عبد يونس لافي
رسالةٌ عراقية، من رسائلِ الحياةِ اليوميَّةِ البابِلِيَّة – 10 –
من جارِيَةٍ الى سيِّدِها
ودونَكَ، يا ابْنَ العمِّ، رسالةً أخرى،
من رسائلِ الحياةِ اليوميَّة،
في قديمِ الدولةِ البابليَّة.
هذه الرسالةُ تكشفُ الوجهَ القبيحَ للأقوياء،
في اسْتخدام القوةِ والمالِ لإذلالِ الضعفاء،
واسْتغلالِ حاجاتِهم،
لكي يفعلوا ما يشاءون،
إرضاءً لِبَهائِميَّةِ شهواتِهم،
دون أن يعْبَأوا لما تؤولُ اليه أفعالُهم.
لَعَمْري إنَّ رسالةَ هذه الجاريةِ،
لَتهْتزُّ لها المشاعرُ،
وترتجفُ لها القلوب!
تقول الرسالة:
(أخبِرْ سيِّدي،
جارِيتُكَ دَبايْتُم (Dabītum) ترسلُ الرسالةَ التالية:
ما اخبرْتُكَ به الآن حدث؛
لِسبعةِ اشهرٍ خَلَتْ،
هذا الطفلُ (الذي لم يولدْ بعدُ)
كان يمكثُ في جسدي،
ولكنْ منذ شهرٍ،
مات الطفلُ،
ولا أحدَ يريد أن يعتنيَ بي!
هل لك سيِّدي،
أن تفعلَ شيئًا خِشيةَ أن أموت.
تعالَ لزيارتي، ودعني أرى وجهَ سيِّدي!
[.........] لماذا لم تصلْني منك أيُّ هدية؟
وإذا كان لا بدَّ لي أن أموت،
دعني أموتُ بعد أن أرى،
مرةً أخرى، وجهَ سيِّدي!!!)
انتهت الرسالة!
رسالةُ الجاريةِ هذه،
تُعبِّرعن حالةٍ إنسانيَّةٍ مأساويَّة،
قد كتبها – نؤكِّدُ – كاتبٌ نيابةً عنها،
كما مرَّ في الرسائلِ السابقةِ،
أسلوبًا ومضمونًا كما أُمْلِيَتْ.
ويبدو أنَّ سيِّدَها على علمٍ بحَملها منه،
وما كتبتهُ لم يكن لِيُحرجَها أو يُحْرجَه،
فالاسْترقاقُ في ذلك الوقتِ،
كان شيئًا مألوفًا،
والنظرةُ الدونيَّةُ للمرأةِ،
في بداياتِ دولةِ بابلَ،
شائعةٌ في الوسط الاجتماعي،
غير أنَّ القوانينَ والشرائعِ اللاحقة،
كانت قد لَفَظَتْها، او على الاقل،
حدَّتْ من غَلْواءِها، عند مجئ حمورابي،
بعد ما يقرب من مائةِ عام.
جاء حمورابي بقوانينَ أرستْ لأوَّل مرة،
مبادئَ لحقوقٍ من شأنها،
أن تُكرِّم المرأة وأن تسعى الى تحرير العبيد،
فكانت اللبنة الأولى في هذا المضمار،
دون أن نُنكِرَ أنَّ ظاهرةَ الإسترقاقِ،
جنسيًّا كان أو عمالةً،
استمرت حتى مجيئ الرسالات السماوية،
ومع ذلك ان نزعُمَ ونقول:
ان العالم اليوم يخلو تمامًا من أيِّ مظاهرِ الإسترقاق،
بجميع اشكالِه ودرجاتِهِ،
فهذا ضربٌ من ضروبِ الخيال،
مهما تبجَّح المتبجِّحون،
أو ادَّعى المدَّعون.
انه لمن البساطة بمكان،
ان نكتشفَ المحنةَ التي مرَّت بها هذه الجارية،
في بيتِ سيِّدِها!
فلقد استغل هذا السيِّدُ ضَعفَها فاغْتصبها،
فحملت منه، ثم تركها!
لم يكن لها حولٌ ولا قوة،
فلا هو بمرتدعٍ،
إذ لا يرى في ذلك إلّا حقًّا له،
ولا هي بالقادرةِ على أن تُظهرَغيرَ أماراتِ الرضا!
يُخَيَّلُ إليَّ أن سؤالَها المفاجئ:
[.........] لماذا لم تصلْني منك أيُّ هدية؟
بعد ما تُرِكَ من فراغ،
يوحي بأنَّ هناك كلامًا قد سبق،
وقد حذف إمّا تعمُّدًا، يفهمُه السَّيِّد المغتصِب،
او طرأ عليه طارئٌ طبيعيٌّ فمَحاه،
لكنَّ السؤالَ كان غريبًا،
أنْ يَرِدَ في معرض بثِّ لواعجِها،
وتوسُّلِّها لمجيئِه، وكأنها مشتاقةٌ اليه،
وتتمنّى رؤيتَه قبل أن تموت،
فهي إمّا أنْ تكونَ قد أخفتْ سخطَها،
او انها بالغت اسْتعطافًا للمشاعر،
علَّهُ يفعل شيئًا يُنقِذها مما حلَّ بها،
وكلُّ شيئ وارد! سلام.
1383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع