ضحى عبد الرحمن
مباحث في الأدب واللغة/٦٢ إضاءات تأريخية عن بغداد
قال الشاعر كاظم الدجيلي:
يا سواد العراق ابنك ذا اليوم من الضغط في ثياب حــداد
يا سواد العراق تبكيك عين الشعر ذا اليوم عن سواد المداد
يا سواد العـــــراق شلت يمين ذات إثم دلت عليك الأعـــادي (المقتبس81/52)
بغداد عام 334هجرية
ذكر ابن الجوزي" بغداد في سنة 334 بلغ المكوك من الحنطة خمسة و عشرين درهما، و اضطر الناس إلى أكل البزر قطونا، كان يؤخذ فيضرب بالماء ثم يبسط على الطابق ويشعل تحته، فإذا حمي أكلوه. وأكلوا الجيف، وإذا راثت الدواب اجتمع جماعة من الضعفاء على الروث فالتقطوا ما فيه من حب الشعير فأكلوه، وكانت الموتى مطرحين، فربما أكلت الكلاب لحومهم، وخرج الناس إلى البصرة خروجا مسرفا فمات أكثرهم في الطريق، ومات بعضهم بالبصرة و صار الضعفاء يغنى أكثرهم وصار العقار والدور تباع بالرغفان من الخبز، ويأخذ الدلال بحق دلالته بعض الخبز". (المنتظم14/47). كما ذكر ابن تغري عن حوادث سنة 334هـ " فيها عظم الغلاء ببغداد في شعبان وأكلوا الجيف والرّوث وماتوا على الطّرق، وأكلت الكلاب لحومهم، وبيع العقار بالرّغفان، ووجدت الصغار مشويّة مع المساكين، وهرب الناس إلى البصرة وواسط فمات خلق في الطّرقات". (النجوم الزاهرة3/286).
ابو جعفر المنصور
ذكر ابن تغري" أقام الحج للناس أبو جعفر المنصور سنة (136) و (140) و(144) و (147) و(152). كان المنصور يصلي الفجر ثم يجلس وينظر في مصالح الرعية إلى أن يصلي الظهر، ثم يعود إلى ذلك إلى أن يصلي العصر، ثم يعود إلى أن يصلي المغرب؛ فيقرأ ما بين المغرب والعشاء الآخرة، ثم يصلي العشاء ويجلس مع سماره إلى ثلث الليل الأول، فينام الثلث الأوسط ثم ينتبه إلى أن يصلي الفجر، ويقرأ في المصحف إلى أن ترتفع الشمس فيجلس للناس، فكان هذا دأبه". (النجوم الزاهرة2/33).
حريق بغداد
ذكر ابن تغري عن حوادث سنة 361هـ " توفّى الوزير عبّاس بن الحسين أبو الفضل الشيرازىّ، كان جبّارا ظالما، قتل بالكوفة بسقى الذّراريح ، ودفن بمشهد علىّ (ع). وممّا يحكى عن ظلمه أنّه قتل ببغداد رجل من أعوان الوالي، فبعث أبو الفضل الشيرازىّ هذا من طرح النار من النحّاسين الى السمّاكين، فاحترق ببغداد حريق عظيم لم يعهد مثله، وأحرقت أموال عظيمة وجماعة كثيرة من النساء والرجال والصبيان والأطفال، فأحصى ما أحرق ببغداد فكان سبعة عشر ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثمائة وعشرين دارا؛ أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار. فلمّا وقع ذلك قال له رجل: أيّها الوزير أريتنا قدرتك ونحن نأمل من الله أن يرينا قدرته فيك! فبعد قليل قبض عليه عزّ الدولة وصادره وعاقبه، ثم سقى ذراريح فتقرّحت مثانته وهلك في ذي الحجة". (النجوم الزاهرة4/69).
النهب والسلب عند العراقيين
ذكر الحازمي أن البديع اسم بناء عظيم للمتوكل بسر من رأى وقال اليعقوبي: بنى المتوكل قصوراً أنفق عليها أموالاً عظاماً منها الشاه والعروس والشبدار والبديع والغريب والبرج وأنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار وذكر الأصفهاني أنه شغب الفرسان على السلطان في بغداد سنة 315 فأحرقوا القصر المعروف بالثريا وانتهبوا ما فيه من الخزائن وخربوا القبة والقصر المعروف بالأترجة والكوكب وسلبوا ما كان فيه من الآلة والمتاع والوحش والطير ثم بكروا من الغد إلى الحلبة فأحرقوا أبوابها وقصدوا القصر المعروف بالحسن الذي ينزل فيه المقتدر فبقوا إلى المساء يشغبون ثم بكروا من الغد إلى القصر المعروف بالبديع وبهذا ظهر أن اسم البديع أطلق على قصرين في العراق الأول في سر من رأى والثاني في بغداد وكان هذان القصران موجودين إلى تاريخ المئة الرابعة.
زالت شعائر الإسلام من العراق
ذكر ابن تغري" قال المقريزي: وقد ذهبت الجمعة ببغداد بعد القضاعي بقتل هولاكو للخليفة المستعصم ببغداد. وزالت شعائر الإسلام من العراق؛ وبقيت مكة شرّفها الله تعالى، وليس في شهر رمضان الآن بها ما يقال فيه: إنّه من عجائب الإسلام". (النجوم الزاهرة3/61).
تعلم المروءة
ذكر ابن الجوزي" قال ذو النون: من أراد أن يتعلم المروءة و الظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد. قيل: وكيف؟
قال: لما حملت إلى بغداد رمي بي على باب السلطان مقيدا، فمرّ بي رجل مؤتزر بمنديل مصري، معتم بمنديل دبقي، بيده كيزان وخزف رقاق، وزجاج مخروط، فسألت: هذا ساقي السلطان؟
فقيل لي: هذا ساقي العامة. فأومأت إليه: اسقني.
فسقاني، فشممت من الكوز رائحة مسك، فقلت لمن معي: ادفع إليه دينارا. فأعطاه الدينار.
فأبى. وقال: ليس آخذ شيئا.
فقلت له: ولم؟
فقال: أنت أسير، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئا.
فقلت: كمل الظرف في هذا". (المنتظم8/84). تأريخ بغداد1/50).
وامعتصماه
قال ابن حمدون" كان سبب فتح المعتصم لعمورية أنّ امرأة من الثغر سبيت فصاحت: وا محمداه وامعتصماه، فبلغه الخبر، فركب لوقته وتبعه الجيش، فلما فتحها قال: لبيك". (التذكرة الحمدونية2/52).
زوج أخت علي هبيرة
قال ابن الشيخ البلوي" ممن أعتذر عن هروبه هبيرة بن أبي وهب زوج أم هانئ أخت علي بن أبي طالب (رض) فقد هرب يوم فتح مكة الى نجران وقال:
لعمري ما وليت ظهري محمدا وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قدمت أمري فلم أجـــد لسيفي غناء ان ضربت ولا نبلي
وقفت فلما خفت ضيعة موقفي رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل (الف باء ق1/ج 2/541).
الشعوبيون والعباسة بنت المهدي
هي العباسة بنت المهدي. صاحبة القصة المختلقة مع جعفر البرمكي، تزوجها محمد بن سليمان بن على العباسي ونقلها الى البصرة وأقطعها المهدي (الشرقي) بالبصرة وتوفى عنها محمد فتزوجها محمد بن على بن داود بن على العباسي فمات عنها ثم أراد عيسى بن جعفر العباسي أن يخطبها فلم يتم ذلك واليها نسبت سويقة العباسة ببغداد. والغريب أن هذه القصة الشعوبية المختلقة تناقلها المؤرخون وكأنها حدثت فعلا فقد أوردها الطبري 2/ 676 في حوادث سنة 187، والمسعودي في مروجه 6/ 387- 398، وابن الأثير في الكامل وأبو الفرج في الأغاني والمبرد في الكامل وابن شاكر في فوات الوفيات والمقري في نفح الطيب وعبد الرحمن الإربلي عن الطبري وابن عساكر وابن خلكان وابن العبري في مختصر تاريخ الدول 224، ومسكويه في تجارب الأمم. وجاء في كتاب الوزراء والكتاب للجهشياريّ: «قال عبيد الله بن يحيى بن خاقان: سألت مسرورا الكبير في أيام المتوكل وكان قد عمر اليها ومات فيها، عن سبب قتل الرشيد لجعفر وإيقاعه بالبرامكة فقال: كأنك تريد ما تقوله العامة فيما أدعوه من أمر المرأة وأمر المجامر التي اتخذها للبخور في الكعبة؟ فقلت: ما أردت غيره. فقال: لا والله ما لشيء من هذا أصل ولكنه ملل موالينا وحسدهم» . صفحة 254. وهذه شهادة شاهد خبير مطلع على دواخل قصور الخلافة. وقد امتدت عدوى الشعوبية الى من عاصرنا فكتب قصة مختلفة للنيل من الشرف العباسي الإسلامي وتبعه عدنان مردم فألف رواية شعرية (العباسة) سنة 1969، ثم كرر جرجي زيدان قوله في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) الّذي ترجم ماركليوث قسما منه الى الانكليزية (انظر صفحة 202) معتمدا على رواية الاتليدى في كتابه (أخبار البرامكة) . وقصة العباسة الشعوبية هذه لها ذكر أيضا في شرح قصيدة ابن عبدون /229، وملخصها في أخبار الدول للقرمانى (مخطوطة لايدن) ، ورقة 150 أ، وفي مختصر تاريخ ابن الساعي/ 30، والفخري/ 288.
المعروف عند المؤرخين أن الخيزران أخبرت الرشيد بذلك وحرضته على الإيقاع بالبرامكة وقد روى الطبري غير ذلك فقال: ان احدى الجواري، لشر وقع بينها وبين عباسة أنهت أمرها للرشيد، تاريخ الطبري 3/ 677. وقد روى الصولي في اشعار أولاد الخلفاء 57: قالت علية للرشيد بعد إيقاعه بالبرامكة: ما رأيت لك يوم سرور تاما منذ قتلت جعفر فلأيما شيء قتلته؟ فقال: لو علمت أن قميصي يعلم السبب الّذي قتلت به جعفر لأحرقته.
فهل كانت علية بنت المهدي جاهلة السبب لو كان هناك مثل هذه الفضيحة في قصور الخلافة؟ وقد روى الطبري 2/ 669، وذكر أبو محمد اليزيدي وكان فيما قيل من أعلم الناس بأخبار القوم، قال: من قال أن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بغير سبب يحيى بن حسن فلا تصدقه. وقال المسعودي 6/ 362، (وانهم أطلقوا رجلا من آل أبى طالب كان في أيديهم.. وأما الباطن فلا يعلم) ، وقال اليعقوبي 2/ 510، "وأكثر الناس في أسباب السخط عليهم مختلفون"، وانظر، شرح قصيدة ابن عبدون. يرى طه محمد شفيق السامرائي أن هناك رضاعا بين البرامكة والرشيد فمن غير المعقول أن يتجاهل الرشيد ذلك ويزوج أخته لجعفر البرمكي: في رسالة خاصة منه.
اجتماع الغنى والمروءة والشرف بالعراق
ذكر نجم الدين الغزي" وروى الدينوري في "المجالسة"، وابن عساكر - بسند فيه متهم - عن أنس (رض) أن الله تعالى لما حشر الخلائق إلى بابل هبطت ملائكة الخير والشر، وملائكة الحياء والإيمان، وملائكة الصحة والشفاء، وملائكة الغنى، وملائكة الشرف، وملائكة المروءة، وملائكة الجفاء، وملائكة الجهل، وملائكة السيف، وملائكة البأس حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: أنا معك.
قال ملك الشفاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: وأنا معك.
فقال ملك الجفاء: وأنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: وأنا معك. فقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: وأنا معك.
فقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال ملك المروءة: وأنا معك.
فقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع الغنى والمروءة والشرف بالعراق". (حسن التنبيه2/77). رواه الدينوري في (المجالسة وجواهر العلم/332)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق1/ 354).
الأخلاق العشرة
قال ابن تغري" يقال: لما خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق: الإيمان، والحياء، والنجدة، والفتنة، والكبر، والنفاق، والغنى، والفقر، والذل، والشقاء؛ فقال الإيمان: أنا لاحق باليمن، فقال الحياء: وأنا معك؛ وقالت النجدة: وأنا لاحقة بالشأم، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الكبر: أنا لاحق بالعراق، فقال النفاق: وأنا معك؛ وقال الغنى: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك؛ وقال الفقر: أنا لاحق بالبادية، فقال الشقاء: وأنا معك". (النجوم الزاهرة1/51).
حوادث بغداد سنة 307هـ
ذكر ابن تغري عن حوادث سنة 307هـ " فيها غلت الأسعار ببغداد وشغبت العامّة ووقع النهب، فركبت الجند؛ وسبب ذلك ضمان حامد بن العباس السواد وتجديد المظالم لمّا ولى الوزارة وقصدوا دار حامد فخرج اليهم غلمانه فحاربوهم ودام القتال بينهم أياما وقتل منهم خلائق، ثم اجتمع من العامّة نحو عشرة آلاف، فأحرقوا الجسر وفتحوا السجون ونهبوا الناس". (النجوم الزاهرة3/198).
اصناف الشعوب
قال الفسوي" حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: سُئِلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ؟
فَقَالَ: هُمْ أَطَوَعُ النَّاسِ لِمَخْلُوقٍ وَأَعْصَاهُمْ لِخَالِقٍ.
قَالُوا: فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ؟
قَالَ: أَطْلَبُ النَّاسِ لِفِتْنَةٍ وَأَعْجَزُهُمْ عَنْهَا.
قَالُوا: فَأَهْلُ العراق؟
قال: أخصب الناس ألسنة وأجدب قُلُوبًا. قَالُوا: فَأَهْلُ مِصْرَ؟ قَالَ أَكْيَسُ النَّاسِ صِغَارًا وَأَحْمَقُهُمْ كِبَارًا. فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِشَيْخٍ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَزَادَنِي، قَال: وسأل عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ؟
فَقَالَ: أَعْظَمُ النَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَحْقُرُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ". (المعرفة والتأريخ2/411).
احذروا ميتة فاذوه
جاء في رسالة ابن القارح إلى أبي العلاء المعري "كان ببغداد رجل كبير الرأس فيلي الأذنين اسمه فاذوه، لا يتورع عن ركوب مخزية. يقال له: يا فاذوه ويلك تب إلى الله! فيقول يا قوم لم تدخلوا بيني وبين مولاي وهو الذي يقبل التوبة عن عباده؟ فكان في بعض الشوارع يوماً ذاهباً والشارع قد اتسع أسفله وضاق أعلاه والتقت جناحان فيه فناولت جارة جارتها مهراساً انسل من يدها عَلَى رأس فاذوه فهرس رأسه وخلط كخلط الهريسة وأعجله عن التوبة وكان لنا واعظ صالح يقول لنا احذروا ميتة فاذوه".(مجلة المقتبس الجزء56/16 السنة 1910).
حكمة وكيع
ذكر وكيع" حَدَّثَنَا عون بْن موسى؛ قال: سمعت إياس بْن معاوية يقول: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تكفل لي بالشام وأهلها، وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ، وأتى مصر فبسط فيها عبقريه واتقى، ثم قطع إياس الحديث فقال: جبل الشام جبل الأنبياء". (أخبار القضاة2/324)
تشرين ثان 2023
1259 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع