الدَين والمديونية بين القانون والشريعة الإسلامية (ثقافة عامة)

فارس حامد عبد الكريم*

الدَين والمديونية بين القانون والشريعة الإسلامية(ثقافة عامة)

هناك إعتقاد سائد لدى أغلب الناس ان الدين هو مجرد مبلغ من المال للدائن في ذمة المدين، وهذا الإعتقاد خاطيء جزئياً، لأن حقيقة الدين ( الإلتزام) مختلفة تماماً ....
الدَين في الفكر القانوني الإنساني
شغلت المديونية البشرية في عهود مبكرة، وتناولتها القوانين القديمة والحديثة بإسهاب وتوسع، كما خصصت لها الشريعة الإسلامية احكاماً خاصة
إن أول القوانين التي عرفتها البشرية قانون حمورابي في العراق بلاد الرافدين (حكم من سنة 1792 إلى سنة 1750 قبل الميلاد) ولاحقاً قوانين اليونان والامبراطورية الرومانية
الدين في قانون حمورابي
أوجبت شريعة حمورابي على المتعاقدين ان ينظموا بها عقودا تكتب على ألواح خاصة من الخزف أو الحجر (عثر منها على اعداد كبيرة عند التنقيب). وكانت المحاكم لاتقبل النظر في دعاوى البيع والشراء الا إذا كانت هذه العقود مصدقة من قبل شهود.
والملاحظ ان تشريع حمورابي اهتم بحماية حق الدائن من الضياع، ولكنه اهتم بالمقابل بحماية المدين من تعسف الدائن واستغلاله وخاصة إذا كان هذا الأخير يتقاضى فائدة باهظة عن دينه او تسببت ظروف قاهرة في عدم تسديد دينه.

الدين في الشرائع اليونانية والرومانية:
كانت اهم موادها تعالج موضوع الدين والمديونية وتنوعت الاحكام عند عدم التسديد بدون عذر حيث اجاز القانون الروماني للدائنين قتل الدائن واقتسام اشلائه عند عدم التسديد ولكنها تطورت لاحقاً الى عمل المدين وعائلته كعبيد عند الدائن لفترة معينة توازي المبلغ.

الدين في القوانين المدنية الحديثة:
خصصت القوانين المدنية الحديثة جل ابوابها للدين والمديونية (نظرية الإلتزام) حيث عرفت الدين او الإلتزام بأنه؛رابطة قانونية بين شخصين تخول لأحدهما، وهو الدائن، أن يقتضي من الآخر، وهو المدين، أداء ماليا معينا، وقد يتمثل هذا الأداء المالي في التزام المدين بإعطاء شئ او نقله أو بأداء عمل، أو بالامتناع عن أداء عمل.
فالدين بموجبها قد يكون اعطاء شئ او نقله او القيام بعمل او الامتناع عن عمل
الالتزام بإعطاء شيء: وهو التزام بإنشاء حق عيني أو بنقله، فقد يكون الدين هو الالتزام بنقل ملكية شئ معين كالتزام البائع بنقل ملكية المبيع الى المشتري وقد يكون الدين مبلغ من النقود اقترضه المدين يلتزم بتسديده
الالتزام بالقيام بعمل : يمكن أن يكون محل الالتزام قيام المدين بعمل معين لحساب الدائن أو غيره، كالتزام الطبيب او المهندس او المقاول او العامل بعمله لصالح الدائن وهو هنا المريض او رب العمل .... ....ومثلما يكون هذا العمل مادياً يمكن أن يكون عملاً قانونياً كالتزام الوكيل بابرام تصرف قانوني معين نيابة عن الأصيل ولحسابه.
فهذه كلها ديون ترتبت في ذمتهم.
- الالتزام بالامتناع عن عمل: قد يكون الدين عبارة عن امتناع عن عمل لصالح الدائن ... كالامتناع عن المنافسة التجارية، كمن اشترى محلاً تجارياً مع اسمه وعلامته التجارية واشترط على البائع عدم منافسته بذات العلامة الاسم والعلامة التجارية.

الدين في نطاق الشريعة الإسلامية:
عرّف العلماء الدَّيْن أو الاستدانة بِـ: "طَلَبُ أَخْذِ مَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَغْل الذِّمَّةِ، سَوَاء كانَ عِوَضًا فِي مَبِيعٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ قَرْضًا، أَوْ ضَمَانَ مُتْلَفٍ"،
ولما ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻣﻦ أﺳﻤﻰ ﻣﻘﺎﺻﺪه ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ المكلفين ودفع الضرر ﻋﻨﻬﻢ و ﻛﺎن اﻟﻨﺎس في حاجة الى الإستدانة ﻓﻘﺪ أﺑﺎﺣﻬﺎ ا ﻹﺳﻼم ....
قال تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا) البقرة:282
وبموجب الشريعة يعتبر عدم تسديد الدين ظلم وعدوان اذا كان المدين ميسور الحال
اما اذا كان المدين معسراً فنظرة الى ميسرة
لقوله تعالى: «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».
واعلم أن مَن مات مَدينًا فهو على خطرٍ عظيم؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذيُّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مَن فارق الروحُ الجسدَ وهو بريءٌ مِن ثلاث دخل الجنة: الكِبْر، والدَّيْن، والغلول))
والغلول: هو السرقة مِن المال العامِّ.
وقال رسول الله (ص) محذرا من التساهل في حقوق الناس: من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحللها من صاحبه من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الدين لا يغفر مهما بلغ صلاح المؤمن.
وورد أنه (ص)كان يتورع ويمتنع عن الصلاة عن الرجل الذي عليه دين حتى يقضى عنه دينه. ومما يدل على خطورة الدين ما ورد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بكثرة من الدين، فقال له رجل يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال (ص)ان الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف. وهذا يدل على أن ركوب الدين يورد المهالك ويحمل المدين غالبا على الوقوع في الكبائر. وإنما وردت الأخبار في التشديد في الدين لأن ذنوب حقوق العباد مبنية على المشاحة والمطالبة في الآخرة، ولا يكفي في تطهيرها مجرد التوبة خلافا للذنوب التي بين العبد وربه فإنها مهما عظمت مبنية على المسامحة والعفو والغفران إذا وردت عليها نور التوبة أزالت ظلمتها، ونار الخشية أحرقتها ولم تبق لها أثرا كما صحت الأخبار بذلك.
إصدار شيك من دون رصيد
لاشك في ان إصدار شيك من دون رصيد مع عدم تغطيته في موعده يُعَدُّ من باب أكل أموال الناس بالباطل ولا شك في تحريم ذلك، يقول الله تعالى: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ» سورة البقرة الآية 188.
فلا يجوز شرعاً إصدارُ شيك من دون رصيدٍ مستحق في موعده لأن ذلك مشتمل على عدة محرماتٍ، كإخلاف الوعد وأكل أموال الناس بالباطل.

هل يجوز للموظف استخدام الأجهزة والأدوات الخاصة بالإدارة في أموره الشخصية؟
مثلاً ان يستخدم عجلات الدائرة لمصالحه الخاصة وكذلك استخدام الأقلام والدبابيس لأغراضه الشخصية الخارجة عن نطاق عمله او ان يستهدم الاوراق الخاصة للدائرة لأغراضه الخاصة كذلك إذا ما طلب أي شخص مار بالإدارة تصوير ورقة أو اثنتين غير متعلقة بعمل الإدارة؟
عامة فقهاء المسلمين لا يجوزون لأي موظف في الدولة أن يستخدم الأجهزة والأثاث ووسائل النقل وغيرها المملوكة للدولة لمصالح خاصة له لا تتعلق بمستلزمات عمله، إلا إذا كانت أنظمة الدولة تسمح بذلك، أو كان الاستخدام قليلاً مأذوناً به ومعتاداً في العرف، فإذا استخدم الموظف هذه الأشياء المملوكة للدولة لمصالحه الخاصة دون أن تسمح به الأنظمة أو يقتضيه العرف، فإنه يكون مديناً للدولة ويضمن مقدار ما استهلكه من أجهزتها.
----
*استاذ جامعي - النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الإتحادية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

504 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع