عبد الرضا حمد جاسم
علي الوردي و الانحراف الجنسي / الحجاب
ثالثاً
1ـ في ص 360 من /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب التالي: [الواقع ان الحجاب انتشر في أكثر البلاد الإسلامية منذ زمن بعيد ولكنه لم يبلغ من حيث تأثيره الاجتماعي في تلك البلاد كما بلغ في العراق فهو في العراق ذو تقاليد صارمة تضيق على المرأة الخناق ولعلني لا اغالي ذا قلت بان هذه التقاليد استمدت جذورها من عادة غسل العار وظلت محافظة على بعض معانيه] انتهى
أقول: لا افهم من هذا المقطع الا محاولة الوردي للقول ان افسد نساء الكون هن العراقيات حيث تسببن بانتشار واستسهال عادة غسل العار و للتقليل من هذه الحالة ابتدع اهل العراق الحجاب...وهنا يتناقض الوردي مع نفسه حيث هذا يعني ان الحجاب ليس السبب في زيادة الانحراف الجنسي انما للحد منه.
2ـ كتب في ص305 من نفس الكتاب التالي: [مما يجدر ذكره ان هؤلاء الذين يتزمتون في الحجاب الى هذه الدرجة المفرطة قد ضعفت لديهم عادة "غسل العار" في الوقت ذاته فمن النادران يعمد أحد منهم الى قتل امرأة له عند الاشتباه بسلوكها يبدو انهم استعاضوا بالحجاب الشديد عن عادة غسل العار فهذه العادة بمثابة التهديد للمرأة اما الحجاب فهو السجن لها] انتهى
هذا يعني ان زيادة الحجاب و التشدد فيه أدى الى انخفاض حالات غسل العار و هذا يعني انخفاض حالات الانحراف الجنسي.
كيف استمدت عادة التشدد في الحجاب في العراق جذورها من غسل العار؟
هل الحجاب حمى البعض من غسل العار وكم ممن "غُسِلَ عارهن" من تلك الأيام الى اليوم ممن كُنَّ يرتدين اولا يرتدين الحجاب؟ هل هناك إحصائية اعتمدها الوردي ليبرر تناقضاته الكبيرة هذه؟
ما دور الوازع الديني في قضية الحجاب ولماذا لم يذهب الوردي في بعض من تحليلاته هذه الى تأثير الدين والعتبات المقدسة في الكثير من المدن العراقية وبالذات تلك التي عَزَزَتْ إطارهُ الفكري بتأثيرها وشَدَتْ من سُمك قوقعته الفكرية؟
لا أجد ربطاً بين الحجاب وغسل العار في ضوء "لغة" الراحل الوردي التي عَّبَرَ بها هنا عن رأيه والتي اشرتُ اليها في أعلاه؟
لا اعرف معنى" وضعفت لديهم عادة غسل العار...الخ" هل يعني الوردي انهم بدأوا يقبلون انحراف نسائهم ويدثرون ذلك بسمك الحجاب؟ العبارة ملتبسة!!!ولا تتناسب مع ما ورد.
خامساً:
1ـ في ص305 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب الراحل الوردي التالي: [ان السفور البدوي الذي كان منتشرا بين اغلب النساء في العهد العثماني هو اليوم سائر في سبيل الزوال انه كان في الواقع سفورا وقورا محتشما يكاد يخلو من مساوئ الحجاب ومساوئ التبرج لكنه لا يستطيع ان يصمد تجاه "الموضات" الحديثة] انتهى
أقول: هل هذه العبارة دقيقة؟ من يفسر لي: "سفوراً وقوراً محتشماً يكاد يخلو من مساوئ الحجاب ومساوئ التبرج"؟ يبدو ان الراحل الوردي يلوي الكلمات و العبارات ليجد بها ما يسند تخبطه وعدم دقته وتحيق مايريد ان يشحن به عقول السُذج من القراء و يبدو انه برع في ذلك.
هنا يضع الوردي للسفور اشكال ودرجات، فهناك سفور محتشم يكاد يخلو من المساوئ وآخر غير محتشم ويحمل المساوئ الكثيرة وسفور لا يكاد يخلو من مساوئ الحجاب والتبرج ولا اعرف أي "السفورين" او أي "السفورات" تلك التي دعا اليها الوردي للوقوف بوجه الحجاب الذي كان أحد أعظم الأسباب في انتشار الانحراف الجنسي في العراق حسب طروحات الوردي؟
على فرض انتشار السفور في المجتمع وزوال الحجاب والحواجز بين الرجل والمرأة:
ماذا يحصل؟
هل سيختفي الانحراف الجنسي او يقل؟
او كيف يقضي الفرد "انثى او ذكر" حاجاته الجنسية في السفور ورفع الحواجز؟
هل يعني الوردي بالسفور الإباحية؟
لقد عاش الراحل الوردي مراحل الحجاب والسفور الاربعة في المجتمع العراقي خلال القرن العشرين وهي كما اتصور:
1ـ الحجاب وعزل/حجر المرأة في نهاية العهد العثماني أي بداية القرن العشرين " حتى العقد الثالث منه".
2ـ المختلط او الانفتاح في العقد الرابع والخامس من القرن العشرين.
3ـ انطلاق المرأة بعد ثورة 14 تموز1958.
4 ـ عصر السفور التام تقريباً وعصر الميني جوب والقفزة الصناعية "الاقتصادية"/التعليمية الكبرى في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
هل استغلها الراحل الوردي في دراسة حالة الانحراف الجنسي في المجتمع العراقي وكان ذلك متاحاً له وربما كان يمكن ان يحصل على دعم حكومي كبير، في ذلك؟
وهنا يمكن ان اعيد صياغة السؤال وأقول التالي: سؤال هو: لماذا لم يُفكر الراحل الوردي بإغناء طروحاته القديمة عن الانحراف الجنسي وأبو نؤاس و الحجاب بما حصل ويحصل في "مرحلة" السفور من خلال احصائيات ودراسات معمقة تستند الى حقائق ويترك قال فلان وعلق عِلانْ؟
جوابي هو: لأن الراحل الوردي كما بدا لي لم يتعود اولم يتعلم طرق الدراسة ولم يعرف ان يختار الفرص ليتابع المستجدات. لأنه تعَّود واستحسن الغلق على نفسه واطلاقه العنان للاسترسال وبذل الجهد في البحث عن تَمَّيُزْ من خلال دغدغة المشاعر بِجُمَلْ وعبارات ونقل ما لم يسمع به العامة وقتها من اقوال علماء الاجتماع ورغبته العنيفة في طرحها بعد "توريدها" " جعلها وردية ""الوردي" مثل الثنائية الثقافية" "ازدواج الشخصية" و" الحالمية" و"القوقعة الفكرية" وغيرها تلك التي بذل جهداً كبيراً في فرضها ولكنه جوبه برفض المجمع العلمي العراقي لها حيث لم يؤيد أي من طروحات واصطلاحات الراحل الوردي وبذلك كما اعتقد انه الوحيد من كل الكتاب العراقيين الذي رفض المجمع العلمي العراقي التعامل معه وبشكل قاطع وهذ ملفت للنظر. فعلى ابسط وأسهل وأقل المعاني يمكن ان يُحسب ذلك ان الوردي لم يُحسن التعامل مع المجمع العلمي العراقي وهذا عيب كبير من شخص ذو تأثير كبير وقتها.
الانحراف الجنسي عند الوردي هو اللواط فقط كما يبدو...والدليل لم يسأل نفسه هل تبادل الجنس بين الجنسين في مرحلة السفور ليس انحرافاً جنسياً؟
العلماء الأجانب الذي يردد الوردي انهم درسوا الانحراف الجنسي كان في قوقعتهم الفكرية او ثقافتهم الاجتماعية ان التواصل الجنسي بين الذكر والانثى حالة طبيعية والانحراف هو فقط الممارسات الجنسية المثلية في حين في مجتمعنا فأن التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة خارج حدود العرف مرفوض ويعتبر انحراف. وهذا الشيء يفهمه ويعرفه الوردي ولكن حاجته للإثارة وترسيخ ما يريد دفعته الى التيهان.
ما هي نتائج السفور في السبعينات وما بعدها؟
هل اختفى/ انخفض /قل الانحراف الجنسي؟
هل كانت الفتيات السافرات مُباحات جنسياً للشباب ليشبعوا رغباتهم/حاجياتهم بشكل ليس فيه انحراف؟ السفور يثير بعض "الهياج" الجنسي والتفكير في إطفاء نار ذلك الهياج يدفع للذهاب الى طرق أخرى لأن السفور وضع حدود وضوابط منها الصداقة والزمالة والاحترام وتبادل الثقة والعلاقات الغرامية "الحب" والرغبة بصيانة الطرفين بعضهم للآخر بأمل الزواج مع وجود قانون صارم اجتماعي وعدلي. علما انه في الجنس اشباع العيون "النظر" لا يعني نهاية الموضوع انما من خلال النظر وملامح السفور تنتقل الصور الى الدماغ الذي يرسم صور لصاحبه تُحيره فيفكر في تنفيذها كلما سنحت الظروف فقد يكون اغتصاب بالعنف وقد يكون اختطاف وقد يكون زنا وقد يدفعه الى التخيل والاستمناء وهذه صور من الانحراف الجنسي للطرفين...فأيهم المفضوح الواضح الذي لمسه الراحل الوردي؟
كتب الراحل الوردي في هامش ص9 وعاظ السلاطين التالي: [أقصد باللذة البريئة ما كان يُعتبر كذلك في نظرهم والاخلاق نسبية كما لا يُخفى فما يعدو في نظرهم بريئاً قد يُعتبر عندنا فسقاً وفجوراً وربما تنقلب الاحوال عندنا في المستقبل فيصبح مقياسنا في شؤون الاخلاق مخالفاً لمقياسنا الحاضر. ولست أنْكُر أني قد انذهلت حين رأيت في جامعات الغرب ذلك الاختلاط العجيب بين الجنسين لأول مرة واعتبرته من قبيل الاباحية والفسق حيث كنت أن ذاك لا ازال تحت تأثير التفكير الوعظي الذي نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة] انتهى
ولتدعيم هذا القول/ العبارة كتب الراحل في ص8 وعاظ السلاطين التالي: [وإني لأعترف بما اعتراني من دهشة أثناء تجوالي في بلاد الغرب المختلفة على ما رأيت هنالك من عناية بأمر الطبيعة البشرية ومن مُدارات لها. فهم يمنحون الإنسان حرية كافية يفصح فيها عن نفسه فلا يتشددون في وعظه ولا يمنعونه من اشباع شهوته أو انانيته ضمن حدود معترف بها] انتهى.
وفي ص338 من دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب التالي: [فالملاحظ في المدن الحديثة من البلاد "الراقية" ان الوضع الخلقي فيها لم يصل في تفسخه الى الدرجة التي وصفها ابن خلدون. لا ننكر ان المدن الحديثة تحتوي على مناطق معينة يكثر فيها التفسخ الخلقي وهي المناطق التي تعرف بل"
" slums"
اما المناطق الأخرى منها فهي في الغالب غير متفسخة خلقياً ونعني بذلك انها منسجمة في وضعها الخلقي مع المعايير الثقافية السائدة في المجتمع هناك] انتهى
وفي ص 361 من نفس الكتاب كتب: [يجب ان نعترف على أي حال بأن المدن العراقية كانت غير خالية من بعض الخصال الحميدة كروح الجيرة والتضامن العائلي وقيم الشهامة والنجدة وما اشبه وهي خصال قد ورثها اهل المدن من البداوة وحاولوا المحافظة عليها بمقدار ما اتاحته لهم ظروفهم الحضرية كما أشرنا اليه في فصل سابق لكن السؤال الذي يرد هنا في هذا الصدد هو: هل كانت تلك الخصال كافية لموازنة التفسخ الخلقي الذي كان شائع بينهم؟] انتهى
أقول: لا اعرف عن أي تفسخ خلقي كان شائع بين سكان المدن العراقية ذلك الذي ذكره الوردي؟ التفسخ الخلقي في المدن العراقية شائع ولكن التفسخ في المدن الحديثة "الراقية" محصور في مناطق محدد وبقية المناطق غير متفسخة بل منسجمة في وضعها الخلقي مع المعايير الثقافية السائدة في المجتمع هناك...هكذا يطرح الوردي التفسخ الخلقي كان شائع في المدن العراقية و اما في الغرب الذي زاره فكان التفسخ محصور في أماكن معينة...اي تفسخ فكري دفع الى مثل هذا الطرح؟
المعايير السائدة هناك هي ان تصطحب الفتاة صديقها ليلمهم فراش واحد ليلاً في بيت أهلها والشاب يأتي بحبيبه الشاب ليتبادلو الغرام امام الوالدين وليفعلوا ببعضهم كما فَعَلَ أبو نؤاس وأبو جهل وكما فُعِلَ بهم!!!...
هل هذه هي الحدود المعترف بها "اشباع شهوته وأنانيته ضمن حدود معترف بها"؟
كيف يتم قياس "شهوته وأنانيته" والاخلاق نسبية أيها الوردي؟
كيف يتم تأشير تلك الحدود لتصبح معترفاً بها؟
ومعترف بها مِنْ مَنْ؟
وكيف يتم "مدارات الطبيعة البشرية"؟
وفق قول الوردي:[...واعتبرته من قبيل الاباحية والفسق حيث كنت أن ذاك لا ازال تحت تأثير التفكير ألوعظي الذي نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة] انتهى
الراحل الوردي كان قد قضى قبل هذا الوقت أربعة أعوام للدراسة في بيروت وشاهد هناك "الحجاب
/"السفور" والاختلاط بين الجنسين ضمن "نسبية الأخلاق " وضمن "حدود معترف بها "فما هو الجديد الذي أذْهَلَ وأدْهَشَ الراحل الوردي في أمريكا و الغرب؟
هل هو السفور الذي نعالج به "مشكلة" الحجاب في المجتمع العراقي، ذلك الحجاب الذي "كان" السبب الرئيسي في انتشار الانحراف الجنسي في العراق على قول الراحل الوردي؟
ليقدم لنا الوردي سفور/لا حجاب هو من قال عنه "واعتبرته من قبيل الإباحية والفسق"؟
والمفترض انه يعرف حال الثقافة الاجتماعية/المجتمع العراقي...هل هذا السفور الذي دعا/أشار اليه وتمناه وعمل على نشره الراحل الوردي أو بَّشَرَ به؟
هنا الراحل الوردي يضع الاخلاق برمتها بين السفور والحجاب فالأخلاق نسبية كما قال وصدق... لكن "النسبية" هنا بالقياس على/ الى أي شيء؟
بعد أن تخلص الراحل الوردي من تأثير التفكير الوعظي الذي نشأ عليه ذلك التفكير الذي جعله في حالة الذهول والدهشة تلك في بلاد الغرب...كيف فسر تلك التي كانت إباحية او ضمن الحدود المعترف بها؟ هل اعتبرها حرية؟ وما دور نسبية الاخلاق هنا؟
"الله اعلم"!!!!
سادساً:
يتبع لطفاً: سادساً....حيث ستكون بداية التالية
764 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع