سيف الدين الألوسي
بعد احتلال العراق وبغداد سنة 2003 , كانت العاصمة في حالة من الفوضى المدروسة , في البداية لم تكن هنالك مؤسسات للدولة يلجأ لها المواطن وكل حسب حاجته ,
شكلت سلطة واحدة هي سلطة بريمر الذي كان أداة يسيرها زعماء الأحزاب السياسية الجديدة وحسب أهوائهم بالاضافة الى ! لقد رجعت بعض الوزارات الى تأدية مهامها ومثل التربية والصحة وغيرها لتسيير الأمور الحياتية , الخطأ الأكبر الذي نعرفه ويعرفه الامريكان والجميع اليوم هو قرار حل الجيش العراقي وكذلك قرار الأجتثاث والذي صدر بضغط من بعض الأحزاب المستفيدة من تفكيك العراق وجيشه و لمصلحة دول مرتبطة بها . من الأمور التي تثير التعجب هو وجود كامل الأوليات للمؤسسات العراقية وبالتفاصيل الدقيقة لدى سلطة الأحتلال ومنها تفاصيل أسماء ضباط الجيش والحرس والمخابرات والحزبيين وغيرها , وكأن أرشيف الدولة السري قد سلم بكل تفاصيله !!
لنترك الأمور السياسية وغيرها ولنرجع على الامور الحياتية اليومية , فقد بقيت الحياة تسير بصورة شبه أعتيادية طيلة الأربعة أشهر الأولى ما عدا وجود بعض الجرائم الجنائية كالخطف والسرقة وحتى سيارات الأطفاء تمت سرقتها وأستعمالها لبيع المياه ! وغسل الدور من آثار الدخان والدمار !! كانت هنالك مواقع بديلة للرئاسة والدوائر الأمنية والوزارات , معظمها مزود بمولدات كهربائية كبيرة تم سرقتها من الاحزاب الحديثة الديمقراطية الفدرالية الوطنية المعارضة !!!!!!!!!! البنزين السعودي والكويتي متوفر في الارصفة ويعرف من اللون والرائحة . لم تتأثر المواد الغذائية مطلقا بل انتعشت حركة السوق والبيع والشراء , ودخل الستلايت لأول مرة وكذلك أنتعشت حركة بيع المولدات ( تم تحوير مكائن بعض الدبابات والناقلات بعد تفصيخها الى مولدات ) , كذلك راجت تجارة الاسلحة المسروقة والمتروكة بين الحواسم وانشأت أسواق لذلك و تحت أنظار القوات المحتلة , حيث أخذت القنابل اليدوية الهجومية والدفاعية تباع بالعدد ( الوحدة بخمسمية والتلاثة بألف ) , تم بيع أجهزة ملاحية للطائرات المتروكة في بساتين الفحامة والراشدية والطارمية وغيرها من المناطق بأسعار , حيث سمعت بأن أحد الأشخاص أشترى جهاز ملاحي جي بي أس للميراج أف 1 بألف دينار وباعه بستين الف دولار !!!
المشكلة الأخرى التي عانينا منها نحن من كنا في العراق , وجود عملة جديدة بقيمة عشرة الاف دينار طبعت قبل الاحتلال بفترة وجيزة , واخذ البعض من الباعة يحسبها تسعة الاف عند الشراء , وخصوصا محلات المواد الغذائية !!!
كان المجتمع البغدادي بصورة خاصة ينظر الى الحالة بترقب وتفاؤل بمستقبل جديد للعراق , ولمروره بتجارب كثيرة صعبة وفترات طويلة من الحروب والمشاكل والحصار أثرت على نفسية معظم الناس ومعنوياتهم طيلة عقود .
بالنسبة للكثيرين ومنهم أنا كاتب هذه الكلمات , كنت أود أن يبدأ العراقيون بداية جديدة وأن يتم طوي صفحة الماضي , وأن تكون تلك البداية ناصعة يسودها روح التسامح والعفو وسيادة القانون على الجميع , وأن يتم تلافي كل الأخطاء التي حدثت في الماضي ومن سنة 1958 ولحد الأحتلال , في تموز 2003 صرحت الى أذاعة لندن تصريحا شجبت فيه بكل وضوح موضوع الهجوم على أبناء الرئيس السابق وحفيده في الموصل , حيث تكلمت نيابة عن الدكتور عدنان الباججي وبينت وجهة نظر المستقلين ممن يعملون معه( أذيع اللقاء عدة مرات وبأسم صفاء الدين الالوسي حيث ترجم الأسم خطأ ) , وقلت أذا كان أي أنسان مقصرا بحق شعبه وبلده فيجب محاكمته محاكمة عادلة وكفانا دماء للعراقيين ولنبدأ بداية جديدة ملؤها التسامح والعفو والايثار.. ادى هذا التصريح الى تقدير د. عدنان وكثير ممن كانوا معنا , واللوم من الأكثرية في الأحزاب والمجتمع و الذين تسلقوا بمهارة الأنتهازية والنفاق ومنهم من كان يحلف بالحزب القائد قبل أشهر !!! لا أريد أن أغبن حق أحدا وممن فقد عزيزا وغاليا وتشرد بسبب ممارسات النظام السابق , ولكن هل جلب الدم غير الدم ؟ وهل الأنتقام سيرجع أحدا ؟ ودائما نحن أهل العراق نكرر تجاربنا المؤسفة السابقة بكل جدارة ونجاح والنتيجة ما نراها اليوم من مآسي . ( الأحزاب الكردية تصرفت بكل حكمة حول هذا الموضوع ) .
التغيير الكبير الذي طرأ على الحالة الأمنية هو دخول التفجيرات الانتحارية وبدأت في موضوع السفارة الأردنية قرب نصب اللقاء , ومن ثم مبنى الأمم المتحدة حيث تغيرت الحالة الى حرب مخابراتية بأسماء مختلفة ولتدمير العراق ونهضته , وبسبب سوء تصرف قوات الأحتلال وبدأ التنافس على الغنيمة من قبل المتربصين دولا وأحزاب ومجموعات وأفراد , وبأسماء شتى !!
في لقاءات متعددة مع دبلوماسيين كان السؤال الرئيسي لي , ما هو موقف دولتكم مما يجري اليوم وهل سيبقى الاميركان ؟ كان السفيرالمصري الدسوقي ومعه القنصل جعفر من أكثر الدبلوماسيين حرصا على العراق وشعبه وخوفا من المستقبل عليه وقال بأن الاميركان مغادرين آجلا أو عاجلا ولكن ماذا بعد مغادرتهم ؟ , اما السوري فكان يتعامل بطريقة مخابراتية وجلب دعوة رسمية للدكتور عدنان الباججي لزيارة سوريا بعد ترؤسه مجلس الحكم وموقعة بأسم الرئيس السوري في أول كانون ثاني 2004 , أعتذر عن تلبيتها لكونه لا يود مغادرة
العراق أثناء تلك الفترة , الدبلوماسيين الروس كانوا يخططون بعقلية رجال المخابرات ويصرون على خوفهم من الحرب الأهلية والتقسيم !! , بقية السفراء ومنهم الهندي والياباني والفرنسي وغيرهم كانت تهمهم المصالح الأقتصادية وحصة من الكعكة أكثر من كل شئ !!! أما السفير الايراني فقط أتى مرة واحدة جالبا هدية عبارة عن علبة فستق مفتخرة , ولم أتكلم معه وكانت السفارة في قلق عليه من زيارتنا حيث أتصلت عدة مرات عن وصوله ومغادرته !!! ! كان للسفير الأخضر الابراهيمي وللسفير بن حلي مواقف مترددة ومجرد مقترحات وجس للنبض وكعادة الدبلوماسيين ولكن بتعاطف كبير للعراق يشكرون عليه؟! أما دول الخليج فقد كان للسفير البحراني موقف طيب جدا للعراق وتمت محاولة أغتياله وخطفه في المنصور , نجا منها بأعجوبة وهو يقول دائما بأن نصفي عراقي ( تحياتي للأستاذ حسان المحترم ) , وبذلت الامارات جهودا كبيرة للمساعدات الأنسانية للعراقيين ولم تتدخل بصورة مباشرة في القرار السياسي , وسط غياب تام للسعودية والكويت وقطر دبلوماسيا ولا ندري الأمور الأخرى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لقد أخذني واهس الكتابة بعيدا عن الموضوع الرئيسي وهي الحالة العامة , حيث بدأت عمليات الخطف والمساومة على الاموال وبصمت وأهمال عجيب من سلطات الأحتلال !! وبدأ المخطط المرسوم بخطف الأطباء والمهندسين وقتل الطيارين والضباط وبضبابية مقصودة من الجميع !! بدأت هجرة الكفاءات وغيرهم في بداية سنة 2005 وقبل الأنتخابات الاولى ( تزداد هذه الحالة مع قرب الأنتخابات وستكرر مع بعض الكوارث المصطنعة الاخرى ) , وأخذت عمليات القتل العشوائي بالأبتداء والتهجير من المناطق على أساس طائفي ( بدأت في مناطق حزام بغداد وأنتقلت الى الضواحي مثل الغزالية والعامرية والبنوك والبلديات وغيرها وضمن مخطط مخابراتي مرسوم بدقة وينفذ بايادي عراقية و من الجميع مع الأسف ) .. تركت العمل مع د. عدنان في بداية سنة 2006 لليأس من الحالة العامة, وتقرب الانتهازيين والانتهازيات , وسفره , وأتجاه البلد الى الطائفية التي لم نعرفها سابقا , حدثت الانعطافة الأخرى بعد تفجير المرقد الشريف في سامراء , حيث بدأ القتل العشوائي على الهوية ,و حيث حدثت لي حادثتين قررت بعدها ترك العراق خشية على أولادي الشباب الذين لا أريد لهم معاناة أضافية مثل ما عرفناه نحن , الحادثة الأولى حيث كنت ذاهبا الى فاتحة في جامع الملا حويش في حي الجامعة ظهر أحد أيام مايس 2006 , وعند رجوعي الى البيت في الطريق الموازي لسكة القطار , رأيت جثث مجهولة مرمية على محرمات السكة , وقربها بعض الكلاب السائبة , حيث رجعت الى البيت لا أكلم أحدا , والثانية عندما كانت هنالك مفرزة للشرطة في أشارة المنصور بجانب عمارة الجادرجي وفي يوم جمعة وقبل صلاة الظهر في الجامع الذي لم يكمل بناؤه ( كنت حائرا بجلب صمون أو خبز بعد قتل جميع أهل الأفران والمخابز وحتى أولاد الجيلاوي للالعاب لأسباب يندى لها الجبين العراقي الوطني ) , حيث وقفت عدة سيارات مونيكا للشرطة وضابط برتبة نقيب ملثم ( بكليته سوداء ) , وطلب تفتيش سيارتي البرازيلي والهوية , وهل حامل سلاح ؟ (( لم أملك سلاح شخصي طيلة حياتي وبيتي خالي الا من سكاكين المطابخ والله الشاهد )) قلت له لا , ثم فكر وقال روح أنت حاير بالمسواك !!؟؟ ومن ثم سمعت لاحقا بأنه تم خطف عدة أشخاص من قبل هذه المفرزة والعثور عليهم لاحقا في الطب العدلي ... في تلك الايام قررت ان أترك هذا البلد حفاظا على أولادي الشباب وعلى ما تبقى من حياتي التي عشت غالبيتها بسعادة منقطعة النظير , وعسى أن نكمل بعض التفاصيل الأخرى في كتابة ثانية خدمة للحقيقة .
4706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع