ا. د. سلمان حمادي الجبوري
ثورة الثامن من شباط ١٩٦٣ معجزة البعث وغرسه الأول
في استذكار ثورة الثامن من شباط 1963 والتي اطلق عليها الرفيق الاب القائد احمد حسن البكر تسمية عروس الثورات في ذكرها الحادية والستون نستطيع القول وبثقة عالية انها معجزة البعث لانها تجققت في ظروف بالغة العتمة ويأس شديد انتاب الجماهير التي كانت تتأمل خيرا من ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بسبب سرقتها من قبل قاسم الذي فرض دكتاتوريته المقيتة والتي ضيقت على الجماهير التواقة الى التحرر ومخيبا امال القوى الثورية الوطنية والقومية فيما انتظرته من التغيير واطلق يد الشيوعيين في العبث بمقدرات الشعب والوطن. لقد اتسمت ثورة 8 شباط بالثورة الشعبية نظرا لمشاركة قوى الشعب المدنية للجيش في الإطاحة بنظام قاسم
وبهذه المناسبة العزيزة على قلوب جميع الاحرار لابد من القول ان اقدام الحزب على القيام بهذا العمل الثوري الجرئ انما يعد بطولة وقدرة عالية على تحمل مسئولية عمل من هذا النوع .
انها معجزة لان كل الظروف السائدة في العراق حينها كانت تؤشر الى استحالة القيام بعمل من هذا النوع ، تلك الظروف التي سادتها فردية الحكم واطلاق يد الشيوعيين للعبث بمقدرات الشعب والوطن وشيوع أساليب الترهيب لكل من لايتفق مع توجهات الشيوعيين الذين امعنوا في القسوة في التعامل مع الشارع العراقي هذا من جانب ومن جانب اخر فأن نتائج محاولة اغتيال قاسم قد ازمت الموقف خاصة بعد ان علم الشارع العراقي وخاصة فقراءه ممن استطاع قاسم اغرائهم ببعض المكاسب التي قدمت لهم وكذلك الأسلوب القمعي الذي درج عليه قاسم منذ انفراده بالحكم بواسطة محكمة المهداوي التي اساءت للقضاء العراقي المشهود له بالحيادية والنزاهة والعدالة والاحكام الجائرة التي اتخذتها بحق العديد من الأبرياء وخاصة أعضاء حزب البعث. يضاف الى كل ذلك محدودية حجم الحزب وقصر تجربته في العمل الثوري كل تلك العوامل كانت تشكل عائقا امام الحزب للقيام بأي عمل لتصحيح الأوضاع السياسية في البلد ولكن رغم كل تلك العوامل المؤثرة سلبا على أي عمل ثوري نرى ان روح الاقدام والشجاعة التي تمتع بها البعثيون إضافة الى القدرة على تحمل المسئولية الوطنية والقومية وثبوت زيف ادعاءات الحركات الأخرى الفاعلة في الساحة العراقية كل ذلك حمل قيادة البعث في العراق الى اخذ زمام المبادرة والقيام بذلك العمل الثوري العظيم والذي كان حقا بمثابة معجزة بكل المقاييس هذا من جانب ومن جانب اخر فأن اقدام الحزب على القيام بهذا العمل المتفرد في الساحة العربية عموما والعراقية خصوصا وسط كل تلك الظروف السائدة حينها فهو يعد اول تجربة للجزب رغم امكانياته المحدودة حينها وبهذا فأن ثورة البعث في الثامن من شباط كانت الغرس الأول للحزب الذي انتظرت الجماهير التواقة الى الحرية ان ينمو ويؤتي اكله لولا تعدد الاتجاهات داخل الحزب والتي في اغلبها كانت تغلب المصلجة الشخصية على الانضباط والالتزام الحزبي مما أدى الى تعدد الولاءات واحداث ثغرة في جسد قيادة الثورة استطاع ان ينفذ منها الأعداء فينحروا الثورة بردتهم السوداء في 18 تشرين من نفس العام.
وبالعودة الى اساس التفكير بهذا الفعل الثوري الجرئ نستطيع القول ان ذلك يرجع الى أيديولوجية الحزب الانقلابية . ان انقلابية البعث تعني الثورة أي التغيير الجذري الشامل والمستمر للانتقال بالواقع من حالة الانكسار والإحباط والتخلف الى حالة متقدمة على كل الأصعدة وفق اهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية شاملة للحريات الشخصية والسياسية ، حالة الاستقلال الاقتصادي والسياسي ، إشاعة العدالة ، تحقيق الرفاه المجتمعي واطلاق طاقات الابداع لدى افراد المجتمع انطلاقا من ميدأ كون الانسان وسيلة الثورة وغايتها.
لقد استطاعت ثورة الثامن من شباط المجيدة أن تغرس في نفوس البعثيين مباديء الحق والعدل والقوة والاقدام والتضحية، وقد كان لها الدور الهام في ردّ الثقة والكرامة، واستعادة اللحمة الوطنية للشعب العراقي، بعد أن مزَّقتها سلوكيات قاسم الهوجاء، وسياساته وقراراته الحمقاء . فأطبق على أنفاس العراقيين من الوطنيين الأحرار والقوميين الأبرار، حتى كانت ثورة شباط التي زرعت في نفس كل بعثي ذلك الاحساس بالعِزَّة والكرامة والكبرياء والفخر. ولعلنا لا نُغالي اذا ما اعتبرنا قادة ورجال ثورة الثامن من شباط المباركة، بأنَّهم كانوا(صُنَّاع ثورة)، بعد أن تقدموا الصفوف في التخطيط والتهيئة للثورة، و تنفيذها على الأرض، ومن ثم قيادتها وفق الخطط والأهداف المرسومة والمتفق عليها، بما ينسجم مع تحقيق أهداف البعث المنشودة في تحقيق الوحدة العربية، ابتداءً من تحقيق الوحدة الوطنية التي دمرها الحكم القاسمي، ثم الحرية الاجتماعية والسياسية التي تصبّ في اتجاهها العام نحو حرية الأمة العربية ووحدتها. وهكذا كانت الثورة تهدف الى تحقيق آمال الجماهير العراقية والعربية في الوحدة والحرية والاشتراكية التي تؤصِّل لرفاهية وسعادة الشعب العربي من المحيط الى الخليج العربي. وبالتالي استطاعت الثورة اعادة العراق الى أمته العربية بعد سنين من العزلة بالقضاء على النظام الشعوبي الذي عزله عزلة تامة..
ومما يجب الانتباه اليه ان هدف الحزب الأساسي وغايته من الثورة لم يكن استلام الحكم بشكل مجرد بل كان وسيلة لبلوغ الغايات في التغيير الشامل وإنقاذ الجماهير من حالة الظلم والاستبداد والقمع وكبت الحريات والانحراف بأهداف ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 والتي بنى عليها الشعب امال كبيرة. ومما يؤكد ذلك هو ان الحزب لم ينفرد بالسلطة منذ يومها الأول بل اشرك القوى القومية في إدارة الدولة وابرز مثال على ذلك هو تعيين عبدالسلام عارف رئيسا للجمهورية والذي غدر بالحزب الذي اتى به كما لاننسى هنا دور القوميين في التأمر على الثورة منذ اليوم الأول لها بأدعاء ان الحزب قد سبقهم في تفجير الثورة وهم كانوا أولا بذلك من حزب البعث حسب تبريرهم.
هذا في الجانب الوطني، أمَا في الجانب القومي، فقد اعتبرت الثورة استنادا الى أيديولوجية البعث
أنَّ الأمة العربية هي وحدة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية متكاملة، وأن ما تعيشه من حالة التجزءة، انَّما هو طاريء واستثنائي، وأن هذه الأمة لها مشتركات أساسية واحدة، وهي وحدة الدم ، والتاريخ والتراث ، واللغة الواحدة، والثقافة المشتركة، والمصير الواحد، والآمال المشتركة، اضافة الى الدين والمعتقدات والأعراف، كما أنَها تتماثل في التكوين النفسي وأنماط السلوك الاجتماعي في الأقطار العربية. يضاف الى ذلك أخذت الثورة بنظر الاعتبار، تهيئة الكيفية التي يتم التعامل بها مع قضية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وما تتعرض له الأمة العربية من عدوان أجنبي استعماري. ووضعت الأسس اللازمة في اسناد حركات المقاومة الشعبية في بقية الاجزاء العربية.
ان تقد مما قلناه في ثورة الثامن من شباط المجيدة هو غيض من فيض قد لايفيها حقها ولكن في الختام لايسعني الا ان ادعوا بالرحمة لقادة الثورة الرفيقين احمد حسن البكر وصالح مهدي عماش ولشهداء الثورة والحزب الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل إنجاح الثورة او في مقاومة الردة السوداء.
987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع