د. منار الشوربجي
انتخابات الكونغرس ليست فوزاً للديمقراطيين؟
الإعلام الأمريكي كان وراء الترويج لما أطلق عليه «الموجة الحمراء» وهو الذي يروج الآن أيضاً لما يطلق عليه «فوز الديمقراطيين»، وهو في الحالتين قدم رواية منقوصة لانتخابات نوفمبر التشريعية تعوزها الدقة. فلا الجمهوريون «اكتسحوا الساحة» كما كان يقصد بالموجة الحمراء، ولا الديمقراطيون حققوا فوزاً عندما لم تحدث «الموجة الحمراء».
فباستثناءات قليلة، عادة ما يخسر حزب الرئيس مقاعد بالمجلسين في الانتخابات التشريعية التي تجري في منتصف مدته. ولأن الاقتصاد الأمريكي ليس في أفضل حالاته، والرئيس بايدن شعبيته منخفضة، توقع الإعلام الأمريكي فوزاً كاسحاً للجمهوريين بالمجلسين. والفوز الكاسح أو ما أطلق عليه «الموجة الحمراء» كان معناه أن يفوز الحزب بأغلبية مريحة بكلا المجلسين.
لكن ذلك لم يحدث، فقد احتفظ الديمقراطيون بمقاعد الأغلبية بمجلس الشيوخ، وفاز الجمهوريون بالأغلبية بمجلس النواب ولكنها أغلبية هشة للغاية تؤدي لفشل الحزب في تحقيق أولوياته لو اختار اثنان فقط من أعضائه التصويت ضدها.
والحقيقة أن تلك النتيجة كانت متوقعة بعض الشئ. ففي ظل استقطاب سياسي حاد، كالذي تشهده أمريكا، لا يجوز القياس على الأحوال العادية. ليس ذلك فقط، فقد شهدت الولايات المتحدة مؤخراً حدثاً استثنائياً. فالمحكمة العليا، التي صار يهيمن عليها تيار اليمين، كانت قد استصدرت قراراً ألغى عملياً دستورية الإجهاض بعد أن كانت هي نفسها التي أضفت عليه الدستورية في السبعينات.
ويعد ذلك القرار استثنائياً لأن استطلاعات الرأي تؤكد بانتظام أن أغلبية الناخبين الأمريكيين، لا فقط النساء، يعتبرون الإجهاض حقاً للمرأة، الأمر الذي أدى لاستنفار واسع لدى أولئك الذين شعروا أن اليمين يسير ببلادهم نحو الوراء لا للأمام.
وقد أضفى ذلك المعنى أهمية على رسالة انتخابية أصر على استخدامها الرئيس بايدن، رغم رفض مستشاريه، مؤداها أن الديمقراطية الأمريكية ذاتها في خطر وأن تلك الانتخابات تمثل استفتاء عليها لا على رئاسة بايدن، كما جرت العادة.
فالرئيس الأمريكي وعدد من المرشحين الديمقراطيين ألحوا على تذكرة الناخبين بما جرى في يناير 2021، حين اقتحم أنصار الرئيس السابق ترامب مبنى الكونغرس بهدف منع الأعضاء من التصديق على نتيجة الانتخابات الرئاسية.
وترامب هو الرئيس المسؤول عن تعيين ثلاثة قضاة بالمحكمة العليا، وصدق على تعيينهم مجلس الشيوخ، حين كان الجمهوريون يتولون فيه مقاعد الأغلبية. لكن هذه الانتخابات لم تكن استفتاء على بايدن ولا حتى الديمقراطية بقدر ما كانت استفتاء على الرئيس السابق ترامب. فكل المرشحين للمناصب المختلفة الذين دعمهم ترامب علناً هزموا في تلك الانتخابات. وقد دفعت تلك النتيجة عدداً من رموز الحزب الجمهوري للقفز من سفينة ترامب، لأول مرة منذ توليه الرئاسة عام 2017.
غير أن الأهم هو أن تلك النتيجة لم تمثل في كل الأحوال فوزاً للديمقراطيين. صحيح أن الحزب استطاع أن يحتفظ بالأغلبية بمجلس الشيوخ، إلا أنها أغلبية هشة للغاية، هي الأخرى في مجلس يدار في الكثير من الحالات وفق أغلبية الثلثين لا الأغلبية البسيطة.
أكثر من ذلك، فلأن الإعلام توقع للديمقراطيين هزيمة منكرة، صار احتفاظهم بأغلبية هشة بمجلس الشيوخ (فوزاً)، بينما الواقع يكشف عن أزمة عميقة يعانيها الحزب مع قطاعات واسعة من قاعدته الانتخابية، خصوصاً السود والأقل حظاً من الناحية الاقتصادية.
فالحزب الديمقراطي أدار حملة انتخابية خالية من المشكلات الجوهرية التي تعاني منها تلك القطاعات. والمرأة السوداء على وجه التحديد، التي هي أكثر قطاعات تلك القاعدة على الإطلاق ولاء للحزب كانت الخاسر الأكبر في تلك الانتخابات.
فباستثناءات قليلة بمجلس النواب، لم تفز امرأة سوداء واحدة مرشحة لمقاعد مجلس الشيوخ أو لمناصب حكام الولايات. ولا يقل أهمية عن كل ذلك، أن القطاعات الأقل حظاً من الناحية الاقتصادية تمثل نسبة معتبرة من الناخبين الأمريكيين.
فحوالي 30 % من البيض و 60 % من غير البيض ينتمون لذلك القطاع. وغياب قضاياهم جعل نسبة التصويت بينهم ضئيلة، الأمر الذي يمثل الهزيمة الأكبر للحزب الديمقراطي، وتنذر بتداعيات أكبر في الانتخابات التالية.
756 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع