"مختصر جغرافية واسم وتاريخ بلاد الاحواز منذ أقدم الازمنه"

                                                          

                       أ.د. قصي منصور التُركي
      باحث واكاديمي مختص في آثار وحضارة الخليج العربي
                                استراليا

"مختصر جغرافية واسم وتاريخ بلاد الاحواز منذ أقدم الازمنه"

شيء عن اسم فارس والخليج العربي:

إن قدم هذا المجال الجغرافي والمائي المطل على الخليج العربي يحتم علينا الاشارة اولا الى أقدم الإشارات الواردة حول اسم من يحتل هذه البلاد لاسيما فارس أو ايران ثم نقارنه بتاريخ وقدم بلاد الاحواز في التاريخ.
ان القبائل الفارسية او اسم بلاد فارس لا يتعدى القرن التاسع قبل الميلاد، فأول إشارة تاريخية مهمة وردت في كتابات الملك الآشوري "شيلمنصرالثالث" وتحديدا في عام حكمه السادس عشر عام 843 ق.م والرابع والعشرين 835 قبل الميلاد، حيث يذكر لنا هذا الملك اسم قبيلتين مهمتين وهما قبيلة "أمادي" (Amadai) أو "مادا" (Màda)أي الماذيون، وقبيلة باسم "بارسوا" (Parsua) أو"بارسا" (Parsa) أي فارس،وقد تكررت الإشارات إلى هاتين القبيلتين لدى كتابات الملوك الآشوريين اللاحقين دون غيرهما، مما يعني أنهما اكبر القبائل الإيرانية الأصل وأشهرها. أما القبائل والسكان القاطنين في الاحواز فيعود تاريخ تواجدهم وذكرهم الى الالف الثالث قبل الميلاد اي بحوالي الفي عام قبل ذكر ومجيئ الفرس الى المنطقة، بحيث أمكن تتبع اتجاه وانتقال هاتين القبيلتين في بلاد إيران حتى استقرارهم في الموطن التاريخي الخاص بهم خارج حدود بلاد عيلام، وتبين أن الفرس اتخذوا من الجهة الجنوبية الغربية لإيران منطقة لاستقرارهم، بينما فضّل الماذيون الاستقرار شمالا وراء الحاجز الجبلي بمحاذاة بلاد الرافدين غرب إيران، بيد أن الغلبة كانت على الدوام للقبائل الماذية، وفي المعتقد كان الفرس دون الماذيين مرتبة،إذ حكموا في موطنهم مستقلين مرة وتابعين للماذيين مرة أخرى.
أما اسم ايران الذي تعرف به اليوم فلا يتعدى استعماله أواخر القرن الثالث قبل الميلاد،فاول استخدام للاسم جاء بصيغة «أريانا» (Ariana)وذلك على لسان الجغرافي"اراتوسثينس" (Eratosthenes)الذي عاش ما بين 276 إلى 194 قبل الميلاد،وبالمقابل نجد اسمبلاد الاحواز وقديما عيلام ككيان مستقل ووجود حضاريمنذ الالف الرابع والثالث قبل الميلادباعتبار المنطقة مجال مائي مرة، ومنطقة لأرض غير محددة مرة أخرى، حيثتشير الأدلة التاريخية إلى أرض عرفت بأرض البحر أو القطر البحري وأخذت ضمن التسلسل التاريخي لحضارات بلاد الرافدين المتعاقبة باسم سلالة مستقلة، هي "سلالة القطر البحري" وبالبابلية "مات تامتيم" (Mat Tamtim)، والتي لا يعرف على وجه الدقة امتدادها لكنها شملت في الغالب كلا ضفتي الخليج العربي وأهوار جنوب العراق. اما اسم الخليج فانه يقترب من حيث المعنى واللفظ العربي اكثر مما يقال عن كونه خليجا فارسيا، اذ ان جميع الادلة اللغوية في الكتابات المسمارية من الالف الثالث والثاني قبل الميلاد، (ينظر كتاب الباحث والمعنون: عروبة الخليج،،، حقائق جغرافية ولغوية، دمشق،2011) تشير الى ان اسم الخليج يلتصق بالممالك الخليجية ولا ينتسب البته باي ذكر للفرس او غيرهم ممن حكموا الهضبة الايرانية، فمن أولى الكتابات الآشورية نجد الخليج باسم "نار مارّاتو" (Narmarratu) أي بمعنى "النهر المر" (المالح)، والتطابق واضح في اللفظ والمعنى العربيين لأن اللغة الآشورية (AssyrianLanguage) لهجة رئيسية تنتمي إلى اللغة الجزرية (العربية الأم)، علما أن الآشوريين كانوا يطلقون كملة "نهر" على النهر والبحر معا، وهنا جاءت بالمفهوم الحديث للخليج.

الجغرافية العربية لضفتي الخليج العربي في ساحليه العربستاني والخليجي

          

اسم الاحواز-عيلام قديما:

تعتبر بلاد الاحواز من الناحية الجغرافية والحضارية جزء من الحضارة العربية القديمة، فقد كانت ترتبط ببلاد الرافدين القديمة باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي تحديدا، وتشير المعلومات الجغرافية الى ان المسافة بين منطقة السهل الرسوبي واطراف بلاد الاحواز (عيلام قديما) لا تتجاوز مائة ميل،وكثيرا ما كانت بلاد عيلام من ضمن الدول العظمى التي تأسست في بلاد الرافدين، كما تعتبربلاد عيلام هي الواسطة الحضارية للاتصالات بين حضارة بلاد الرافدين وحضارت الشرق الاقصى القديم، ويشير المختصون بالدراسات اللغوية والاثارية القديمة الى جغرافية واسم بلاد عيلام والاحواز ومن بينهم العلامة المختص بالكتابات المسمارية والتاريخ القديم المرحوم عامر سليمان الذي افرد الكثير من المقالات حول الموضوع، اذ يشير مستندا على ادلة علمية اثرية ان بلاد عيلام القديمة هي بلاد عربستان الحالية (الاحواز) والتي جغرافيتها كاقليم حضاري قديم يقع في الجهة الجنوبية الغربية لايران الحالية وهي اقرب حضاريا وجغرافيا الى بلاد سومر واكد (بلاد الرافدين) العراق الحالي.
لقد كانت بلاد عيلام (الاحواز) تظم في معظم تاريخها القديم السهل الرسوبي الفسيح الممتد ليشمل عربستان وبعض اجزاء الهضبة والمرتفعات الجبلية الواقعة الى الشرق والشمال من السهل الرسوبي من حيث التكوين الجيولوحي وطبيعة الارض والتضاريس، وتعد امتدادا طبيعيا لسهل العراق الرسوبي ولا يفصله عنه اي حاجز طبيعي يمكن سكان الاحواز قديما من التواصل مع سكان بلاد الرافدين وممالك الخليج العربي (دلمون) (ينظر الخارطة)، ويخترق السهل نهرا الكارون وكلخة، كما يتخلل السهل بعض الاهوار والمستنقعات الممتدة غربا حتى محاذات نهر دجلة وبذلك يصبح الاتصال بين الجزيرة العربية وعربستان عبر العراق ممكنا وسهلا.
واطلق على الاحواز والبلاد بالكامل منذ اقدم لغة مدونة عند السومريين اسم "نم" (NIM)وهي مفردة سومرية تعني "النجد المرتفع" وحرفيا "كان عاليا" كما ورد باللغة السومرية اللفظ "ELAM.MA.KI" أي بلاد عيلام. اما في اللغة الاكدية (الجزرية العربية القديمة) فقد جاء الاسم بنفس اللفظ والمعنى تقريبا وبصيغة "elu" عال، و "elamtu" اي بلاد عيلام،وعنى به السومريين والاكديين المنطقة الجغرافية الواقعة الى الشرق من بلادهم، وللمعنى دلالة جغرافية وارتباط حضاري، اذ يعني ان الاقليم يضم الهضبة والمرتفعات الجبلية الى الشرق من السهل الرسوبي، وهذا ما تؤكده الدراسات الحديثة.
اما في اللغة العيلامية القديمة فقد سماه العيلامييون انفسهم بلفظ "خاتامتي/خالتامتي" (Hatamti/ Haltamti) ويعني الاسم باللغة العيلامية "ارض الرب او الاله"، اما في اللغة الفارسية المتأخرة فان بلاد عيلام عرفت باسم "اوفاجا / خوفاجا" (Uvaja/ Huvaja) وعلى مايبدو ان هذه الصيغة في الاسم هي التي اشتق منها كلمة خوز أو خوزى. اما الاغريق فقد اطلقوا على المنطقة اسم "سوسيانا" اي بلاد السوس نسبة الى العاصمة سوسا. اما العرب فقد اطلقوا على كامل المنطقة اسم الاحواز وقد حرفه الفرس الى الاهواز، واطلق الايرانيون انفسهم اسم "عربستان" للاشارة الى الاحواز، ويعني بلاد العرب، مؤكدين بذلك ومن غير قصد، بان سكال الاحواز هم من العرب.


وجاء في كتب المؤرخين العرب بأن اسم الاحواز وهو جمع كلمة حوز من الفعل حاز بمعنى الحيازة والتملك، حيث ان العرب يستعملون هذا اللفظ على للدلالة على تملك الارض لشخص او قوم ثبّتوا حدودها فاستحقوها من دون منازع، وتشير المصادر ان الاسكندر المقدوني عندما كسر شوكت الفرس الاخمينيين وغزى بلاد فارس، جزئها الى امارات، وانفرد العرب بهذا القسم من البلاد واطلقوا عليه اسم الاحواز نسبة الى ملك القبائل العربية له. وعن اسم الاهواز يشير المؤرخ مصطفى النجار، الى ان الاهواز جمع هوز واصله حوز، فلما كثر استعمال الفرس لهذه الكلمة غيروها حتى ذهبت، وذلك لان ليس في كلام الفرس صوت حرف حاء المهملة، فاذا تكلموا بكلمة فيها حاء قلبوها هاء. ويضيف النجار الى ان الاسم ايام الفرس كان خوزستان ومعناه بلاد القلاع والحصون، حيث ان العرب بعد معركة القادسية الشهيرة بنوا فيها مواضع كقلاع وحصون حربية وكل موضع منها سمي خوز باللغة الفارسية.
وقد ذكر الطبري في موسوعته تاريخ الرسل والملوك مدينة سوسة (الشوش)عاصمة بلاد عيلام وقال بأن أول ما بني على الأرض من المدائن هما مدينة بابل بسواد الكوفة ومدينة السوس. وهذا ما نقله عن هشام أبن السائب الكلبي، والذي عد تاريخ بنائها إلى مهلائيل بن قينان. وبذلك تكون حضارة الاحواز من الحضارات العريقة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بحضارات المنطقة العربية قديما وحديثاوالادلة الاثرية المكتشفة تشير بوضوح الى الملامح العربية والزي العربي الاصيل (ينظر صورة العقال والكوفية). لاسيما اذا عرفنا ان العديد من اسماء القبائل التي ذكرتها الكتابات المسمارية القديمة من الالف الاول قبل الميلاد لاتزال موجودة حتى الوقت الحاضر، ومن بينها على سبيل المثال:
قبيلة ( بيت) آللُومور (URU. Lu. mur)
قبيلة (بيت) ابناء خالابي (الغوالب) (DUMU ha. La.pi )
قبيلة (بيت) نطيري او مطيري (Na.te.ri)
قبيلة ( بيت) رباعا/ ربيعه (E Ra.pa.a)

            

     الملامح العربية الاصيلة للزي العربي في الاحواز منذ قديم الزمان

محاولات المستعمرين والغاصبين اخضاع بلاد الاحواز العربية:

منذ فترة حكم الملك "دارا الأول" أو "داريوس" (522- 486 ق.م)، والذي يعد من الملوك الأقوياء للدولة الأخمينية الفارسية، اذقضى على العديد من الثورات والتمردات التي حدثت في المدن والاقاليم التي احتلها ملوك الدولة الاخمينية من قبله، سواء في بلاد بابل او القطر البحريأوعيلامأوأشور أوميديا أوعلى القبائل الأسكيثية، ثم عمل علىتقسيم الأمبراطورية الاخمينية الفارسية الى عدة ولايات وسميت تلك الولايات باسم (ساتراب) وتعني مظلة الحكم، اي انه لكل ولاية حاكمها الخاص وواليها الخاص، ومنحهم السلطة المطلقة لكنهم ملزمين بدفع الضريبة سنويا، والهدف من هذا التقسيم هو التوثيق بين النظام الأقطاعي القديم وبين مركزية الحكم الذي فرضته السيادة الاخمينية على جميع المناطق والبلدان التي خضعت لسيطرتهم. ولم تكن مدن الخليج العربي بمعزل عن ذلكالتقسيم الاداري فاصبحت ولاية تابعة للدولة الأخمينية وكانت تدفع لها ضريبة سنويه أثناء الحروب الفارسية اليونانية (490-478ق.م)
اما بخوص سياسة الدولة الساسانية مع مدن العرب في ساحلي الخليج العربي، فقد تمثلت بالعداء وخضعت القبائل العربية الساكنة في شرق شبه الجزيرة العربية لحكم الدولة الساسانية بقوة السلاح، اذ عبر "أردشير الأول" مياه الخليج الى الجزيرة العربية فغزا عمان واليمامة، ثم سار الى البحرين فتمكن من السيطرة عليها بعد أن عجز ملكها من الصمود بوجه الجيش الساساني، وبهذا أصبح العرب في شرق الجزيرة العربية جزءا من الدولة الساسانية، فانتقل عدد من سكان البحرينبعد ذلك الى بلاد ايران وأستقروا فيها مستغلين فترات الضعف التي مرت به الدولة الساسانية خاصة بعد وفاة الملك "هرمز الثاني" (302-309 م) وتولي ابنه "سابور" العرش وكان طفلا، فعبرت الخليج أعداد كبيرة من سكان الخليج من البحرين وكاظمة ونزلوا أبوشهر وسواحل أردشير وبعض مناطق أقليم فارس، فغلبوا على أهلها،وسكنوا تلك المناطق لايغزوهم أحد.
ومنذ بداية القرن الرابع الميلادي أضطربت العلاقة بين عرب ضفتي الخليج العربي والساسانين فقد أستغلت القبائل العربية صغر سن الملك سابور الثاني (309-379م) فخرجت عن الدولة، وعبرت قبائل من ساحل الخليج الغربي الى الاحواز وأستوطنت مناطق واسعة من كرمان وفارس وغلبت على أهلها أيضا، الا أن الوضع لم يستمر أذ تمكن "سابور الثاني" من اعادة السيطرة على القبائل في شرق الجزيرة العربية وقام بعمليات تعذيب بشعة تمثلت بخلع ايديهم من أكتافهم حتى لقب بـ "سابور ذو ألاكتاف".رغبة منه في تخويف العرب والقبائل العربية التي كانت تقطن في كلا الشاطئين من الخليج العربي.
وعندما كبُر الملك"سابور" وبلغ سن السادسة عشر وقوي على حمل السلاح ، بدأ بمحاربة القبائل العربية في الاحواز والساحل الغربي للخليج العربيفقتل وأسر أعدادا كبيرة منهم،ثم عبر البحرين فغزا قبائل "عبد قيس" و"تميم" و"بكر بن وائل" و"تغلب"، ثم قام بأجلاء بعض قبائل تغلب الى مدينة دارين والخط وقبائل عبد قيس الى هجر، ومن كان من بكر بن وائل الى كرمان، ومن كان من بني حنظلة الى الرميلة والأحواز. وكان يهدف من سياسة الترحيل هذه تمزيق وحدة الصف العربي والقضاء على اللحمة الوطنية بين ابناء الخليج العربي بساحليه، بيد ان ذلك كان حلم سابور ومن اعقبه من حكام بلاد فارس قديما وايران حديثا.

خاتمة:
نختم هذه الصفحات التاريخية عن سياسة حكام الاراضي الايرانية في التاريخ القديم واحلامهم في بسط سيطرتهم على الاحواز العربية، بما دوّنه احد الكتّاب الغربيين من المؤرخيين والرحالة وهو المستشرق الدنماركي "كارستن نيبور" (Karsten Niebuhr)، والذي طاف "باليمن" و"الخليج العربي" وزار أطلال "فارس" و" آشور" عام 1763 للميلاد، فألف مؤلفا يصف فيه بلاد العرب وسواحل الخليج العربي بالقول: "من المضحك أن يصّور جغرافيون جزءا من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، في حين أن هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد البحر في بلادهم الخاصة، لكنهم تحّملوا صابرين على مضض أن يبقى هـذا الساحل ملكا للعرب".

                    

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع