د. ادم عربي
أحْكَم الناس في الحياة أناس علَّلوها، فأحسنوا التعليل!
يقارب عدد سكان هذا الكوكب السبعة مليارات نسمة، لكن كم من البشر عاشوا وكم من البشر ماتوا على هذا الكوكب، ليس المطلوب الاجابة على هذا السؤال، لانه من المستحيل الاجابة عليه ولكن المطلوب هو النظر لتلك المسالة نظرة فلسفية تاملية تعمل على اثارة العقل الفلسفي للانسان، وتبعده عن هموم الدنيا وعبثها ونهمها وتدفعه الى التسامي عن صغائر الامور، وتجعل منهج المتنبي سلوكا له " وتَعْظُم في عين الصغير صغارها، وتَصْغُر في عين العظيم العظائم" .
هي الحياة والتي فهمناها او افهمونا اياها، بنقيضها وهو الموت وهذا ما نعيشه للحظة اسوا انواع العيش، ان الموتى من يتحكمون بحياتنا ويستبدون بها، لذلك بقينا امواتا ونحن على قيد الحياة، لان المفاهيم والافكار وطرق التفكير التي نمارس فيها حياتنا هي نتاج الموتى وغدونا من ثم اكبر عدو لايليا ابو ماضي حين دعانا ان نكون ابناء الحياة " أحْكَم الناس في الحياة أناس علَّلوها، فأحسنوا التعليل".
هيراقليطس لم يكن سائحا ولا مستجما عندما زار النهر، لقد كان فيلسوفا شغفه التامل، وقال عبارته المشهورة انك "انك لا تستطيع ان تسبح بمياه النهر نفسها مرتين" ، لان المياه جارية ومن ثم تغيرها مستمر، ما اعظمك يا هيراقليطس فقد اكتشفت ان الشيء ونقيضة يعيشان معا، اي ان الشيء هو ونقيضه في نفس اللحظة، فاين هذا الشيء والذي جاء الى الحياة والذي لا يزول؟ نهر هيراقليطس لديه الاجابة، وهي الجريان فليس من خلود الا للجريان وليس من تَكَّوُن الا لزوال او زوال لتكون او نشوء.
والزمن الذي نعيش لا يشذ عن جريان نهر هيراقليطس، انه زمننا والذي ينبع من منبع لا ينتهي ويجري ويصب في مكان لا يمتليء، ونحن الاسماك فيه نجري معه حيث يجري لكنه بخيل جدا علينا رغم انه يملك كل شيء، فلا يعطينا مما يملك سوى لحظة وهي "الان" ، او ما تواضع على تسميته بالحاضر، لكن يبدو انه اختبرنا فوجدنا لا نستحق سوى تلك اللحظة او الحاضر، وفي الحقيقة لا نستحق هذه اللحظة التي وهبنا وملكنا اياها، فكم من مالك لها منتفع منها؟ رغم معرفته انه لا يمتلك سواها، شيئان اثنان يستبدان بالشخص وهو يعيش حاضره الذي يملك او لنقل نوعان اثنان من المشاعر تستبدان بالشخص الذي يعيش الحاضر، اسف وندم على شيء مضى وانتهى، وخوف وقلق من مستقبل لم يات بعد، فكيف لهذا الشخص ان يعيش اللحظة التي يملك وقد استبدت به الحسرة على ما مضى والخوف مما سياتي؟ انها العاقبة في انشغالة عن اللحظة التي يملك والتي يجب ان يعيشها ويثمن معانيها بما فات وخوف مما سياتي ، فعش ما تملك قبل فوات الاوان.
771 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع