د. علي محمد فخرو
الحضارة المتفرجة العاجزة
في مناسبة كل رأس سنة جديدة عوّدت نفسي على أن أتوجه إلى العلي القدير بأمنية لرفع ظلم أو تحقيق أمنية أو التكرم بمنح سكينة وسلام لنفسي أو لعائلتي أو لأمتي أو للإنسانية. ولأسباب نفسية كنت أشعر بأن تلك المناسبة تستحق أن تضاف إلى مناسبات انفتاح أبواب السماء للأدعية والصلوات الإنسانية.
أما في هذا العام فإن الأقدار قد هيأت لغير ذلك.
فمنذ 7 أكتوبر الماضي وأنا أدعو يومياً في صلاتي، راجياً ومستغيثاً، أن ينصر الله العلي العظيم الرحمن الرحيم العادل، شعب فلسطين في غزة وسائر وطن فلسطين، في معارك مقاومة الغزاة الصهاينة.
كان بكاء أطفال غزة وموت الألوف منهم ومناداتهم الحزينة التائهة لجثث أمهاتهم المسجاة تحت الحطام وفي الطرقات تملأ قلبي ووجداني غضباً فأصرخ: اللهم املأ قلوب ونفوس وعقول أفراد جيوش الصهاينة خوفاً ورعباً وجبناً، وشتت شملهم يا الله، واملأ قلوب إخوتي الفلسطينيين شجاعة وصبراً وعزيمة لا تضعف. اللهم يا من تقول للشيء كن فيكون، قلها بحق أبطال فلسطين واملأهم إحساساً ربانياً بعبق الشهادة وهم يقاومون الظلم والفسوق والدّناءات الصهيونية.
يومياً أنادي ويومياً أعود فأذرف الدموع وأرسل الآهات حزناً وكمداً على ما زلت أرى وأسمع في جحيم الهولوكوست الصهيوني ضد شعب وأرض فلسطين بينما يغيب عن ناظري سيف العدالة الإلهية، فأقاوم همسات الشياطين وأصحو من جهالة النفس الأمّارة بالسوء فأردد: لعلّ الحكمة الإلهية تريد لهؤلاء المجرمين القتلة أن يمعنوا في ارتكاب الموبقات وسفك الدماء بلا رحمة ولا ضمير حتى إذا وقفوا يوماً ما أمام العدالة الإلهية الأبدية لم يستحقوا أي شفاعة من أيّ شفيع، وبدلاً من ذلك استحقوا الدخول والبقاء الأبدي في عذاب العقاب الرباني العادل.
في مناسبة رأس السنة لهذا العام سأخرج على عادتي السابقة وسأتوجه إلى العلي القدير بنفس الدّعاء الذي ردّدته طيلة الأسابيع الماضية. لن أطلب شيئاً لنفسي ولا لعائلتي ولا لأمتي ولا للإنسانية. ففي هذه اللحظة تختصر الفجيعة الفلسطينية كل آلام البشرية مجتمعة وتسدّ دموع أطفال فلسطين كل الأبواب إلا أبواب استغاثاتهم.
لكنني، وعلى غير عادتي أيضاً، سأضيف شكوى أمتى إلى الله جل جلاله بشأن التعامل الرسمي العربي مع هذه المأساة العربية القومية. لقد تعامل بعضه كما يتعامل المنافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر. وصدق على البعض قول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: كبرت خيانة أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك مصدق وأنت له به كاذب. وبهذا يخرج هؤلاء من زمرة ممّن وصفهم الله وكرّمهم وأشاد بهم لأنهم «لأماناتهم وعهدهم راعون» أو أنهم من «الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل».
في أمسية رأس السنة الجديدة سيملئ كياني السؤال الملح الذي يملأ كيان الملايين من أصحاب الضمائر: أية حضارة هذه التي بناها الإنسان، ونرى فواحشها في كل مكان، التي تسمح لنفسها أن تشاهد الآن ما يجري في غزة وتقف إما متفرّجة غير مبالية أو عاجزة أمام تدخلات الجنون الأميركي الذي يمنع كل محاولة تسعى إلى إيقاف الغطرسة الصهيونية من إيصال هذا العالم إلى حافة الدّمار الأخلاقي والإنساني والحقوقي؟
وهكذا نجحت الصهيونية اليمينية المنفلتة في أن تقلب هذا العام من مناسبة التمنيات البريئة المتواضعة الخفيفة الظل إلى مناسبة أدعية الغضب والحزن واليأس من هذه الحضارة ومن بانيها.
وإذ نقول للجميع كل عام وأنتم جميعاً بخير نعلم أنه من بين هذا الجميع من هم لن يكونوا بخير بسبب ما تفعله قوى الاستعمار الأميركي – الأوروبي الغربي وما يفعله حلفاؤها من ممارسي فظائع الهولوكوست الصهيوني تجاههم.
883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع