الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
عبد الجبار الجومرد وأبرز محطات حياته.. الجزء الأول
الدكتور عبد الجبار الجومرد (1909-1971م) شخصية وطنية عراقية مرموقة، وقامة دبلوماسية متميزة، كان نائبا في العهد الملكي ووزيرا بأول وزارة في العهد الجمهوري، وهو فوق ذلك كاتب وأديب وشاعر وله مواقف وطنية مشهودة.
والد عبد الجبار الجومرد هو الحاج محمد شيت الجومرد (1850 - 1925 م)، وهو شيخ في القراءات السبعة، وكان شاعرا وأديبا معروفا، وقد جاء جل شعره في المدائح النبوية. عمل في الزراعة وتجارة الخيول وتربيتها، وكان فارساً بارعاً شهد له من عاصره من أبناء الموصل.
يذكر الباحث معن عبد القادر آل زكريا أن نسب الحاج محمد شيت الجومرد يرجع الى الأمير (علي همام العباسي) ابن الأمير عبد الله أحد أحفاد الخليفة العباسي المستعصم بالله. وكان جدهم الأول (صالح بن جومرد) قد قدم الى الموصل وجعلها سكناً له، واختار الموقع المعروف بـمنطقة (حوش الخان) في محلة الميدان في الموصل القديمة وابتنى له ولأقاربه مجموعة من البيوت القريبة من بعضها وتتصل فيما بينها بقنطرة عُرفت بقنطرة الجومرد.
و(قنطرة الجومرد) هي من النقاط الدالة في شارع نينوى الذي يُعد أقدم شارع في الموصل، والذي قام الوالي العثماني نظيف باشا (1870-1927) بإنشائه سنة 1914، حيث يقوم هذا الشارع بشق المدينة الى نصفين من شرقها إلى غربها.
خلّف الحاج محمد شيت الجومرد ثلاثة أبناء: قارئ القرآن الحاج عبد الفتاح الجومرد (1902-1984)؛ والمُلقب (بدر القُراء) الذي كان دائم الأسفار وقضى ردحاً من حياته في الهند، والدكتور عبد الجبار الجومرد (1909-1971م)، والمربي والكاتب ومدير معارف الموصل المعروف الأستاذ محمود الجومرد (1911- 1995).
ولد عبد الجبار الجومرد عام 1909 في محلة حوش الخان في الموصل القديمة وتربى في بيت يرعاه أب مولع بالعلم، حيث كان والده محمد شيت يعقد مجلسا ليليا خاصا يؤمه أصدقاؤه من العلماء وحفظة القران الكريم والشعراء، وكان أمام ناظري الفتى مكتبة عامرة تجمع في ثناياها مختلف أنواع الكتب.
تلقى عبد الجبار علومه الأولى في الكتاتيب، ودخل المدرسة القحطانية الابتدائية عام 1921 وبرز في دروسه الأدبية وفي ممارسته الرياضة، ولا سيما الفروسية وكرة القدم. ثم دخل المدرسة الثانوية عام 1925، وبرز اهتمامه في الشِعر والتمثيل، وكتب مسرحية كوميدية باسم (الحمّال) قُدمت على مسرح المدرسة.
دخل دار المعلمين وتخرج فيها عام 1929، وعين معلماً في المدرسة العراقية، ونُقل في العام التالي الى مدرسة النجاح؛ إلا أن التعليم لم يرضِ طموحه فالتحق بكلية الحقوق عام 1931.
قدّم الجومرد نشاطات ثقافية ومسرحية، منها مسرحية (عمر المختار)؛ وهي من تأليف الجومرد نفسه، وكتب في الصحف مقالات سياسية تحت اسماء مستعارة، والتحق عام 1932 بالمعهد العربي للحقوق في دمشق وتخرج فيه عام 1935.
اشتغل عبد الجبار الجومرد بالمحاماة في الموصل، وأنشأ مع لفيف من زملائه بجهود فردية (نادي الجزيرة) عام 1936، وكان أول نادي رياضي في الموصل، وتولى الجومرد رئاسة النادي، وقد تمكن هذا النادي من إثبات جدارته على الساحة الرياضية أمام الفرق المحلية والإنكليزية.
قُبل في بعثة دراسية الى فرنسا عام 1936 وبقي هناك بسبب الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، ونال شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة باريس عام 1940 عن رسالته الموسومة (الدستور العراقي عام 1925 بين النظرية والتطبيق).
لم يتمكن الجومرد من العودة الى العراق بسبب الحرب، فقدم طلباً الى الجامعة لدراسة الأدب، نال بعدها الدكتوراه في الآداب عام 1944 عن رسالته الموسومة (الأصمعي).
اشتغل الدكتور الجومرد بالمحاماة بعد عودته للعراق، وكتب مقالات سياسية في الصحف كان لها تأثير كبير. وطُلب استاذاً في كلية الحقوق، إلا أنه فضل العمل في الجامعة العربية. فسافر الى القاهرة لاستلام عمله عام 1946 وعُين سكرتيراً للجنة السياسية فيها، ثم استقال منها عام 1948.
رُشح الدكتور الجومرد نائبا عن الموصل ممثلاً لها في مجلس النواب بين عامي 1948-1954، ولعب دوراً مهماً في الجبهة الشعبية التي ضمت الأحزاب القومية والتقدمية بين عامي 1951-1953 وكان من المعارضين لنوري سعيد في سياسته الموالية لبريطانيا.
اختير الجومرد كأول وزير خارجية في الجمهورية العراقية بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، ثم سرعان ما استقال من الوزارة عام 1959 بعد أن رأى الانحراف في مسارها، فعاد إلى مدينه الموصل ليبتعد عن المسار السياسي الملتهب وانشغل بالمطالعة والتأليف.
لقد كان الجومرد يستعد لحضور مهرجان أبي تمام في مدينة الموصل والذي كان من المقرر عقده في 11 كانون الأول-ديسمبر سنة 1971 لتحضره وفود أدبية وشعرية من مختلف الدول العربية، إلا أنه سقط صريعا مساء يوم الاثنين 29 تشرين الثاني-نوفمبر سنة 1971 جراء إصابته بمضاعفات داء السكري، وكان له من العمر 62 سنة، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح الجنان.
لقد أوفد ملك المغرب الحسن الثاني (1929–1999) السفير المغربي في بغداد لتقديم التعازي لعائلة الجومرد الذي كان زميلا وصديقا لوالده الملك محمد الخامس(1909-1961). وفي مهرجان أبي تمام، وعندما بدء الاحتفال استهله المشاركون بالوقوف دقيقة واحدة على روح الشاعر الدكتور عبد الجبار الجومرد.
تزوج الدكتور عبد الجبار الجومرد من كريمة صالح يحيى حديد النائب عن الموصل في مجلس النواب في العهد الملكي، وهو من نفس عائلة الوزير محمد حديد والد المعمارية العالمية الشهيرة زَها حديد. وقد رُزقت عائلته الكريمة بثلاثة أبناء وكريمة واحدة؛ أبنائه وافر عبد الجبار الجومرد من مواليد الموصل 1947، يعمل مساعد مدير شركة في انكلترا، أستاذ الاقتصاد الدكتور أثيل عبد الجبار الجومرد من مواليد الموصل 1947، أستاذ التاريخ الدكتور جزيل عبد الجبار الجومرد من مواليد الموصل 1952.
عرفتُ الدكتور عبد الجبار الجومرد على مدى أكثر من عشر سنين، حيث كان صديقا حميما للمرحوم والدي يونس ذنون الخياط (1909-1991)، وكان دائم الحضور أسبوعيا إلى محله الكائن مقابل ساحة صقور الحضر بجوار شارع النجفي، وكان هذا المحل أشبه بالمنتدى الثقافي وتحضره العديد من شخصيات الموصل.
لقد كانت الجولة الأسبوعية للدكتور عبد الجبار الجومرد تبدأ بمحل تاجر الكهربائيات عبد القادر الإرحيم مقابل المركز العام في باب الطوب، ثم ينتقل إلى شارع النجفي ليتابع ويتصفح الكتب في المكتبة العربية التي أسسها المرحوم عبد الرحمن كركجي، ثم ينتقل بعدها، وعلى بعد أمتار قليلة منها، إلى محل المرحوم والدي، حيث يلتقي معه هناك مع أستاذه في المدرسة الخضرية عبد الرحمن صالح (1895-1992) وآخرون.
لقد كتب عن الدكتور عبد الجبار الجومرد الدكتور عمر الطالب في موسوعته (موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين)، كما تحدث عنه عدد من الكُتاب المعروفين في داخل العراق وخارجه.
وكتب عنه صباح الراوي تعريفا موجزا قال فيه: "هو النائب في العهد الملكي والوزير بالعهد الجمهوري وفي أنظف وزارة شهدها العراق منذ14 تموز 1958 .. وفي مجلس النواب جادل المرحوم الجومرد نوري السعيد وطالبه بإنصاف الناس وتحقيق مطالبهم في الحياة الحرة الكريمة، أما في العهد الجمهوري فلم يتورع في أن يقول للزعيم عبد الكريم: (إنني لا أسمح أن يتدخل أحدهم في شؤون وزارة الخارجية وسياستها.. أنت رجل عسكري وأنا لا اتمكن من أن أصبح قائداً عسكرياً لفرقة، على سبيل المثال، لأنني لم أتخرج من المعاهد العسكرية… فكيف أسمح لعسكري أن يتدخل بالسياسة الخارجية؟. قال ذلك معترضاً على ما كان يتفوه به العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة بحق بعض الملوك العرب ورؤساء الدول..".
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
وكل عام وأنتم بخير
628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع