بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - مجزرة بشعة هزت اسبانيا/الجزء الاول
مدينة اليكانتَي الساحلية / اسبانيا
استيقظ المحقق انس على رنين هاتفه النقال الذي راح يعزف اغنية (انتي باغية واحد...يكون دمو بارد) فمد يده وهو مغمضُ العينين وسحبه اليه من على الطاولة الصغيرة الى جانب السرير لكن الهاتف انزلق من يده وسقط على الارض. فنهض والتقطه ليسمع صوت مديره يقول بحماس،
خوان : الو الو الو اين انت يا انس؟ هل انت وحدك؟ من معك؟
انس : انا في لاس ڤيگاس، ارقد بسرير دائري وثير من ريش النعام مع ثلاثة من اجمل الشقراوات بعد ان فزت بمليون دولار على طاولة الروليت... اين تريدني ان اكون بمثل هذا الصباح يا خوان؟ كنت نائماً بسريري وحدي وببيتي طبعاً.
بحلق انس بساعته اليدوية محاولاً النظر اليها بعين واحدة ثم سأل،
انس : ما هي الساعة الآن؟ يا الهي، بالله عليك، انها السابعة صباحاً، ما أفضعك، أنسيت ان اليوم هو يوم اجازتي؟ ما هو الامر العاجل يا ترى؟
خوان : وقعت جريمة قتل مخيفة جداً بقرية (ڤيلاخويوسا) بشارع القديسة ماري رقم 14 في الطابق الثاني. الضحية رجل مسن يدعى ماكس كوردوبا بوسط السبعينات من العمر. قتل بطريقة بشعة حين قام الجاني بتقطيعه إرباً إربا.
انس : ألا تستطيع ان تبعث محققاً آخر غيري؟ فاليوم هو يوم اجازتي التي لم احضى بها منذ امد بعيد.
خوان : كلا، المجني عليه متقاعد ويسكن بمفرده. القضية غامضة للغاية وتكاد تكون قد كتبت باسمك يا انس. ارجوك اعمل بهذه القضية من اجلي وسامنحك اجازة مطولة غيرها فيما بعد. ارجوك خذها اتوسل اليك.
انس : هل ارسلت فريق البحث الجنائي الى موقع الجريمة؟
خوان : اجل لقد سبقوك الى شقة المجني عليه قبل نصف ساعة. ستجدهم قد بدأوا عملهم فعلاً قبل وصولك.
انس : حسناً انا ذاهبٌ الآن وامري الى الله. ولكن اريد مقابلها شهراً كاملاً لازور اقاربي بالمغرب.
خوان : انت رجل طيب للغاية. سامنحك الشهر بكل ممنونية. والآن ارجوك اسرع.
اغلق انس هاتفه مع مديره خوان آمر المركز الذي يعمل به ليسرع الى الحمّام كي يستعد لتلك المهمة الغير منتظرة. اكمل استعداداته ونزل الى المراب في سرداب العمارة ليجلس امام مقود سيارته الكاشكاي البيضاء ذات الدفع الرباعي فينطلق بها باتجاه موقع الجريمة. قال بسريرته، "يا الهي، الشارع مكتظ بالمركبات لان اغلب الناس متوجهين الى مقر عملهم في مثل هذه الساعة المبكرة بالاضافة الى تضاعف عدد الاجانب بسبب موسم السياحة مما زاد في الطين بلة، فقد استبدلوا الاستلقاء بكسل في اسرّتهم للاستمتاع بالاجازة وصاروا يزاحمونا على الشوارع، سحقاً لهم".
وبعد ان قضى نصف ساعة يكابد زحمة السير وهو يشتم ويلعن ويتأفف. خرج الى الخط الخارجي قاصداً القرية التي تبعد 30 كم حيث وقعت فيها الجريمة. ولما وصل القرية وجد الكثير من المسنين الفضوليين والصحفيين ومراسلي المحطات الفضائية متجمهرين امام المبنى فاختنق الحي كله بسيارات الشرطة والاسعاف. اوقف انس سيارته ونزل منها ليغْير عليه رعيل من الصحفيين فيمطروه بالاسئلة التي لم يملك الاجابة عليها. التزم الصمت ليخترق تجمعهم ويسير من خلاله الى مدخل العمارة التي تم تطويقها بشريط امني اصفر. اوقفه شرطي طويل القامة مانعاً اياه من الدخول لكنه ابرز شارته الفضية المطعمة بالخطوط الحمراء فاعتذر منه ورفع له الشريط الامني كي ينحني ويمر من تحته. ركب المصعد منتقلاً به الى الطابق الثاني فخرج من بابه لتصل الى مسامعه دمدمة اعضاء فريق البحث الجنائي من داخل الشقة وهم مغلفون ببدلاتهم البيضاء الواقية التي كانت تغطي كامل اجسادهم. اقترب من احدهم وسأله،
انس : اين اجد باكو؟
باكو : انا باكو يا انس. انت لم تتعرف علي لانني متنكر بهذا الزي البلاستيكي اللعين في هذا الطقس الذي ينبؤك بنار جهنم.
انس : ماذا تبين لكم عن القضية لحد الآن؟
باكو : لم يتضح اي شيئ بعد. الجريمة غامضة وهي من اقبح ما رأيت بحياتي. باب الشقة الخارجي غير مكسور وهذا يدل على ان الجاني لم يدخله عنوة. اي ان الجاني والمجني عليه يعرفان بعضهما البعض. اعضاء فريقي يمسحون الشقة بكاملها الآن ليرفعوا بصمات الاصابع وآثار الحمض النووي وما الى ذلك.
انس : ماذا عن وقت الوفاة؟
باكو : استناداً الى درجة حرارة الجثة ربما يكون قد توفى مساء امس. سنتمكن من تحديد الوقت بشكل ادق فيما بعد عندما يشرحها الطبيب.
انس : ما هو سبب الوفاة؟
باكو : 16 او 17 طعنة على الاقل بمنطقة الصدر والرقبة والظهر.
انس : من الذي بلّغ عن الجريمة؟
باكو : جارة المجني عليه في الشقة المقابلة. انها سيدة مسنة تدعى ماريكارمن. اصابها الفضول هذا الصباح عندما رأت ظرفاً على عتبة باب المجني عليه دون ان يستلمه منذ الامس. وعندما طَرَقَتْ بابه، لم تسمع رداً فخافت ان يكون قد اصيب بنوبة قلبية جديدة لذلك اتصلت بالاسعاف والشرطة.
دخل انس من باب الشقة بعد ان ارتدى غطاءاً واقياً يغطي حذائه وآخر غلف رأسه ووضع قفازات مطاطيةً زرقاء ثم سار بخط مستقيم في الممر ليدخل الصالة فهاله منظر الدماء التي لطخت الارائك والسجاد والستائر بالصالة، رأى خطاً احمراً عريضاً من الدم على السجادة يؤدي الى طاولة صغيرة موضوعٌ فوقها هاتف ارضي احمر حيث استلقى المجني عليه تحتها بلا حراك محدقاً بقعر الطاولة وهو مخضب بدمائه. كان المنظر وكأنه مسلخ للحيوانات. قال انس،
انس : من الواضح ان القاتل خرج من الشقة تاركاً ورائه المجني عليه وهو ما زال حياً يكابد سكرات الموت. لان آثار الدم تشير الى ان المجني عليه زحف على الارض بهدف الوصول الى الهاتف كي يطلب النجدة. لكنه فارق الحياة قبل ان يتمكن من تحقيق ذلك.
باكو : انا اتفق معك تماماً. والآن بامكانك التحدث مع الجارة التي بلّغت عن الحادث بينما نكمل نحن عملنا هنا. ما زال لدينا القليل وننتهي.
خرج المحقق انس من شقة المجني عليه ليفسح المجال امام فريق البحث الجنائي وطرق باب الشقة المقابلة ففتحت له سيدة ستينية نحيفة وقصيرة القامة سألها،
انس : هل انت السيدة ماريكارمن؟
ماريكارمن : اجل انا هي. من انت؟
انس : انا المحقق انس خير الدين من الشرطة المركزية باليكانتي.
ماريكارمن : ولماذا جاؤوا بـمورو ليحقق بالقضية؟ <مورو هي كلمة تحقير للانسان العربي لدى الاسبان> هل لان المتوفي رجل كبير في السن وغير ذا اهمية لديهم؟
انس : سيدتي انا مغربي الاصل لكنني اسباني الجنسية.
ماريكارمن : حسناً، أيا كان... هكذا اصبحت بلدنا، لقمة سائغة لكل من هب ودب.
امتعض انس من كلامها العنصري لكنه واصل الحديث معها قائلاً،
انس : ما هي علاقتكِ بالمجني عليه؟
ماريكارمن : نحن جيران منذ امد بعيد نواصل الزيارات فيما بيننا كل يوم تقريباً.
انس : هل لدى المجني عليه، اولاد او اقارب او اصدقاء؟
ماريكارمن : لا ليس لديه اي احد ما عدى حفيدة واحدة فقط تدعى كرستينا عمرها 25 سنة، انها تسكن بالعاصمة مدريد. اما ابنته الوحيدة والتي هي والدة كرستينا فقد توفت قبل 7 سنوات.
انس : متى جائت حفيدته لغرض الزيارة آخر مرة؟
ماريكارمن : لا اذكر بالحقيقة.
انس : هل لديك عنوانها او رقم هاتفها؟
ماريكارمن : كلا، لكن ماكس اقصد المرحوم ماكس كان يستعين بدفتر ارقام الهواتف عندما كان يتصل بها.
انس : هل كانت بينكما علاقة عاطفية؟
قهقهت قليلاً وانزلت رأسها للاسفل خجلاً ثم قالت بصوت منخفظ،
ماريكارمن : ماكس كان نشيطاً جداً بالرغم من تقدمه بالسن لكنه كان عندما يدخل معي في السرير يصبح كالشاب الثلاثيني إذ انه في يوم من الايام قام بوضع...
قاطعها انس لكي لا تسهب في الشرح وقال،
انس : اجل، اجل، لقد فهمت، وصلت الفكرة. لا اريد سماع التفاصيل ارجوك. شكراً لك سيدة ماريكارمن ساتصل بك مستقبلاً اذا احتجت للمزيد من البيانات.
ماريكارمن : حبذا لو يبعثون لي شخصاً اعتيادياً بالمرة القادمة كي يحقق بالقضية.
هز انس رأسه وخرج من شقة ماريكارمن فرأى باكو رئيس فريق البحث الجنائي واقفاً بالممر خارج الشقة قال له،
باكو : لقد اتممنا مهمتنا تماماً الآن، بامكانك الدخول الى شقة المجني عليه.
انس : شكراً باكو.
بعد ان خرج الجميع، وقف احدهم خارج الشقة ينتظر معاينة المحقق انس. مر انس من امامه وراح يتفحص المكان غرفة غرفة بشكل دقيق جداً باحثاً عن اي ادلة اضافية. فرأى صورة على الحائط لشابة مراهقة كان من البديهي انها حفيدة المجني عليه كرستينا.
دخل الصالة وتفحص منضدة صغيرة إلى جانب الاريكة فرأى كراسة هواتف. راح يقلب اوراقها حتى عثر على اسم الحفيدة (كرستينا كوردوبا). اخرج هاتفه النقال وادخل رقمها فسمع الهاتف يرن لكنها رفضت الاتصال وألغت المكالمة. حلل ذلك بان رقم هاتفه قد ظهر لديها على انه اتصال من شخص مجهول لذلك رفضته. رفع سماعة الهاتف الثابت هذه المرة واتصل بها من جديد فاجابته قائلة،
كرستينا : جدي، كيف حالك يا حبيبي؟
انس : انا لست جدك آنسة كرستينا. انا المحقق انس خير الدين من الشرطة المركزية باليكانتي. اريد التحدث اليك بامر في غاية الاهمية.
كرستينا : ما المشكلة؟ هل اصاب جدي مكروه؟ هل هو بالمشفى؟
انس : الامر اكثر تعقيداً من ذلك يا آنسة كرستينا. يؤسفني ان اخبركِ بان جدكِ قد توفيَ مساء الامس.
كرستينا : لحظة لو سمحت...
سمع انس صوت بكائها من خلال سماعة الهاتف دام لاكثر من دقيقتين. وبعد قليل رجعت وتحدثت معه بصوت اجش قائلة،
كرستينا : انا آسفة سيادة المحقق. كيف مات جدي؟ هل اصابته نوبة قلبية جديدة؟
انس : كلا، لقد عثر عليه هذا الصباح مقتولاً بشقته في شارع القديسة ماري. دعيني اقدم تعازيي يا آنسة كرستينا.
هنا بدأت نبرة كرستينا يبدو اكثر غضباً، قالت،
كرستينا : يـــــــــا الهي لا اصدق، انه امر فضيع. من يريد ان يؤذي جدي؟ انه انسان طيب القلب ومسالم جداً. كان هو آخر فرد من افراد عائلتي على قيد الحياة. والآن تقول انه مات! لا اصدق ذلك ابداً.
انس : هل ستأتين الى هنا؟
كرستينا : اجل، اجل بالطبع ساحضر، انا ساطير الى اليكانتي اليوم باول طائرة متاحة.
انس : ساستقبلك بالمطار وانقلك الى بيت جدك.
كرستينا : هذا لطف منكَ. سابعث اليك برسالة نصية على هاتفك لاعطيك رقم الرحلة ووقت الوصول.
انس : رقم هاتفي النقال هو نفس الرقم الذي رفضتي الاجابة عليه قبل قليل.
كرستينا : حسناً ساحتفظ به إذاً. الى اللقاء يا حضرة المحقق.
ارجع السماعة الى الجهاز ثم غادر شقة المجني عليه فنظر الى عنصر البحث الجنائي الذي وقف بالباب ينتظره قال،
انس : بامكانكم نقل الجثة الى المشرحة الآن.
ركب انس سيارته وتوجه بها الى المركز الذي يعمل به باليكانتي. دخل مكتب مديره خوان ثوبييتا فوجده منشغلاً بكتابة شيئ ما، رفع رأسه وقال،
خوان : آه انس، كيف سارت الامور بڤيلاخويوسا؟
انس : تحدثت مع جارة المجني عليه فاخبرتني بانه حفيدة تدعى كرستينا تسكن بالعاصمة مدريد. بعدها هاتفت الحفيدة فاخبرتني بانها ستأتي اليوم الى هنا لغرض مراسيم العزاء والدفن لذلك ساتوجه الى المطار بعد الظهر لاستقبالها.
خوان : جيد، اريدك اخبرني بآخر المستجدات وقت وقوعها. حظاً أوفر.
بعد ظهر ذلك اليوم تلقى المحقق رسالة نصية من الحفيدة كرستينا تعلمه بموعد وصول طائرتها الى مطار اليكانتي فذهب لاستقبالها بالمطار ليحاول التعرف منها على ملابسات الجريمة، فمن المحتمل ان تزوده بمعطيات يستطيع من خلالها الوصول الى ادلة جديدة.
وقف عند بوابة وصول المسافرين ينتظرها كي تخرج حسب الموعد. ولكن بعد مرور اكثر من ساعة اي بعد ان خرج جميع من كان على متن تلك الرحلة بدأ الشك يدب في قلبه لانها لم تمر من امامه كما كان متوقعاً. هل كانت تكذب عليه لماذا اخبرته بانها قادمة؟ "بالتأكيد ستأتي، فجدها هو القريب الوحيد لديها بالعائلة ولا يمكن ان تتخلف عن حضور دفن جنازته". بقي انس واقفاً ثم صار يفكر من جديد، "ربما وصلت المطار قبل مجيئي اليه!". لذا راح يتجول بصالة الوصول حتى لمح من بعيد سيدة تتكلم بهاتفها النقال. تعرف عليها من خلال صورتها التي كانت معلقة على الحائط بشقة المجني عليه بالرغم من انها كانت صورة قديمة لكن الملامح كانت مشابهة.
مطار اليكانتي
تقرب منها وانتظرها حتى اكملت مكالمتها ثم اقترب منها وسأل،
انس : كرستينا كوردوبا؟
كرستينا : اجل انا هي. هل انت السيد المحقق اونوس؟
انس : اجل، انا العريف محقق انس خير الدين.
كرستينا : اعذرني فقد وصلت طائرتي مبكرة بعض الشيء ولدي الكثير من الامور العالقة بالمكتب لذلك كنت املي عليهم ارشاداتي عبر الهاتف.
انس : لا عليكِ سيدتي. هل انت مديرة الشركة؟
كرستينا : اجل انا المديرة وصاحبة الشركة بنفس الوقت. مؤسستي تدعى شركة ازياء كوردوبا.
انس : ارجو ان تتقبلي تعازيي يا انسة كرستينا.
كرستينا : شكراً لك سيادة المحقق. بالحقيقة اصبت بصدمة كبيرة عندما اخبرتني بهذا النبأ المؤلم فقد عودني جدي على ازماته القلبية التي عانى منها بالآونة الاخيرة فكانوا ينقلونه الى المشفى بشكل مفاجئ لكن قتله بتلك الطريقة البشعة كان من الصعب تصديقها.
انس : اجل انها كانت فعلاً جريمة بشعة. لكن القانون يحتم علينا ان نجد احد المقربين اليه للتعرف عليه بشكل رسمي حتى وإن كنا قد عثرنا عليه بداخل الشقة.
كرستينا : اجل وانا كذلك اريد ان اراه للمرة الاخيرة.
انس : سآخذك الى المشرحة الآن.
مشى معها ببطئ شديد حتى وصلا مراب المطار حيث تقبع سيارته فجلست كرستينا الى جانبه بعد ان اودعت حقيبتها في الصندوق الخلفي. لم يتكلم معها اثناء القيادة حفاظاً على مشاعرها والتزم الصمت طوال الرحلة التي دامت ما يقرب من 20 دقيقة بالرغم من ان الكثير من الاسئلة كانت تدور بخاطره. ولما وصل المشرحة ادخلها معه الى الغرفة المبردة فاخرجت الجثة من الثلاجة وازال عنها الغطاء الاسود لتنظر اليه فتسقط على الارض مغشياً عليها. انحنى انس صوبها وصار يطبطب على وجنتها فاتى له الموظف بالنشادر ليضعه تحت انفها. فتحت عيناها ونظرت الى المحقق انس لتسأله،
كرستينا : اين انا؟ ماذا حدث؟
انس : لا عليك يا آنسة كرستينا، لقد اغمي عليك حين رأيت الجثة.
كرستينا : انا اسفة فانا متعبة جداً اليوم والمنظر كان صادماً للغاية. لم اتحمل سامحني.
انس : لا تبالي يا آنسة. ولكن يجب ان اسألك بشكل رسمي. هل كان صاحب الجثة هو جدك ماكس كوردوبا؟
اومأت برأسها وقالت،
كرستينا : نعم هذا جدي ماكس.
انس : حسناً دعنا نخرج من هنا. اين تريدين ان آخذك؟
كرستينا : في السابق كنت معتادة على البقاء مع جدي بشقته كلما جئت للزيارة، لكنني الآن لا اعتقد ان بمقدوري احتمال رؤيتها بعد كل ما حدث. لذلك ارجوك خذني الى الفندق.
انس : اي فندق تودين الذهاب اليه؟
كرستينا : اريد الذهاب الى (يوروستار بورتيكو)، اتعرفه؟
انس : اجل اعرفه، انه بوسط البلد.
كرستينا : هذا صحيح، انه هو بعينه.
ركب الاثنان من جديد وقاد انس سيارته الى الفندق ليتوقف امام الباب الزجاجي قال،
انس : هل انت بحاجة لان انزل معك؟
كرستينا : كلا حضرة المحقق. انا اشكرك على كرم اخلاقك النبيلة. لقد ساعدتني كثيراً.
انس : هل بالامكان ان نتقابل من جديد لكي اسألك عن المزيد من المعلومات بما يتعلق بجدك؟
كرستينا : بالتأكيد. لديك رقمي اليس كذلك؟
انس : اجل انه محفوظ لدي بهاتفي. وداعاً.
نزلت كرستينا من السيارة واخرجت حقيبتها من صندوق السيارة الخلفي ثم دخلت بهو الفندق فلوح لها بيده مودعاً اياها وغادر المكان. رجع انس الى مركز الشرطة ليدون التقرير عن معاينة كرستينا جثمان جدها المتوفي ثم جلس يتابع معلومات اخرى تثري قضيته بالحاسوب. وبذلك المساء رجع الى شقته كي يأخذ قسطاً من الراحة فاستلقى على سريره العريض وصار يحدق بسقف الغرفة. وبدلاً من ان ينام بضع ساعات، انتصب من جديد وجلس امام حاسوبه النقال وراح يبحث عن اجوبة لتسائلاته. ولما كتب اسم شركتها (شركة ازياء كوردوبا) في محرك البحث وجد الكثير من المعلومات والصور لكرستينا اثناء اقامة معرضها في آخر تشكيلة صيف 2022. "إذاً، كرستينا لم تكذب باقوالها وبما انها تسكن بفندق (يوروستار بورتيكو) ذلك الفندق ذو الخمس نجوم والمبيت فيه يكلّف نصف مرتبي الشهري بالليلة الواحدة. لذا ساتعامل معها على انها صادقة بشكل مبدئي. على العموم يجب عليّ ان انام الآن وغداً سوف القاها من جديد لاسألها عن آخر زيارة لها لجدها في القرية".
باليوم التالي بدلاً من التوجه الى مقر عمله، اتصل بمركز الشرطة واخبرهم بان لديه امر يجب ان يتحقق منه. ذهب الى الفندق، اوقف سيارته في مراب السيارات وسار على قدميه نحو الباب الرئيسي لكنه قبل ان يصل بهو الفندق صار هاتفه يرن بالحاح فاخرجه من جيبه ووضعه على اذنه ليسمع احد اعوان الشرطة يقول،
العون : سيدي المحقق انس، لقد طلب مني المقدم خوان الاتصال بك للعودة الى المركز فوراً.
انس : حسناً انا آتٍ.
عاد انس دون ان يقابل كرستينا ورجع بسيارته الى مركز الشرطة ليدخل فيجد المدير ينتظره بحماس كبير قال،
خوان ثوبييتا : لقد فرغ الطبيب الشرعي من تشريح الجثة. بامكانك الذهاب اليه الآن والاستماع لنتائج التشريح، كذلك اريدك ان تحضر معك التقرير الفني عند العودة.
انس : كان بامكانك ان تخبرني ذلك على الهاتف. على العموم انا ذاهبٌ الآن.
استدار انس نحو الباب وهم بالخروج لكن مديره ناداه من جديد وقال،
خوان ثوبييتا : انتظر لحظة يا انس. اريد ان اعرفك على شريكتك الجديدة. انها العريف تريزا كوميز من شرطة العاصمة مدريد. بعثوها على وجه السرعة لتساعدنا في التحقيق بالقضية. يا عريف تريزا هذا هو العريف انس الملقب بثعلب اسبانيا.
دخلت مكتب خوان وأقتربت سيدة شقراء طويلة القامة فائقة الجمال بلباس مدني انيق ومدت يدها لانس قائلة،
تريزا : تشرفت بمعرفتك عريف انس.
نظر انس بوجه مديره خوان مستفسراً ثم نظر بوجه شريكته الجديدة واخذ يدها قائلاً،
انس : تشرفت بمعرفتك عريف تريزا.
خوان ثوبييتا : اريد منكما ان تمنحا القضية 110% مما لديكما من مجهود لان الصحافة دخلت علينا من اوسع ابوابها وبكامل ثقلها بالاضافة الى ان جميع منتسبي وزارة الداخلية اصبحوا مهتمين بالتوصل الى حل للقضية على جناح السرعة.
المحققة تريزا : إذاً دعنا لا نضيع المزيد من الوقت ولنذهب الى مركز البحث الجنائي سوية.
انس : تفضلي يا محققة.
ودعا الرئيس خوان وسارا بالممر فسألها،
انس : منذ متى وانت تعملين بسلك الشرطة؟
تريزا : منذ اكثر من 13 سنة.
انس : هل واجهتكِ جرائم بشعة مثل التي نحن بصددها؟
تريزا : اجل الكثير منها في مدريد العاصمة.
انس : ربما ستكون هذه الجريمة هي الابشع.
تريزا : ربما، سوف نرى.
ركبت المحققة تريزا الى جانب انس فانطلق بها باتجاه مركز البحث الجنائي. دخلا المشرحة فوجدا الطبيب يخيط جثة ماكس قال،
الطبيب : هذا هو المجني عليه: الاسم ماكس كوردوبا العمر 76 سنة تلقى 18 طعنة. تفاصيل الطعنات: 8 بالصدر، 6 بالظهر، 4 حول العنق. بعض تلك الطعنات كانت مجرد شطبات والبعض منها طعنات في العمق. توفى المجني عليه من اثر نزيف دموي كامل. بداخل معدته عثرت على بعض الاطعمة النباتية البسيطة. كان المجني عليه يعاني من مرض السكر وارتفاع ضغط الدم ولديه ورم خبيث في الرئة بمراحله الاولى، ربما لم يكن قد اكتشف بعد. الطعنات استعملت فيها خنجرين ذو نصل بعرض 4 سم وطول تقريبي يناهز الـ 14 سم. الطعنات استخدم فيها الجاني كلتا يديه وهذا ما استدليت عليه من زوايا الطعنات واعماقها بداخل الانسجة.
المحققة تريزا : امر غريب جداً. لم تمر عليّ جريمة بهذا الشكل سابقاً.
الطبيب : اجل انها حقاً بمنتهى الغرابة. هناك مفاجئة اخرى سوف تبهركم كثيراً: ليست كل الطعنات عميقة بل كانت البعض منها تكاد تكون خدوش بسنتمترين او ثلاثة. وهذا يعني انها جريمة كراهية لان القاتل اراد تعذيب المجني عليه. ومن خلال ذلك يمكننا القول بان القاتل والمجني عليه يعرفان بعضهما البعض وبينهما ضغينة واضحة.
وبعد ان فرغوا من الاستماع لتقرير الطبيب سأل انس شريكته،
انس : هل تشعرين بالجوع؟
المحققة تريزا : بعد كل هذا الحماس، اجل اكاد اموت من الجوع. هل لديك مطعم معين؟
انس : نعم، هناك مطعم في ضواحي المدينة بمسافة 10كلم تقريباً تديره عائلة باكملها، الجد واولاده واحفاده. طعامهم ممتاز وتقدم فيه اكلة الپاييا. المطعم يدعى نينيو. ما رأيك؟
المحققة تريزا : حسناً، دعنا نذهب الى نينيو فانا احب تناول الرز.
ذهب الشريكان الى المطعم وتناولا الاكلة الشعبية الشهيرة بشهية مفتوحة وعندما فرغوا منها سأل انس،
انس : هل لديك عائلة يا عريف تريزا؟
المحققة تريزا : نادني تريزا فقط. نعم لدي ولد اسمه اليخاندرو عمره 7 سنوات من زوجي المتوفي. امنته لدى والدتي بمدريد عند مجيئي الى هنا كي اجري التحقيق بهذه القضية المعقدة.
انس : هل توفى زوجك بالمرض؟
المحققة تريزا : كلا، كان زوجي شريكي بالعمل، انه محقق شرطة مثلي. اصيب بطلق ناري اثناء مطاردتنا لاحد المجرمين بمدريد فتوفى بنفس اليوم في احضاني بعد ان نقلته الى المشفى.
انس : انا آسف جداً.
المحققة تريزا : لا عليك، وانت؟
انس : انا ولدت هنا باسبانيا عن ابوين مغربيين اصلهما من مدينة قنيطرة.
المحققة تريزا : لقد قرأت تقريرك الاولي الذي ارسله لي مديرك بالبريد الالكتروني ولدي بعض التسائلات المهمة، هل لديك مشتبه به غير حفيدة المجني عليه؟
انس : اعتقد ان من الصعب الاشتباه بالحفيدة كرستينا لانها كانت بمدريد وتبعد حوالي 600 كلم وقت وقوع الجريمة. وعندما اخبرتها بالخبر على الهاتف بكت بكاءاً مراً اثار حزني عليها.
المحققة تريزا : اولاً المسافة ما بين مدريد العاصمة ومكان وقوع الجريمة هو 410 كلم. ورحلة الحافلة تدوم 3 ساعات فقط بينما رحلة الطائرة تستغرق ساعة وربع. يجب عليك ان تعلم ان الكثير من الناس يستطيعون تمثيل دور الحزن وذرف دموع التماسيح. لا تنسى الميراث.
انس : لقد تحققت من الحالة المادية للمجني عليه ماكس فعلمت انه متقاعد ويتقاضى مرتب تقاعدي يزيد عن 500 يورو بقليل. كان ثرياً جداً في الماضي إذ كان يملك مزرعة ابقار كبيرة، لكن وباء جنون البقر تسبب بنفوق اغلب ابقاره مما دفعه الى اعلان افلاسه والانتقال الى القرية التي توفي فيها. الشقة التي يسكنها حالياً بالقرية، قيمتها بالسوق اليوم يصل الى حوالي 100 الف يورو. وهذا المبلغ ليس دافعاً كبيراً لجريمة قتل من قبل حفيدته، علماً بانها تملك شركة عالمية عملاقة بالعاصمة مدريد تدعى شركة ازياء كوردوبا ودار عرض ازياء بنفس الاسم. والآن هي تقيم بفندق (يوروستار بورتيكو) ذات الخمس نجوم.
المحققة تريزا : اجل ارى وجهة نظركَ ولكن ليس هناك ضرر لو تحققنا من جميع معلوماتها كي نلغيها من قائمة المشتبه بهم. على العموم الساعة قاربت الرابعة والنصف. دعنا نرجع الى المدينة فانا اريد شراء بعض الحوائج من مخزن (ايلكورتي انگليز) لانني جئت الى هنا على عجالة ولم اتمكن من حزم امتعة كثيرة.
انس : حسناً، هيا بنا.
دخل المحققان المتجر المتعدد الاقسام فتوجهت تريزا الى قسم الملابس الداخلية قال انس،
انس : ساتركك تتسوقين على رسلك لانتظرك بالاسفل.
تريزا : ولماذا تهرب يا انس؟ الم ترى ملابس نسائية داخلية من قبل؟ تعال يا اخي ولا تتعامل معي كرجل شرقي متخلف. انت اسباني الآن.
انس : حسناً هيا بنا.
دخلت تريزا قسم الملابس الداخلية وصارت تفتش عن ضالتها بينما سار انس خلفها ينتظر بملل كي تفرغ من تلك المهمة المستحيلة. وعندما رسى فكرها على طقم اسود مثير وباهظ الثمن ابتسمت، نظرت بوجه شريكها وقالت،
تريزا : من هو سعيد الحظ الذي سيراني بهذا الطقم يا ترى؟
ابى انس ان يعلق على ذلك التصريح لانه سيكون بمثابة اعلان واضح بقبول دعوة مشبوهة أو قد تكون مزحة بريئة، لذا اكتفى بابتسامة باردة وادار وجهه بعيداً. وبعد ان فرغت من التسوق أخذها انس الى فندق ذو نجمتين معتدل الثمن قريب من مركز الشرطة الرئيسي ثم اتفقا على السفر الى مدريد للتحقيق في خلفية كرستينا بعد حضور الجنازة.
باليوم التالي ذهب انس وتريزا الى قاعة صغيرة بقرية ڤيلاخويوسا ليحظرا جمع تأبيني للمجني عليه لكن الحظور كان متواضعاً شمل حفيدته وجارته ماريكارمن ودومينگو بواب العمارة واثنان من سكان العمارة. بعدها اعتذر انس من كرستينا ورجع مع المحققة تريزا كي يذهبا الى المطار. جلس انس الى جانب شريكته الجديدة تريزا في مقعد الطائرة المتجهة الى العاصمة مدريد وراح يقلب ملف القضية بينما وضعت تريزا رأسها على مخدة-عنق ونامت على الفور. وبعد مرور ساعة ونصف، حطت الطائرة بمطار مدريد الدولي فوجدا احد عناصر الشرطة في استقبالهم. قالت تريزا لانس،
المحققة تريزا : دعني القي نظرة على ابني اليخاندرو ببيت والدتي اولاً وسالحق بك فيما بعد.
عنصر الشرطة : هل تريديني ان اوصلك الى بيت والدتك يا حضرة المحققة؟
المحققة تريزا : كلا، هذا ليس ضرورياً، فقد تركت سيارتي بمراب المطار. ساخذها من هناك واذهب بها الى والدتي.
نظرت تريزا الى انس وسألته،
المحققة تريزا : هل ستذهب الى المركز قيادة الشرطة الوطنية مباشرة؟
انس : اجل.
المحققة تريزا : إذاً، سنلتقي هناك لاحقاً وبعدها سنذهب الى شركة ازياء كوردوبا.
انس : حسناً ساكون بانتظاركِ.
وصل المحقق انس الى قيادة الشرطة الوطنية وكان باستقباله اللواء الفونزو خارج المبنى. صافحه بحرارة واقتاده الى مكتبه في الطابق السابع فبدأ الحديث سائلاً،
اللواء الفونزو : كيف تسير الامور في اليكانتي يا انس؟
انس : لقد بدأنا التحقيق بالقضية بشكل جدي ومكثف بعد ان تسلمنا تقرير البحث الجنائي سيدي.
اللواء الفونزو : هل لديكما مشتبه به بعد؟
انس : ليس هناك ادلة كافية كي نجزم الآن، لكن الدلائل الاولية تشير الى حفيدة المجني عليه بالرغم من ان جميعها ادلة ظرفية وغير كافية لكي نوجه لها التهمة.
اللواء الفونزو : لقد قمتُ بارسال المحققة تريزا اليكم كي تساعدكم بالتحقيق لانها تملك خبرة واسعة بمثل تلك الجرائم ولانها حلت قضية الجريمة المتسلسلة (خاطف الاطفال) التي وقعت احداثها العام الماضي وراح ضحيتها 7 اطفال بعمر الورد. انها افضل محققة لدينا بكامل المملكة.
انس : اجل سمعت بتلك القضية سيدي. المحققة تريزا حقاً كفوئة وجديرة بالاحترام.
اللواء الفونزو : هل تمكنتم من البحث في خلفية حفيدة المجني عليه؟
انس : هذا هو سبب حضورنا الى مدريد اليوم سيدي. ستلتحق بي تريزا الى هنا بعد قليل ثم سنتوجه الى الشركة التي تديرها وتملكها حفيدة المجني عليه كرستينا.
اللواء الفونزو : لا اريد المبالغة في التأكيد على مدى اهمية هذه القضية لدى وزارة الداخلية لانها نالت الكثير من التغطية الاعلامية مما تسبب في غضب عارم لدى الشعب الاسباني بكامل المملكة. حتى جلالة الملك فيليبي السادس مهتم بها شخصياً لانه تلقى رسائل غاضبة من جمعية المتقاعدين والمحاربين القدامى يطلبونه حمايتهم من تنمر العصابات المنظمة.
انس : اعدك سيدي باننا سنعمل بكامل طاقتنا وسابلغ المحققة تريزا مدى اهمية هذه القضية.
اللواء الفونزو : انها تعرف ذلك جيداً. والآن بامكانك انتظارها في مكتبها في الطابق الرابع.
انس : شكراً لك سيدي. سنوافيك بآخر المستجدات عندما نحصل عليها.
اللواء الفونزو : اريدكم ان تولوا اهتماماً كبيراً لهذا. وانا بدوري ساقدم لكما كل ما يلزم من الدعم الذي تطلبونه مهما كان حجمه.
انس : مفهوم سيدي.
خرج انس من مكتب اللواء الفونزو ونزل الى الطابق الرابع فرأى عون شرطة مارّاً من امامه ليسأله عن مكتب المحققة تريزا فادله عليه وفتح له الباب. دخل انس مكتبها ليجد صورة لتريزا على مكتبها وهي تحمل ابنها اليخاندرو لما كان طفلاً رضيعاً وصورة اخرى وهي تركض خلفه بالحديقة العامة عندما اصبح عمره ست او سبع سنوات. جلس انس على احدى الكراسي فسأله العون،
العون : هل تريد قهوة سيدي؟
انس : اجل، من دون سكر لو سمحت.
خرج العون واغلق الباب خلفه. بقي انس يتفحص المكتب ثم فتح حقيبته واخرج ملف القضية يتصفحه ويراجع المعلومات بداخله. فجأة بدأ هاتفه النقال يرن. فتحه واذا به باكو رئيس فريق البحث الجنائي في مدينة اليكانتي فاجاب قائلاً،
انس : اهلاً باكو، هل من جديد؟
باكو : عليك ان تأتي الى هنا فوراً لقد عثرنا على معلومات جداً مهمة وفاصلة تخص القضية.
انس : لا استطيع المجيء، لانني بمدريد الآن. اخبرني ماذا وجدتم؟
باكو : ذهبت اليوم الى مسرح الجريمة لاتفحصه للمرة الاخيرة عسى ان تكون قد فاتتنا اشياء لم ننتبه اليها فرأيت علامة واضحة رسمها المجني عليه بدمه على السجادة الى يساره اين توفى وقد تكون الفاصل بالقضية. المجني عليه استخدم دمه باصبعه ليرسم علامة الهلال على السجادة السوداء بالقرب من البقعة التي سقط ومات فيها. يبدو انه كان يريد ان يوصل لنا معلومة عن الجاني. التقطتُ لها صورة بهاتفي النقال لان المصور الرسمي لم يكن بصحبتي، سأرسلها اليك بعد قليل.
انس : الهلال يدل على الاسلام! فلربما كان يريد ان يوصل لنا ان من قتله كان رجلاً من اصل مسلم او عربي!
باكو : هذا ما كنت أفكر به انا ايضاً.
انس : انها معلومة في غاية الاهمية. ارجوك ابعث لي الصورة فوراً. واريدك ان تقص قطعة السجادة التي رسم عليها الهلال وتضيفها للادلة بالارشيف. واعلم باني ساعود الى اليكانتي غداً لالقي نظرة عليها مع العريف تريزا لنتباحث بالامر.
باكو : سافعل ذلك يا انس، وداعاً.
وبعد لحظات سمع رنين هاتفه من جديد يعلمه بوصول الصورة ففتحها ورأى،
اغلق انس هاتفه فسمع الباب ينفتح، نظر اليه فرأى المحققة تريزا تدخل من الباب، ابتسم بوجهها وقال،
انس : حمداً لله لانك جئت يا تريزا. لقد اغلقت الهاتف للتو مع رئيس فريق البحث الجنائي ليخبرني...
قاطعته المحققة وقالت،
المحققة تريزا : لقد اتصل بي انا ايضاً واخبرني بخصوص الهلال على السجادة الى جانب جثة المجني عليه.
انس : إذاً علينا ان ننهي عملنا هنا بمدريد باسرع وقت ممكن كي نعود فنواصل البحث هناك.
المحققة تريزا : دعنا نذهب الى الشركة الآن.
وبتلك اللحظة دخل عون الشرطة حاملاً فنجان قهوة لانس. ابتسم انس بوجهه وشكره بادب ثم اعتذر منه لانه في طريقه للخروج. ركب المحققان سيارة تريزا لتقودها الى منطقة (بورتا ديل سول). حيث اوقفتها بموقف مكتظ بالسيارات. دخلا الشركة فسألت البواب الجالس بغرفة الاستعلامات،
المحققة تريزا : نريد ادارة شركة ازياء كوردوبا لو سمحت؟
البواب : الادارة بالطابق العاشر.
ركب انس وتريزا المصعد فنقلهما الى الطابق العاشر. وما ان انفتح الباب ليجدا سيدة تسير امامهما وبيدها حزمة كبيرة من الملابس الجاهزة. فسالتها تريزا،
المحققة تريزا : اين اجد المديرة التنفيذية للشركة؟
السيدة : يجب عليك التحدث الى كيكي.
المحققة تريزا : اجل اين اجد السيدة كيكي؟
السيدة : قصدكِ اين تجديه. السيد كيكي في مكتبه بآخر الممر الذي امامك.
المحققة تريزا : شكراً لكِ سيدتي.
سار المحققان بالممر فعلق انس،
انس : اسم (كيكي) غريب يبدو انه من المثليين.
المحققة تريزا : وهل لديك مشكلة معهم؟
انس : لا ليس لدي مشكلة معهم طالما يبقى بعيداً عني فانا اتقزز منهم.
طرقت تريزا الباب فسمعت صوت من خلفه يجيب بمياعة، "تفضلوا انا هنا يا احبابي". دخلا المكتب وابرزا شارتهما الرسمية لتبدأ،
المحققة تريزا : انا المحققة تريزا كوميز وهذا هو المحقق انس خير الدين نريد التحدث معك.
كيكي : تفضلوا، تفضلوا يا حلوين. كيف استطيع خدمتكم؟ هل تريدان شراء بدلات نوم مثيرة للشرطة هاهاها.
انس : جئنا نسألك عن السيدة كرستينا.
كيكي : كرستينا ليست هنا، لقد ذهبت الى ڤيلاخويوسا لان جدها توفى بشكل مؤلم يا حرام.
انس : نعلم ذلك لكننا نجمع المعلومات بالوقت الحالي. كيف تعرفت على السيدة كرستينا؟
كيكي : انا وكرستينا بنينا هذه الشركة من الصفر ولما استقرت اوضاعها بشكل جيد صارت كرستينا تسافر كثيراً في رحلات قصيرة لتعقد الصفقات مع الشركات العالمية.
المحققة تريزا : هل انت شريكها بالشركة ام مجرد مدير؟
كيكي : اجل انا شريكها 50/50 بكل شيء ما عدى السرير هي هي هي.
المحققة تريزا : متى سافرت آخر مرة؟
كيكي : رجعت كرستينا من الفلبين قبل شهرين بعد ان مكثت هناك ما يقرب من السنة.
المحققة تريزا : لكنك قلت انها تسافر كثيراً رحلات قصيرة فكيف تسافر سنة كاملة؟
كيكي : انا المدير الفعلي هنا الآن واقوم بكل شيء بالشركة. كرستينا تسافر للاستجمام كثيراً هذه الايام.
انس : وكيف هي الاوضاع المالية للشركة؟
كيكي : انا آسف يا حلو، لا استطيع ان اتحدث معك بالاوضاع المالية الا اذا كان لديك مذكرة تخويل من المحكمة. فانا افهم بالقانون. هي هي هي، كان حبيبي السابق محامياً قبل ان يخونني ويتزوج من قاضي المحكمة.
انس : حسناً سوف نأتي بالمذكرة فوراً.
المحققة تريزا : شكراً لك يا سيد كيكي على كل شيء. سنعود مرة ثانية.
كيكي : اجلبي معك هذا الشاب الاسمر الوسيم عندما تعودين.
خرج المحققان من مكتب كيكي وركبا المصعد. اخرجت تريزا هاتفها من حقيبتها واتصلت باللواء الفونزو لتطلب منه المذكرة فاخبرها بانها ستكون جاهزة اليوم. خرج المحققان من البناية فاقترحت تريزا ان يأخذا وجبة غداء باحدى المطاعم انتظاراً لمذكرة المحكمة. تناولا طعامهما باحدى مطاعم الوجبات سريعة يدعى ونديز وجلسا على احدى الطاولات. وبعد مرور ساعة سمعت هاتفها النقال يرن، ردت عليه فعلمت من اللواء بان المذكرة اصبحت جاهزة. ركبا سيارة تريزا ورجعا بها الى قيادة الشرطة الوطنية. استلما الوثيقة وعادا الى شركة ازياء كوردوبا من جديد فسلماها للمحاسب. قال المحاسب ان الاوضاع المالية للشركة ممتازة. فقد كان دخل الشركة لعام 2019، 17 مليون يورو. لكن الدخل تراجع الى 6 مليون يورو بعد حلول جائحة كورونا الا ان الميزانية تعافت الآن. هنا همس انس باذن شريكته قائلاً،
انس : يجب ان نرى قائمة بمصاريف كرستينا وفواتير البطاقة الائتمانية.
تريزا : لماذا؟
انس : اريد ان اعرف ماذا كانت تفعل هناك بحيث قضت سنة كاملة بالفلبين؟
نظرت المحققة تريزا الى المحاسب وقالت،
تريزا : نريد ان نرى مصاريف كرستينا بالفلبين ومن ضمنها بطاقة الائتمان للخمس سنوات الماضية.
المحاسب : انتظرا قليلاً ساجلب الاوراق من الارشيف.
جلسا بمكتبه ينتظران لما يقرب من ساعة حتى عاد حاملاً بيده ملفين سلمهما لانس وتريزا قال،
المحاسب : لقد عملت لكما نسختين من كل شيء.
شكراه وخرجا من مكتبه ليركبا المصعد. قال،
انس : يجب علينا دراسة هذه الملفات بدقة متناهية فليس امامنا مشتبه به غير كرستينا بالوقت الراهن.
تريزا : إذاً تعال معي الى بيتي لاعد لك وجبة عشاء رائعة فانا خبيرة بعمل العجة الاسبانية. وهناك بامكاننا ان نجلس لنتدارس الملفات بهدوء تام دون مقاطعة.
انس : فكرة صائبة، ولكن لماذا تعتنين بي هكذا؟
تريزا : الا تعرف المثل الاسباني الذي يقول A barriga llena, corazón contento” " (بطن ممتلئ وقلب سعيد)
انس : انت رائعة.
اوقفت تريزا سيارتها امام بيتها ونزل معها انس. دخلا من الباب الرئيسي فسألها،
انس : هل سالتقي ابنك اليخاندرو؟
تريزا : كلا، انه ما يزال لدى والدتي في (كارابانچيل). لدينا المنزل باكمله وبامكاننا ان نفعل به ما نشاء.
قالتها وهي تبتسم وتغمز لانس فابتسم بعد ان وصلته تلك الرسالة الدسمة. هنا نظرت بعينه وسألت،
تريزا : هل تريد جعة (سان ميگيل)؟
انس : كلا شكراً.
تريزا : أتمتنع لانك لا تحب الجعة ام انها لاسباب اخرى؟
انس : انها لاسباب اخرى.
تريزا : حسناً. ما رأيك بالقهوة؟
انس : انا احب القهوة.
تريزا : إذاً اجلس بالصالون الذي امامك وساحضر لك افضل قهوة تشربها في حياتك.
انس : دعنا نرى.
دخلت تريزا المطبخ بينما راح انس يتفقد الصور المعلقة على الحائط في الصالة ومنها صورة تريزا وهي تحمل ابنها بينما تقف والدتها الى جانبها. جلس على الاريكة واخرج ملفات القضية من حقيبته وراح يطالعه بشكل مقتضب. وبعد قليل دخلت عليه تريزا حاملة فنجاني قهوة لتعطيه واحداً فتسلمه منها وترشف رشفة طويلة ثم نظر اليها وقال،
انس : كنت اعتقد انك تبالغين بخصوص القهوة. انها فعلاً الذ قهوة تذوقتها بحياتي. كيف عملتيها يا تريزا؟
تريزا : انه سر المهنة يا حضرة المحقق. يجب ان تعطيني الف قبلة قبل ان افصح لك عن اسرارها.
جلس المحققان امام بعضهما البعض يستمتعان بشرب القهوة كبست تريزا على جهاز التحكم عن بعد لتفتح التلفاز فسمعوا المذيع يتحدث عن الجريمة التي يحققون بها. قال انس،
انس : انظري تريزا، انه اللواء الفونزو يجري مؤتمراً صحفياً بخصوص قضيتنا. كبست تريزا على الزر الاحمر لتغلق التلفاز من جديد ونظرت الى شريكها لتسأله،
تريزا : هل لديك حبيبة يا انس؟
انس : كانت لدي حبيبة اسمها هيلين من مدينة الماريا. كنا على علاقة قوية لفترة خمس سنوات وكنا على وشك ان نكللها بالزواج لكنها قررت الانفصال عني بعد ان نالت شهادة الدكتوراه في القانون.
تريزا : هل تأذن لي بالسؤال عن السبب؟
انس : لا مانع لدي. بعد ان حازت على الشهادة العليا صارت تتكبر عليّ وتنظر الى مهنتي من منظار ضيق. لذلك افترقنا منذ حوالي سنة تقريباً.
تريزا : انها غبية حقاً. ولكن انت الآن خالٍ ومتاح منذ سنة فلماذا لم تعمل علاقة جديدة؟
انس : بالحقيقة، كان عملي يأخذ حيزاً كبيراً من وقتي لذلك لم اتفرغ لحياتي العاطفية.
تريزا : والآن وانت جالس امامي هنا، هل لديك الرغبة في ان تترك مكانك وتأتي لتجلس الى جانبي فتشكرني بشكل لائق على قهوتي المميزة؟
انس : كنت اتمنى ان تقولي شيئاً من هذا القبيل.
لكنه بدلاً من ان يغير مكانه، انتصب من الكرسي وسار نحوها ليمد لها يده ويسحبها من الاريكة قال،
انس : خذيني الى غرفة نومك واستعرضي الملابس الداخلية التي اشتريتيها بالمس.
بقيت ممسكة بيده واقتادته الى غرفة النوم ليتخلوا عن ملابسهم جميعها ويرموها على الارض ما عدى اسلحتهم التي وضعوها على الطاولات الى جانبي السرير وهمّا ببعضهما البعض بحماس كبير. وبعد مرور ساعتين جلسا عرايا على السرير قالت له،
تريزا : كنت اتوق لتلك المواجهة منذ ان رأيتك اول مرة.
انس : وانا كذلك، لكنني لم اجد بنفسي الجرأة الكافية كي اتقدم بالخطوة الاولى.
تريزا : هل تريد المزيد؟
انس : اتقصدين القهوة؟
فضحكت باعلى صوتها واحتظنته وناما حتى صباح اليوم التالي. وحين فتحت تريزا عيناها وجدته ما زال عارياً بالسرير يقلب ملف القضية. تقربت منه وقبلته من عظلة زنده فوضع ذراعه حول رقبتها وسحبها اليه ثم قبلها من فمها قبلة مطولة وقال،
انس : صباح الخير عزيزتي، لماذا تعتقدين انها بقيت بالفلبين لسنة كاملة؟
تريزا : صباح الخير عزيزي. لا اعلم، ربما وجدت حبيباً وسيماً مثلك هناك، من يعلم؟
انس : لا اعتقد ذلك فهي ثرية جداً وفائقة الجمال.
فجأة تلقى انس ضربة مؤلمة على بطنه. ضحك وقال،
انس : اقصد انها تستطيع ان تحصل على اي شاب وسيم فلماذا تذهب الى الفلبين كي تبقى معه ولماذا تترك شركتها بيد شخص مخصي مثل كيكي؟
تريزا : كلامك صحيح. يجب علينا ان نبحث في الامر اكثر. هل وجدت شيئاً بالملفات؟
انس : تفحصت احدى قوائم مصاريف كرستينا على بطاقة اميريكان اكسبريس في مانيلا وكانت اعتيادية للغاية انظري.
اعطاها ورقة دونت فيها دفوعت البطاقة الائتمانية لتقرأ
انس : كل هذه المصاريف واضحة ولا غبار عليها لانني تحققت منها جميعاً عن طريق الانترنيت عندما كنتِ نائمة.
فالفندق وجدت ان ثمن الاقامة فيه لشهر كامل يتراوح ما بين 700 و 750 يورو والباقي مصاريف اخرى بالفندق كالطعام والشراب. اما البنك فهو لتصريف يوروات مقابل العملة المحلية الـ (پيسوس). لكن الشيء اللافت للنظر هي ثامن فقرة انظري اليها جيداً. لماذا تذهب كرستينا الى نادي كل شهر. ما هي طبيعة هذا النادي؟ اهو نادي رياضي ام نادي تجميل ام نادي من نوع آخر؟
تريزا : لماذا لا تستفسر من گوگل عن هذا النادي؟
انس : لقد فعلت ذلك فعلاً ولكن دون جدوى، فليس للنادي صفحة على الانترنيت. صدقيني هناك اشياء لا يمكن تفسيرها.
تريزا : سننقل هذه التسائلات للواء الفونزو اليوم كي نقف على رأيه بالموضوع.
بعد ان اعدت له افطاراً شهياً. لبس المحققان ملابسهما وتوجها الى مبنى قيادة الشرطة الوطنية والتقيا اللواء الفونزو ليقدما تقريرهما عن آخر المستجدات والأدلة فاقترح عليهما السفر الى الفلبين للتحقيق بالموضوع فلربما سيكتشفان ادلة جديدة مهمة هناك توصلهما لحل القضية. ودعا اللواء بشكل لائق وتوجها الى مطار مدريد ليستقلا طائرة تعيدهما الى مدينة اليكانتي فيخبران خوان ثوبييتا رئيس مركز اليكانتي بكل ما توصلا اليه من معلومات. وهناك عندما وصلا اليكانتي والتقيا بخوان. أيد خوان فكرة سفرهما الى مانيلا عاصمة الفلبين واكد لهما انه سيبعث بمذكرة تفصيلية عبر وزارة الداخلية ليخاطب بها شرطة الفلبين كي تقدم لهما الدعم هناك. بقي المحققان ببيت انس الى حين موعد رحلتهما الى الفلبين.
ترى هل سيسافر المحققان الى الفلبين ام انهما سيعثران على المزيد من الادلة باسبانيا تدين حفيدة المجني عليه كرستينا كوردوبا؟ ستعرف الاجوبة على هذه التسائلات في الجزء الثاني من هذه القصة.
1755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع