نزار جاف
السعودية زعيمة للعالمين العربي والاسلامي (١ ـ ٤)
مقدمة لابد منها:
العنوان قد يکون مثيرا للبعض وحتى يمکن أن يتصورونه عنوانا عاطفيا وإنفعاليا جريا على ماقد حدث خلال العقود الاخيرة من الالفية المنصرمة وبدايات الالفية الجديدة، خصوصا وإن اللعب على الاوتار العاطفية للشعوب وشحنها بالحماس المفتعل کما کان سائد في ثلاثينيات القرن الماضي في بلدان الاوربية، نهج لايبدو هناك من إن البعض من بلدان المنطقة قد تخلوا عنه وإن سعوا لتسويقه بحلة قشيبة في ظاهرها ولکنها ليست کذلك في داخلها، من أجل إنطلائها حتى على الشرائح الواعية من الشعوب.
هذا العنوان ليس کدعوة أو فرضية مطروحة للبحث والنقاش أو إن القيادة السعودية الحالية تطرح نفسها لهکذا صفة، وإنما إنها حقيقة قائمة وأمر واقع وسوف نسعى لإثباته والدلالة عليه وفي نفس الوقت تناول نماذج أخرى تطرح نفسها للزعامة وتسعى لکسب القاعدة المطلوبة في العمقين العربي والاسلامي وذلك بالبحث والتحليل من أجل إثبات مانحن في صدد طرحه ونعتبره کحقيقة وأمر واقع.
ثمة ملاحظة مهمة نجد من الضروري جدا لفت الانظار لها وأخذها بنظر الاعتبار والاهمية، وهي إننا إذ نقوم بإثارة هکذا موضوع، فإن الهدف الاساسي منه طرح الحقائق على ماهي عليها والعمل من أجل وضع النقاط على الاحرف في واحد من أهم المواضيع وأکثرها خطورة وحساسية ذلك إنه وبمختلف الحالات وفي ضوء مايحدث في العالم من جنوح نحو الزعامة والاستقطاب والتمحور، فإن زعامة العالمين العربي والاسلامي صارت واحدة من المواضيع التي تطرح نفسها بقوة ويجب تناولها بما يمکن أن يکون البداية المطلوبة لها.
الزعامة الايرانية والترکية للعالمين العربي الاسلامي
الحديث عن الزعامة للأمة الاسلامية وبطبيعة الحال العرب من ضمنها، يقود بالضرورة للزعامتين الايرانية من خلال نظام ولاية الفقيه في إيران الذي صار نظاما مثيرا للجدل ولاسيما وهو يعزف على أکثر من وتر، فهو من جهة يصور نفسه کمخلصا للشيعة العرب بشکل خاص من"مظلومية" تأريخية لحقت بهم لقرون کما إنه من جهة أخرى يصور نفسه نصيرا للأمة الاسلامية وداعية للوحدة فيها.
وحديث الزعامة مطروح أيضا من خلال النظام القائم في ترکيا والذي يحاول من خلال دغدغة المشاعر العزف على التأريخ العثماني والسعي من أجل ليس محاکاته بل وحتى إحيائه.
سوف نسعى لطرح الموضوع الذي ذکرناه آنفا في أربعة أقسام، وسيکون القسم الاول والثاني خاص بالتجربة الايرانية في مجال الزعامة، والثالثة بالترکية والرابعة والاخيرة بالسعودية.
سقوط الشاه ومجئ الخميني السر الذي لم يذهب معه الى القبر
لانريد خوض الحديث عما وقف وراء المجئ بالخميني ودعمه وإسناده حتى إعتلى أقوى منصب في التأريخ الايراني الحديث، فذلك ليس شأننا مع إننا نعتقد بأن هناك أياد غربية وراء التغيير غير العادي الذي حصل في إيران وإقامة هکذا نظام ديني ملفت للنظر في إيران.
تأسيس النظام الديني في إيران والمستند على نظرية ولاية الفقيه، قد جاء في أواخر العقد السابع من الالفية الماضية، والعقد السابع کان في الحقيقة بمثابة حالة مخاض لما إعترى العقدين السادس والخامس من الالفية ذاتها، حيث کان هناك مدا دينيا ـ سياسيا منظما يسعى من أجل الامساك بزمام الامور وإقامة نظام سياسي يستمد من الدين تعاليمه.
قيام نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية کان مقترنا مع تضعضع الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وهزيمته على يد الاسلاميين الذي قامت الاستخبارات الامريکية بتمويلهم وتنظيمهم وتوجيههم ضد السوفيات ونجحت في ذلك، ومن دون شك فإن النجاح المذهل للأمريکيين بهذا الصدد هو الذي دفعهم أکثر فأکثر للتضحية بحليفهم محمد رضا شاه في إيران الذي أرهقهم بمساعيه من أجل مضاعفة دخل بلاده من البترول لتنفيذ أحلامه ببناء إيران متقدمة، والمجئ بالخميني.
الخميني والحلم الکبير بزعامة العالمين العربي والاسلامي
منذ الايام الاولى لعودة الخميني غير العادية من باريس الى طهران ومارافق ذلك من ترکيز إعلامي ملفت للنظر ولاسيما الغربي منه والذي رکز على العامل الديني أکثر من غيره، کان واضحا بأن الخميني الذي لم يدعوه بل وحتى نصبوه"أماما"، کان لديه أحلام تتجاوز حدود إيران بکثير، خصوصا عندما خيلت له الاوساط المحيطة به بأن الانظمة السياسية في العالم العربي أشبه ماتکون بتفاحات قابلات للسقوط في سلة نظام ولاية الفقيه في حال هبوب رياح مناسبة بوجهها.
العراق کان الهدف الاول لکنه لم يکن الهدف الوحيد، ولاسيما مع تأسيس الحرس الثوري ووجود قسم فيه يسمى ب"حرکات التحرر" وکان يرأسه في البداية "مهدي هاشمي"، وبهذا الصدد ومن أجل توضيح جانبا مهما من أحلام الخميني ونظامه في فترة مهمة وحساسة بعد مجئ هذا النظام، نقتبس هنا بعضا ماقد جاء في بحث مطول لنا بخصوص النظام القائم في إيران تحت عنوان"ثورة تصادر وأخرى تولد من جديد"، فيما يتعلق بالاهداف المبيتة للخميني ونظامه منذ الايام الاولى لتأسيس النظام إذ" ومع إستتباب رکائز هذا النظام و تمکنه من السيطرة على زمام الامور بيديه، بدأت الاتجاهات الدينية المتطرفة بالظهور و ممارسة فعالياتها في العديد من الدول، ومن ضمنها العراق، لبنان، مصر، فلسطين، المغرب، أفغانستان، وقد ورد ذکر هذه الدول و دول أخرى في وثائق و المستندات السرية للنظام، ولئن سعى النظام الايراني و طوال العقود المنصرمة الى نفي تدخله في الشؤون الداخلية لدول المنطقة و العالم و أکد مرارا و تکرارا انه يتبع سياسة مبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، لکن و خلال الاعوام الماضية و تبعا لمجريات واحداث و وثائق سرية للنظام تسربت من هنا او هناك، تکشفت الکثير من الحقائق الناصعة التي تثبت و بدون جدل حقيقة التدخل السافر لهذا النظام في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة و بطرق و وسائل شتى، وان الامر يتخذ بعدا و سياقا استثنائيا عندما نجد ان اولئك الذين يتربعون على هرم السلطة في إيران، هم کانوا أعلم المسؤولين و اکثرهم دراية بما کان يتم تخطيطه و تنفيذه ضد الدول الاخرى، ان الرسالة التي بعث بها"مهدي هاشمي"، أيام کان مسؤولا لحرکات التحرر في الحرس الثوري الايراني، الى آية الله الراحل المنتظري أيام کان نائبا للإمام، تميط اللثام عن حقيقة دامغة تتجلى بأن العديد من التقارير الامنية الخاصة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة کانت تصل الى الخامنئي بذاته"المرشد الحالي للنظام"، ومنه تصل اليه، خصوصا فيما يتعلق بالتقرير الذي أشار فيه الى علاقة الحرس الثوري بتنظيم الجهاد الاسلامي في مصر و علمهم و إطلاعهم على مسألة إغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات قبل و بعد تنفيذ العملية، ويقول مهدي هاشمي الذي صفي فيما بعد في صراع التيارات المتناحرة داخل النظام الايراني، يقول في رسالته المهمة و الخطيرة تلك:( بعد الموفقية في العملية"أي عملية إغتيال السادات" التي جائت متطابقة مع ماتفضل به سماحة الامام، قمنا برفع التقرير المفصل للعملية و الذي کان قد ورد اولا الى حضرة حجة الاسلام و المسلمين سيد علي الخامنئي حيث قام حضرته بإرساله إلينا وانا قمت بتقديمه الى حضرة الامام و حضرتکم)(7)، تقرير خطير يتضمن معلومات في غاية الحساسية عن عملية إغتيال رئيس دولة أخرى و فيه تفاصيل عن اوليات إقامة علاقات النظام الايراني الخاصة بتنظيم ارهابي مصري"الجهاد الاسلامي"، يصل اول الامر الى يد الخامنئي وعن طريقه يبعث الى مسؤول رفيع المستوى في الحرس الثوري هو في الواقع مسؤول الحرکات الارهابية و العميلة للنظام في العالم، والتي تقوم بزعزعة استقرار و امن دول المنطقة، له أمر جدير بأن يوضع تحت المجهر و يتم دراسته و بحثه بعمق، ذلك أن نظاما يکون رجلا في مستوى الخامنئي على علم و دراية بتفاصيل هکذا أمور، فکيف الحال مع المسؤولين الآخرين؟ بل و کيف الحال مع النظام نفسه؟ لکن، لندع ذلك جانبا ولنعد للتقرير نفسه"أي تقرير مهدي هاشمي المرفوع لآية الله المنتظري"، حيث يقول في الفقرة الثالثة المتعلقة بالعراق:( في هذا البلد وبوسيلة المعلومات التي حصلنا عليها بخصوص موفقية مجاميع عراقية، بعد إنتصار الثورة في إيران، بالتعاون و التنسيق مع الاخ الشهيد محمد منتظري، توصلنا الى الاتفاق بتشکيل قوات من طريق آخر، وبنائا على ذلك فقد تم إنجاز مايلي:
أـ تشکيل منظمة علمائية باسم جماعة العلماء والذي کان آنذاك يتکون من الوجوه المدرجة أدناه:
حجة الاسلام و المسلمين السيد محمد باقر الحکيم، حجة الاسلام و المسلمين السيد محمود الهاشمي(رئيس السلطة القضائية في إيران)، حجة الاسلام و المسلمين سيد محمد تقي المدرسي، حجة الاسلام و المسلمين الشيخ مهدي آصفي و بضعة آخرين، وهذا الامر إنتهى بتشکيل المجلس الاعلى(المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق).
ب ـ تکوين جيش اسلامي يتشکل من القوات العائدة لحزب الدعوة و منظمة العمل و جماعة السيد الحکيم و نفر من الکورد العراقيين المسلمين.)(8)." وأيضا يضيف مهدي هاشمي في هذه الفقرة المتعلقة بالعراق: (الان، لدينا أيضا علاقة من قريب بطلاب عراقيين ملتزمين و متصدين ومع جماعات مجاهدة حيث يتم ارسال أعداد منهم الى جبهات الحرب و أعدادا أخرى الى داخل العراق)(9).
ماقد أوضحناه آنفا، کان يتعلق ببدايات تأسيس النظام في إيران، أي حتى قبل حرب الخليج ولکن عندما ننظر الى ماقد حدث بعد ذلك في لبنان والعراق واليمن وسوريا، فإن الصورة تتوضح أکثر ويتبين واضحا من إنه قد کان هناك مخطط قيد التنفيذ وقد تم تنفيذه فعلا! ولبحثنا صلة.
(7)،(8)،(9) : رسالة خطية موجهة الى آية الله المنتظري من قبل مهدي هاشمي مسؤول حرکات التحرر في الحرس الثوري.
3656 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع