هيفاء زنكنة
هل يهتم الاتحاد الأوروبي بحقوق الإنسان في إيران والعراق؟
كان أبرز ما في الاجتماع الوزاري لمجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم الاثنين الماضي، هو فرض عقوبات على إيران بسبب عدد من القضايا أولها كان «القمع غير المقبول للاحتجاجات المستمرة وتدهور حالة حقوق الإنسان» في إيران، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا، بما في ذلك تسليم الطائرات بدون طيار المنتشرة ضد أوكرانيا.
وطالب الاتحاد، بالإضافة إلى فرض العقوبات، بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الشابة مهسا أميني على السلطات الإيرانية ضمان «تحقيقات شفافة وذات مصداقية لتوضيح عدد الوفيات والاعتقالات»، والإفراج عن جميع المتظاهرين السلميين وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة لجميع المحتجزين ورفع القيود المفروضة على الوصول إلى الإنترنت وإلغاء حظر منصات الرسائل الفورية.
هذه الاجراءات هي، بالتأكيد، ما يجب أن تكون ويعمل الكل على تنفيذها، إزاء نظام قمعي شرس يواصل باستمرارية مذهلة، منذ نهاية السبعينيات، مسح حقوق شعبه من حرية التعبير إلى النشاط السياسي. وهي خطوة تستحق المساندة والمباركة المطلقة من قبل الجميع، خاصة من قبل المنظمات والناشطين في مجال حقوق الإنسان، في جميع أنحاء العالم. فحقوق الإنسان كما تم تدوينها والإقرار بها وتبني مبادئها ووضع الإقرار بها أساسا للقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حقوقا عالمية يجب تطبيقها لصالح كل الشعوب المتطلعة للمحافظة على إنسانيتها بلا استثناء. ولكن هل هذا ما يتم فعلا؟ وهنا المعضلة الحقيقية التي تواجه الناشطين الداعين إلى تطبيق حقوق الإنسان، ومحاولة إقناع الناس بجدواها، وهم يتابعون إصدار القرارات والتصريحات الرسمية الدولية حول حماية حقوق الأنسان من قبل أكثر الدول خرقا لحقوق الأنسان، أي أمريكا ( الاستعمار الجديد) ألتي تؤدي دور «شرطي الأخلاق»، في العالم، وأوروبا (الاستعمار القديم المتجدد)، التي تغطي وجهها بمكياج أكثر سُمْكا من أمريكا، حتى يصعب التعرف عليها.
وإذا كانت شعوب العالم التي تحررت من الاستعمار القديم قد تطلعت يوما إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبارها الفردوس الوحيد للحرية والسيادة، فإن سنوات ما بعد التحرير ومع إجراء «الانتخابات»، بإشراف دولي، من قبل الدول الاستعمارية ذاتها التي دفعت الشعوب ثمنا للتحرر منها، جعلت الشعوب تعيش واقعا شيزوفرينيا يتجلى فيه الانفصام بين الرطانة اللغوية والممارسة العملية.
يأخذنا موقف الاتحاد الأوروبي من إيران حول محاسبة المسؤولين عن مقتل الشابة مهسا أميني والتعامل الوحشي مع المتظاهرين ورفع القيود عن سبل التواصل الاجتماعي، إلى العراق، كمثال وللمقارنة، عن كيفية التعامل الأوروبي مع انتهاكات حقوق الإنسان فيه، على الرغم من كونها تكاد تكون واحدة لفرط تشابهها. ففي يوم الأربعاء الماضي، أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي ضد متظاهرين سلميين فقتلت شخصين وأصابت 17 متظاهرا، في مدينة الناصرية، جنوب العراق، احتجاجا على إصدار الحكم بالسجن ثلاث سنوات ضد الناشط حيدر الزيدي، البالغ من العمر 20 عاما، بتهمة نشره تغريدة انتقد فيها وصف قائد ميليشيا متنفذة في الحكومة.
دفع الحكم القاسي منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى التذكير باستخدام القضاء العراقي كأداة قمع للانتقاد السلمي وكيف أن «عشرات المسؤولين والجماعات المسلحة يتمتعون بالإفلات من العقاب على قتل النشطاء والمتظاهرين». ويأتي التذكير استنادا إلى مراجعة كيفية التعامل مع المتظاهرين منذ غزو البلد واحتلاله وتنصيب حكومات بالنيابة منذ عام 2003، وبالتحديد منذ إنطلاق الانتفاضة التشرينية في تشرين الاول/ اكتوبر 2019، التي بلغ عدد ضحاياها من القتلى 716، وآلاف الجرحى والمختطفين والمعتقلين، في بغداد والمحافظات.
وكانت حكومة مصطفى الكاظمي، بعد إسقاط حكومة عادل عبد المهدي جراء الاحتجاجات وما صاحبها من قتل للمتظاهرين، قد تعهدت، في تشرين الأول/كتوبر 2020 بتشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة القتلة» وإن من تورط بدم العراقيين لابد أن يمثل للعدالة، ولا كبير أمام القانون»، حسب خطاب الكاظمي. وكانت النتيجة عدم محاسبة المسؤولين وتجاهل حقوق ضحايا الاحتجاج وعوائلهم ونسيان التعهدات ووضع تقرير لجنة التحقيق، إذا كانت قد قدمت تقريرا، في أرشيف مُغلّف بالفساد. وتشير إلاعلانات المضللة عن تشكيل لجان تحقيق إلى أن حكومة محمد شياع السوداني، الحالية، لن تحيد عن ذلك الطريق مهما كانت الادعاءات.
أما الاتحاد الأوروبي، الذي لا يكف عن إصدار القرارات المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، إلى حد فرض العقوبات، والذي لا يتفوق عليه غير الاهتمام المفاجئ الكبير بحقوق الإنسان الاوكراني، فإن رد فعله على ما يعيشه المتظاهرون في العراق من استهداف بالرصاص الحي والاعتقال والتعذيب لم يزد عن إصداره بيانات، كان آخرها في 22 سبتمبر/ أيلول ضمنّها « قلقه البالغ» حول ما أسماه «التصعيد السياسي والأمني في البلاد» ووجوب عدم السماح للعنف بتقويض «العملية الديمقراطية»!
وبمناسبة «مرور ثلاث سنوات على حركة تشرين الاحتجاجية وما يقرب من عام واحد بعد الانتخابات المبكرة في تشرين الأول / أكتوبر 2021، يكرر الاتحاد الأوروبي عزمه على مواصلة دعم مسار الإصلاح في العراق واستقراره وسيادته».
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي صاغ موقفه من العراق، وبقية شعوب المستعمرات السابقة، كمحاولة لتجسيد سياسة خارجية أخلاقية، تستند إلى القوانين الدولية وبناء الديمقراطية وتثبيت حقوق الإنسان كأولوية. سياسة يُراد منها تجاوز التاريخ الاستعماري الدموي وتقديم سياسة خارجية يُزعم بأنها تختلف عن السياسة الخارجية الأمريكية المبنية بشكل أساسي على القوة العسكرية. إلا أن سياسة القوة الناعمة لدول الاتحاد الأوروبي، وتحقيقها بعض النجاح في عدد من الدول، سرعان ما تبينت هشاشتها ليظهر وجهها الحقيقي، أما بسبب اختلاف الأولويات بين دول الاتحاد أو، أخيرا، الموقف من الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأييد الدعم العسكري تحت القيادة العسكرية الأمريكية لحلف الناتو. فلا غرابة أن يُشكل الصراع الأمريكي – الإيراني خلفية إصدار العقوبات الأوروبية ضد إيران وكونها بموازاة العقوبات الأمريكية، بعيدا عن حقوق الإنسان الإيراني. ولاغرابة أن تكون بيانات «القلق الشديد» عن «الأوضاع» في العراق، خلافا للإجراءات الفعلية، العسكرية منها والإنسانية، التي اتخذتها أوروبا وأمريكا دفاعا عن سيادة أوكرانيا، صادرة عن الدول ذاتها التي غزت العراق وهدمت بنيته التحتية وفتحت أبواب الجحيم على شعبه، مما يؤكد، كما في كل مرة يصدر قرار أو بيان أوروبي أو أمريكي، لصالح أو ضد هذا البلد أو ذاك، أن السياسة الاستعمارية قادرة على تجديد نفسها، وأن وحدة الشعوب المُستغلة هي أداة التحرر منها.
554 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع