وبجميع فروعها حول العالم هو لا احد غير السيدة زارا. ليس لديها اطفال وقد كونت امبراطوريتها من اوكار المختلسين الذين يقومون بسرقات منظمة حول العالم. لقد حاولنا الايقاع بها منذ سنين طويلة لكنها كانت جداً ذكية وحذرة وبارعة. لم نتمكن من الحصول على اي دليل مادي نستطيع من خلاله ان ننقض عليها وندخلها السجن. فقد قامت بجميع انواع الجرائم من قتل واختطاف وتزوير لكننا لم نقدر لحد اليوم من الحصول على دليل واحد يدينها ويدين عصابتها.
هنا وبكل جرأة قالت،
زارا : ولن تجدوا علينا اي دليل ايها القائد عبد العزيز.
ابتسم عبد العزيز وصار يضحك ثم نظر الى خالد وقال له،
عبد العزيز : سيد خالد، هل لك ان تخبر المجرمة (زانغ كوان لينغ) وليس زهراء كما اخبرتك. ابلغها كيف سحبت البساط من تحت اقدام المنظمة وجميع افرادها بكل شجاعة وذكاء بالرغم من التفتيش الجسدي الشامل والرقابة حول عقارب الساعة؟
ضحك خالد وصار يبتسم ابتسامة النصر ثم تقرب من زارا وكأنه قائد جيش منتصر يستهين بعدوه المنهزم الذي ولى فريسة سهلة إذ قال،
خالد : بالتأكيد وبكل سرور يا اخي عبد العزيز: عندما تبين لي ان الحراس يفتشون جميع ملابسي بحثاً عن اصابع الفلاشا كي لا اهرّب المستندات المزورة القديمة التي تدينهم. قمت بارسالها الى سحابتي الخاصة في الكومبيوتر. كذلك طلبت مني الشرطة الماليزية ان اسجل تسجيلاً صوتياً للسيد حسن كرابات رئيس فرع KL وهو يعترف بتورطه مع المنظمة التي خطفت حفيدي لذلك طلبت زيارة طبيب الاسنان متحججاً بالم في اسناني وكان ذلك وقوفاً على تعليمات الشرطة. وهناك وتحت اشراف الشرطة السرية دون علمكِ يا زارا زرع لي الطبيب سناً خاصاً بدلاً عن سني الاصلي الذي قام بخلعه وكان هذا السن يحتوي على لاقط صوت يمكنه التنصط على كل المحادثات التي اقوم بها مع اي شخص اتكلم معه.
زارا : ولكن كيف كانت تصلك الاوامر من الادراة؟ فانا كنت ملتصقة بك مثل ظلك.
خالد : كانوا يكتبون جمل قصيرة مقتضبة مطبوعة باللغة العربية وبالخط الكوفي الذي تجهلينه على ورق التواليت في حمام غرفة الفندق. اقوم بقرائته ثم اتخلص منه بالمرحاض كي لا يقع بين ايديكم. وبهذا قمنا بالتواصل كل الوقت بحيث حددوا لي موعد طبيب الاسنان. وجندوا الطبيب كي يتعاون معهم.
نظر خالد الى القائد وقال،
خالد : هل تعرف يا كابتن عبد العزيز كيف بدأ تجنيدي؟
عبد العزيز : كلا.
خالد : عندما كنت بليدز في بريطانيا تحدث معي مديري ديفد عبر الهاتف وانا اقود سيارتي ليخبرني بان حفيدي مخطوف من قبل المنظمة فاخبرته بانني ساوصل المشتريات والاطعمة لابنتي ثم اتوجه بعدها الى لندن. وقتها دخلت على بيت ابنتي واجتمعت بالمحقق بيتر براون على انفراد واخبرته بما قاله لي مديري ديفد فطلب مني ان العب اللعبة معهم وان انفذ كل ما يطلبونه مني كي اساعد في اطلاق سراح حفيدي واوقع بالمنظمة التي اختطفته. كذلك طلب مني ان اتحلى بالسرية التامة وان لا اتحدث مع اي انسان مقرباً مني مهما كلف الامر بما يخص القضية. كذلك قال لي انهم سيتصلون بشرطة ماليزيا والشرطة الدولية كي ينصبوا الفخ للمنظمة.
فوافقت وقررت ان يكون ذلك هدفي حتى لو كلفني حياتي، الا وهو السعي لتحرير حفيدي والايقاع بالمنظمة القذرة.
عبد العزيز : انت انسان شجاع ولا تهاب الموت يا سيد خالد. فقد قارعت منظمة خطيرة دون ان يرف لك جفنك. سنرافقك الى المطار وسوف نستدعيك مرة اخرى عندما يتم تحديد موعد جلسات المحاكمة بعد شهر او شهرين لادانة المجرمين إن شاء الله.
خالد : ساكون جاهزاً للعودة مرة ثانية الى KL كي ادلو بشهادتي. وهذه المرة سندفن المجرمين بالسجون الى الابد.
عبد العزيز : لقد حجزنا لك اقرب رحلة بالطائرة كي تعود الى لندن وتطمئن على حفيدك.
خالد : هذا شيء حسن، شكراً لك اخي عبد العزيز.
احتضن خالد قائد الحملة عبد العزيز ثم خرج من مبنى الشركة الذي صار يعج برجال الشرطة والصحفيين والمحامين. ركب سيارة اجرة لتأخذه الى الفندق فيجمع باقي ملابسه من هناك ويتوجه بها الى المطار. واتصل بابنته ليخبرها انه راجع الى بريطانيا فاخبرته بانها وعائلتها سيستقبلوه بالمطار.
جلس خالد في الطائرة على كرسي اعتيادي من الدرجة السياحية وصار ينظر من الشباك ليرى طائرته تهرول على المدرج كي تتسلق السماء فتخترق الغيوم متجهةً للشمال الغربي في طريقها الى بريطانيا. وبعد 14 ساعة الا قليلاً هبطت الطائرة بمطار هيثرو الدولي حيث كانت الاجرائات سلسة وسريعة دون تأخير. ولما خرج من باب الوصول رأى ابنته رضاب واقفة الى جانب زوجها حسن ومعهما حفيده محمد. فورما لمح الطفل جده ركض اليه وصار يعانقه ويقول له بانه اشتاق اليه كثيراً وانه اعظم واشجع جد في العالم. كان الجو مشوباً بالدموع والفرحة العارمة بين خالد والعائلة الصغيرة. بقوا واقفين يتحدثون كثيراً حتى قال حسن،
حسن : هل سنبقى بالمطار طول اليوم؟ دعونا نذهب الى السيارة ونكمل حديثنا هناك لنفضفض شجوننا ونسمع منك عن مغامرتك يا سوﭘـر عمي.
خالد : فكرة صائبة حبيبي حسن، هيا نمشي.
ركب خالد الى جانب نسيبه حسن في الكرسي الامامي بينما جلست رضاب على المقعد الخلفي مع ابنها محمد. خرجت السيارة من المراب وتوجهت مباشرة الى الطريق السريع متجهة شمالاً الى مدينة ليدز في يوركشاير. كانت الاجواء بتلك الرحلة مفعمة بمشاعر السعادة والشعور بالارتياح إذ كان خالد يحدثهم عن الحيلة التي اتبعها مع المنظمة بتوجيهات من شرطة ماليزيا والتي كانت بدورها تتعاون مع الشرطة الدولية الانتربول. وكيف انهم فور تسلمهم الادلة الكافية على شكل وثائق رقمية استُرجِعَت من السحابة الالكترونية والتسجيلات الصوتية التي سخرها لهم خالد عندما ضحى باحد اسنانه كي يزرعوا له سناً مستعاراً بدلاً منه يخدم كلاقط صوت يسجل من خلاله المحادثات التي اوقعت المجرمين بالمصيدة والتي ستدخلهم غياهب السجون الى الابد وكيف اعطى كلمة الاشارة للشرطة كي يقتحموا المكان عندما نطق بعبارة (انا ضيف ملكي).
بقي حسن يقود السيارة لبضع ساعات حتى وصلوا مدينة ليدز بمقاطعة يوركشاير. كان الجميع سعيداً ومتفائلاً لانهم يتطلعون الى مستقبل سعيد زاهر حتى اخذهم حسن باتجاه البيت مروراً بمدرسة الطفل محمد. ولما مروا من امام المدرسة قال خالد،
خالد : توقف هنا يا حسن.
حسن : لماذا اتوقف يا عمي، نحن جياع ونريد الوصول الى البيت.
هنا بدأ خالد يصرخ بوجه نسيبه ويأمره بالوقوف فيقول،
خالد : قـــــــــلت لك توقف فوراً. هل انت غبي يا حسن؟ اريد الترجل.
ضغط حسن على مكابح السيارة نزولاً على طلب عمه فتوقفت السيارة ليفتح باب السيارة ويخرج خالد منها وحده بينما بقيت العائلة تنتظره بداخل السيارة. تمشى امام الباب الرئيسي للمدرسة ثم راح يتجول في الشارع الرئيسي ثم سار حتى وصل مدخل مراب السيارات. تمشى بداخل المراب بعض الوقت ثم رجع الى البوابة الرئيسية للمدرسة ونظر الى السماء وبقي ينظر ورأسه مرفوعاً لاكثر من خمس دقائق ثم خفض رأسه للارض وجلس القرفصاء وهو معقود اللسان. فجأة سمع حفيده يناديه من بعيد ويقول،
محمد : هيا يا جدي، لقد جعت كثيراً وامي وعدتنا بوجبة دسمة.
خالد : انا قادم يا حبيبي انا قادم يا محمد.
رجع خالد الى السيارة ليجلس الى جانب نسيبه حسن ويرمقه نظرة غاضبة جداً ثم امر،
خالد : قد السيارة الى البيت يا حسن.
سارت بهم السيارة لفترة قصيرة جداً والوجوم كان مخيم على الجميع. لم يفهم الجميع سبب توتر خالد وتصرفاته الغريبة. ولما وصلوا المنزل نزل خالد يتأبط حفيده يتبعهما حسن ورضاب فيدخلون البيت جميعاً ويغلقون الباب ورائهم. دخل خالد الحمام مباشرةً وصار يصب الماء البارد على وجهه، ينظر بالمرآة امامه ويقول، "حقير، وضيع، سافل، ساقط، خسيس، خبيث". جفف وجهه المبلل بالمنشة ثم خرج الى الصالة فوجد نسيبه وحفيده ينتظرانه هناك بينما دخلت رضاب المطبخ وراحت تعد الطعام وتصدر اصوات الطهي لتهيء الطعام للجميع. جلس خالد امام حسن وراح يحدق بعينه بغضب كبير دون ان يحيد عيناه عنه ثم امر،
خالد : يا محمد اذهب الى غرفتك.
محمد : ولكن يا جدي انا اريد ان...
قاطعه جده وكرر الطلب بصوت مرتفع هذه المرة ليقول،
خالد : قــــــــــــلت لك اذهب الى غرفتك فوراً يا محمد. ولا تنزل حتى اناديك ثانية.
محمد : حسناً يا جدي كما تريد.
ولما تأكد خالد من ان حفيده صعد فعلاً الى الطابق العلوي واغلق باب غرفته. نظر الى نسيبه حسن وقال،
خالد : كيف تمكنت ان تفعل ذلك؟
حسن : انا لا افهم قصدك يا عمي. ربما تقصد قيادة السيارة من المطار الى...
قاطعه بصوت مرتفع اكثر هذه المرة،
خالد : انـــــــــــت انسان خبيث وواطيء وحقير. كيف رضيتُ ان ازوجك ابنتي يا كلب؟
حسن : عمي لماذا تغلط عليّ؟ ما الذي يدفعك كي تهينني ببيتي؟ هل يعقل ذلك؟ انا مستاء منك جداً يا عمي.
بهذه اللحظة دخلت عليهم رضاب لتستدعيهم للطعام ففوجئت بما رأت وسمعت فقالت،
رضاب : ما الذي يجري هنا؟ لماذا ارتفع صوتكما يا احبابي.
خالد : توقفي عن الكلام يا رضاب ودعيني احاسب هذه الحشرة.
عاد ونظر اليه ثم قال،
خالد : قمت بالتعاون مع منظمة وضيعة كي يخطفوا ابنك؟ ابنـــــك، ابنـــــك، ولك ابنـــــك يا كلب، اهذا ما فعلت يا منحط؟
حسن : ليس هناك اي شيء مما تقول يا عمي انا لم...
قاطعه خالد مرة اخرى وقال،
خالد : لا تكذب، لا تنكر امامي ابداً. اليوم عندما رأيت المدرسة بينما كنا راجعين من المطار شاهدت الموقع على وضح النهار وعرفت الحقيقة. ففي تلك الليلة المشؤومة، انت لم توقف سيارتك امام الباب الرئيسي للمدرسة. كان هناك الكثير من المواقف الفارغة امام الباب الرئيسي. كنا وقتها في حالة قلق شديد على اختفاء محمد. وكان بامكانك ان تقف امام باب المدرسة فننزل ونتحقق الامر. لكن ماذا فعلت يا رذيل؟ قمت بالاستدارة والدخول الى موقف السيارات. لماذا؟ هيا قل لي لماذا؟
حسن : وماذا في ذلك. انا تعودت على الوقوف بمراب السيارات كلما زرت مدرسة محمد.
خالد : بل انت اردتني ان اعثر على سلسلة مفاتيح محمد على الارض، اليس كذلك؟ اردتني التأكد من ان محمد مختطف.
كان الطفل محمد يسترق السمع على حديث جده ووالده فنزل السلم ودخل الصالة ثم قال،
محمد : في ذلك اليوم الذي اختطفوني به، اخذ ابي مفاتيحي مني قبل ان ادخل المدرسة وقال انني قد اضيع المفاتيح وانا العب في المدرسة مع انني لم اضعها بحياتي يا جدي.
هنا اقتنعت رضاب بما قاله والدها وابنها محمد فسارت نحو حسن وقالت،
رضاب : هل سلمت ابنك للمجرمين يا حسن؟ قل ان كل ذلك كذب وافتراء من والدي. قل انك لم تفعل ذلك. قل انك تحب ابنك ولا تريد له الاذى. هيا قلها.
حسن : حبيبتي لقد وعدوني انهم سوف لن يؤذوا ابننا محمد ابداً وان ذلك سيدر علينا بالمال الوفير. لقد اعطوني 100000جنيه استرليني دفعة اولى وسيعطوني مثلها دفعة ثانية.
رفعت رضاب يدها اليسرى وصفعته صفعة شديدة تسببت في نزيف دم من اسنانه وانفه. خرجت من الصالة وهي تبكي. هنا عقب خالد،
خالد : اي دفعة ثانية يا معتوه؟ جميع اعضاء المنظمة في السجون الآن يا احمق. انت ستلتحق بهم اليوم وهذا وعد مني.
حسن : وهل يرضيك يا عمي ان يتربى محمد من دون اباه؟ الا تعلم ان رضاب حامل ونحن في انتظار مولودنا الثاني؟
خالد : مولود ثاني لاب لص، واي نوع من اللصوص؟ انه لص احمق يتعاون مع العصابات كي يخطفوا له ابنه.
حسن : لكنهم لم يؤذوه يا عمي. لقد عاملوه معاملة حسنة الم تسمع ما قاله محمد؟
خالد : وماذا عن الخوف؟ الم يخاف كثيراً وهو لا يعلم ان اباه قد سلمه الى الذئاب بيده يا نذل؟
حسن : عمي ارجوك انا...
قاطعه خالد وقال،
خالد : سوف اطلب من رضاب كي تسلمك للعدالة.
بهذه اللحظة دخلت رضاب الى الصالة وقالت،
رضاب : لا تقلق يا ابي، لقد اتصلت بالمحقق العريف بيتر براون فعلاً واخبرته بكل شيء عن حسن. قلت له ان مازال هناك كيس قمامة بداخل بيتي لم يأخذوه بعد. فوعد ان يبعث بسيارة شرطة كي يلقوا القبض عليه.
حسن : هل ابلغتِ عني يا رضاب؟ انا زوجك وحبيبك. ايعقل ذلك؟ انا ابو محمد.
هنا تقدم الطفل محمد وقال،
محمد : لو كانوا سيأخذون بكلامي لقمت انا بالتبليغ عنك ايضاً. انا لا اريدك اباً لي. فانت انسان شرير ومخادع. سوف لن اناديك ابي مدا ما حييت. ابي مات يوم ان اتفق مع الاشرار واصبح متآمراً ضد عائلته. انت سيئ جداً يا حسن. انا اكرهك، اكرهك.
وقف حسن ليهم بالهروب الا ان خالد انتصب من كرسيه ووقوف وقوف الابطال الشامخين امامه ولكمه لكمة قوية اسقطته ارضاً. صرخت ابنته باعلى صوتها وقالت،
رضاب : سلمت يداك يا ابي
وراحت تطلق الزغاريد فاختلطت فرحتها بالدموع.
دخل رجال الشرطة ووضعوا الاصفاد على معصمي حسن ليقتادوه الى مصيره المحتوم.
--- تمت ---
3255 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع